"أجرّبُها مرةً واحدةً فقط"، و"لا يُدمن عليها من جرّبها مرةً واحدةً"؛ جملتان كفيلتان بإنهاء الحياة الطبيعية، فتجربة المخدرات ولو لمرة واحدة، تكفي للإلقاء في فخ الإدمان، والجرّ إلى دوامتها التي لا ترحم كبيراً أو صغيراً.
تتوفر المخدرات في إيران بشكل هائل بكل أنواعها المختلفة، إذ تقع إيران جغرافياً بجوار أفغانستان التي تُعدّ من أهم معاقل زراعة المخدرات في العالم، ونظراً إلى هذا الترابط الجغرافي أصبحت إيران جسراً وحلقة وصل بين المهربين من أفغانستان إلى القارة الأوروبية، لكن لا تمر هذه التجارة في إيران مرور الكرام، إذ تكون لهذا العبور حصة كبيرة، تتوزع في أرجائها.
تاريخ المخدرات في إيران
لإيران تاريخ طويل مع المخدرات، وعلى وجه الخصوص الأفيون والحشيش؛ فمنذ عهد الصفويين (1501- 1763) راج استخدام الإيرانيين لهاتين المادتين المخدرتين، وكان تعاطيهما آنذاك أمراً شائعاً ومعتاداً في أغلب الأحيان، نظراً إلى استخدامهما كدواء ومُهدّئ قوي لتخفيف الآلام المختلفة.
تتوفر المخدرات في إيران بشكل هائل بكل أنواعها المختلفة، إذ تقع إيران جغرافياً بجوار أفغانستان التي تُعدّ من أهم معاقل زراعة المخدرات في العالم
استمر هذا الوضع حتى العهد البهلوي الأول، عهد رضا شاه، حيث انتشرت ظاهرة تدخين الأفيون بين الناس، ووصل الأمر في تلك الفترة إلى تخصيص أماكن لتعاطيه تُسمّى بدار الشفاء، كما كانت تُوزّع في الصيدليات بين الناس بحصص محددة.
على الرغم من ذلك، تغيّرت الأوضاع مع زيادة الضغوط الدولية وتدخّل منظمة الصحة العالمية آنذاك، حيث بدأت بالضغط على الحكومة الإيرانية لإغلاق هذه الأماكن، وعلى إثرها اضطرت الحكومة إلى إعلان حظر زراعة واستخدام الأفيون في البلاد، كما أنشئت إدارة لمكافحة المخدرات بمهام مبدئية كالتالي: 1. منع زراعة الأفيون. 2. إغلاق أماكن تعاطيه. 3. مكافحة تجّاره من قبل الجهات القانونية. 4. معالجة المدمنين.
مكافحة إيران للمخدرات
ظلّ الحال على هذا النحو لغاية انتصار الثورة الإسلامية، حيث ألغى البرلمان جميع القوانين واللوائح المتعلقة بزراعة الأفيون وتعاطي المخدرات، كما فرضت الحكومة الجديدة عقوبات شديدةً على مستوردي المخدرات ومصنّعيها ومتعاطيها، لكن لم يكن هذا كافياً لمكافحتها، فبقيت أزمة المخدرات من أهم القضايا والمشكلات في إيران حتى الآن.
بغض النظر عن الإجراءات الرادعة والعقوبات الصارمة، تظل المخدرات تنتشر وتتوفر بكثرة في إيران. كثيرون من جميع الفئات العمرية يتعاطونها، كما أنها تتواجد من كل صنف ونوع. ووفقاً للإحصائيات الرسمية، أكثر المخدرات شعبيةً هو الأفيون والحشيش والماريجوانا، ثم الكريستال والهيروين، لكن الكوكايين بسبب ثمنه الباهظ، فمن المعروف أنه يتعاطاه الأثرياء فقط!
لأن المخدرات تتوفر بأقل الأسعار في إيران، ومتاحة، إلى حد ما، للجميع، بعيداً عن معدل العمر والجنس، فسبّب انتشارها آثاراً سلبيةً كبيرةً على المجتمع الإيراني.
حول هذا الموضوع صرح الرئيس السابق لشرطة مكافحة المخدرات في إيران محمد مسعود زاهديان، بأن المخدرات تنتشر بسرعة بين الشباب وعلى وجه الخصوص طلاب المدارس وطالباتها، مبيّناً أن للماريجوانا حصة الأسد بين المخدرات التي تُتعاطى في البلاد، وهذه المشكلة تتطلب المزيد من القوانين الحاسمة والبرامج التوعوية المؤثرة.
وأضاف: "أحد أهم العوامل لتعاطي الكريستال والهيروين والأفيون في إيران بهذه الكثرة، مجاورتها لأفغانستان، أكبر مركز لإنتاج المخدرات، مما يؤدي إلى وجود سوق استيراد واسع، ومن المؤكد أن العثور على المخدرات الأفغانية داخل إيران أصبح أمراً سهلاً لمن يبحثون عنها".
برغم جميع هذه الإحصائيات المخيفة والمشاهد المفجعة لمتعاطي المخدرات في جنوب العاصمة طهران ومختلف المدن والقرى الإيرانية، إلا أن إيران ليست سوى معبر للصادرات الأفغانية إلى أوروبا، وحسب الأمين العام للجنة مكافحة المخدرات الإيرانية، فإن بلاده في الواقع ضحية لتجارة لا ناقة لها فيها ولا جمل، هي التي تنفق سنوياً بين 700 مليون إلى مليار دولار من أجل مكافحة هذه التجارة.
ومن هذا المنطلق دائماً ما تدعو إيرانُ الدولَ الأخرى إلى المشاركة في مكافحة تجارة المخدرات على أراضيها والتصدي لها، إذ إن الأمر هذا يحتاج إلى دعم مالي هائل وتقنيات متقدمة، وذلك لتنامي زراعة وإنتاج المخدرات التقليدية والصناعية وطرق تهريبها في أفغانستان.
تأثيرها على المجتمع
لأن المخدرات تتوفر بأقل الأسعار في إيران، ومتاحة إلى حد ما للجميع بعيداً عن معدل العمر والجنس، فقد سبّب انتشارها آثاراً سلبيةً كبيرةً على المجتمع الإيراني، حيث أن 50% من المدمنين عليها يتعاطون الأفيون، و12% منهم مدمنون على الكريستال، و9% يدخنون الماريجوانا، وما يثير الريبة في هذه الأرقام، هو أن أكثر من يتعاطون الكريستال والماريجوانا هم من الشباب والمراهقين.
وعن أعمار الإيرانيين المتعاطين للمخدرات، يوضح أحد المختصين في معالجة الإدمان الدكتور محمد صادق شيرازي، أن 8% من هؤلاء المتعاطين تتراوح أعمارهم بين 14 و15 سنةً، كما أن 11% منهم في عمر الـ16 حتى 18، و15% تتراوح أعمارهم من 18 إلى 25 عاماً، وبمعنى آخر المحصلة النهائية تفيد بأن 30 إلى 35 في المئة من مستخدمي المخدرات هم بين 14 و26 عاماً.
لحل هذه الأزمة يحثّ شيرازي، المؤسساتِ المعنية المختلفة، على التعاون لتقديم حلول مفيدة، "إذ لا يمكن القيام بأي شيء مؤثر من خلال العمل الفردي والمحدود قصير المدى، وتالياً يجب تبني إستراتيجيات فعالة ومتكاملة للسيطرة على هذه المشكلة الخطيرة".
صحيح أن الحكومة الإيرانية تكافح المخدرات بقوة، لكنها في المقابل لا تقدّم أي برامج توعوية ملحوظة، وكل ما قدّمته في هذا المجال حتى الآن باء بالفشل، ولم يحظَ بأي إقبال من هذه الفئة، فالأزمة كبيرة وتتطلب خطوات أكثر جديةً لمعالجة المدمنين وحماية المعرّضين من الإدمان.
المخدرات في أوروبا
أرقام متعاطي المخدرات كبيرة ومخيفة في أوروبا بدورها، حيث تعاطى ما يقارب 3.5 ملايين شخص من الأوروبيين الكوكايين في العام المنصرم فحسب، في حين كان 2.2 مليون منهم من الشباب والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاماً.
تدعو إيران دائماً الدول الأخرى إلى المشاركة في مكافحة تجارة المخدرات على أراضيها والتصدي لها، لكن هذا الأمر يحتاج إلى دعم مالي هائل وتقنيات متقدمة بسبب تنامي زراعة وإنتاج المخدرات
كمية استخدام الكوكايين تختلف بين الدول الأوروبية، إذ يتم تعاطيها بشكل أوسع في جنوب القارة وغربها، ويأتي الكوكايين في المرتبة الثانية بعد الحشيش الذي يُعدّ أكثر الممنوعات شيوعاً في أوروبا، في حين تُعدّ كل من بلجيكا وهولندا وإسبانيا، البوابات الرئيسية لدخول الكوكايين إلى أوروبا عبر أمريكا اللاتينية.
لطالما استطاع التجار الأفغانيون خرق سوق المخدرات في إيران منذ عقود، دون أن تنجح الحكومة الإيرانية من ردعهم، لذا تمكنوا من الوصول إلى الأسواق الأوروبية المربحة عبر إيران، وتجارتهم هذه يُقدّر حجم مبيعاتها في سوق التجزئة فقط بنحو 10.5 مليارات يورو.
للتغلب على مشكلة تهريب المخدرات، تقول إيران إنها تكافح بكل قوتها وتعمل على منع عبوره عبر أراضيها، وتلخص هذه الجهود الشاملة مدى التحديات التي تواجهها إيران والعالم أجمع في مجال مكافحة المخدرات. فمن خلال التعاون والتنسيق، وتبادل المعلومات وتبني إستراتيجيات متكاملة، يمكن تحقيق تقدّم حقيقي في خلق حلول جذرية وفعالة للحد من انتشار المخدرات وحماية الشباب والمجتمعات من آثارها الضارة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين