شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
من

من "ليلى علوي" إلى "آلي المؤتمر"... أسماء دلع للأسلحة والسيارات في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الأربعاء 23 أغسطس 202304:06 م

درجت عادة أهل اليمن أن يطلقوا الألقاب للتحبب أو للتقريب على الغرض المادي ذي القيمة، فهناك مسميات شعبية خاصة أو أسماء دلع إن صح التعبير لكل شيء، ويتم تداولها في اللهجات الدارجة بشكل عفوي وكأنها لا تحمل أية غرابة، مثل أسماء الأسلحة والسيارات وأدوات العمل والأثاث والملابس، إضافة إلى أسماء الأماكن والأشياء المحيطة.

كل الشعوب تفعل الأمر ذاته لغرض التبسيط وتسهيل الحفظ، إلا أن الأمر في اليمن تطور إلى الحد الذي صار يصعب معه أن نجد اسماً واحداً للشيء الواحد.  

تقريب المستورد إلى الثقافة المحلية 

مصدر هذه المفردات هو الخيال الشعبي كما هو الحال في كل الاستبدالات التي تقوم بها الشعوب لتقرب الأسماء المستوردة من خارج ثقافتها إلى لغتها.
يقول أحمد منير الذي يعمل في مجال الاستيراد لرصيف22 : "بعص التسميات الشعبية للأشياء المستوردة هي بديل لأسماء الماركات التجارية وأسماء الشركات المصنعة، فأحياناً يصعب على العامة نطقها. وأسماء السيارات بطبيعة الحال هي أسماء أجنبية، لذا يستبدلها الناس بتسميات محلية متداولة وسهلة". 

تدليل الأسلحة

يسمى سلاح الكلاشنكوف المعروف بقوته في اليمن باسمين "البُندق" و"الآلي".  

"الحمدي" هو أحد أبرز الأنواع المعروفة بقوتها ومتانها وارتفاع سعرها الذي قد يصل إلى 2000 دولار،، وقد أسماه اليمنيون هكذا في تعبير عن حبهم للرئيس الراحل ابراهيم الحمدي، وللفترة القصيرة التي حكم بها اليمن، فهو الذي استورده خلال فترة حكمه من 1974 إلى 1977 قبل أن يتم اغتياله.
نوع آخر رائج من الكلاشينكوف هو "آلي المؤتمر"، وسمي كذلك نسبة إلى الحزب الحاكم في اليمن خلال السنوات الماضية "المؤتمر الشعبي العام".
ومن ألقاب الأسلحة أيضاً "البازوكا" وهي واحدة من قذائف الهاون ثقيلة الوزن التي توضع على الكتف، وكذلك "الجِتْري" وهو اسم غير معروف المنشأ لأحد الرشاشات مرتفعة السعر،  أما الرشاش المسمى "اثنا عشر سبعة" فلتسميته علاقة بأرقام حسابية ترتبط بقوته ومداه.

يسمى الكلاشينكوف في اليمن بالـ"حمدي" لأن الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي هو الذي أدخله للبلاد، ومن أسمائه الأخرى "البندق"، و"آلي المؤتمر"  نسبة إلى  "المؤتمر الشعبي العام"

أما  قطعة السلاح المرتبطة بهندام الرجل اليمني وتراثه، خاصة في شمال البلاد، فيطلق عليها اليمنيون اسم "الجنبية" وهي من السلاح الأبيض الشبيه بالخنجر أو السكين، وتعد جزءاً مكملاً للزي الشعبي التقليدي. وهي باهظة الثمن إلى الحد الذي قد تبلغ قيمتها ملايين الريالات اليمنية ، وقد سميت بهذا الاسم بسبب شكلها وطريقة ارتدائها، إذ توضع بشكل جانبي أعلى الخصر وتربط بحزام مزخرف جميل يسمى "عسيب".
أما "الصميل" فهو الاسم الشعبي لـلعصا الغليظة والتي تندرج أيضاً تحت خانة السلاح الأبيض أو الأسلحة الشخصية التي يضطر اليمني لاستخدامها أحياناً. 

سيارة ليلى علوي

تقول الرواية المتناقلة بين كبار السن إن الفنانة المصرية ليلى علوي زارت اليمن في فترة التسعينيات، فأعجب اليمنيون بجمالها، لدرجة أنهم أطلقوا اسمها على أحد أنواع السيارات الفارهة آنذاك. وقد علقت علوي على الأمر في أحد البرامج التلفزيونية بالقول:  "محبة الناس لا تقدر بثمن".
في حين أن الرواية الثانية تعيد سبب التسمية إلى شخص يدعى (جباحُ العزعزي) وكان مشهوراً باستخدام الاستعارات والتشبيهات في الثقافة الشعبية، في أحد الأيام كان العزعزي جالساً مع صاحبه في أحد المقاهي في حي الشيخِ عثمان في عدن جنوب البلاد،  فقال له بانبهار: "شوف ليلى علوي" مشيراً إلى إحدى السيارات، فشاع الاسم وانتشر بين الناس. 
"ليلى علوي"، و"مونيكا" من ألقاب السيارات الفارهة في اليمن، وقد يرتبط اللقب بلون وحجم السيارة مثل  و"الحبة" و"الحبة وربع" و"دم الغزال"
أما الرواية الثالثة فهي أن وكيل سيارة تويوتا كان قد خصص للفنانة خلال زيارتها إلى اليمن سيارة رباعية الدفع لتتنقل بها، فذهب اسم علوي على اسم السيارة.
لا يقتصر الأمر على إعطاء ألقاب الجميلات مثل ليلى علوي ومونيكا على السيارات الفارهة، فهناك تسميات تُستمد من اسم وحجم ولون السيارة مثل "الجيب" و"الطربال" و"الحبة" و"الحبة وربع" و"سيارة دم الغزال"، و"الصالون أبو دبة".

لا شيء احتفظ باسمه الأصلي

لا شيء في اليمن ظلّ على اسمه الدارج في اللغة العربية أو  المعروف في المنطقة، ولأدوات العمل التقليدية نصيب كبير من الألقاب، فالفأس اسمه "عطيف" و"فاروع"، والمطرقة تسمى "زبرة" و"شاكوش"، أما في الأثاث المنزلي فتطول القائمة فالدولاب اسمه "كَبَت" والبطانية "كُمبل"، والطاولة "المِيز".
وفي تعز تسمى أدوات المطبخ مجتمعة من صحون وملاعق وغيرها "سامان" والكوب "قلص"، والإبريق "كُتلي" أما "المحواش" فهي المغرفة الخشبية الصغيرة التي يخلط بها الطعام أثناء طهيه، وتحديداً وجبة "العصيد" اليمنية الشهيرة.
وفي المنزل الريفي تتغير أسماء الغرف، فالمطبخ يسمى "سقيفة" أو "شُهده"، والصالة  "سيب"، بينما تسمى الزريبة أو الاسطبلات المخصصة للحيوانات والتابعة للمنزل بالـ"سفل" أو "العريش"، والسطح بالـ"جُبى". 

اللغة اليمنية القديمة كرافد

في اليمن مخزون كبير من الألفاظ والمفردات الشعبية فلا يوجد ما لا يختلف مسماه من منطقة إلى أخرى وتحديداً بين الأرياف، حيث ينقل الناس مصطلحاتهم معهم إلى المدن، فتتداخل اللهجات ببعضها وتمتزج.
لا شيء في اليمن ظلّ على اسمه الدارج في العربية أو المعروف في المنطقة، ويُرجع بعض الباحثين هذا الأمر إلى اللغة اليمنية القديمة التي كُتبت بخط المسند، والتي يعتبرونها لغة مستقلة عن العربية 
تقترب بعض الألفاظ الدارجة في العامية اليمنية، من اللغة العربية الفصحى، ومنها ما أصله عربي فصيح، بينما تبتعد بعض المصطلحات، ويرجع بعض الباحثين هذا الأمر إلى روافد اللغة اليمنية القديمة التي كُتبت بخط المسند للهجات الدارجة، فاصلين إياها عن العربية الفصحى على اعتبارها لغة مستقلة.
فاللغة اليمنية القديمة كما تشير بعض الأبحاث هي المصدر لكثير من الألفاظ والمفردات المحلية المنتشرة في اليمن اليوم، مثال ذلك أسماء الأفعال التالية "دَرَب" أي رمى، "ربخ" أي استراح، "رزم" أي ضغط، "أسى" أي وجد، و"نكف" أي دعوة القبائل للنصرة، و"فيد" أي نهب حق الآخرين.
وقد جمع مطهر علي الإرياني صاحب كتاب "المعجم اليمني في اللغة والتراث" في هذا المعجم المفردات اللغوية الخاصة باللغة اليمنية القديمة مما هو غير موجود في القواميس العربية، مع الشرح، والمقارنة اللغوية، وإضافة بعض الاستطرادات التراثية، وقد انطلق من أن العربية الفصحى هي امتداد للغة اليمنية القديمة وليس العكس.
في حين يشير بعض الباحثين إلى أن القرآن الذي نزل بالعربية الفصحى قد أخذ الكثير من الألفاظ اليمنية واللغة القديمة، فيرصد مثلاً إبراهيم أنيس في كتابه "اللهجات العربية" 167 لفظاً، أما الباحث السامرائي فقد أجرى بحثاً عن اللغة اليمانية في القرآن، فأورد ألفاظاً للغة اليمانية وردت في القـرآن الكريم كما عند السيوطي في "الإتقان" وعددها 12 هـي: "سـامدون"، "الأرائك"، "ولو ألقى معاذيره"، "لا وزر"، "وزوجناهم بحور"، "لو أردنا أن نتخذ لهوًا"، "أتدعون بعلًا"، "المرجان"، "الصواع"، "فنقبوا"، "سيل العرم"، "مسطوراً". 

روافد اللهجات اليمنية كثيرة، فمنها ما هو قديم ومنها ما هو جديد، في كل الحالات الأمر الأكيد أن اليمنيون لا يكتفون باسم واحد للشيء الواحد. 



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image