شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
نظرية

نظرية "موت المؤلف"… هل باتت تلقى صدى كبيراً لدى المخرجين العرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن وحرية التعبير

الجمعة 25 أغسطس 202312:12 م

منذ الستينيات ومسرحنا العربي يعاني من إشكالية تتعلق بدور المؤلف المسرحي: متى ينتهي وأين؟ هذا الإشكال جرّ خلفه العديد من التساؤلات حول قدسية النص والتزام المخرج به دون تعديل، سواءً بالحذف أو بالإضافة. والحقيقة أن خلافات كبيرةً حدثت حول ذلك الإشكال، اضطَرّت بعض الكتّاب إلى إعلان براءتهم من نصوصهم أو إلى انسحاب بعض المخرجين من عروضهم نتيجة تمسك مؤلفيها بحرفية النص، ويقال إن الوحيد الذي وقف على الحياد من هذه الإشكالية واتخذ طريقاً مختلفاً كان الكاتب الكبير نجيب محفوظ حين قرر النأي بنفسه واعلان مسؤوليته فقط عن النص الأدبي.

وهذه الإشكالية في الحقيقة قديمة ولكنها مستمرة، كانت قد بدأت مع البنيويين الذين وجدوا في النص كياناً لغوياً قائماً بذاته ولا علاقة له بالمؤلف ولا بالظروف والأوضاع التي رافقت كتابته، وتالياً ارتكزت علاقتهم بالنص على دراسة الكلمات ومحاولة فك شفراته للوصول إلى بنيته الداخلية، وكل ذلك بمعزل عن الكاتب، مخالفين بذلك أكثر المناهج النقدية التي عدّت النص الأدبي "مرآةً" تعكس حياة المؤلف وسياقه التاريخي العام.

يرى رولان بارت حول نظرية "موت المؤلف" أن القراءة الصحيحة للعمل الأدبي تعتمد بالدرجة الأولى على انطباعات القارئ في كشف المعنى وتحديد دلالاته لا على شغف الكاتب وميوله

وكان رولان بارت الناقد والمنظر الفرنسي قد تبنى ما وصل إليه البنيويون، فكتب مقالاً حول نظرية "موت المؤلف" رأى فيه أن القراءة الصحيحة للعمل الأدبي تعتمد بالدرجة الأولى على انطباعات القارئ في كشف المعنى وتحديد دلالاته لا على شغف الكاتب وميوله، بمعنى أنه ألغى دور المؤلف، وأعطى اللغة الدور الأكبر في تحديد مدلولات النص. إنها النظرية التي قطعت الصلة تماماً بين المؤلف ومنتجه الفني "النص".

وإذا عددنا أن النص المسرحي المكتوب أو ما اصطُلح على تسميته بالنسخة الزرقاء، لا تكتمل قيمته بالقراءة فقط، بل يحتاج إلى خشبة ليُعرض عليها، حينها تصبح نظرية بارت التي تفصل بين الكاتب وعمله الفني وتجعل من المخرج والمتلقي أصحاب الحق في اقتناص المعنى، هي نقطة الخلاف الأساسية والجوهرية بين معظم الكتّاب والمخرجين، لأنها بكل بساطه تنهي دور المؤلف لصالح المخرج والمتلقي.

وبرغم أن نظرية "موت المؤلف"، باتت تلقى صدى كبيراً لدى بعض المخرجين العرب، عمداً أو من دون قصد، إلا أن تفسيرها وقبولها وحتى رفضها قد يختلف من كاتب إلى آخر ومن مخرج إلى آخر. لمعرفة ذلك استطلع رصيف22، آراء بعض الكتاب والمخرجين العرب؛ بعضهم لم يوافق على فكرة موت المؤلف كالمخرج السوري مأمون الخطيب، برغم مشاهدته لعروض مسرحية بصرية واستعراضية راقصه استندت في مجملها إلى نصوص كلاسيكية كنص كنها لم تلتزم بالنص، ويرى أن الأمر نفسه يحصل مع الأفلام السينمائية التي تستند إلى نصوص مسرحية عالمية، مؤكداً على أن من يشتكون من "موت المؤلف"، هم أنفسهم الدين يخرقون هذه النظرية، برغم ادّعائهم تقديس النص.

هذه الإشكالية قديمة ولكنها مستمرة، كانت قد بدأت مع البنيويين الذين وجدوا في النص كياناً لغوياً قائماً بذاته ولا علاقة له بالمؤلف ولا بالظروف والأوضاع التي رافقت كتابته.

أما عن تجربته المسرحية، فهو لم يستطع الالتزام بحرفية النصوص التي استعان بها، لأنها طويلة ولأن نمط المتفرج وعقليته قد تغيرتا، الأمر الذي يجعله يلجأ إلى التكثيف، ويصبح الإعداد الدراماتورجي للنص مشغولاً بما يتناسب مع هدفه ورؤيته كمخرج، وإلا لما ظهرت رؤى إخراجية وبصرية مختلفة ومتعددة للنص الواحد، وأدت إلى نبش عوالم جديدة فيه كانت خافيةً على القارئ.

أما الكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي، الذي سبق أن قُدّمت نصوصه في الوطن العربي وليس فقط في العراق، فيرى أن التباين في القراءة لا يقتصر على الكاتب والمخرج فقط، بل يختلف أيضاً من مخرج إلى آخر، فهناك عشرات من المخرجين العراقيين والعرب الذين قدموا نصوصه على خشبة المسرح، وكان هناك تباين في قراءة هذه الأعمال إخراجياً، فمنهم من ذهب بعيداً بالنص عبر الحذف والإضافة فضاعت معالمه ولم يبقَ منه سوى شكل يابس لا روح فيه، ومنهم من قرأ باحتراف عالٍ هذه النصوص فقدّمها بشكل مدهش عزز روح النص المؤلف.

وبخصوص الأمانة أو الخيانة التي قد يتعرض لهما ككاتب حين تحال نصوصه إلى الخشبة فيقول: "بعض المخرجين كانوا أمناء على النص وحافظوا على روحه واستشاروني في كل كبيرة وصغيرة، ولكن البعض الآخر كانت يده تحذف ما تشاء دون دراية وخبرة مما أثر سلباً على بنية النص، وهذا الأمر يهدم ولا يبني ويؤثر على العرض".

الكاتب المسرحي المصري إبراهيم الحسيني، الذي سبق أن تعرض لإشكال مع نصه "الحشاشون"، فيرى أن النص الإبداعي ليس نصاً مقدساً ومن الممكن الإضافة إليه أو الحذف منه طالما أن الكلمة الأساسية التي يقدّمها الكاتب ما زالت فعّالةً ومتضمنةً داخله، وبحسب اعتقاده ليس هناك مخرج يلتزم بالنص كاملاً.

وعن تجربته الشخصية مع المخرجين المصريين يقول: "في حال كان العرض مقدماً ضمن عروض الهيئة العامة لقصور الثقافة في محافظات مصر وأقاليمها، فعادةً لا أهتم بالتعديلات ولا حتى أقوم بها، لأنها عروض محدودة المشاهدة، ولو أردت الاستجابة للتعديلات التي غالباً لا أوافق عليها، فهذا يعني وجود نسخ عدة للنص الواحد، لذلك الخطوة الأولى التي أقوم بها بعد أن أنتهي من كتابة أي نص واعتماد نسخته الأخيرة، هي محاولة طباعته حفاظاً على صيغته النهائية، أما بالنسبة إلى العروض الاحترافية التي تقدّم فيها نصوصي داخل القاهرة، والتي عادةً ما تكون جماهيريةً مما يعني مشاهدتها من قبل النقاد والصحافيين، فأهتمّ بها وبمدى محافظة العرض على السياق الجمالي للغة والمعنى بالكامل وعلى أبعاد الشخصيات وعلى كل تفصيل داخل العمل".

أما الكاتب السعودي عباس الحايك، الذي تم تنفيذ العديد من نصوصه داخل المملكة وخارجها، فيرى من موقعه ككاتب أن النص المسرحي ليس مقدساً ويمكن التعديل عليه، وأن النص المسرحي لا يكتمل إلا إذا جُسّد على خشبة المسرح، ويؤمن بأن لكل مخرج الحق في أن يعدّل على النص ويملأ فراغاته وفق رؤيته الإخراجية، لكن المشكلة تكمن في السؤال: إلى أي مدى يحق للمخرج أن يعدّل ويضيف؟ فما يفعله بعض المخرجين العرب بالنصوص المسرحية يصل إلى حد الانتهاك، وحتى إفساد النص وتضييع معالمه، فالنص كتبه كاتب يملك رؤيته، لكن بعضاً من المخرجين وبحجة سلطتهم ينسفون النص عن بكرة أبيه، ولا يبقون منه سوى بعض من أفكاره، فيغيرون في الحوارات التي جهد الكاتب لصياغتها، ويبدلون أسماء الشخصيات وأبعادها، ويغيّرون الأحداث التي اختارها الكاتب لتضيف بُعداً درامياً على النص. تقريباً يبدلون كل شيء فيه حتى عنوانه ونهايته، بحيث لا يبقى منه أي ملمح، وحين أشاهد عرضاً لا يشبه نصي ولا ينتمي إليه في شيء أقف معترضاً، وأقول: هذا ليس نصي، ولا علاقة لي ب. وبرغم أن هذا حدث مراراً، لا يخفي الحايك أنه تعاون مع مخرجين يحترمون النص ويعدلون عليه بعد تشارك الأفكار معه.

وتأتي تجربة المخرج المصري مازن الغرباوي لتؤكد على أن الالتزام بنص المؤلف يأتي كجزء من إيمان المخرج واعترافه بقيمة النص، "فعندما أختار نصاً لكاتب معيّن، سواء كان على قيد الحياة أو فارقها، تقتضي الأمانة الفنية أن أحافظ عليه وعلى الخطوط الدرامية الرئيسية التي كانت السبب في التلاقي الفكري بيني وبينه عند القراءة، موضحاً أن رحلة بحثه عن مشروع مسرحي تأخذ الكثير من الوقت لاختيار النص ولا يكتفي بالقراءة الأولى بل يعيد قراءة النص عشرات المرات ليتأكد من حدسه الأول تجاهه".

وعن تجربته سواء في النصوص التي استعان بها بكتاب عرب أو بكتاب عالميين، يقول: "أعتمد في التعديل على اخلاقيات المهنة، ولو كان المؤلف على قيد حياة فذلك سيوفر إمكانية النقاش للوصول إلى الحل الأمثل، وتجاربي مع كتّاب كبار أمثال وليد يوسف والدكتور سامح مهران والدكتور عصام عبد العزيز أو الدكتور مصطفى سليم، تُعدّ نموذجيةً من حيث علاقة المؤلف بالمخرج على اعتبار معرفة المؤلفين الذين تعاونت معهم خلال تجربتي التي باتت تتيح لي رؤيةً وقراءةً مختلفة للنص، بحيث لا يبقى النص أحادي القراءة بل أكتشف ما بين سطوره من قراءات متعددة".

يبقى السؤال المهم الذي لا طائل منه: لماذا يتصدى المخرجون لنصوص مسرحية بعينها، فيقومون بنسفها أو التعديل الجذري عليها، طالما أنها أعجبتهم منذ البداية وقاموا باختيارها؟

فقيمة النص الجيد تكمن في تعدد قراءاته، مؤكداً على أن العرض المسرحي مشروع قابل للتطوير حتى في مرحلة ما بعد العرض المسرحي وسماع رأي الجمهور. فبعض المشاهد نكتشف أنها بحاجة إلى التطوير سواء بالضغط أو الحذف، وهو غالياً ما يلجأ إلى التعديل على النص نظراً إلى ظروف تطور شكل العرض المسرحي وتطور الفنون الأدائية بحيث يمكن اختزال مشهد معيّن بفوتومونتاج أو رقصة أو حتى أغنية وغيرها، خاصةً في ظل وجود حيل إخراجية كثيرة تصنع حالةً من حالات التقريب في وجهات النظر الدرامية بطريقة لا تخلّ بالنص الأصلي، وطبعاً المخرج الأكاديمي قادر عليها، لأنه على دراية ومعرفه بها كجزء من دراسته في المعهد، فهو سيكون قادراً على معرفة خط الصراع الصاعد والهابط ونقطة الهجوم وما إلى ذلك من مسائل في متن وعلم الدراما.

وفي حال كان المؤلف على قيد الحياة فإنه يعود إليه ويناقضه. أما إذا كان النص لشكسبير أو سوفوكليس أو حتى لألفريد فرج، فإنه يقوم بنفسه بعملية الإعداد (الدراماتورج) أو يستعين بأحد الزملاء للقيام بها، محافظاً على الخطوط الرئيسية بحيث لا نخلّ بالنص ومحتواه الدرامي.

ويبقى السؤال المهم الذي لا طائل منه: لماذا يتصدى المخرجون لنصوص مسرحية بعينها، فيقومون بنسفها أو التعديل الجذري عليها، طالما أنها أعجبتهم منذ البداية وقاموا باختيارها؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image