هذا المقال جزء من ملفّ "على رصيف المستقبل"، بمناسبة عيد ميلاد رصيف22 العاشر.
ما علاقة هذا الأمر بمقال يتحدّث عن الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الكتابة عامة؟ سأجيب لاحقاً في نهاية المقال.
إنها فكرة عظيمة أليس كذلك؟ أن تملي على الكومبيوتر أفكاراً وأنت تضطجع على الصوفا تشاهد لاعبك المفضّل يسحق أعداءك المفضّلين، أو وأنت تشاهد فيلماً أو وثائقياً أو خبراً عاجلاً، وتطلب منه أن يكتب لك مقالاً أو قصّة أو حتى رواية عن كل هذا
مخاوف قديمة
العالم بأكمله يترقب الكلمة الفصل في سيطرة هذا الشيء على حياتنا، هل سيقوم بكل ما نحلم القيام به، هل يستطيع أن يُنشئ مقالة فعلاً بمجرد أن أطلب منه ذلك أو فيلماً؟ ما الذي يمنعه أن يفعل لاحقاً ذلك دون أن أطلب منه؟
إنها فكرة عظيمة أليس كذلك؟ أن تملي على الكومبيوتر أفكاراً وأنت تضطجع على الصوفا تشاهد لاعبك المفضّل يسحق أعداءك المفضّلين، أو وأنت تشاهد فيلماً أو وثائقياً أو خبراً عاجلاً، وتطلب منه أن يكتب لك مقالاً أو قصّة أو حتى رواية عن كل هذا، وفي النهاية تلقي بعض الرتوش الصغيرة على المادة، تضع اسمك عليها وترسلها بالبريد، أو يفعل هو كل هذا، ولا حاجة لقراءة أي شيء عن أي شيء، فهناك من يقرأ لك وهناك من يكتب عنك، وكل ما عليك فعله هو اختيار المجال الذي تود الاستثمار فيه.
بل ربما سيكون بإمكانك أن تطلب منه تغيير هزائمك الكروية لانتصارات دائمة، وسيكون لكل منا "ميسّيه" الذي لا يهزم، حتى إني فكّرت (أسجّل هنا أن هذه فكرتي الخاصّة ويمنع استخدامها لاحقاً بدون موافقتي) بأن أستخدمه لأغيّر نتيجة التسديدات الرائعة لكن الضائعة التي قام بها ميسي، وأجعلها تدخل الشباك، في فيديو أظنّ أنه سيحقق مشاهدات هائلة.
ذكاء غبي
عالم الصحافة المبني على نماذج الذكاء الاصطناعي مصنوع من مجموع رغباتنا ومجموع السياق الكلامي الخاص بنا في كل ما ندوّنه على الإنترنت من كتابات وتعليقات ورسائل، ويقال إنك إذا كنت فاعلاً على الإنترنت أو قمت بكتابة أي شيء فسوف يدخل، بطريقة ما حسب سياقه، أي حسب التنبؤ الإلكتروني لسياق الجملة، في كتابة أي شيء يقوم به الذكاء هذا.
أي أنه مصنوع تماماً من مزيج الغبي والأغبى والذكي، الجاهل والأقل ثقافة والمثقف، هو محصّلة رياضية لتفاعل الإنسان مع النصوص التي يُنشئها على النت، أي شيء وكل شيء سيساهم بطريقة ما، أي أنه يدرس أيضاً حماقاتك اللغوية، أخطاءك بالتذكير والتأنيث، نسيانك ألف التفرقة أو واو الجماعة، "إن" و"أن" و"حتى" المختلف عليها، ويقوم باستبعادها أو قبولها على مبدأ الأكثرية، فإذا كتب شخصان: "أوحب الفصاتين المزرقشة" وكتب شخص واحد: "أحب الفساتين المزركشة"، سيختار الجملة الأولى في سياقه الذي يصنعه، أي أننا، مجدّداً وأكثر من كل مرّة، تحت سيطرة الأغبياء، قليلي المعرفة، أنصاف الموهوبين، حتى في العمل الذي يتطلّب ذكاء أكثر من غيره، أو جهداً "بحصياً"، والأنكى من ذلك، أنه يسمّى "ذكاء اصطناعياً" رغم أنه مصنوع من مادة الغباء البشري العام، إذ لا نحتاج لإحصائيات لنعرف أن الأغبياء في العالم أكثر عدداً.
وهذا الأمر لا نحتاج طويلاً لنراه، في الحقيقة هو يحصل منذ سنوات، إذ صرّحت العديد من الصحف أنها تقوم باستخدامه منذ زمن، ومنها الأسوشيتد برس على سبيل المثال، وبعض الصحف نشرت "مدوّنة أخلاقية" تلتزم بالإشارة إلى أن بعض المواد تمت كتابتها باستخدام بعض تطبيقات الذكاء هذا، والبعض لا يصرّح، وأغلب المواقع الكبرى والصحافة العالمية تستخدم بعض منتجاته للبحث عن العناوين الأشد إثارة وتفاضل بين مفردات بعينها لتستخدم الأنسب، وهذا يضيّق اللغة نفسها، إذا سنكون مجبرين على استخدام كلمات بعينها واستبعاد أخرى، وهذا ما يحصل حالياً عبر ما يسمّى بالترند: تخيّل أن العالم بأكمله، أي كل من يستخدم مجموعة تطبيقات السوشال ميديا المرتبطة ببعضها يشاهد نفس مقطع الفيديو للمغنية تايلور سويفت وهي تخفي سوتيانها الممزق (مزحة)، أو نفس السقوط المضحك لراغب علامة عن ظهر حصان مثلاً (أيضاً مزحة)، بنفس التعليقات الموحّدة، بأخطائها اللغوية، ولاحقاً بردود فعلك اللغوية المتشابهة مع ردود فعل شخص لا يعرف راغب علامة ولا سويفت حتى. إنه توحيد الغباء، فالعالم أصبح "مشفى مجانين" صغيراً.
لكن في الحقيقة هذا صنع يدنا: سنين وعقود ونحن نبحث عن الأذكياء والأكفّاء، ندرّبهم ونوظفهم ونشاركهم الأفكار لنتوصل إلى النتيجة المثالية (المثالية... هذه هي) التي أصبحت تعني "البيست سيللر"، والآن، أصبح المثالي هو الأقل تعقيداً، والأكثر وصولاً إلى جموع قليلي الذكاء وكسالى العقل وسادة التفاهة الذهنية.
واحدة من أكثر الصناعات ربحية هي وتنمو باضطراد رهيب، وهذه الصناعة تذهب للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بطرق مختلفة، منها إنشاء "عشيقات" افتراضيات باستخدام الذكاء الاصطناعي، يتبادلن الأحاديث البذيئة مع المستخدمين، مقابل المال
صناعة الإباحية
واحدة من أكثر الصناعات ربحية هي وتنمو باضطراد رهيب، وهذه الصناعة تذهب للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بطرق مختلفة، منها إنشاء "عشيقات" افتراضيات باستخدام الذكاء الاصطناعي، يتبادلن الأحاديث البذيئة مع المستخدمين، مقابل المال.
موقع OnlyFans وهو موقع للجنس التفاعلي عبر الفيديو، يستخدم الفيديوهات التي تسجّلها العاملات أو المستضيفات في إنشاء شخصيات افتراضية تقوم بأداء العمل نفسه بأجر يساوي "زيرو"، وباعتبارها افتراضية، أي لا مسؤوليات أخلاقية أو جرمية، يقوم المستخدمون بممارسة شتّى أنواع العنف الجنسي، الفعلي واللفظي، على صور مبتكرة فحسب، فلا جرم لهذا، وهكذا يعتاد الشبّان على إرضاء رغباتهم بسرعة بغض النظر عن رغبة الآخر، فلا يوجد آخر حقيقي هنا.
إذن، كم من المرضى النفسيين والقتلة المتسلسلين والمغتصبين العنيفين يقوم هذا الموقع، بمفرده، بخلقهم يومياً، وبتدريبهم على الجريمة؟
هذه هي: الذكاء الاصطناعي ليس أحمقاً كفاية ليستمرّ ممتعاً
في معرض سعينا نحو المثالية في العمل فقدنا الجانب الأهم في عملية الإنتاج، سواء كان الإنتاج مادياً أم فكرياً، الجانب الإنساني، لنفكّر في الرواية المثالية أو الفيلم المثالي: المثالية تعني هنا تطابق المادة المقدمة أو المحتوى المقدم مع رغباتنا مطابقة تامة، الشخصيات الخيّرة مطابقة لوجهة نظرنا بالخير والشريرة كذلك، المشهد الطبيعي هو ما نحب أو نكره (حسب السياق)، كم مرّة نستطيع أن نستمتع بفيلم مثالي أو رواية مثالية كهذه؟ مرّة أظن أو مرّتان على الأكثر، لاحقاً سنبحث عن "مثالي" مختلف، وهذا المثالي المختلف لم يعد مثالياً، أي أنه لم يعد يطابق رغباتنا، بل ربما يعمل عكسها لتكون متعتنا أكبر، وبالتالي سيكون علينا أن نتدخّل كل مرّة لمخالفة توقعاتنا عن المنتج لنكتسب متعة جديدة، أي ببساطة سيتوجب علينا أن نرتكب حماقة لنجعل من المادة المثالية مثالية حقاً.
هذه هي: الذكاء الاصطناعي ليس أحمقاً كفاية ليستمرّ ممتعاً.
فلو حذفنا كل الحماقات من الأدب العظيم الذي يعجبنا، وهذا ما سيحصل مع "أدب مثالي مكتوب بالذكاء الاصطناعي"، أو غيّرنا كل النهايات الحمقاء التي لا توافق رغبتنا، أي حذفنا "حبّوا بعضن، تركوا بعضن" على سبيل المثال، وتركنا "عاشوا بثبات ونبات وخلّفوا صبيان وبنات"، وهذا ما يتفق مع رغبات الجموع عموماً، لحصلنا على نتائج "مرضية" للجميع لكن فاسدة للأدب العظيم.
للإجابة على السؤال
والآن لأشرح ما علاقة القبلة التي بدأت فيها المقال بالذكاء الاصطناعي. الحقيقة لا علاقة لها البتة، ولكني فكّرت بطريقة لكتابة شيء أحمق لا يستطيع الذكاء الاصطناعي كتابته لأثبت وجهة نظري.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 5 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ 4 اسابيعحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.