كانت شجرة الليف تتعرّش على أطراف أغلب البيوت في الغور، فلا تحسن في أن تزيدها جمالاً. تتبع عيناي سيقانها الطالعة، فتبدو غايتي من الملاحقة تمييز تلك الفرادة الصيفية في ظهورها وزوالها السريعين، وهي تتدلّى عن أشجار السرو لتصنع ظلاً رفيعاً في ذروة حرّ الغور، وما يفعله من عطش. ومن بين أوراق أشجار الليف كانت تظهر ثمار شجر الليف التي تكبر على شكل أوعية أنبوبية مغلقة، متكتّمة كأنها تحمي سراً قديماً في داخلها.
لم يبدُ أنّ من السهل على الشجر أن يفشيه، إلى أن تتدخّل يد قوية وتفتحه، ولطالما روادتني الرغبة تلك، فتضامّ في ذهني رغبة إحراز المتعة في هيئة كشف السرّ، وتمزيق الوعاء، بيدين مستعجلتين! ولم يكن ذلك السرّ الذي عرفته في الأسواق لاحقاً، غير ليف لفرك الجسد، وظللت أتشكك: هل هذا هو نفسه الذي كان يتدلى، منغلقاً على نفسه، في الغور، بعيداً ومنزوياً وصامتاً ومثيراً مثل سرّ عظيم؟
إلى جانب شجرة الدفلى التي تربت على الصرار الأبيض الناصع في الوادي امتلكت شجرة الجنّ وعاءً منغلقاً شبيهاً بوعاء شجرة الليف، كنت مثل الأولاد كلّهم أستمتع بفقئه، فقد كان يصدر ذلك الصوت: بووم، في هدوء الغور، فيحدث صدى مرتداً نادراً، يبهج القلب، وظللت أفعل ذلك وأشتهيه من صيف لآخر، حتى حذرنا الكبارُ من هذه الشجرة السامة، شجرة الكرنكة، وإلى هذا الحدّ انتهى سرّ شجرة الكرنكة باكراً، فلم يكن وعاء يحمل في جوفه سوى الفراغ الذي يحدث صوتاً وصداه، سرعان ما يذوبان داخل هدوء الغور، إلا أن صورة الشجرة وحيدة بجانب شجرة الدفلى، فوق الصرار الأبيض الناصع، ما زالت تتمدد في بطن الوادي فيضمها، ويستمر الرعاة بالركض خلف أغنامهم هبوطاً في بطن الوادي، وينهرونها، فتصعد مرغمة حواف الوادي، وتنطلق سيراً تبحث عن ورق أخضر لن تجده في الأنحاء، بسهولة!
سألت الممرضة، قبل أيّام، بعد العملية: ماذا تفعلون بالأرحام المستأصلة؟ أجابتني أنهم يتلفونها، ولم أعرف كيف! أحالتني كلمة "تلف" إلى كل ما هو غير صالح أو فاسد أو مؤذٍ، طعام، أوانٍ، مواد للتعاطي، إلخ، فتوقفتُ عند الكلمة، وما زلت هناك!
صعد الليف من رحمها مارّاً بأحد الشرايين، ومنعطفاً مع تعرجاته، حتى وصل قلبها، فقضى الأطباء تسع ساعات، في عملية ثلاثية، صعوداً من رحم المرأة إلى قلبها، قالت عائشة في زيارتها لي. كان الجوّ حارّاً حتى في رام الله، المدينة التي كانت في ما مضى مصيفاً، وأعدّت أختي البامية، قالت بأن في ثمرة البامية ليفاً، أحتاج وجوده في طعامي في مرحلة التعافي.
ظلّ الجو حاراً حتى بوجود المروحة التي أعجبني أن لونها البرتقالي بلون الحائط. كانت هدية جيدة، برغم صوتها الذي لا يحتمل، مع ارتفاع درجة الحرارة في هذا الشهر من العام، فكانت تنجح في تحريك السخونة داخل الهواء، كأنها تذيب الملح أو السكّر في الماء.
قبل خمس سنوات كنت في أول زيارة أقوم بها لطبيبة نسائية. لقد تأخر الأمر معي إذ ذاك، على غير ما حصل مع فتيات في العشرينات أو قبل ذلك، ومنهن أخواتي. فجأة أمسكت برحمي ذات صباح وشعرت أنه قد تغيّر، ككل الأصوات التي تغيرت نبرتها فجأة في حياتي. أشار إلى تغيّره وزني النحيل وضمور بطني ما جعل نفوره مريباً. رأيت الصرار ناصع البياض مرة أخرى في الوادي، وبعد سؤال وجواب عن من أشطر ومن أمهر في المدينة من الأطباء، وجدت نفسي ممددة في عيادة إحدى الطبيبات على ظهري وهي تحرك جهازاً صغيراً فوقه، وتحت الجهاز مادة لزجة، وما إن أنهت الطبيبة عملها حتى أعطتني منديلاً لمسحه، لكني لم أستطع أن أمسح ما قالته مباشرة، بثقة، بعد ذلك، حتى أن وضوح الأمر أمامها هكذا آذاني: "متليّف، ولازم نستأصله؟".
ما الذي أتى بكلمة ليف هنا، في داخلي؟ هل أنا الغور؟ كيف غادرت الشجرة أرضها؟ متى حصل ذلك؟ أين كان الراعي؟ متى هربت الأغنام ولم ترفع احتجاجها مشفوعاً بصوت صعود حوافرها وانزلاقها المحتمل؟ لماذا تخلت أشجار السرو عما تعلق بها وكأنّ الأمر حدث منذ عهد غائر في القدم، وهي ترسم ظلها الرفيع فوق الأرض فيتعرق الاثنان! وهذا الليف، بلون السكّر، المنتشر هنا وهناك، وأنا أسمع صوت ثمرة من ثمار شجرة الجن تنفقئ تحت قدمي فوق التراب في أعلى حافة الوادي: لماذا لم يخبرني بسرّه ما إن قد أصبح سرّي؟
رغبتي الدفينة في معرفة السرّ مخبأة هنا: بين طبقات معقدة من حلقات متداخلة كخلايا النحل، في ثمرة تنحت أمي بها ظهري، حتى تطمئن أنها محت، جيداً، عرق الغور الذي دهن نفسه فوق جسدي طيلة أسبوع، وأنه لأسبوع لاحق سينمو، مرة أخرى، شيئاً فشيئاً، وستكون أمي مستعدة له في يوم الجمعة، في حين أنني سأتراخى أمام العرق والأوساخ. سأترك جسدي الطفل دون كلفة المعاندة، ما سيغضب أمي فتنحت وتنحت بالليفة جلدي حتى يحمرّ.
كان واحداً من أيام شهر شباط/فبراير لعام 2018، نزلت من العمارة الكائنة بالقرب من دوار الساعة، ومشيت من وسط مدينة رام الله إلى شارع الإرسال قاصدة مركز الأشعة، كان المطر يتساقط وكانت الغيوم تتكون في عينيّ. تلك البدايات للدموع التي تشكلت في عيادة الطبيبة لم تسقط هناك، فلم أحتج للمنديل الذي مسحت فيه الجِل عن بطني.
تحت المطر كانت الدموع التي تسح في العادة من عيني، في أشدّ اللحظات عتمة، متشنجة وقصيرة تنشد حريتها، فلا أعرف، برغم ذلك، لماذا تريد أن تهرب مني؟ هل أنا خائفة من أمر آخر يتلو هذا التشخيص؟ هل أنا حزينة لأن الطبيبة أوصت بقطع ثمرة الليف والشجرة معاً، وماذا بشأن البيت والظل الرفيع وفعل الصيف؟ هل خفت أن أخسر احتمال أن أكون أماً؟ لكني لم أنشغل بالأمومة، كتجربة، وكتحصيل وجودي حاصل، كما فعلت نساء عرفتهن جيداً، تزوجن لغاية أن يصبحن أمهات؟ الأمومة قضية معقدة بالنسبة لي لم أجد نفسي أقدّم رأيي فيها على شكل سؤال وجواب: بدك تصيري أم؟ آه... يللا، أو: لا... خلص؟
قد أكون خائفة من الفقد نفسه، أن يموت جزء مني وأظل من بعده على قيد الحياة، وعندما أبحث عن مكانه كي أزوره لا أجد له قبراً! سألت الممرضة، قبل أيّام، بعد العملية: ماذا تفعلون بالأرحام المستأصلة؟ أجابتني أنهم يتلفونها، ولم أعرف كيف! أحالتني كلمة "تلف" إلى كل ما هو غير صالح أو فاسد أو مؤذٍ، طعام، أوانٍ، مواد للتعاطي، إلخ، فتوقفتُ عند الكلمة، وما زلت هناك!
النساء من حولي قلن: عادي، شو بدك فيه؟! لقد دخل رحمي، فجأة، مساحة الثرثرة، وتحول إلى حرف الهاء الوحيد، وعندما أُلحِقَ باسم أو بحرف جر اكتشفت كم هو صغير، وهو يبدو حرفاً يتغير شكله عندما يلتصق.
حسناً، لكنّ الرحم عضو حيّ، وقد مات. لماذا لا تكون هناك مقبرة لدفن الأرحام، وهذا ما تخيلته، وأنا أسير في ممرّ المشفى دون أن أستند على أحد، فأرى أشجاراً خضراء تحيط بالمقبرة، التي توزعت فيها على نحو منظّم وأنيق شواهدُ، رأيتها من زاوية خلفية، لذلك لم أستطع أن أقرأ أسماء صاحباتها، حتى أنني لم أقرأ اسمي على واحدة منها، فاطمأننت؛ فقد يكون كلّ هذا مجرد خيالات أو محاولات كتابة: ألم أفكر وأنا في غرفة العمليات بالهروب في اللحظة الأخيرة، وكان آخر ما سمعته من طبيب التخدير كلمات صارت الآن مبهمة، كأنه لم يقلها.
أحسست بالفقد وأنا أسير في المسافة الفاصلة بين عيادة الطبيبة ومركز الأشعة، وما من أحد أرثيه وما من أحد يعزّيني! بدا الأمر مضحكاً مبكياً، بينما يتكشّف ضعفي على ذلك النحو، ربما هذا إذاً ما أدخلني في نوبة الهلع هذه. بدوت فجأة غريبة عن نفسي، أنا التي تستعد لكل حوادث الحياة، بأن تتخيل منها كماً هائلاً من النسخ المعدّلة، أجد نفسي أمام تجربة جديدة لم أتخيل نسخة واحدة منها، فلا أعرف كيف أتصرف، ولا أجد من ينصحني أو من أسأله، فأنا محاطة بنساء سبقنني في التجربة، لأنهن مشين من طريق لم أمش فيها منذ البداية؛ لديهن بطون مملوءة بالشقوق، ودهون مركّبة نتاج ولادات متتالية لن تضيعها تمارين الرياضة.
أما أنا فجسدي كما هو، كما ولدته أمي! أخبرتني صديقتي أن في بطنها شقاً فتحه وأغلقه الطبيب خمس مرات من المكان نفسه! إنهن نساء سبقني في التجربة يناديهن من حولهن أم فلان وزوجة فلان، ثم أحياناً، بالصدفة، بأسمائهن التي تبدو وكأنها تلوّح لهن من أزمنة ماضية عندما يتلقين برفيقات الصف التاسع، وأنا لم أملك، في حياتي، سوى اسمي الذي أحب أن يناديني به الجميع، مفرداً، نظيفاً، مجلياً بليفة السّلك، لا يشوبه اسم طفل ولا أب، فماذا أناقش معهن؟
حتى أنّ النساء من حولي قلن: عادي، شو بدك فيه؟! لقد دخل رحمي، فجأة، مساحة الثرثرة، وتحول إلى حرف الهاء الوحيد، وعندما أُلحِقَ باسم أو بحرف جر اكتشفت كم هو صغير، وهو يبدو حرفاً يتغير شكله عندما يلتصق، لكن لا يصرخ ولا يبكي، فأشعر نحوه بالشفقة، كأنّ كلمة أحدهم أخذته مني، وأنا وقد تخليت عنه في فم إحداهن أو فم أحدهم! مرتبكة أمام تحويل هذه المساحة الصغيرة أسفل سرتي إلى مكان مكشوف قابل للحكي، حتى لو كنت أنا الراوية، فالسّرد بعد أن أُشعل خيط بدايته ستمسكه نساء كثيرات كتبن قصصاً طويلة ومتعبة ومهمومة عن أمومتهن!
أما أنا فالقصص التي كتبتها للأطفال، والروايات التي كتبتها لليافعين، كتبتها من قلبي وذهني، فما دخل رحمي الآن بالآمر؟ أم أن الأمر عليه أن يكون مأساوياً إلى هذا الحد؟: لا أطفال من حولي في البيت، وعندما أضع يدي فوق تجويف فارغ، أعادت الأعضاء موضعة نفسها فيه، داخل غلاف كما وصف الطبيب لي، أكون أقرأ لهم القصص خارج البيت، في فضاء ليس بيت العائلة، ليس بيت عائلتي.
جلس أمامي؛ أنا على كرسي وهو على آخر، في اليوم الثاني لاستئصال رحمي، في منتصف نهار صيفي حارّ من منتصف تمّوز/يوليو، فأشعرني قبل أن يقول كلمة واحدة، إنه في هيبة رجل يعزّي امرأة بولدها.
هل هي المسافة بين الغريب والقريب، أم كما قلت ذات مرة: القلق من زوال الاحتمال، فما زال أمامي فرصة لسنوات من الاحتمال، وأنا كائن لا يحب أن يخسر حظه في التجربة؟ قلت للطبيب الذي كرر جملة سمعتها من أكثر من طبيب آخر زرته قبل أن أصل إليه: أنتِ في الأربعين، ما حاجتك للرحم؟
أجبت طبيباً رابعاً أو سابعاً قبل شهرين في مدينة نابلس، وأنا أحاول أن أبدو عادية في تلقّي الأمر، كأني، الآن، أصبحت خبيرة فيه: ماذا لو خرجت من عندك الآن، والتقيت بهذا الرجل الذي أريد أن أصنع معه طفلاً؟ ماذا لو أقبلت اللحظة؟ فأنا أسمي تجمّع الأحداث التي واصلت نموّها خلف ظهورنا، اللحظة، بينما يسميها البعض: الصدفة. أياً كان اسمها، ماذا لو كان لها مقدراً أن تحصل الآن، وأن الزمن الذي مرّ لم يكن سوى تهيئة لحصولها، أنا لا أفسر الزمن تصاعدياً، أنا أفتش في داخل الزمن، عن عقد حدثت فيه، يشكلها تشابك يوم بيوم آخر، ويد أحدهم بيد رفيقه، وقلب بقلب، وبداية صباح بلحظة متينة من قوة الحب أو التخلّي!
كيف أشرح هذا للطبيب؟ لقد بدا متأكداً هذا الكهل من كلامه، وسنوات خبرته لن يتركها عرضة للهزيمة أمام كلمات شعرية تقولها امرأة تنحدر من قرية، مجاورة للمدينة التي اعتاد أن يفتح بطون كل نسائها، ونساء القرى المجاورة لها، فيخرج منها الأطفال، حتى أني رأيته: جدا لأطفال قريتنا كلهم، وتركت جد الجميع هذا وخرجت، فارغة أو متأملة باللحظة، هازئة من نفسي، أو تاركة صورة الطبيب، وهو يطل من نافذة عيادته، وهو يراقب تمشيّ، يهزأ بي ويهزّ رأسه!
إذاً هو هذا: اقترحوا كلهم استئصال مصنع الاطفال الذي امتلكه، أنا قلقة قلقَ مالك لمصنعه الوحيد، وضع فيه جزءاً محسوباً حساباً دقيقاً من رأس ماله؟ فكيف يتوقعون أن أتعامل بهذه الخفة التي يدعيها جميعهم: أغنام هربت أمام صوت الراعي، نساء مررن من طريق لم أمرر منه، أطباء درسوا الأمر جيداً في الكتب، مزارعون مرروا الخيوط أمام أغصان شجرة الليف، حتى تتعلق على بيوتهم الريفية، فتحدث لهم تلك الظلال الرفيعة!
تركت الرضا ينمو وقلت له: سأسقيك، فاصعد. لكن ليس من تربة رضى نساء جربن استعمال وعاء الليف، وأخرجن منه سراً وآخر، بعضها أسرار لطيفة وأخرى لم ترضِ أصحابها، وأخرى أذابت نفسها بين الناس فأصبحت كأنها سرّهم، قلت للرضى: أنت طفلي أيّها الرضى، فأنا كلٌّ في كل، وكل ما فيّ هو وجود الأم وأبنائها، حتى ما يراه الجميع أمامهم من حضوري ليس في أحد وجهيه سوى عائلة كاملة، وإلا ما الذي يفسر ذلك الحمق فيّ؟
كيف لا أرى المعنى وهو يتكون، وأتحسسه وهو يدفش بقدمه الصغيرة وعاء تكوّنه فيّ قبل أن يولد، كيف أواصل شرح هذا فلا يبدو حزيناً، بل خبراً سارّاً عن الحمل، امرأة تحمل وتلد مرة وأخرى، لكن خارج منظور الدين والأعراف والتقاليد وصور الألترا ساوند؟ كيف أعود إلى البيت وأنا أحمل صورة بالأبيض والأسود لمعنى صغير يكبر مرة بعد أخرى، وأطلق عليه في النهاية اسماً، أناديه به وحدي، ثم أدلّ عليه الآخرين لينادوه به، ثم لا يرون المنادى فيشكون بعقلي! أنا عاقلة إلى هذا الحد الذي أقبل فيه ما يحدث كأنه مكتوب في كتاب، وأنا مجرد مخلوق يقرأ، وأنّ هناك فرصاً قليلة، متاحة أمامي، لاستخدام القلم والممحاة، لعدد محدود من المرات، وأن اسمي هذا فأقول إنه ينتمي للكتابة مرة وللحياة مرة، ومجنونة إلى هذا الحد الذي يتشابه عليّ الخط الفاصل بينهما فلا أعود أميّز: هل أنا أكتب، أم أقرأ، أم أعيش!
هل خفت أن أخسر احتمال أن أكون أماً؟ لكني لم أنشغل بالأمومة، كتجربة، وكتحصيل وجودي حاصل، كما فعلت نساء عرفتهن جيداً، تزوجن لغاية أن يصبحن أمهات؟
الآن مثلاً، أقصد بعد أن اختلى بي الطبيب وقال إنّ الأمر خاص ليحدثني به وحدي، جلس أمامي؛ أنا على كرسي وهو على آخر، في اليوم الثاني لاستئصال رحمي، في منتصف نهار صيفي حارّ من منتصف تمّوز/يوليو، فأشعرني قبل أن يقول كلمة واحدة، إنه في هيبة رجل يعزّي امرأة بولدها. منذ تلك اللحظة، انطلقت مع كلماته طفلة صغيرة، بشعر كيرلي، سمراء البشرة، تتبعتها وهي تخرج من الباب، ثم تعيد قفله خلفها دون أن تحدث صوتاً، كأنها تمرنت على ذلك كثيراً قبل أن تفعله. ارتفعت الصغيرةُ قليلاً، وتعلقت بيد الباب حتى هبطت، ثم مشت في الممرّ الذي تمشيت فيه، وحدها، وكانت تترك أثراً غير مرئي على الحائط، خيطاً وهمياً رفيعاً، كأنه علامة مرورها من العالم، يوم وُلدتْ كبيرة هكذا، بتاريخ الخامس عشر من تموز/يوليو من عام 2023، ثم خفضفتُ رأسي حتى لا أراها وهي تخرج من الباب وتغادر!
- ما الذي ينفي أن هذه البنت ابنتي، أو أنني تخيلتها لألف سبب؛ أحد هذه الأسباب كي أفسر سبب وجود هذه العلامة التي اصبحتُ امتلكها مثل نساء مررن من طريق الأمومة، وحتى لا أتسبب بالحزن لأحد قلت إنها مجرد صورة جميلة عن بنت كانت ستشبهني، وكنت سأسميها ( ...). ماذا كنت سأسميها؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...