أساطير كثيرة تحيط بشجرة جميز قديمة في حي المطرية القديم شرق القاهرة.
فهي لسكان الحي معلم أثري مرتبط بالقصص الأسطورية، وللأقباط والمسيحيين على اختلاف مذاهبهم في مصر مزار ورمز ديني مهم.
اسمها شجرة مريم. وتدور حولها أسئلة كثيرة.
فما هي قصة الشجرة التي تبدو أنها نمت عرضياً، والتي يحيك وجودها أساطير ومعجزات باتت كاليقين لسكان الحي ولكثرٍ من أهل مصر؟
تحيط بالشجرة منطقة آثار كاملة، وقلما وجد فيها مرشد سياحي يشرح أصلها وتاريخها.
في نهاية المزار غرفة يُصعد إليها بدرجات، داخلها "مزود" أو سرير حجري يعتقد أن السيد المسيح نام فيه وهو طفل أسفل الشجرة.
وقد خضع المزود لترميمات بعد أن ساءت حاله بسبب كثرة لمسه من النساء عند التبرك به.
الأصل في شكلها الغريب
يقول القمص عبد المسيح بسيط، الكاهن في كنيسة مسطرد الأثرية لرصيف22، أن الشجرة سقطت عام 1656 وزُرعت مرة أخرى من فروعها في منطقة مجاورة للموقع الأصلي لها، فنمت ثم عاودت السقوط ليزرع إلى جوارها الجيل الثالث منها مع الاحتفاظ بالجذع الضخم للجيل الثاني من الشجرة والمدونة عليه نقوش تحمل أسماء بعض جنود الحملة الفرنسية على مصر 1798 - 1801.الأصل في الأساطير
منطقة المطرية جزء قديم من مدينة هليوبوليس، أو عين شمس المصرية القديمة التي مرت فيها العائلة المقدسة خلال رحلتها من فلسطين إلى مصر هرباً من بطش الملك الروماني هيرودس، وهو المسار المدون من قبل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والمعترف به كأحد مقاصد السياحة الدينية من الحكومة المصرية. ذكرت مخطوطات المؤرخ القبطي أبو المكارم سعد الله جرجس عن كنائس مصر وأديرتها أن مريم العذراء استظلت الشجرة وأكلت من ثمارها وأقامت تحتها فترة قبل الانتقال إلى مناطق عدة، وصولاً إلى صعيد مصر حيث جبل الطير ودير "درنكة" الشهير. كما نقل القس يوسف تادرس في كتابه عن الرحالة "جون ثينو" الذي زار مصر في القرن الـ16 خلال سفره إلى السلطان الغوري عام 1512، أن منطقة المطرية نزلت فيها العذراء مريم هرباً من اضطهاد هيرودس، وفي المنطقة شجرة كبيرة يقال أنها انحنت لتعطي العذراء ثمارها.ذكرت مخطوطات أن العذراء استظلت بشجرة في مصر وأكلت من ثمارها... فكيف أحاطتها الأساطير لاحقاً؟
ما هي قصة الشجرة "المقدسة" التي يحيك وجودها أساطير ومعجزات باتت كاليقين لسكان منطقة المطرية في مصر؟[caption id="attachment_109594" align="alignnone" width="700"] رجلان على أحصنة، 1897[/caption]
حينما "بكت الشجرة دماً"
يؤمن كثر من سكان منطقة المطرية، على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم، بمعجزات الشجرة. يأتون إليها ويتبركون بها للاستشفاء. يتركون أمام الشجرة قنديلاً مضاءً طوال الوقت، وبالقرب منها بئر عميقة تروي المنطقة في يوم محدد من السنة يجتمع فيه أكثر من ألفي شخص من المسيحيين والمسلمين للتبرك بها. يقول محمود حجازي الذي يسكن في المنطقة المحيطة بالشجرة، أنه يسمع منذ نعومة أظفاره، الأساطير حول الشجرة وقدرتها على فك نحس النساء اللواتي لا ينجبن. وحتى وقت قريب قبل تشييد سور حول حرم الشجرة، كان من الممكن مشاهدة نساء يأتين من أنحاء مصر كافة للتبرك بلمس الشجرة أو قطف ورقة خضراء منها للاحتفاظ بها كأحد أسباب البركة. ويتذكر حجازي ومعه القمص عبد المسيح بسيط، فترة الستينيات ومحاولة متشددين إسلاميين قطع الشجرة بسبب شدة تعلق الناس وتبركهم بها وهو ما اعتبروه بدعة، فانتشرت حينذاك رواية أن الشجرة نزفت دماً، فازداد إيمان الناس ببركتها وعلت مكانتها لدى الأقباط. ويعتبر البسيط قصة النزف حكاية شعبية يروجها الناس عن بركة الشجرة، وليست حقيقة بالضرورة. [caption id="attachment_109596" align="alignnone" width="700"] Charles Bierstadt مصور أميركي، ولد في ألمانيا (1819 - 1903)[/caption]الخبز الذي لا يختمر
يذكر بسيط لرصيف22 أساطير كثيرة تقال حول الشجرة، لا يوجد لها تأكيد أو سند تاريخي أو علمي يؤكد صحتها. يقول الناس أن العجين لا يختمر في منطقة شارع الليموني بجوار الشجرة، والسبب بحسب الأسطورة أن العذراء مريم طلبت من أهالي الشارع بعضاً من خبزهم، لكنهم رفضوا فلعنتهم، ولم يختمر لهم عجين منذ ذلك الوقت.رائحة البلسان
أولى الظواهر التي يقول البعض أنها سبب بركة شجرة مريم هي نمو نبات "البلسان" ذي الرائحة الزكية، بجوار الشجرة قديماً، والذي ينبت أصلاً في فلسطين. في كتاب الخطط المقريزية، يقول المؤرخ الإسلامي تقي الدين المقريزي أن البلسان نبت أمام الشجرة كإحدى معجزات المسيح بعد أن ألقت الأم مريم العذراء الماء الذي غسلت فيه ثياب طفلها على الأرض. وظل مشهوراً لفترة في تلك المنطقة بحسب المؤرخين، وأصبحت معروفة بزراعته، بل وأصبحت مادة البلسم الدهنية والمستخدمة في العطور وبعض الطقوس الدينية المسيحية القديمة، تستخرج منه. نمو البلسان في تلك المنطقة ليس في ذاكرة المؤرخين فقط، بل هو قصة شعبية يرويها أهالي المطرية ويتفاخرون بها تدليلاً على البركة التي تكتنف حيهم. وتؤكد مجموعة من الأهالي بجوار مزار شجرة مريم لرصيف22 أن بستان "البلسان" اندثر في تلك المنطقة التي يوجد فيها إلى الآن شارع يسمى "البلسم" نسبة إلى المادة المستخرجة من تلك النبتة. وقد ذكر القس يوسف تادرس الحومي في كتابه "تاريخ شجرة مريم وكنيستها" أن الشجرة كانت أحد المعالم التي مر عليها عدد من المؤرخين والرحالة العرب والأجانب وزارتها الملكة أوجيني ملكة فرنسا خلال رحلتها إلى مصر، ضمن جولة في أنحاء البلاد، على هامش افتتاح قناة السويس عام 1869. وكتبوا بغالبيتهم عن معجزة نبات البلسان الذي نبت في محيط الشجرة مكوناً بستاناً كبيراً. وقد كان النبات ذا قيمة عالية ويباع بأسعار غالية، وهو ما يؤكده المؤرخ الإسلامي الشهير المقريزي في الكتاب، ذاكراً قيمته لدى الحكام، إذ كان يُحفظ في خزانات الحكم والقلاع والمستشفيات للعلاج، وكان يستخدم في ماء التعميد، ويتطلب إخراجه من خزانة السلطان مرسوماً رسمياً.تأمين الشجرة
يطالب بسيط الحكومة المصرية بتشديد الحراسة على منطقة الشجرة لتأمينها ولجذب السياحة الدينية إليها. ويقول محمد حسين أحد شباب منطقة المطرية ومالك كشك بجوار شجرة مريم، أن الحركة السياحية حول الشجرة انخفضت بطبيعة الحال بسبب الاضطرابات السياسية التي مرت بها البلاد خلال السنوات الست الماضية وقبلها كان يزور الشجرة مئات السياح يومياً. وحول تطوير منطقة شجرة مريم، قال خالد أبو العلا مدير منطقة آثار عين شمس والمطرية في وزارة الآثار المصرية لرصيف22، أن هناك مشروعاً برعاية ألمانية يُدرس في الوقت الحالي لتطوير منطقة الشجرة ويولي المشروع اهتماماً بخفض نسبة المياه الجوفية أسفل الشجرة والمنطقة المحيطة بها في إطار حملة لتطوير العشوائيات تتبناها الحكومة المصرية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...