يتذكر الفنان ناجي شحاتة أن فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" وقت عرضه في السينما، في عام 1998، كان من 120 دقيقة من الضحك والسعادة، إلا انه لم يجد أي منها عندما جلس في قاعة العرض، وخرج غاضباً بعد ربع الساعة فقط من بدء الأحداث مستاءً من سخرية هنيدي ومن يشاركونه الشاشة من قصر القامة. الحقيقة أن هذه تيمة ثابتة trope بلغة النقد الفني، لا يفوت هنيدي تكرارها في كافة أعماله باعتبارها - في نظره- وسيلة مضمونة ومجانية لانتزاع الضحكات.
يقول كوليت كونروي في كتاب "المسرح والجسد" إن المسرح يعني كثيراً بالجسد، فهو "يسمح لنا أن نتساءل عما نقصده حينما نسأل عن الجسد". يتعجب كونروي عن الفرق بين الأجساد الحقيقية والأجساد التي كنا نرسمها ونحن أطفال في دفتر الرسم. ولماذا كانت أبعاد الأجسام التي ندرسها في النصوص المدرسية تفتقر للتنوع؟
كانت بداية حب ناجي شحاتة للمسرح هي علاقته بجسمه، فعندما كان في الثانوي كان يعاني لأنه مختلف عن زملائه، ما سبّب له انعزال وضيق. لكن حدث أمر يقول إنه "غير نظرته للحياة"، بعد أن اشترك في مسرحية "البخيل" لموليير في الصف الأول الثانوي في مدرسة "الليسيه"
يرفض النجومية الرخيصة
كانت بداية حب ناجي للمسرح هي علاقته بجسمه، فعندما كان في الثانوي كان يعاني لأنه مختلف قليلاً عن زملائه جسدياً، ما سبّب له انعزال وضيق. لكن حدث أمر يقول إنه "غير نظرته للحياة"، بعد أن اشترك في مسرحية "البخيل" لموليير في الصف الأول الثانوي في مدرسة "الليسيه". فوجيء بتصفيق الجميع، واكتشف أنه نسى جسمه لمدة ساعة وربع الساعة، مدة العرض المسرحي، وصار متعلقاً بتكرار التجربة: نسيان جسده على المسرح والتماهي في شخصية أخرى.
عقب تخرجه، عمل ناجي شحاتة مدرساً للغة الفرنسية، ومخرجاً للمسرحيات التي يقدمها تلاميذه في المسرح المدرسي باللغة الفرنسية، ومنها تعرف إلى العاملين في مشهد المسرح المستقل والهواة في مصر وهو مشهد واسع ومتنوع ولن يتقصه النجاح خاصة في الفترة السابقة على ثورة 25 ينايرولسنوات قليلة تلتها.
كانت أول مسرحية له بالمصرية الدارجة - لا الفرنسية -هي مسرحية "في الخدمة" للمخرجة ليلى سليمان، التي عرضت في العام 2009. ومن اللحظة الأولى أدرك أن المخرجة اختارته لشكله غير النمطي، وكانت الشخصية تتطلب إضفاء مؤثرات شكلية: رأس كبيرة، وجسم صغير، فكان يجلس على كرس عال جداً، ووضعت المخرجة شاشة مكبرة أمام رأسه، كانت تريد أن تخرج شكله بهذه الطريقة لرمزية معينة في المسرحية، حتى أنها أخبرته ألا تحضر والدتك لتشاهد العرض لأنها على حد قولها "مِشوِّهاه" أي قامت بتشويهه.
لا يرفض شحاتة توظيف شكله في دور ما، "لكن ما أرفضه رفضاً تاماً، احتراماً لنفسي، هو أن أظهر في عرض لكي أسخر أو يسخر الزملاء من شكلي، كما يفعل كثير من الممثلين بشكل سخيف، مثل من يظهرون على الشاشة أو المسرح ليسخروا من أوزانهم، أو من لون بشرتهم"
بعدها اشترك في مسرحية "لا مفر" لجان بول سارتر، وقام بدور حارس الجحيم، يقول ناجي في حديثه لرصيف22، إنه يدرك أنه وُظِّف في هذا الدور أيضاً بسبب جسمه، وكذلك في مسرحيته الثالثة التي تلته. لكن بعد انخراطه في ورش التمثيل، أخبره زملائه بضرورة أن يهرب من تنميط المخرجين له، لأنه ممثل جيد، ولا ينبغي أن يحبس نفسه في أدوار معينة يفرضها عليه المخرجون لطبيعة شكله.
يقول شحاتة إن هذا لا يعني أنه يرفض توظيف شكله في دور ما، أو أن يلعب بجسده، "لكن ما أرفضه رفضاً تاماً، احتراماً لنفسي، هو أن اظهر في عرض لكي أسخر أو يسخر الزملاء من شكلي، كما يفعل كثير من الممثلين بشكل سخيف، مثل من يظهرون على الشاشة أو المسرح ليسخروا من أوزانهم، أو من لون بشرتهم".
كسر النمط
أتى العرض المسرحي الأحدث الذي شارك فيه شحاتة تحت عنوان "أوضة نومي" ليكسر النمط تماماً. كان المطلوب هو ممثل خمسيني فقط/ من دون مواصفات شكلية محددة. تحرر ناجي أخيراً من فكرة الجسد وسلطته. أخبرته صديقته الفنانة لطيفة فهمي بعد حضورها العرض، أنه "خرج أخيراً من القولبة".
يدرك ناجي أنه لا يمكن ألا يوضع في الاعتبار شكل جسم الممثل، "لا يمكن أن نصبح أفكاراً مجردة"، لكنه يكره الاستسهال ويكره "انه يضحَّك الناس على شكله" ولا يريد أن يصبح نجماً على حساب نفسه، فهو قبل التمثيل كان مدرس لمدة 28 سنة، ويصعب عليه أن يخرج ليستهزء بنفسه.
لا يعتبر شحاتة نفسه نجماً على الرغم من التفاف الجمهور حوله في السينما قبل عرض فيلم "الزقة" الذي قام ببطولته، وعُرِض مؤخراً في مهرجان زاوية للأفلام القصيرة
تدريب طويل الأجل
يعتبر شحاتة أن عمله بالتدريس وفر له فرصة تقديم عرض مسرحي يومي، "عندما أدخل الفصل لا أكون ناجي، بل مسيو ناجي، الذي ليس له جسم، صاحب القوة الجبارة". يذكر عندما ضحك أحد الطلاب في مرة وتندر عليه، فأخبره بمنتهى الصرامة أن شكله هذا وراثة من أبيه، وأن هيئته لم تمنعه من أن يكون مدرساً. وقد علمه الأدب الفرنسي وديكارت وروسو أن لا مسلّمات، وعلمته المدرسة الفرنسية الدقة والسعي للمثالية.
ناجي المدرس، والممثل، والحكاء، لا يعرف إن كان سيقدّر له أن يعمل بالسينما التجارية، وأن يكون بطلاً تظهر صوره في الإعلانات المضيئة في الشوارع أم لا، لكنه يحاول الاستمتاع بالتفاصيل الصغيرة في تجاربه الفنية، ويثمن ما يتيحه له الفن من التعرف على أشخاص جدد ويستمتع بالدور الذي يلعبه حتى لو كان ضئيلاً. ويتذكر قول المخرج المسرحي حسن الجريتلي له بألا ينساق وراء حلم الشهرة.
"أوضة نومي"
لا يعتبر شحاتة نفسه نجماً بعد، على الرغم من التفاف الجمهور حوله في السينما قبل عرض فيلم "الزقة" الذي قام ببطولته، وعُرِض مؤخراً في مهرجان زاوية للأفلام القصيرة، وحتى وإن كان هذاالجمهور حضر خصيصاً لمشاهدته بعدما شاهدوا دوره في العرض المسرحي "أوضة نومي"، وهو عرض تفاعلي للمخرج محمود سيد، عبارة عن أربع قصص، شارك فيها ناجي في لوحة "الفستان الأبيض".
والمسرح التفاعلي هو نوع من العروض التي تجعل الجمهور متورطاً في العرض؛ يقترب من الممثلين، يقرأ ورقة أسقطها الممثل من يده، يتحرك الممثلون بين الجمهور الذي يجلس على الأرض، في غرفة النوم، ولكن الجمهور شفاف، فالممثل لا يراه، ولا ينظر له في عينه، كأن الجمهور يتلصص على العرض.
ما أعطاه عرض "أوضة نومي" لناجي هو متنفس من الحرية، حرية أن يتحرك في الزحام، لكنه لا يرى أحد، وتحتاج هذه النوعية من العروض لتدريب حتى لا يتشتت بوجود الجمهور، ويتحرك في وسط زحمة الجمهور كأنه لا يوجد أحد. يحمل المحتوى أيضاً مضموناً جريئاً، قصة لفتاة وشاب يبدو أنها مارسا الحب للتو بعد أن التقيا على تطبيق "تندر"، وقصة شاب مثلي يتحدث مع جثمان أمه الميتة، ويخبرها ماذا فعل به تعنيفها له، "هذا القدر الضئيل من الحرية ما سمح به هو الهامش الذي تتحرك فيه الأجساد بحرية".
لم يتوقع الممثلون أبداً أن ينجح عرض "أوضة نومي" لهذا الحد، فقد شعر الناس بأن الشخصيات تمثلهم أو تمثل أشخاص يعرفونهم. ولأن به قدر من الهواء الذي يريد الناس تنفسه. ومع انتهاء هذا الموسم من المسرحية، شعر الممثلون/ات بالحزن لفراقها، لكنهم يعزمون على عرضها ثانيةً في سبتمبر/ أيلول القادم.
--------------------------
صور الحوار للزميل محمود الخواص، أما صور العرض المسرحي "اوضة نومي" فمهداة من فريق عمل المسرحية
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 17 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...