"تراجعني عرائس حديثات الزواج دون الـ20 سنةً، لا يشكون من مرض، بل فقط ليطلبن تضييق المهبل بناءً على رغبة عرسانهنّ، لزيادة المتعة"؛ هكذا وصفت طبيبة التوليد والنسائية الدكتورة ريم عرنوق، حالة "الولع الذكورية" بالمهبل الضيّق، وكأنها عدوى تنتشر بين الرجال. فكلما أحسّ رجلٌ بنقص في متعته الجنسية، يأخذ زوجته إلى العيادة النسائية لإجراء عملٍ جراحي في أكثر المناطق حساسيةً في جسدها، من دون أي مبالاة بما قد تعانيه بعد تلك العملية من ألمٍ ونزف، وربما تفقد استمتاعها بالعلاقة الحميمة بسبب الآلام الناجمة عن تضييق المهبل.
مصدر قلق عالمي
وفقاً لمسح أجرته الجمعية الدولية لأمراض المسالك البولية والتناسلية، يعتقد 84% من الأطباء أن التوسع المهبلي لا يتم الإبلاغ عنه بشكل كافٍ، ويعتقد 95% منهم أنّ التراخي يؤثر على الوظيفة الجنسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن 40%من النساء يعانين من ضائقة نفسية ناتجة عن العجز الجنسي، و14% فقط منهن يطلبن استشارةً طبيةً حول الجنس خلال حياتهنّ.
يسبب الحمل والولادة وانقطاع الطمث تغيّرات في مستويات هرمون الأستروجين والبروجسترون، تنجم عنها تغيرات مزعجة في نسيج المهبل، وهنا يمكن أن تساعد عملية تضييق المهبل أو "تجديد المهبل" Vaginoplasty، في تخفيف آثار تلك المشكلات مثل ارتخاء قناة المهبل وتوسّعها وألم الجماع وقلة الإحساس خلال الإيلاج، بالإضافة إلى علاج سلس البول.
كلما أحسّ رجلٌ بنقص في متعته الجنسية، يأخذ زوجته إلى العيادة النسائية لإجراء عملٍ جراحي في أكثر المناطق حساسيةً في جسدها، من دون أي مبالاة بما قد تعانيه بعد تلك العملية من ألمٍ ونزف، وربما تفقد استمتاعها بالعلاقة الحميمة
تُصنّف منظمة الصحة العالمية عمليات تضييق المهبل (دون حاجة طبية وموافقة المرأة)، ضمن عمليات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وتشير المنظمة في تقريرها الصادر مطلع العام الجاري إلى تعرّض أكثر من 200 مليون فتاة وامرأة (ممن لا زلن على قيد الحياة)، لإجراءات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية.
وتشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 3 ملايين فتاة معرضات لخطر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية سنوياً، وتالياً فإنّ مثل هذه العمليات هي مصدر قلق عالمي.
"طبيبة الحياة لا الموت"
حكت طبيبة النسائية في دمشق ريم عرنوق، عن رجلٍ في منتصف الأربعين من العمر، راجعها مع زوجته التي تبلغ من العمر 35 عاماً في العام 2010، وكانت الشكاية وجودَ حملٍ مبكرٍ غير مرغوب فيه في الأسبوع الثالث وتوسّعٍ في المهبل، و"المطلوب هو إسقاط الحمل وتضييق المهبل"، والكلام كله على لسان الزوج، فيما الزوجة صامتةٌ تسند خدها إلى كفها كما لو أن ضرسها يؤلمها.
وعلى سرير الفحص النسائي، أسرّت الزوجة للطبيبة بأنها تريد الجنين بشدة، ولكن الزوج هددها بأنها إن لم تُجرِ عمليّتَي الإجهاض والتضييق، فسيتزوج امرأةً أخرى، ورفضت الطبيبة إجراء العملية، قائلةً: "لا ديني ولا أخلاقي ولا قيمي ومبادئي تسمح لي بقتل الأجنّة، فأنا طبيبة الحياة لا طبيبة الموت".
"فكرت حالي إذا صرت أضيق من تحت، رح أسعده وخلّيه يتعلق فيي من جديد، وفي اليوم التالي لعمليتي المؤلمة راح تزوّج، أنا كنتُ في فراش المرض والوجع، وهو كان في فراش الزوجة الجديدة والمتعة الجديدة"
وبخصوص عملية تضييق المهبل، صارحت مريضتها بالقول: "بالفحص النسائي أنتِ طبيعية تماماً، وليس لديك هبوط رحم ولا توسع ولا داعي إطلاقاً لعملية تصنيع مهبل أمامي خلفي".
غادر الزوجان العيادة خائبَين، وبعد نحو سنة عادت الزوجة وحدها، وبدت عليها علامات الإنهاك الشديد، وأخبرت الطبيبة بأنه بعد خروجها مع زوجها في ذلك اليوم، أخذها إلى عيادة طبيبٍ اتفق معه مسبقاً: "بنفس العملية نزّل الحمل وضيّق المهبل"، وحين سألتها الطبيبة عما إذا كانت علاقتها مع زوجها قد تحسنت، أجابت: "ما استفدت شي يا دكتورة، الله وكيلك ما استفدت شي، ما طلعلي إلا الأوجاع والمشاكل وروحات الدكاترة".
وأضافت: "فكرت حالي إذا صرت أضيق من تحت، رح أسعده وخلّيه يتعلق فيي من جديد، وفي اليوم التالي لعمليتي المؤلمة المزعجة حمل حاله وراح تزوّج، في اليوم التالي مباشرةً، أنا كنتُ في فراش المرض والوجع، وهو كان في فراش الزوجة الجديدة والمتعة الجديدة".
عيون الشك
تقدّر منظمة الصحة العالمية (WHO) أن معالجة المضاعفات الصحية الناجمة عن عمليات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (مثل تضييق المهبل دون استطباب)، تكلّف الأنظمة الصحية 1.4 مليارات دولار أمريكي سنوياً، وهو رقم يُتوقع أن يرتفع ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لمحاربة هذه الممارسات.
وإلى ذلك، تحدثت وفاء (45 عاماً)، وهي امرأة مطلقة من اللاذقية، إلى رصيف22، عن تجربتها مع عملية تضييق المهبل: "عملت العملية قبل 3 سنين وبتذكر وقتها كيف كانت نظرة أهلي وقت خبرتن بالغلط إنو رح أعملها". هنا بدأت النظرات والتساؤلات عن سبب العملية، فما هو متعارف أنها تُجرى لزيادة متعة الشريك الجنسي، أما وفاء فهي مُطلّقة، ولا يحق لها امتلاك حياة جنسية في نظر مجتمعها: "'إذاً لماذا تريدين إجراء مثل هكذا عملية؟'، هكذا قالوا لي وبدأت عيون الشك تلاحقني".
"للأسف بمجتمعنا كلو بيفكر هالعملية هدفها فقط الجنس والاستمتاع فيه بدون ما حدا يكلف حالو يسأل عن الأسباب التانية الي بتُجبر المرأة على إجراء العملية"
أضافت وفاء: "طبعاً ما حدا صدّق إنو رح أعمل هالعملية لحل مشكلة سلس البول (أي التبول اللا إرادي بسبب خلل في عمل المعصرة البولية) التي أعاني منها"، فقد أخبرها الطبيب بأنه لا يمكنها تجاوز هذه المشكلة وما تسببه من إحراج دون إجراء العملية.
وبالفعل أجرت وفاء العملية متجاهلةً كل نظرات الشك، وختمت بالقول: "للأسف بمجتمعنا كلو بيفكر هالعملية هدفها فقط الجنس والاستمتاع فيه بدون ما حدا يكلف حالو يسأل عن الأسباب التانية الي بتُجبر المرأة على إجراء العملية".
وفي هذا السياق، أوضحت الدكتورة ريم عرنوق، أنّ العمل الجراحي الوحيد الذي تقوم به هو "تصنيع المهبل الأمامي الخلفي مع رفع المثانة، وذلك في استطبابين مهمين لا ثالث لهما:
1- هبوط الرحم درجة 2 مع قيلات مثانية ومستقيمية درجة 2 أيضاً (أي هبوط المثانة والمستقيم مع الرحم وجدران المهبل).
2- سلس البول الناجم عن الهبوط.
الحياة الجنسية بعد تضييق المهبل
من جهة أخرى، تزوجت سلام (42 عاماً)، مرةً ثانيةً قبل ثلاث سنوات، كون زوجها الأول قد تُوفّي قبل خمس سنوات، وتتحدث إلى رصيف22 عن سبب إجرائها عملية تضييق المهبل قائلةً: "للأسف لا أنا ولا زوجي الثاني كنا نحس بأي استمتاع جنسي بسبب توسع المهبل الذي كنتُ أعاني منه، إلى درجة أننا بقينا أشهراً عدة من دون ممارسة الجنس، أو كنا نمارسه بطرقٍ أخرى من دون عملية الإدخال الطبيعية".
بحثت سلام عن حلّ لمشكلتها، ولجأت إلى طبيبتها التي أخبرتها بأنّ الحل الأمثل يكمن في عملية تضييق المهبل.
خضعت سلام للعملية بملء إرادتها، وعن حياتها الجنسية بعد العملية، قالت: "تغيّرت حياتنا بشكل جذريّ نحو الأفضل، وأصبحنا قادرَين على الاستمتاع بالعلاقة بشكلٍ أفضل، والأهم من ذلك أن زوجي بطّل يعيّرني بإني متل 'المنور'" (المنور في اللغة الشعبية يعني ممر طويل يدخل الضوء إلى المنزل).
"للأسف لا أنا ولا زوجي الثاني كنا نحس بأي استمتاع جنسي بسبب توسع المهبل الذي كنتُ أعاني منه، إلى درجة أننا بقينا أشهراً عدة من دون ممارسة الجنس، أو كنا نمارسه بطرقٍ أخرى من دون عملية الإدخال الطبيعية"
وفي سياق متصل، أجرى باحثون دراسةً نُشرت نتائجها مؤخراً على موقع "Pubmed" لمعرفة مدى تأثير عملية تضييق المهبل على العلاقة الجنسية، وشملت الدراسة 250 امرأةً بين 2018 و2020، خضعن لعملية تضييق المهبل بغرض تحسين الرغبة الجنسية، اثنتان (0.8%) من المشاركات ليس لديهما أطفال، و59.3% من المشاركات لديهنّ طفلان، و77.8% خضعن للولادة الطبيعية المهبلية، و61.2% أجرين العملية القيصرية سابقاً.
ومع متابعة المريضات بعد العملية، ازداد التواصل بين الشريكين بنسبة 28.84%، والشهوة بنسبة 43.00%، وازداد الوصول إلى النشوة الجنسية بنسبة 34.85% بعد العملية مقارنةً بما قبل العملية، بينما انخفض التجنّب بنسبة 44.07% والتشنج المهبلي بنسبة 22.87%.
تضييق المهبل في المنزل؟
قال الدكتور دين إلترمان، جرّاح المسالك البولية والأستاذ في جامعة تورنتو: "هناك العديد من المنتجات في السوق التي يدّعي مروّجوها أنها تشدّ أنسجة المهبل وتضيّقه في المنزل، دون الحاجة إلى مراجعة المراكز الطبية مثل كريمات تضييق المهبل والعلاجات العشبية مثل الحمضيات والنعناع، وأجهزة ليزر منزلية كما هنالك عصي لشدّ المهبل".
"لا يوجد رجل في العالم، كائناً من كان، يستحق أن أشوّه جسدي لأجله، قد أمنحه قلبي وروحي، وقد أمنحه أطفالي ثمرة أحشائي، وقد أمنحه كليتي أو جزءاً من جسدي إن احتاج إليه، لكني لن أشوّه نفسي لإرضائه"
وأعرب الدكتور إدلمان عن قلقه إزاء تلك المواد، نظراً إلى عدم وجود أبحاث كافية حولها، وبسبب الأضرار المحتملة التي قد لا تظهر بشكل مباشر، بحيث أنّ إدخال الكريمات أو المواد العشبية داخل المهبل يؤدي إلى تغيّر في حموضة الغشاء المخاطي له، ما يؤدي إلى تكاثر الجراثيم والفطريات.
وفي هذا الشأن، قال الدكتور فيليس غيرش، طبيب أمراض النساء في الولايات المتحدة: "تعمل أجهزة الليزر أو الأجهزة الكهرومغناطيسية في المنزل على تسخين أنسجة المهبل، ما قد يسبب حروقاً داخله".
وأضاف غيريش: "حتى الآن، لم توافق إدارة الأغذية والدواء الأميركية FDA على أي جهاز أو علاج منزلي لشد المهبل وتضييقه".
ختاماً، توجهت الدكتورة ريم عرنوق إلى كل النساء اللواتي يلجأن إلى عمليات تضييق المهبل خوفاً من خيانة أزواجهن أو زواجهم بأخرى، بالقول: "لا يوجد رجل في العالم، كائناً من كان، يستحق أن أشوّه جسدي لأجله، قد أمنحه قلبي وروحي، وقد أمنحه أطفالي ثمرة أحشائي، وقد أمنحه كليتي أو جزءاً من جسدي إن احتاج إليه، لكني لن أشوّه نفسي لإرضائه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 8 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت