ما رأيكم في من يفرض ارتداء الحجاب على طفلته الصغيرة وهي في عمر عامين أو ثلاثة أعوام؟ كان ذلك سؤال طرحته صفحة "أنا صومالي"، التي تُعدّ واحدةً من أشهر الصفحات الصومالية باللغة العربية على فيسبوك، على جمهورها من الصوماليين. جاءت نتيجة التصويت كالتالي؛ 68% مع فرض الحجاب على الأطفال، و32% ضد فرض الحجاب على الأطفال.
هناك قبول شعبي واسع لموضوع حجاب الفتيات الصغيرات، ونادراً ما توجد صور لفتيات صغيرات غير محجبات على مواقع التواصل الاجتماعي، بين صور من يعيشون داخل الصومال. أما في المدارس فلا توجد فتاة غير محجبة، وترتدي جميع الفتيات زياً واحداً، هو عبارة عن جلباب وخمار طويل، على غرار حجاب النساء في البلد أيضاً.
تنميط منذ الصغر
بالعودة إلى منشور صفحة "أنا صومالي"، يظهر التناقض في رأي مؤيدي إلباس الصغيرات الحجاب. بدايةً لم يعلّق أحد بوجوب ارتداء الصغيرات الحجاب كفرض ديني، لعلمهم/ نّ بأنّ الشريعة لا تفرض الحجاب على المرأة دون سنّ البلوغ، ولهذا اتفق الجميع على تبرير موقفهم بالتعويد، أو كما يقول المثل: "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر".
كتب أحد المعلّقين: "مع طبعاً عشان بكره لما تكبر ما تعري نفسها، وتكون مستورة". وعلّق آخر: "أظن لا يوجد والد يفرض الحجاب على طفلته الصغيرة ذات السنتين أو الثلاث سنوات، وإذا ألبسها يكون من باب تعليمها لتكون الحشمة والطهر جزءاً من تربيتها، حتى تكبر وتبلغ ولبس الحجاب ليس صعباً عليها".
من جانب آخر، وُجدت تعليقات أقلّ ترفض هذا السلوك. كتبت إحدى المتابعات: "قلتها بنفسك طفلة يا ناااااس، شيء محزن تمنعوهن من عيش الطفولة، اتركوا البنات يعشن طفولتهن، لا تخنقوهن وهن بعمر الورود، الحجاب للمرأة البالغة". وأضافت: "مصدومة من الرقم الّي صوّت، الشعب متشدد لأبعد حد، عافاهم الله".
سواء أدرك الأبوان أم لا، ما وراء فكرة فرض الحجاب على الأطفال، تبقى الفكرة مرتبطةً بالنظرة الجنسية إلى الفتيات، من منظور اشتهاء الرجال، وكأن واقع الحال هو تجنّب إثارة الرجل بأي شكل، بدلاً من تربية الذكور على التعايش والتصرف بشكل طبيعي مع الإناث.
وعلّقت أخرى: "لما نكون في البلد نشوف بنات صغار في عمر السنتين يلبسن الحجاب. الطفلة مش راضية، يزعجها. تريد تلعب بس إحنا نلفها مثل الكفن عشان ما يقع، ياخي خلوا كل شيء بوقته".
يعلّق ناشط وكاتب من الصومال، فضّل عدم الكشف عن اسمه، بأنّ الحجاب لم يكن منتشراً بهذه الطريقة حتى التسعينيات من القرن الماضي، وجاء مع غيره من الظواهر الدينية التي انتشرت بسبب سيطرة الجماعات الدينية المتشددة على العاصمة مقديشو وجنوب الصومال قبل أكثر من عقد من الزمان. ويقول لرصيف22، إنّ "التدين الظاهري بات منتشراً في الصومال بين الكبار والصغار، وعلى سبيل المثال إلباس الصغيرات الحجاب وتحريم أكثر المباح في الشريعة الإسلامية. ذلك ليس تديّناً، بل تقليد لما ظنّ المجتمع أنّه الدين".
وحول ارتداء الصغيرات الحجاب، يذكر أنّ "ذلك تديّن ظاهري، وهو من العادات المتوارثة، التي خلّفتها الحروب والجماعات المتشددة التي حكمت البلد". أما عن دور المدارس في فرض ذلك، فيوضح أنّ هناك زيّاً مدرسياً متفقاً عليه، هو عبارة عن "حجاب كبير" مفروض على الفتيات.
بدورها، ترى الكاتبة الصومالية، هنادي أحمد نور، أن لا أحد يغصب الفتاة على الحجاب في الصومال، وتقول: "البنت الصغيرة ترى أمها وخالتها والجارات محجبات، وتطلب من والدتها شراء حجاب لها". وتضيف أنّ الحجاب تقليد خاص في الصومال بشكل مختلف عن بقية الشعوب.
وحول الحجاب في المدارس، تنفي نور فرض الحجاب فيها، وتقول: "ليست هناك قاعدة في المدارس تطالب بالحجاب لأنه أمر بديهي؛ وهذا لأن الصحوة الإسلامية جاءت بعد التسعينيات وتغيّر هذا الأمر".
أي دور للمجتمع؟
الأمر الغريب أنّ نوع الزيّ الموصوف بالإسلامي، الذي ترتديه الفتيات الصغيرات أو النساء بشكلٍ عام في الصومال، وافدٌ على البيئة الصومالية، ويطلق عليه البعض اسم الحجاب "المصري"، كونه يتشابه مع الخمار الذي انتشر في مصر منذ عقود، بتشجيع وترويج من جماعة الإخوان المسلمين، بينما يرتبط "النقاب" بالجماعات السلفية. وهناك نوع آخر من الزي الإسلامي انتقل من البيئات الشيعية إلى البيئات السنّية، وهو المعروف باسم "الإسدال"، وهو أقل حضوراً في الصومال.
يوضح ما سبق أنّ تبرير الحجاب بالعادات والتقاليد، ليس صحيحاً إطلاقاً؛ لأنّ تلك العادات والتقاليد تراجع تأثيرها على المجتمعات الناطقة باللغة العربية والإسلامية كافة منذ عقود، مع سيادة الحركات والجماعات الإسلامية، خصوصاً السلفية منها، وهو الأمر الذي حدث في الصومال بشكلٍ متأخر، في العقد الأخير من القرن الماضي، ومطلع القرن الحالي، بعد سقوط الدولة المركزية التي تبنّت الاشتراكية، ثم التوسع الكبير للجماعات السلفية التي عملت على تغيير المجتمع كما هو ديدنها في كل البلدان العربية.
تقول المرشدة الأسرية والمجتمعية والتربوية، ليلى محمد عجال، إنّ المعتاد تقليد الأطفال للكبار من خلال عملية التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة، وهي ما تعرف بعملية النمذجة؛ يكون النموذج الذي يُحتذى به هو الوالدان.
وتضيف لرصيف22، أنّ "الطفلة تحتذي بوالدتها من ناحية الحجاب أو لبس الخمار، لكن المشكلة ليست هنا. وتابعت بأنّ المشكلة تكمن في أنّ العرف الاجتماعي هو من يلعب دوراً كبيراً، وليس الطفل بالتقليد، ولذلك قد تكون رضيعةً ويُوضع لها الخمار، وذلك ليس قرار الطفلة أو عملية تقليد للأم، بل العرف الاجتماعي هو ما قد يجعل الأمهات يتشابهن في هذه النقطة، ويُقدِمن على إلباس الفتيات الصغيرات الخمار من باب التشابه في المجتمع الذي يعشن فيه".
وترى المرشدة الأسرية والمجتمعية والتربوية، أنّ المرأة إن لم تُلبِس ابنتها الخمار قد تتعرض لنظرة من المجتمع مفادها أنّها غير متقيدة بهذا العرف الاجتماعي، ويرونها غير منخرطة في المجتمع أو تتبنّى أفكاراً غير مرغوبة.
وتربط عجال، بين العادات والدين في موضوع حجاب الصغيرات، وتوضح أنّ القيم المجتمعية تُكتَسب من الدين، لكن في الصومال تُكتسب من العرف والعادات، ولذلك قد نسميها عادةً وليست قيمةً دينيةً. تقول: "هي عادة تشابهن فيها وبدأن يتناقلنها، ولذلك الفتيات الصغار يلبسن الخمار دون وعي".
أما عن دور رجال الدين، فتشير إلى أنّه قد يتفق بعض العلماء والشيوخ في نقطة أنّه "كلما أُلبست الفتاة الصغيرة الخمار يكون لها في الكبر مناسباً، لذلك يتم تعليمها منذ الصغر". وتصف ذلك بأنّه "خلل لكن ليس خللاً اجتماعياً، بل خلل في المفاهيم عن الخمار والحجاب، حيث الطفلة غير مقيدة أو محاسبة حول الحجاب".
هل تتأثر حياة الفتيات؟
وتبعاً لشيوع ارتداء الحجاب على الفتيات الصغيرات، فمن المُحتمل أنّ حياتهن ستتأثر بذلك؛ لأنّ القضية ليست فقط في الملابس، بل في المفاهيم التي تؤطر ما وراء ذلك.
لكن برأي عجال، فإن ذلك "لا يؤثّر، لأنّ الطفلة المنخرطة في المجتمع القائم على هذه القيم من ناحية التنشئة والتكوين ستكون أكثر اندماجاً، وقد ترى نفسها مختلفةً وغير قادرة على الانخراط في المجتمع إن لم تتماشَ مع قيمه". وتوضح أنّ المشكلة تحدث عندما يتم أخذ هذه القيم وتطبيقها على فتيات في مجتمعات أخرى.
الأمر الغريب أنّ الحجاب الموصوف بالإسلامي الذي ترتديه الفتيات الصغيرات أو النساء بشكلٍ عام في الصومال، وافدٌ على البيئة الصومالية، ويُطلَق عليه اسم الحجاب "المصري" كونه يتشابه مع الخمار الذي انتشر في مصر منذ عقود، بتشجيع وترويج من جماعة الإخوان المسلمين.
تُخبر إحدى الناشطات الصوماليات اللواتي يعشن خارج البلاد، رصيف22، بأنّها عندما تزور الصومال لا تصطحب ابنتها الصغيرة معها، لتجنّب فرض الحجاب عليها تماشياً مع الوضع القائم في المجتمع، وخوفاً من قيام أفراد من الأسرة بخطف الفتاة وإخضاعها للختان.
ربما يرى كُثر أنّ هناك قضايا لها أولوية على حجاب الصغيرات، مثل نسبة الأمّية التي تبلغ 60% في البلاد، وترتفع إلى 75% بين النساء، وقضايا العنف الجنسي والتمييز والتمكين الاقتصادي، فضلاً عن قضايا الأمن الغذائي والأمن الجنائي وغير ذلك. لكن المنطق الذي تقوم عليه فكرة فرض الحجاب على الفتيات غير بعيد عن تلك المشكلات، وهو المتعلق بالنظرة الجنسية إلى الطفلة.
جاء في موقع "إسلام ويب" الذي يُنظر إليه على أنّه منبر ديني وسطي، ما يلي: "ينبغي تعويد البنت الحجاب بعد تمام سبع سنين هجرية، وتتأكد المطالبة بتعويدها إذا قاربت البلوغ بأن صار عمرها تسعاً أو عشراً، ويتأكد ذلك جداً، بل قد يصير واجباً إذا كان بدنها يشبه بدن البالغات، بحيث يمكن للرجال ذوي الطباع السليمة أن يشتهوها".
تبعاً لذلك، سواء أدرك الأبوان أم لا، ما وراء فكرة فرض الحجاب على الأطفال، تبقى الفكرة مرتبطةً بالنظرة الجنسية إلى الفتيات، من منظور اشتهاء الرجال، وكأن واقع الحال هو تجنّب إثارة الرجل بأي شكل، بدلاً من تربية الذكور على التعايش والتصرف بشكل طبيعي مع الإناث.
وفي ظل عدم قدرة الحكومة الفيدرالية الصومالية على تقديم الخدمات العامة، يبقى التعليم بيد مؤسسات أهلية تفرض رؤيتها الدينية على المرأة. وتتعزز تلك الرؤى في ما يتعلق بحجاب الأطفال بالنظرة المجتمعية التي تدعمها النخب، ومنها النخب الإعلامية، خصوصاً القنوات المخصصة للأطفال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...