شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الاندماج المثالي"... السوريون يتصدرون قائمة الحاصلين على الجواز الألماني رغم البيروقراطية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

لفت فوز روبرت زيسلمان، مرشح البديل لأجل ألمانيا نهاية يونيو/حزيران الماضي بانتخابات دائرة زونيبرغ في ولاية تورنتغن شرق ألمانيا الأنظار عالمياً، بعد أن بات أول سياسي من الحزب اليميني المتطرف يفوز بمنصب قيادي في انتخابات البلديات، وهو أمر أثار مخاوف سياسيي الأحزاب السائدة.

لكن المواضيع التي استخدمها زيسلمان في حملته الانتخابية لم تكن محلية فحسب، بل عن تجنيس السوريين/ات. إذ أظهرته لقطات نشرها تلفزيون شبيغل، وهو يتحدث عن: "عدد أكبر بكثير من المجنسين مقارنة بالعام السابق، مقداره 500، ولم ذلك؟ لأننا نجنس السوريين/ات. هل سمعتم بشيء؟ عن الحرب في سوريا؟ عادة ما يتوجب على لاجئي الحرب العودة لموطنهم عند انتهاء الحرب".

يأتي هذا بعد الإعلان مطلع شهر يونيو/حزيران عن ارتفاع نسبة الحاصلين على الجنسية الألمانية في العام 2022 بمعدل 28٪ (بلغ العدد الإجمالي 168500)، وتشكيل السوريين/ات أكبر مجموعة بينهم بنسبة 29٪ (48300)، أي ضعفَيْ عددهم في العام 2021.

وساهم في تسليط الضوء على تجنيس السوريين/ات أكثر ربط تصدر الحاصلين على الجنسية العام الماضي بمشروع قانون طرحه تحالف الحكومة الاتحادية، سيقلل كما يفترض عدد السنوات التي ينبغي للمرء انتظارها قبل تقديم طلب التجنيس من ثمانٍ إلى خمس سنوات، وإلى ثلاث في حالات الاندماج المثالي، وسيسمح بحمل جنسيتين، وهذا أمر احتجت المعارضة عليه بشدة.

تصدر السوريون قائمة الحاصلين على الجنسية الألمانية لعام 2022، تبع ذلك قانون سيقلل عدد السنوات التي ينبغي للمرء انتظارها قبل تقديم طلب التجنيس من ثمانٍ إلى خمس سنوات، وإلى ثلاث في حالات "الاندماج المثالي".

فاعتبر التحالف المسيحي المحافظ ذلك تحويل الجنسية الألمانية إلى بضاعة رخيصة يسهل الحصول عليها معتبراً القانون عنصر جذب لهجرة لا يمكن للحكومة أن تتحكم بها. فيما اعتبر، بيورن هوكه، أحد أشد ساسة حزب البديل لألمانيا تطرفاً، أن الحصول على الجنسية الألمانية بات سهلاً حتى يخيل له أن الحكومة تريد رمي جواز السفر الألماني نحو اللاجئ بمجرد تجاوزه الحدود!

وسط إطلاق اليمين الوسط والمتطرف صافرات الإنذار ومطالبتهم بعدم تسهيل الحصول على جواز السفر الأحمر، يعاني سوريون مع نظرائهم من جنسيات أخرى في برلين بصمت، مع تكدس طلبات التجنيس في دوائر تشكوا من طواقم عمل صغيرة، وبلوغ فترات البت في الطلبات عاماً ونصف في بعض البلديات، وحتى ثلاثة أعوام في بلديات أخرى، ما يجعل الحديث عن تخفيض عدد سنوات الإقامة اللازمة للحصول على الجنسية مثيراً للسخرية بالنسبة لهم.

على مجموعة فيسبوك، يتبادل فيها مقدمو الطلبات الخبرات والشكوى حول الانتظار في برلين، تحدثت سيدة تدعى سونيا منتصف يونيو/حزيران 2023، عن تقديمها أوراقها لمكتب التجنيس في بلدية "بانكوف"، أحد أكثر الأحياء اكتظاظاً بالسكان، في ديسمبر/ كانون الأول 2020 ولم تحصل على أية أخبار بخصوص الطلب، رغم تقديمها شكوى تقاعس عن العمل. كذلك فعلت نوما التي قالت إنها قدمت الطلب في نوفمبر/ تشرين الأول 2020.

وبلغ عدد شكاوى التقاعس المتعلقة بطلبات التجنيس في برلين مستوى غير مسبوق حيث وصل إلى 58 شكوى حتى نهاية مايو/أيار الماضي، مقارنة بـ 31 حالة في 2022 وحالة واحدة في 2021، وفق ما نقلت صحيفة تاغزشبيغل عن رد من حكومة برلين على طلب إحاطة قدمه النائب عن حزب الخضر في برلمان برلين، جيان عمر. وتوقعت الصحيفة تقديم شكاوى أكثر منذ مايو/أيار الماضي.

انتزع مني شعور الأمان

هكذا انتهى الحال أيضاً بالصحفي الفلسطيني السوري، جود حسن، الذي تحدث لرصيف22 عن عدم تركه حجراً لم يقلبه ليحصل على حقه في الحصول على الجنسية الألمانية دون جدوى حتى الآن.

قدم جود طلب الجنسية في أبريل/ نيسان 2022 عبر محامية لمكتب تجنيس بلدية "بانكوف"، بعد أن استوفى الشروط، متوقعاً أن يحصل عليها بعد عام كشأن أصدقاء مقيمين في بلدية "ميته" وسط برلين، المعروفة ببتها السريع نسبياً في الطلبات.

ومع عدم رد الموظفين على محاميته حتى يناير/كانون الثاني 2023، بدأ بالبحث مع صديق عن حالته القانونية، واكتشفا أن هناك مدة يحق للسلطات تركه كـ “عديم الجنسية" أي دون جنسية، ناهيك بوضعه كشخص عابر جنسياً وما يعني كتابة ذلك على وثيقة السفر الألمانية التي يحملها.

عندما أرسل هذه المعلومات بنفسه لمكتب المسؤول عن ملفه لم يحصل على رد، فبحث على الإنترنت عن المسؤولين السياسيين في البلدية، وراسل سيدة سياسية من الحزب الاشتراكي التي ساعدته على تحريك ملفه في مكتب التجنيس وتواصلت المسؤولة عن ملفه مع محاميته وطلبت بيانات راتبه الأخيرة، لكن التواصل توقف أيضاً. وعندما حاول مجدداً التواصل مع السياسية نفسها تبين له أنها قد غادرت منصبها بعد الانتخابات البلدية، فعاد لمحاولة التواصل مع جميع الساسة في البلدية، وتلقى رداً فيه الكثير من المجاراة لا تقديم الحلول.

وسط إحباط من عدم الرد على محاميته بعث بعشرات رسائل البريد الإلكترونية، ليُفاجأ بوصول الوثائق الأصلية التي قدمها للبلدية له بريدياً ومعها رسالة تعلمه بأنهم سيحولون أوراقه إلى مكتب تجنيس مركزي لكل طلبات برلين، من المنتظر أن يُفتتح العام القادم.

محاولاً استدراك الأمر وهو يعلم ما الذي يعنيه تحويل الأوراق من دائرة إلى أخرى، عاد للتواصل معهم هاتفياً في مايو/أيار 2023، فتم إعلامه بأنهم تحت ضغط عمل وما زالوا يعملون على ملفات مارس/آذار 2021، وسيحولون كل الطلبات المقدمة خلال عام 2022إلى المكتب المركزي.

وبعد أن اعتقد أنها "فُرجت" مع تحدث الموظفة عن إمكانية تسريع البت في طلبه وتصنيفه “حالة عاجلة"، لم يحصل أي تطور يذكر رغم كثرة الوعود، فقرر أخيراً الاستعانة بمحامية ألمانية متخصصة برفع دعاوى التقاعس ضد السلطات.

لا يستطيع جود الآن سوى أن يكون متشائماً، متوقعاً أن يأخذ البت عاماً آخر في المكتب الجديد، ما يعني أن البت إجمالاً سيستغرق بين عامين وثلاثة، وهذا أمر يجعله يرى القانون الجديد الذي يتحدث عن تقصير مدة الإقامة المطلوبة قبل الحصول على الجنسية غير منطقي.

وأشار في حديثه مع رصيف22، إلى القلق المصاحب لعملية التقديم والبت الطويلة المدة بالنسبة لصحافي مستقل، كعدم قدرته على تغيير مكان سكنه، واضطراره لقبول عروض عمل غير راض عنها، لإبقاء سجله مقبولاً لدى العاملين على ملف تجنيسه، وعدم قدرته على التوقف عن العمل بانتظار فرصة عمل أفضل أو لمواصلة الدراسة لعدة أشهر مثلاً، خشية أن يؤثر ذلك على طلب تجنيسه.

يصف الصحفي، جود حسن، التأخر في البت بطلبه بأنه ينتزع منه الأمان كلما سافر، شارحاً كيف يواجه صعوبات في كل مطار ، لكونه "عديم الجنسية"، فيطلب موظفو المطارات معرفة ما معنى ما كُتب على جواز سفره، ومن ثم عليه التوضيح بأنه عابر جنسياً أيضاً، وهو أمر شخصي لا يرغب بسرده

ورأى أن هذا التأخير في البت في الطلب ينتزع منه الأمان كلما سافر، خاصة كصحفي إلى الشرق الأوسط، شارحاً كيف يواجه صعوبات في كل مطار يمر به، لكونه "عديم الجنسية"، حيث يطلب موظفو المطارات معرفة ما معنى ما كُتب على جواز سفره، ومن ثم عليه التوضيح للجميع بأنه عابر جنسياً أيضاً، وهو أمر شخصي لا يرغب بسرده على الجميع ولا يحق لأحد قانونياً استجوابه حوله، معبراً عن خشيته من مصادفة شخص معاد للعابرين جنسياً.

ولم يلتق جود عائلته منذ حوالى 10 سنوات، ولا تستطيع عائلته الفلسطينية سوى السفر إلى عمان من بين دول المنطقة، فيما لا يستطيع هو السفر إلى هناك ولقائهم بمن فيهم والدته المريضة، ما يوضح الأثر الذي يتركه هذا التأخير عليه.

ويُعلم موظفو مكتب التجنيس في حي "بانكوف" عادة مقدمي الطلبات منذ البداية بأن البت يستغرق وسطياً حتى عامين، طالبين عدم إرسال استفسارات متكررة عن وضع الطلب. وتحدثت موظفة في المكتب في أبريل/نيسان 2022 عن 2100 طلب مفتوح لا يستطيع فريقهم المكون من 4 موظفين/ات التعامل معه بالسرعة المطلوبة.

وثيقة السفر تشعرني بأني أقل قيمة

على حسابه في موقع إنستغرام، قرر الموسيقي السوري، يوسف كيخيا، المقيم في برلين، التنفيس عن إحباطه وغضبه من مشكلة وجودية يعاني منها كغيره، يشعر بأنها تشل حركته.

يقول يوسف إنه يقيم في ألمانيا منذ 7 سنوات، وما زال يحمل جواز سفر لاجئ ولديه إقامة دائمة، ويتحدث اللغة بشكل جيد جداً، موضحاً أنه يحق له الحصول على الجنسية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.

عندما حاول الحصول على موعد "الاستشارة الأولية" من بلدية منطقة "نويكولن" حيث كان مقيماً، وجد نفسه قبالة رسالة تفيد بأنهم لا يستطيعون منحه موعداً لأسباب متعلقة بقدرتهم على الاستقبال، على أن يتم فتح باب منح المواعيد في مارس/آذار 2023، وعندما حاول مجدداً خلال مارس/آذار، وجد رسالة أخرى تفيد بأنه لا يمكن منح المواعيد حتى يناير/كانون الثاني 2024، ما يعني انتظاره عاماً ونصف.

عندما حاول الموسيقي، يوسف كيخيا، الحصول على موعد "الاستشارة الأولية" من بلدية "نويكولن"، تلقى رسالة تفيد بعدم توفر المواعيد، على أن يتم فتح المواعيد في مارس/آذار 2023، وعندما حاول مجدداً، وجد رسالة أخرى تفيد بعدم توفر المواعيد حتى يناير/كانون الثاني 2024، ما يعني انتظاره عاماً ونصف

وأضاف أنه يجد الوضع مخجلاً وفيه تقليل من الاحترام، بعد انتظاره لأعوام لتقديم هذا الطلب ومروره بظروف سيئة، قام فيها بكل شيء قيل إن عليه فعله.

ويشير إلى أنه لم يلتق والديه منذ 7 سنوات، وأن وثيقة السفر الزرقاء لا تسمح له بالسفر إلى وجهات ينوي زيارتها، إذ رُفضت تأشيرة قدمها للذهاب إلى تركيا، رغم تلقيه دعوة رسمية كموسيقي، مبيناً أنه في مرحلة من مسيرته الفنية، بات عليه فيها أن يؤدي ضمن حفلات خارج ألمانيا.

ورأى أن هذه الوثيقة تجعله يشعر بأنه شخص أقل قيمة وتحد من قدراته وتحبطه، بسبب البيروقراطية أو لأسباب أخرى لا يتم الحديث عنها.

مركز التجنيس الجديد لن يحل المشكلة

للتعامل مع هذه المشكلة تعلق حكومة ولاية "برلين" آمالاً كبيرة على افتتاح مكتب تجنيس مركزي لكل أحياء المدينة يعمل فيه ما يصل إلى 200 موظف/ة اعتباراً من يناير/كانون الثاني العام 2024، يتم التعامل فيه مع طلبات رقمية عوضاً عن الورقية.

وأدى انتظار افتتاح مكتب التجنيس المركزي إلى توقف بعض هذه البلديات عن استلام طلبات جديدة. فيما قامت بلديات أخرى بتنظيم قوائم ليصار إلى تسليمها إلى مكتب التجنيس المركزي لاحقاً. ويعني هذا تأخراً أكثر في الحصول على الجنسية بالنسبة للمنتظرين/ات.

تعلق حكومة "برلين" آمالاً كبيرة على افتتاح مكتب تجنيس مركزي لكل أحياء المدينة يعمل فيه ما يصل إلى 200 موظف/ة اعتباراً من يناير/كانون الثاني العام 2024، يتم التعامل فيه مع طلبات رقمية عوضاً عن الورقية.

ومن المتوقع أن يستغرق البت في الطلبات المتراكمة سنوات حتى مع افتتاح هذا المكتب، نظراً لتقديم طلبات أكثر مما يتم إنجازه. وبلغ عدد الملفات المفتوحة حتى نهاية مارس/آذار الماضي 29606.

وتتوقع الإدارة أن يقدم الأجانب عدداً أكبر من الطلبات في السنوات القادمة، عند دخول قانون التجنيس الجديد الذي وضعته الحكومة الاتحادية قيد التنفيذ، ويصبح الكثير من السوريين القادمين بين عامي 2015 و2016 مؤهلين للتقديم، وفق تقرير لشبكة "إر بي بي" العامة.

وتشير سيناتورة الشؤون الداخلية، إريس شبرانغر، إلى تجنيس 8 آلاف شخص سنوياً حالياً، ورفض بقية الطلبات بسبب عدم تحقيق الشروط. وأعلنت الإدارة مراراً أن هدفها التجنيس والبت في 20 ألف طلب سنوياً.

ويعد الأتراك أكبر المجموعات التي تقدم الطلبات في برلين يليهم السوريون. وتقول إدارة الشؤون الداخلية في برلين إن عدد الأجانب في برلين 800 ألف، يستوفي 250 ألف منهم شروط الحصول على الجنسية.

وسطياً يستغرق تجنيس السوري/ة 6 أعوام و4 أشهر، فيما تصل المدة الوسطية عند التركي/ة إلى أكثر من 24 عاماً وفقاً للقناة الألمانية الثانية التي توضح أن مشاكل التنقل وجواز السفر تدفع اللاجئين/ات عموماً للإسراع في تقديم طلب التجنيس، وتنقل عن رئيس الجالية التركية في ألمانيا توضيحه أن العودة للوطن لا تعد خياراً بالنسبة للكثير من السوريين/ات، فيما ينتظر الأتراك اتخاذ قرار العودة قبل تقديم طلب التجنيس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بين دروب المنفى وذكريات الوطن

خلف كلّ مُهاجرٍ ولاجئ، حياة دُمِّرت وطموحاتٌ أصبحت ذكرياتٍ غابرةً، نُشرت في شتات الأرض قسراً. لكن لكلّ مهاجرٍ ولاجئ التمس السلامة في أرضٍ غريبة، الحقّ أيضاً في العيش بكرامةٍ بعد كلّ ما قاساه.

لذلك هنا، في رصيف22، نسعى إلى تسليط الضوء على نضالات المهاجرين/ ات واللاجئين/ ات والتنويه بحقوقهم/ نّ الإنسانية، فالتغاضي عن هذا الحق قد يؤدّي طرديّاً إلى مفاقمة أزمتهم والإمعان في نكبتهم. 

Website by WhiteBeard
Popup Image