هل يمكن أن يذهب شاب إلى بيت إحدى الأسر، ليقابل إحدى فتياتها من دون استئذان الأهل في البلاد العربية؟ نادراً ما يحدث هذا، لكنه أمر غير مستهجن في الثقافة الصومالية، وتحديداً في شمال البلاد وشرقها وفي المدن الكبرى.
تقول الجدّة فاطمة، وهي سيدة صومالية مسنّة، سألها رصيف22 عن رؤيتها للمواعدة بين الشباب والفتيات: "كيف للارتباط الرسمي أن يأتي قبل أن يكون الشاب والفتاة متفاهمَين، واختارا بعضهما البعض".
تابعت قائلةً: "من دون حديث بينهما، كيف تعرف البنت من يكون مناسباً لها من بين الذين يتقدمون للحديث معها ويبدون لها الإعجاب؟ في المثل الصومالي: 'تحكي البنت مع ألف وتختار واحداً'". وتؤكد الجدّة على أهمية المواعدة بين اليافعين، وترى أنّه من الضروري أن تقابل البنت العديد من الشباب، حتى تختار زوجاً مناسباً، ترتبط به مدى الحياة.
أن تواعد في الصومال
دار نقاش في مجموعة على فيسبوك، بين شباب من الجنسين من دول عربية، من بينهم فتاة صومالية، وحين تطرق الحديث إلى ثقافة العلاقات بين الجنسين، استهجن الشباب من البلاد العربية حديث الفتاة الصومالية عن وجود مواعدة بين الجنسين من دون أنّ تكون هناك خطبة بينهما، ومن دون اشتراط أنّ تكون الخطبة تاليةً للمواعدة، بل هو تعارف غير مشروط، يتوقف ما يليه على قرار الفتاة والرجل.
هي مواعدة ليست كما في البلاد الغربية، وليست رؤيةً لمرة واحدة، تُسمّى الرؤية الشرعية في بلاد عربية غلب عليها التدين على الطريقة السلفية. قلّ من يعرف من الشعوب العربية عادات الصوماليين على حقيقتها من دون أن تسوقه الصور النمطية أو التخيلات الآتية من كون الصوماليين "عرباً"، وفق مفهوم العروبة كما يظهر من خلال العضوية في جامعة الدول العربية. يظن كثيرون أنّ الثقافة الصومالية مماثلة للثقافة التي تربّوا عليها، لكن الحقيقة أنّ بين العرب والصوماليين بوناً شاسعاً في الثقافة والحياة الاجتماعية.
تقدّم فكرة المواعدة والعلاقة بين الرجل والمرأة مثالاً على هذا الاختلاف، وما يرتبط بذلك من كيفية اختيار شريك الحياة. في مناطق صومالية عديدة، تقابل الفتاة الشبان من دون الحاجة إلى إذن من والديها، سواء أكان اللقاء في أماكن عامة أو في بيتها في الأماكن المخصصة للضيوف. وحتى حين تستقبل الفتاة شاباً للتعرف إليها، لا تخبر والديها إلا إذا أرادت ذلك، ولا يرى الوالد أو الأخ شيئاً معيباً في ذلك. وربما ترى الفتاة العديد من الشباب واحداً تلو الآخر، حتى تجد الشريك المناسب لحياتها، وكذلك الأمر للشباب.
حين تستقبل الفتاة شاباً للتعرف إليها، لا تخبر والديها إلا إذا أرادت ذلك، ولا يرى الوالد أو الأخ شيئاً معيباً في ذلك. وربما ترى الفتاة العديد من الشباب واحداً تلو الآخر، حتى تجد الشريك المناسب لحياتها، وكذلك الأمر للشباب
تلك الثقافة ليست حديثةً في البلاد، ولها جذورها القديمة مذ كان معظم السكان يعيشون في البادية والريف. في حياة الرعاة، كانت المواعدة بنت بيئتها، متأثرة بالطبيعة والثقافة الرعوية. في حياة الترحال الرعوية لم يكن الشاب يلتقي بفتاته إلا بعد بحث وجهد؛ كون طبيعة البدو مبنيةً على الترحال الدائم. كان الشاب يرى فتاةً فتعجبه، أو يسمع أن لإحدى العائلات ذات الجاه والمال فتاةً في سن الزواج، فيبدأ رحلته للقائها، متتبعاً إياها في مراعي الغنم نهاراً، وفي تجمعات سمر الشباب بعد إنهاء واجباتهم وأعمالهم في الليل. وبعد اللقاء يتجاذبان الحديث ويتعرفان إلى بعضهما البعض، ويعرض عليها الزواج إن أعجبته، وتقبل منه العلاقة إن نال إعجابها. أما ما يجذب الفتيات فهي الفصاحة في الكلام والشهامة في التصرف والشجاعة في مواجهة المخاطر. في الحكايات الشعبية، تعطي الفتاة الشاب ألغازاً وأحجيات لغويةً وغير لغوية لترى مدى ذكائه وفصاحته في الكلام.
تتذكر الجدّة فاطمة، أن المغازلة كانت في ما مضى مغايرةً لما تسمونه مواعدةً الآن، والشاب كان يعرض الزواج على الفتاة التي تعجبه في اللقاء الثالث أو الرابع بينهما، وهي تنظر إلى من يعجبها فتختاره وترسله إلى عائلتها ليتقدّم لخطبتها. تضيف الجدّة: كانت المغازلة لا تتجاوز الإيحاءات، والتعبير عن الإعجاب كان ضمنياً، والفتاة كانت تستحي من أن تقول ما تحسّ به تجاه فارس أحلامها، وتعبّر عن نفسها بنظرة أو سكوت أو بأغنية في لقاءات السمر الليلية، وترسل له من خلال غنائها رسالةً توضح ما لا تبوح به.
أما الشاب، فيبحث عن الإشارات لا التصريحات، وإذا أحس بالقبول من جانب الفتاة يحمل على عاتقه مسؤولية التصريح ويكتفي منها بالسكوت. تقول الجدّة فاطمة: "أن تستمر في سماع بوحه دليل على قبولها لمشاعره، أما إن لم تكن معجبةً به فما كانت لتفتح معه الحديث البتة".
المواعدة في أيامنا هذه
كما تغيرت معالم الحياة تبعاً للتغيرات التقنية، تغيرت طرائق التواصل بين الجنسين في الحياة الصومالية، نحو الأفضل أحياناً. يسَّر التواصل الإلكتروني التواصل، وقرّب المسافات بين كثيرين، وأعطاهم حيّزاً واسعاً من الخيارات، لكن من جانب آخر سبّب ذلك هلعاً وخوفاً في الوسط الاجتماعي. يتساءل الآباء والأمهات هل أبناؤهم في أمان في ظل ما توفر لديهم من انفتاح على العالم؟
الجانب الإيجابي أنّ حرية المواعدة وتفهّم الآباء لحقوق الأبناء والبنات، لاختيار شريك الحياة المناسب، لم يتأثرا سلباً مع تنامي المخاوف مما توفره التكنولوجيا من انفتاح غير مسبوق.
تقول سمية لرصيف22، وهي أم لخمسة أطفال: "مررت في شبابي بتجربة المواعدة وتزوجت عن حب، لم أطلب أو أجادل في حريتي في المواعدة، وإنما ظننت أن هذا حقي الطبيعي، ولم أواجه أي اعتراض من أهلي". تابعت: "قال لنا أبي أنا وأخواتي: لن أعطيكن إلا من تخترنه، وكيف لي أن آتي بشخص إذا لم أواعده؟".
قابلت سمية شاباً، وظلت لمدة عشرة أشهر تواعده، من دون ارتباط رسمي، حتى توصلا إلى قناعة بأنّهما مناسبان لبعضهما البعض، وتزوجا. تقول: "حياتي الزوجية سعيدة، ولم أندم يوماً على اختياري، ولذا المواعدة لاختيار الشريك حقّ لكل شاب وفتاة".
لدى سمية فتيات، وعند سؤالها عما إذا كانت ستمنحهنّ الحق نفسه في المواعدة، أجابت: "لن أختار لابنتي شريك حياتها؛ فالحياة حياتها والعصر عصرها، واجبي أن أساعد في تكوينها عقلياً وفكرياً وأن أعلّمها المبادئ والأخلاقيات وكيف تندمج مع المجتمع، وعليها أن تعيش اختياراتها ولها الحرية الكاملة لترى نفسها من خلال ما تختاره".
إذا كانت تلك رؤية نساء للمواعدة، فماذا عن الرجل، الذي هو الأب والأخ؟ توجّه رصيف22، بالسؤال إلى الأديب والكاتب عبد الرحمن طاهر، فقال إنّه لا يرى في الأمر حرجاً. وأضاف: "غصت في بحور المواعدة، وبالمثل هذا من حق الفتاة، فالرجل والفتاة كلاهما يبحثان عن الشريك المناسب للزواج وبناء الأسرة، ولتحقيق ذلك أفضل أن أرتبط بفتاة اجتماعية، تعرف كيف تتحدث وتدبر أمورها في الأوساط الاجتماعية".
جانب آخر في المواعدة، هو شيء مشترك بين جميع البشر، يقول طاهر: "تزداد ثقتي بنفسي حين أقنع فتاة أحلامي بأن تختارني من بين الكثيرين وتفضّلني عليهم".
لكن كمّ يتحسس رجال في المجتمعات العربية من الارتباط بفتاة يعرفون أنّها واعدت غيرهم، برغم أنّ ذلك التحسس لا ينطبق على الأجنبية إذا ما صادفوها؟ يقول عبد الرحمن طاهر: "كما نتزوج المطلقة والأرملة ولا نتحسس من مرورها بعلاقة أخرى، لا أتحسس من كون البنت عاشت حياتها وجربت فرصتها في الاختيار، وهذا طبيعي جداً في الحياة العادية ولا أحد له الحق في أن يحدد ما يقوله الشخص الآخر أو أن يتحكم في صداقاته". يشدد طاهر على أنّ "البنت لبنة من لبنات المجتمع، وتحتك بأفراده ومؤسساته كما يحتك الشاب بمجتمعه".
عبد الوالي عبد الله، أب صومالي، تحدث إلى رصيف22، قائلاً إنّه لن يختار لابنته من يشاركها حياتها، فهي المنوطة بها تلك الحياة، وعليها أن تختار. يَقبل عبد الله بفكرة المواعدة، ويرى أنها تزيد من وعي ابنته بالمجتمع، وتتعلم من خلالها من تختار ولماذا؟. يقول: "دوري أنّ أساعد في تكوين وعيها، وعليها أن تتصرف في حياتها، وبقصد الحماية يمكنني فقط أن أعرف خطواتها لا أن أحدد خياراتها".
الدين والمواعدة
سؤال الدين والمواعدة، وبمعنى أشمل انكشاف الفتاة على رجل من غير أسرتها الصغيرة، هو سؤال حديث رافق انتشار نمط التدين السلفي في المجتمعات العربية. قبل شيوع ذلك النمط، يخبرنا التراث الشعبي في البلاد العربية بطرائق عدة للقاء المتحابّين، في الريف والمدن، ولم يكن التقاء الرجال والنساء واختلاطهم شغلاً شاغلاً لأحد، حتى شاع هذا النمط الغريب عن ثقافات معظم البلاد العربية.
بالإضافة إلى ما سبق عرضه عن شيوع فكرة المواعدة، بمفهومها المرتبط بالتقاليد والأعراف، والهادف إلى تكوين أسرة من خلال الزواج، فإن الاستثناء موجود. ولكن حقّ الفتاة في المواعدة هو أمر طبيعي في الثقافة الصومالية. حفظت عوامل عدة تلك الثقافة من التغيّر الذي طال البلدان العربية، منها عدم شيوع الأفكار الدينية الحديثة التي رافقها التطرف.
يقول الشيخ شبلي: "يجوز أن يتحدث الشبّان والفتيات مع بعضهم ليتفقوا في ما بينهم على أمور الزواج وقبول بعضهم، ويجيز لهم الشرع أن يروا بعضهم البعض، ويخبر كلّ منهم الآخر عما يريده من الزواج"
في إحدى محاضراته، قال رجل دين صومالي يُدعى الشيخ شبلي: "يجوز أن يتحدث الشبّان والفتيات مع بعضهم ليتفقوا في ما بينهم على أمور الزواج وقبول بعضهم، ويجيز لهم الشرع أن يروا بعضهم البعض، ويخبر كلّ منهم الآخر عما يريده من الزواج، من دون إطالة وقت المواعدة وتجاوز ضرورة الحديث والتلاعب بالألفاظ". وأضاف: "مجرد اتفاقهم على الزواج دليل على حبهم ولا حاجة في ذلك إلى تجاوز الحد".
رجل دين آخر، يُدعى الشيخ محمد عبد أمل، قال في إباحة الكلام والحديث بين الشباب بغرض الزواج والارتباط، وتقييم كل منهم للآخر من الجوانب المهمة: "لا حرج في المواعدة شرط أن لا يكون الحديث كأنّه في رواية ألف ليلة وليلة، بل على قدر الحاجة مع مراعاة آداب الشريعة".
أمر آخر يرتبط بفكرة المواعدة، وهي حرية الفتاة في الخروج والسفر، من دون وجود قيود من الأهل على المواعيد، كما في حالات تعرفها بلدان عربية عدة، حيث تحصي الأسرة الأنفاس على الفتيات. وما سبق ليست قيماً غربيةً دخلت على المجتمع، بل هي قيم من صميم طبيعته التي بقيت حتى اليوم، بينما القيم الغريبة بحق، هي تلك التي تصوّر الفتاة على أنّها عبء، لا عقل لها، ويُخشى منها، ولهذا يجب أنّ تخضع للمراقبة في كل لحظة، حتى تنتقل مسؤوليتها من الأهل إلى رجل آخر عبر الزواج.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع