شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أخشى أن أصبح أبي... الهلع من الجينات الخائنة

أخشى أن أصبح أبي... الهلع من الجينات الخائنة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأربعاء 12 يوليو 202311:07 ص

استيقظت من النوم فزعة على كابوس علمت بعده أن سلام يومي فُقد للأبد، لا أعلم كيف بدأ الحلم ولكن أعلم كيف كانت الحقيقة التي تكرّرت في الحلم بدون استدعاء مني.

استيقظت وأنا هلعة، ليس من استعادة ذكريات سيئة بقدر خوف مجهول من المستقبل، مستقبلي أنا، في هذه اللحظة عرفت أسباب اضطرابي الأيام السابقة: لم أكن خائفة من المستقبل بشكل عام، أو حزينة على ماضي انتهى: أنا خائفة من  جينات خائنة بداخلي، تنشط فجأة وتجعل مستقبلي يشبه ماضيّ، خائفة من بنية نسميها في الأدب دائرية، لأن مثلما تبدأ تنتهي، خائفة من خذلان ألا أكون أنا، الشخص الذي أحلم بأن يكسر دائرة الإساءة.

جينات محملة بالفخاخ

جيناتي تحمل العديد من الفخاخ المنتظرة بتاريخ مرضي عائلي يحمل العديد من الأمراض: سرطان الثدي والغدة الدرقية بالإضافة إلى القلب والسكر والضغط، وحتى ما أسميه "القدرة الخارقة على طلب الموت" لدى بعض الأفراد الذين يقرّرون، في وقت معين، التوقف عن الحياة لعدم جدواها، فيموتون بعد فترة لا تزيد عن بضعة أسابيع.

ذلك تاريخ قد يظنّه البعض مخيفاً لكنه بالنسبة لي محتمل، ما لا أحتمله أن تنشط جيناتي المسيئة التي تترافق مع أخرى تغلّف الإساءات بالأوهام، أخاف وحشاً يسكنني قد يظهر بشكل خفي، يقلب حياة من حولي جحيماً بينما أظن أني أم وزوجة وامرأة رائعة.

جيناتي تحمل العديد من الفخاخ المنتظرة بتاريخ مرضي عائلي يحمل العديد من الأمراض: سرطان الثدي والغدة الدرقية بالإضافة إلى القلب والسكر والضغط، وحتى ما أسميه "القدرة الخارقة على طلب الموت" لدى الأفراد الذين يقرّرون، في وقت معين، التوقف عن الحياة، فيموتون بعد فترة 

أجعل زوجي يعدني مراراً أن يوقفني لو أسأت لابنتنا. أبدو مجنونة عندما أحرّضه ضدي. يطمئنني أن مصلحة الصغيرة هي الأهم ولن يترك أحداً، حتى لو كان أنا، يؤذيها فيرتاح قلبي، أعتذر لابنتي كلما غضبت حتى لو لم يكن غضبي منصبّاً عليها، أقضي الساعات أتخيلني في عالمها، ربما فقاعتنا العائلية التي أظنها الأمان جحيمها الذي تتمنى الهرب منه. أسألها في بعض الأحيان فتمازحني: "نعم، أنتِ أم شريرة احتاج الثيرابي سريعاً". حتى ذات العاشرة من العمر أصبحت تعلم نقاط ضعفي وخوفي من خيانة الجينات.

أجلس مع مجموعة من الأصدقاء نتحدث عن هذه المخاوف التي يحملها كل منا تجاه نفسه، القلق من التحوّل إلى آبائنا وأمهاتنا، نطمئن أنفسنا أن وعينا بالأذى سيجعلنا لا نتمادى لنصبح أسوأ وحوشنا، نعد بأن نكسر الدائرة. البعض يقرّر ألا ينجب فقط لهذا السبب، والبعض الآخر يدفن مخاوفه ضاحكاً بأننا سنوقف هذا الأذى لنخترع آخر، فلا توجد أمهات وآباء مثاليون.

في إحدى المكالمات الهاتفية مع أبي، وفي لحظة صفاء نادرة بيننا، أخذ يتذكر تفاصيل طفولته، يشتكي من والده الذي توفي منذ أكثر من خمسين عاماً، يسترجع مشاهد محدّدة، ولا يستطيع مسامحته على الرغم من اقتراب عمره من الخامسة والسبعين.

أظهر التعاطف معه، أخبره أن كل أب وأم يحاولان القيام بأفضل ما يمكنهما، أعزيه أن أباه في النهاية شخص قد يحمل هو ذاته آلام من طفولة سيئة أو تربية مسيئة حملها معه ونقلها إليه، يتجاهل كلماتي كالمعتاد، ثم يضطر في النهاية للدعوة بالرحمة لكل المتوفيين لينهي النقاش.

أنهي المكالمة وأحكيها لأختي: أبي السبعيني لا يستطيع مسامحة أبيه، ولكن يظن نفسه أباً رائعاً في ذات الوقت، لم يخطر في ذهنه لمرة واحدة خلال المكالمة وحتى بعد تلميحاتي بأن كل الآباء يخطئون أنه قد يكون المسيء في حياة أبنائه. أضحك من هزلية الحوار الذي يجعلني أعزيه عن طفولته التي مضت وأبيه الذي مات، بينما لا يشعر بمدى ما يفعله في باقي الأوقات.

أخاف جيناتي الخائنة، وأعلم أنها تخافني بالمثل، وحتى يتم اكتشاف عملية جراحية للتخلص منها، سنظلّ في حرب ضروس

أضحك ثم أهلع، هل ضحكات ابنتي من مخاوفي مماثلة لما أشعر به، هل لا أعي ما أفعل بمثل انعدام وعي والدي؟

الخوف من الطيار الآلي

أجلس مع الصديقات نصف هازلة نصف جادة، أحكي لهم بضعة مواقف عائلية تدور بيني وبين زوجي وابنتي، ثم أصل إلى ملخص هذه الأحداث: "لو تركت العنان للطيار الآليAuto Pilot بداخلي، سأتحول إلى أبي بسهولة".

كان هذا نقاشاً خضته مع أختي ملايين المرات، كلما غضبت من ابنها، رغماً عنها تنهار لأيام، تخاف من نفس أشباحي، يتملكنا أحياناً الشعور بأننا نحمل بداخلنا قنبلة موشكة على الانفجار بشكل دائم، وحشاً ملجماً، ولكن يتحيّن لحظات الضعف حتى يظهر وجهه الأسود.

تعلمت بشكل غير واع ذلك عن نفسي، هناك لحظات أضعف فيها فأفقد السيطرة، ليس فقط على مزاجي العصبي، ولكن الكثير من الأشياء الأخرى: نهمي للطعام، والأرق، والقلق الشديد المصاحب بميول اكتئابية.

 خضت رحلة طويلة للجم كل هذه الوحوش واحداً تلو الآخر، ولكن خلال ذلك تعلمت أيضاً أن هذه الأدوات والوسائل والأفكار الإيجابية تعاويذ سحرية ناجحة لكن لا تعمل طوال الوقت، يوم مُتعب، أو ضغط في العمل، أو موقف سيء، وأعود مرة أخرى لنقطة الصفر، تتسلل أشباحي لتعيث في حياتي فساداً.

يشبه الأمر سداً منيعاً ولكن ذا نقاط ضعف محدّدة، ما إن يزداد الضغط على هذه النقاط حتى يبدأ فيضان سلبي. أحاول أن أسامح نفسي عن هذه السقطات، أخافها، وأتقن طرق تفاديها أو الابتعاد عن الآخرين عند حدوثها، ولكن لو حدثت فلا يمكن إعادة الزمن للخلف، لذلك يجب عليّ المضي قدماً.

لا أحب منزل العائلة لأنه يعيدني إلى دينامكيات العلاقات القديمة، يبدو مثل مذبح أقيمت عليه أضحيات بشرية حتى اكتسب هالة نفسية حقيقية، عندما اقترب منه تسكنني أشباحه السابقة

تسألني أمي لماذا لا تحبين المجيء لهذا المنزل؟ لا أرغب في أن يتخيّل شخص أن منزلنا كان عبارة عن مكان للتعذيب، أو كنا قائمين نائمين على القهر والظلم، حياتنا كانت مغلفة بمحبة أزعم أنها حقيقية، ما حدث كان خليطاً من الأنانية الشخصية وعدم القدرة أو الرغبة في مراجعة الذات، وسلطة مطلقة لا راد لها ولا رادع.

الإجابة المباشرة لسؤال أمي أن البيت يعيد إلينا ذكريات غير محبّبة، ولكن هناك إجابة أخرى حقيقية أوقن بها في داخلي: لا أحب منزل العائلة لأنه يعيدني إلى دينامكيات العلاقات القديمة، يبدو مثل مذبح أقيمت عليه أضحيات بشرية حتى اكتسب هالة نفسية حقيقية، عندما اقترب منه تسكنني أشباحه السابقة، لا أعود نفسي الجديدة، أصبح ضحية سهلة لجيناتي الخائنة، جيناتي التي أهلع منها.

عندما أذهب إلى بيتنا القديم يسهل علي التحول إلى مثال لشخص لا أحبه، وأرفض بشكل واع أن أكونه، جزء مني يفعل ذلك لأنه لا يرغب في أن يكون الطرف الضعيف في الحكاية كما حدث لي من قبل. تعلم مخّي على مر سنوات أن هناك نوعين فقط من الأشخاص في العلاقات، طرف مهيمِن وطرف مهيمَن عليه، وفي آلية مقاومة طبيعية لا أرغب في أن أكون المهيمَن عليه مرة أخرى.

أخاف الجينات لأنها لا يمكن قمعها للأبد، لا يشبه الأمر القيام بعملية تجميلية لتغيير أنف لا يعجبني، بل يشبه صبغ الشعر، يبدو مختلفاً لشهر واثنين وثلاثة، ولكن بعد ذلك يعود إلى لونه القديم بسهولة، يحتاج لعناية دائمة للحفاظ عليه باللون الجديد، لهذا السبب توقفت عن صبغ شعري الحقيقي، ولكن لن أتوقف عن صبغ شخصيتي، ولن أتوقف عن تقليمها كلما طالت أظافرها. أخاف جيناتي الخائنة، وأعلم أنها تخافني بالمثل، وحتى يتم اكتشاف عملية جراحية للتخلص منها،  سنظلّ في حرب ضروس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard