"في كل مرة نمارس فيها الجنس، أتحول لجدار ساكن فعلاً.
تلك الثواني الصامتة هي زمن محاولاتي اختلاق النشوة والأنين المزيفين و"ريأكشنات" ممثلات الأفلام الإباحية، التي حاولت استجلابها إلى سريرنا، لكنها لم تعالج المشكلة، بل زادت من حدتها! فأنا أتحول إلى شخص موتور، مختلج، أرعن في ميدان تبادل الحب".
"كنت أعلم أنه عندما يحين موعد الجنس، ستتحول هذه القصة الرومانسية إلى ابتلاء". ليلى، سورية مقيمة في ألمانيا، تعرضت للختان في الخامسة، عندما كانت في كردستان العراق
تخوض ليلى (اسم مستعار)، 25 عاماً، وهي سورية مولودة في محافظة السيلمانية بكردستان العراق، هذا الامتحان في كل تحاول فيها تبادل الحب مع حبيبها كوبا، 29 عاماً، في سرير منزلهما، والسبب ختانها عندما كانت في سن الخامسة من عمرها.
هي وحوالي 200 مليون امرأة حول العالم، تحولت خلواتهن مع شركائهن إلى امتحان قد يدمر العلاقة، وعوضاً عن طقس الحب الجسدي، فهن يضربن موعداً مع استحضار أصعب مأساة ألمت بأجسادهن، وفي مقابل رعشة نهاية سعيدة، ترتعش أجسادهن ألماً على نشوة تسمعن عنها فقط، لأن شفرة مسمومة بالجهل سحقت تجربتهن معها مدى الحياة.
العلاج بالكتمان
ليلى وندبة الـ "عفة" التي وصمت بها مدى الحياة، والتي كانت تأشيرة زواج لمنزل رجل من بيئتها، حوّلت قصة حبها اليوم في ألمانيا إلى ابتلاء.
"أقول ابتلاء، لأنني كنت أعلم منذ بداية العلاقة أنه عندما يحين موعد الجنس، ستتحول هذه القصة الرومانسية إلى ابتلاء، لكنني لم أتمكن من التملّص منها، أحببت كوبا، وأعشق المكوث في سريره وتقبيله". تقول ليلى لرصيف22 وهي من أصول سورية عاشت طفولتها في كردستان العراق، وتحديداً محافظة السيلمانية التي لا تزال إلى اليوم تحتضن بيئات وعائلات تمارس ختان الفتيات".
ازدادت حدة المشاكل مع تكتم ليلى عن السبب الحقيقي لعدم انسجامها مع شريكها الذي تحب.
في الأشهر الأولى للعلاقة، حاول كوبا مداراة الحالة النفسية التي تصيب ليلى كلما اقترب منها، ظناً منه أن ذلك الـ "جنون" على السرير سببه انحدارها من بيئة متعصبة، حتّمت عليها انعدام تجاربها الجنسية قبل وصولها إلى ألمانيا، ولكن بعد مرور أشهر على العلاقة، بدأت الخلافات تنشب بينهما، وازدادت حدتها مع تكتم ليلى عن السبب الحقيقي لعدم انسجامها مع شريكها الذي تحب.
تشعر الفتاة بالحرج من البوح بحقيقة مصيبتها، رغم اقتناعها بعدم جدوى علاج هذه المشكلة بمنأى عن مساعدة كوبا، لكنها تبقى عاجزة عن وصف ما حدث، والسبب حسب رأيها: "يستهجن كثيراً عاداتنا، وأنا لا أريد أن أكرس هذه الحقيقة في رأسه عندما ما أخبره بحقيقية ختاني، لأنني أريد الزواج منه في النهاية، سأبقى أحاول حتى أنجو بنفسي دون أن أكشف هذا السر أمامه".
هل يمكنهن النجاة؟
تلك النجاة تصفها الأخصائية النفسية يارا سالم بأنها مستحيلة دون مساعدة شريك ليلى، لأنها بجاجة إلى علاج نفسي طويل الأمد، واستشاري علاقات جنسية وأسرية يرتكز في بروتوكوله العلاجي بشكل أساسي على مصارحة الشريك وإشراكه بالعلاج.
تضيف سالم التي تشرف على مركز للاجئين في مقاطعة "تيرول" النمساوية: "وردتنا حالات عديدة لفتيات عانين من الختان مثل ليلى، يظهرن أعراضاً نفسية تتقاطع إلى حد كبير مع أعراض الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي خاصة مشكلة تجنب العلاقة الجنسية أو أي اتصال جسدي يحمل أفكاراً أو مشاعر أو وضعيات جسدية مرتبطة بالحادثة، إضافة للإحساس الدائم بالنقص واستحضار تلك الذكرى التي سلبتهن كرامتهن في وقتها، وحدت من فرصهن لامتلاك حقوقهن وتحقيق كامل إمكاناتهن".
"وردتنا حالات عديدة لفتيات تعرضن للختان، يظهرن أعراضاً نفسية تتقاطع إلى حد كبير مع أعراض الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي". الأخصائية النفسية يارا سالم
أما الأعراض الجسدية فتكون بحسب يارا سالم، سهولة تحريض مشاعر الفزع عند ملامسة المهبل أو الاقتراب منه، التوتر وعدم القدرة على الاسترخاء، الارتعاش الشديد في حال كانت الفتيات يتذكرن حادثة الختان والمشاهد والأشخاص المشاركين فيها، لذلك يتخذ معظمهن مواقف عدائية تجاه الأهل، ويأتي دور الزوج كعامل أساسي للتعامل مع هذه الاضطرابات بحساسية للمساعدة في تأهيل زوجته نفسياً من خلال تمهيد جيد للعلاقة الحميمة ومداراة إلى حد كبير حتى تتعافى.
الشريك هو مفتاح الخلاص في التعافي النفسي المرتبط بالعلاقة الجنسية، أما الشق العلاجي الفيزيولوجي وهو الأصعب، فيرتكز بشكل أساسي على نوع الختان والطريقة التي تم بها تشويه عضو الفتاة التي تعرضت للختان، ويقول الطبيب المختص في أمراض النساء نيتيش شارما، وهو من أصول هندية ويعيش في المجر، لرصيف22 أن هناك ثلاثة أنواع من ختان الإناث، النوع الأول هو استئصال البظر عبر إزالته بشكل كامل أو جزئي مع الجلد المحيط به، أما الثاني فيقوم على أساس الطي الجلدي الداخلي المحيط بالمهبل، فيما يقوم الثالث على قطع وإعادة تموضع الشفرين الصغيرين والكبيرين عبر إعادة تخييط الشفرين، وهناك أنواع أخرى مثل وخز وثقب وكشط البظر أو منطقة الأعضاء التناسلية.
ويضيف شارما: "الختان الفرعوني هو أشد أنواع الختان، وهو من الأنواع العصيّة عن التصحيح، ويقوم على استئصال كل ما يزيد عن سطح الجلد في منطقة الفرج، ثم خياطة فتحة المهبل، ليترك جزءاً يسير لخروج البول ودم الحيض، وكل أنواع الختان تسبب اضطرابات في الدورة الشهرية والتهابات بولية، فضلاً عن الألم الشديد وصعوبة الولادة بطريقة طبيعية".
يتابع: "من الصعب لشيء تشوه أن يعود كما كان بشكل مطلق، لكن توصل طب الجراحة النسائية إلى العديد من التقنيات التي تساعد المرأة على استعادة جزء من جاهزيتها الجنسية بعد تعرضها للختان" وعن علاج أو تصحيح الختان، يقول: "تقوم بعض العمليات على ترقيع غشاء البظر بجزء من المهبل، وبعضها يقوم على حقن البظر بمواد مشابهة لمادة البوتوكس لزيادة حجمه وحقنه بالبلازما لتعزيز عتبة الإحساس، وهناك تقنيات تعتمد على إطالة أو تمديد البظر إلى الخارج وتركه ليكون نسيج غشائي مشابه لبطانة الفم، وكل هذه التقنيات الجراحية تعتمد على نوع الختان ودرجة التشويه التي تعرضت لها الفتاة".
"توصل طب الجراحة النسائية إلى العديد من التقنيات التي تساعد المرأة على استعادة جزء من جاهزيتها الجنسية بعد تعرضها للختان". نيتيش شارما، طبيب مختص بأمراض النساء في المجر
تشير دراسات طبية أجراها قسم جراحة المسالك البولية في جامعة أوريغون للصحة والعلوم في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن البظر يحتوي على أكثر 8 آلاف من الألياف العصبية النخاعية لذلك يعتبر أكثر الأجزاء حساسية في جسم المرأة، ومن الصعب جداً تصحيحه بصورة كاملة بعد تشويهه، لكن العديد من المنظمات الدولية اهتمت مؤخراً بظاهرة الختان مثل الشبكة الألمانية لإنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية ومنظمة TERRE DES FEMMES في برلين.
وفي فرنسا التي منحت حوالى 3000 قاصرة عام 2022 حق اللجوء لأسباب تتعلق بالختان، تقدم خدمات الرعاية والتصحيح فيها العديد من المشافي مثل مستشفى جامعة ليموج ومستشفى جامعة Pitié Salpêtrière وهي عمليات مجانية يسدد تكاليفها الضمان الاجتماعي، أما في السويد فتنشط مؤسسة "مناهضة الختان" The Female Genital Mutilation/Cutting (FGM/C) National Knowledge Centre ومؤسسة أفكار.
وفي بريطانيا يقدم الدعم للفتيات اللواتي عانين من الختان في منظمات FORWARD و Doctors of the World ومنظمة IKWRO.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، تعرضت حوالى 150 مليون طفلة وفتاة لعملية الختان، بعضهن دون الرابعة من العمر، وتتركز هذه العمليات بشكل رئيسي في 30 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط، إلا أنها تُمارَس في بعض الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية.
"الكثير من النساء لم يشعرن بتحسن كبير بعد العملية، لقصور العلاج النفسي". نيتيش شارما، طبيب مختص بأمراض النساء في المجر.
التشخيص الأولي لحالة ليلى التي لجأت إلى عملية تصحيح بمساعدة منظمة TERRE DES FEMMES في برلين، يشير إلى احتمال عودة حساسية البظر بنسبة 40% لأنها تعرضت لعمليات كشط للبظر، لكنها الآن لا تشعر بأي متعة جنسية، وذلك بسبب الضرر النفسي الذي يسير علاجه بوتيرة بطيئة جداً.
وهنا يؤكد الطبيب الهندي الذي أشرف على عدد كبير من عمليات الختان ومضاعفاتها: "العامل الفيزيولوجي هام جداً، فنحن نتحدث عن محرّك لذّة المرأة، لكن الكثير من النساء لم يشعرن بتحسن كبير بعد العملية، لقصور العلاج النفسي، فتحسن المرأة في تقبّل الجنس وزيادة ثقتها بنفسها، هو الداعم الأكبر للعلاج".
ليس لهذا الإجرام القائم على التمييز الجندري أي سبب أو مبرر، فهذه الأفعال كلها موروثات موبوءة تخفي في طياتها مفاهيم بالية عن ما يسمى العفة. تذهب ضحيتها 150 مليون أنثى حول العالم، يبحثن عمن يشفي هذه الندبة الجسدية والنفسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع