شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نيابة برلين تقاضي الصحافية المصرية وفاء البدري... بعد تعرضها لموقف عنصري

نيابة برلين تقاضي الصحافية المصرية وفاء البدري... بعد تعرضها لموقف عنصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

عندما أعلنت القاضية ظهر التاسع من يونيو/ حزيران في محكمة "تيرغارتن" الابتدائية في برلين إغلاق القضية التي رفعتها النيابة العامة ضد الصحافية المصرية وفاء البدري بتهمة الإدلاء بأقوال كاذبة، ضجت القاعة التي امتلأت بالحضور بالتصفيق والصيحات الاحتفالية.

كان الحضور الكبير للمحاكمة لافتاً منذ البداية، ما دفع القاضية إلى طلب عدم الجلوس على الأرض ممن لم يحصل على مقعد، لكنه لم يكن مفاجئاً مع حضور العديد من المتضامنين مع الصحفية وفاء البدري، الذين رأوا ربما في القضية أكثر من خصام قضائي، بل عقاباً من النيابة لشخص رفع صوته ضد من وجه لها إهانة عنصرية.

كان يوم أحد تتسوق فيه في متجر "بيني" عندما استوقفها عنصر أمن المتجر وطلب تفتيش حقيبتها. عندما طلبت منه تفسير اختيارها وحدها للتفتيش، جاء عنصر آخر واحتدم النقاش فقال لها: "اخرجي من ألمانيا"

قبل بدء المحاكمة كان شاهد ألماني، طاب له تسمية نفسه بـ "المواطن الصالح"، يشرح للمنتظرين معه أمام باب القاعة ما شاهده خلال المشادة الكلامية التي نشبت يوم الواقعة بين وفاء ومفتش أمن في متجر "بيني" في محطة قطار "أوست بانهوف" ومحاولته تهدئة وفاء، مشتكياً من قلة الحساسية التي تتعامل بها السلطات مع مواطنين لديهم خلفية مهاجرة، في بلد لا يزال الساسة لا يريدون أن يروه بلد هجرة، متخوفاً من أن تأخد القاضية صف الشرطة وتصدق أقوالها.

بعد أن بدأت القاضية المحاكمة برفض طلب التكفل بمصاريف الدفاع، قرأت النيابة العامة ما تتهمه به وفاء، تحديداً القول كذباً كشاهدة في محاكمة سابقة لمفتش الأمن المذكور بتهمة توجيه إهانة عنصرية لها، بأنها لم تقل خلال المشادة المذكورة "ألمانيا نازية... شرطة نازية".

ثم أفسحت القاضية المجال لوفاء بالتعليق. كان ذلك يوم أحد تتسوق فيه في متجر "بيني" عندما استوقفها أحد عناصر أمن المتجر وطلب تفتيش حقيبتها. عندما طلبت منه تفسير اختيارها وحدها للتفتيش، جاء عنصر آخر وسرعان ما احتدم النقاش وتصاعد وخرج عن السيطرة.

قالت وفاء للمحكمة إنه بدأ بالصراخ عليها وسألها لماذا تتحدث بهذه الطريقة، وطلب منها مغادرة ألمانيا، وقال إنهم لا يتحدثون هكذا مع بعضهم في ألمانيا، ولا بد أن تكون مؤدبة. هنا ردت بأنها ستقول ما تريد ولم تقل شيئاً خاطئاً، فقال لها مجدداً: "اخرجي من ألمانيا".

رغم أنها بدت متماسكة طوال الشهادة، راحت وفاء تبكي وهي تصف كيف بدأ العنصر المذكور بالسخرية منها عندما قالت إنها ستتصل بالشرطة، متسائلاً إن كانت تريد أن يتصل هو لها بالشرطة لأنها لا تتحدث الألمانية، مشككاً بأن تفعل الشرطة شيئاً لأجلها، فردت عليه بأنها تعلم أنها ستساعدها وتعرف قوانين هذا البلد، وتدرك أن الشرطة تدافع عن الجميع.

رغم أنها بدت متماسكة طوال الشهادة، راحت وفاء تبكي وهي تصف كيف بدأ العنصر المذكور بالسخرية منها عندما قالت إنها ستتصل بالشرطة، متسائلاً إن كانت تريد أن يتصل هو لها بالشرطة

فيما كانت تنتظر الشرطة، بات يتسكع هناك ويكرر أن عليها الخروج من ألمانيا، تتذكر وفاء التي قالت إنها ردت: "إن كانت ألمانيا تلك التي تصفها فاللعنة عليها".

ما فاجأها، حسب شهادتها، أن عنصري الشرطة لم يتحدثا معها فور وصولهما، بل تحدثا مع عنصري أمن المتجر، رغم كونها هي من اتصلت بهما، ثم رفضا تسجيل شكوى جنائية تريد تقديمها مجادلين بأن القول: "اخرجي من ألمانيا"، ليست إهانة، وطلبا منها ومن الشهود المغادرة. لكنها أصرت وطلبت من الشرطة أن يوقف عنصر أمن المتجر المذكور الحديث معها.

تحدثت وفاء عن أنها كانت تحت وقع الصدمة حينها لأنها أحست بأن لا أحد يريد سماعها. حينما طلبت الشرطة منها الذهاب للمخفر وتقديم شكوى هناك، وجدت نفسها قبالة شرطي عدواني للغاية، يضرب الطاولة بيده بشدة، حسب توصيفها، وقدمت الشكوى 

وتوقفت القاضية ملياً عند هذه الكلمات موضوع الدعوى، وطلبت من وفاء ذكر كيف نفت الأمر. وحاولت هنا محامية الدفاع إيلين فريدمان أيضاً استيضاح ما قالته موكلتها لهيئة المحكمة الماضية عند نفيها نسب هذه الأقوال لها.

استدعت القاضية الشاهدة الأولى، وهي شرطية كانت متواجدة في المخفر حينها، فأكدت مراراً أنها لا تتذكر كل شيء بعد كل هذه الفترة، مقدمة معلومات غير دقيقة

وتحدثت وفاء عن تفاجئها بنسب الكلام المسيء للشرطة وألمانيا لها في المحكمة الأولى وعدم سماعها كل شيء في المحاكمة الماضية، خاصة ما قاله أحد القضاة، ووجود مشاكل في الترجمة ربما، لأن الحديث كان عن 3 عناصر شرطة يؤكدون أنها قالت هذه الكلمات، فيما لم تر هي سوى عنصري شرطة، ولم يكن واضحاً إن كان الأمر متعلقاً ب3 عناصر شرطة أو 3 أشخاص.

ثم استدعت القاضية الشاهدة الأولى، وهي شرطية كانت متواجدة في المخفر حينها، فأكدت مراراً أنها لا تتذكر كل شيء بعد كل هذه الفترة، مقدمة معلومات تقديرية غير دقيقة.

ووصفت الأمر بأنه كان شجاراً بين مجموعة من الأشخاص، وكانت المدعى عليها وفاء متوترة للغاية وتصرخ ومن الصعب تهدئتها، والفصل بين الأطراف في المخفر ومعرفة الوقائع.

عندما سألتها القاضية فيما إذا كانت شعرت بالإهانة من كلام وفاء، ردت بالنفي القاطع. هنا عادت بها القاضية إلى ما قالته في شهادة سابقة عن تأكيدها بأن وفاء قالت تلك الكلمات "شرطة نازيون... “، ردت محاولة تفادي تكذيب نفسها، بأنها إن كانت قد أدلت بذلك فهي الحقيقة، لكنها لا تتذكر الآن.

وعندما حاولت القاضية معاودة السؤال والضغط عليها أكثر، وضعت يديها على رأسها وقالت إنها لا تتذكر حقاً، فأعلنت القاضية قطع الجلسة وطلبت من الحضور الخروج.

استأنفت القاضية الجلسة لاحقاً بإعلان صرف جميع ما تبقى من شهود، بلغ عددهم 10، والإعلان عن إغلاق القضية بعد موافقة النيابة العامة.

اعتبرت البدري ما جرى معها تنميطاً عنصرياً، موضحة أن المشكلة الأساسية ليست في التفتيش ولكنها بسبب تدخل عنصر آخر، ومهاجمتها لفظياً.

وفي حين رفضت ممثلة النيابة العامة الإدلاء بتصريح، قالت محامية الدفاع فريدمان لرصيف22 في تعليق على القرار، أنه كان بالإمكان إغلاق القضية قبل نصف عام مع نفس النتيجة، أو عدم بدئها من الأساس. ورأت أنه من المحزن أن تصل الأمور إلى هذا الحد، موضحة أن النيابة العامة وجدت حتى قرار اليوم صعباً للغاية بقبول إغلاق القضية، إذ لم تكن تريد إغلاقها، لكنها فعلت تحت ضغط القاضية وضغطها طبعاً، وإن كان بشكل محدود.

وقالت إن ما يهم الآن أن القضية انتهت ولن يكون لها أي أثر على مستقبل موكلتها وفاء، ولن يتوجب عليهم الطعن مجدداً لو كان تم إدانتها.

وفيما إذا كانت شهادة الشرطية مرجحة لاتخاذ هذا القرار، رأت أنها لم تكن إيجابية ولصالح الإدانة، حيث لم يكن بوسعها التذكر، وأكدت فقط ما قرأته القاضية من بروتوكول المحاكمة الماضية، موضحة أنه لو كانت شهادتها مختلفة لتوجب عليهم سماع شهود آخرين، وعندما لم تحصل على نتيجة 100٪ رأت القاضية أن عليها الآن سماع جميع الشهود ولن يكون الحكم سهلاً، ففضلت أن تغلق القضية.

وعن سبب إقدام النيابة العامة من الأساس على رفع دعوى ضد وفاء، خمنت فريدمان أن النيابة شعرت بالاستفزاز، قائلة لنفسها إننا نتعامل مع هكذا قضية ومن ثم يهيننا أحدهم بهذه الكلمات، فشعرت بأنها مهاجمة، وبدأت الأمور عبر قاضي المحاكمة الماضية، ومضى الأمر لأنه اُعتبر نفيها قول هذا الكلام "هجوماً" على النظام القضائي الألماني، ولم يكن ممكناً بالنسبة لهم التخلي عن الأمر.

وأوضحت أنها بقرارها إغلاق الدعوى تعني المحكمة أنها لا تعلم إن كانت هذه الكلمات قد قيلت والقضية صغيرة للغاية لذا يرتأون إغلاقها. كذلك رأت القاضية أنه ما كان ينبغي تضخيم القضية على هذا النحو، ولم تتفهم ذلك.

وبينت أن وفاء كانت شاهدة في محاكمة عنصر أمن المتجر السابقة، ولم تخسر القضية لأنها لم تكن بينها وبين المدعى عليه فقط، الذي حُكم لصالحه بالبراءة، لأن الشرطة ومفتش المتجر شهدوا لصالحه.

أمام مبنى المحكمة بدا الارتياح واضحاً على وفاء، وبعد أن انتهت من تلقي التهاني من الأصدقاء، صرحت لرصيف 22 بأنها سعيدة طبعاً لانتهاء الأمر، وإن كان قد كلفها الكثير من الوقت والقلق.

أمام مبنى المحكمة بدا الارتياح واضحاً على وفاء، وبعد أن انتهت من تلقي التهاني من الأصدقاء، صرحت لرصيف 22 بأنها سعيدة طبعاً لانتهاء الأمر، وإن كان قد كلفها الكثير من الوقت والقلق والطاقة والخوف في النهاية، وباتت مضطرة الآن لتحمل تكاليف المحامية، لكن هذه مشكلة أصغر بكثير مما كانت ستواجهه في حال الإدانة.

وأضافت أنها لا زالت لا تفهم كيف وصل الموضوع إلى ما هو عليه، مؤكدة أنها لم تقل الكلام المنسوب لها، وليست طريقتها في الحديث، خاصة أنها كصحافية مدربة على الانتباه إلى ما تتحدث به.

ورأت الموضوع "سخيفاً"، واستهلاكاً لموارد الدولة وأموال دافعي الضرائب، وكان من الواضح منذ البداية عدم معقولية الاتهام، وقلب شهادتها كضحية في قضية اعتداء عنصري ضدها، الأمر الذي يزعج المرء ويجعله خائفاً طوال الوقت من استخدام الأدوات الديمقراطية وأولاها سيادة القانون، إذ عندما أرادت استخدام القانون بات ضدها لسبب ما وهو ما لا تفهمه.

صورة لوفاء البدري من حسابها الشخصي

معلقة عما جرى معها في المتجر، رأت أنه ما عدا كون التفتيش إجراء اتهامياً، لكنه لم يكن مبرراً، وكل ما طلبته حينها أن يبرر لها مطالبته بتفتيشها تحديداً، فيما يسمح للآخرين بالمغادرة. واعتبرت أيضاً أن الأمر لا يتعلق باختلاف ثقافات وعدم حساسية في التعامل من قبل مفتش المتجر، بل باستخدام أناس سلطتهم بشكل خاطئ، لا سيما أنه من المعروف أنه لا يمكن لأحد تفتيش الحقيبة إلا بالقانون ومن قبل الشرطة وعند وجود سبب، لا أن يفتش أحدهم حقيبة الآخر ببساطة، دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية.

واعتبرت ما جرى معها تنميطاً عنصرياً، قد يكون نابعاً عن عدم معرفة لا عن قصد، عند افتراض حسن النية، موضحة أن السبب الأساسي لم يكن ذلك التفتيش، بل تدخل شخص آخر، ومهاجمتها لفظياً.

وعن التبعات التي كانت تخشاها، قالت إن إدانة محتملة لم يكن ليؤثر على إقامتها، لكن الحكم عموماً بالنسبة لأي مهاجر، مرتبط بأمور عديدة.

وعما إذا كانت قد ندمت على تقديم شكوى، وإن كان قرارها صحيحاً من حيث المبدأ، بعد كل ما جرى، قالت إنها تشعر بخيبة الأمل لأنه لم يسمعها أحد عندما تعرضت شخصياً لواقعة عنصرية، ووضعها تقديم الشكوى في هذا الموقف.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image