شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل تعلم نضال الأحمدية أن الصالحية هي عاصمة الشوكولا مو؟

هل تعلم نضال الأحمدية أن الصالحية هي عاصمة الشوكولا مو؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

هل يضيف خطاب "نضال الأحمدية" اللبنانية لوناً جديداً إلى لوحة "الفسيفساء" العنصرية التي يواجهها السوريون والسوريات في العالم؟

في الواقع الجواب هو لا.

لكن ميزة ما تمارسه وترتبكه نضال الأحمدية، هو ظهورها "كصحفية"، في منابر إعلامية تمنحها الصوت لنقاش جهل "السوري" ودرجة رقيه التي تقاس حتماً "بالشوكولا مو".

ميزة ما تمارسه نضال الأحمدية، هو ظهورها "كصحفية"، في منابر إعلامية تمنحها الصوت لنقاش جهل "السوري" ودرجة رقيه التي تقاس حتماً "بالشوكولا مو".

يبدو هذا النوع من الخطاب بدائياً نسبياً، وغير معقد، ويعود بالعنصرية إلى أصلها وتعريفها الأول، وشملها لمجموعة من الناس بناء على عرق أو لون أو جنسية أو جنس أو دين أو غير ذلك، وتعميم صفة واحدة تنطبق على هذه الجماعة وعزلهم واضطهادهم والتعالي عليهم، وتعكس أيضاً رغبة دفينة أو صريحة في التخلص منهم، بأي طريقة، وهنا تحاول الدولة اللبنانية ترحيل اللاجئات واللاجئين السوريين بطريقة "طوعية" إلى بلاد قد يتم فيها اعتقالهم، وقتلهم، وفي أحسن الأحوال لم يعد لديهم فيها بيوت.

ما نجا منه السوريات والسوريون هذه المرة، هو الرد على نضال بطريقة تعميمية تشبه تلك التي تناولتها هي وتمنت أن تلقى رداً عاماً، فجاءت الردود عليها كشخص منعزل ولم تشمل اللبنانيات واللبنانيين معها، كما تناولت معظم الردود الأمر بشكل فكاهة جديدة، تلقى على عاتق مصائب السوريات والسوريين.

لا تمثل نضال الأحمدية نفسها فقط مع الأسف، بل هي تمثل حيزاً  من اللبنانيات واللبنانيين الذين يشعرون بتفوق على "السوري". لكنهم أيضاً يشعرون بالتفوق على اللبنانيات واللبنانيين الذين لا يشبهونهم، وهم ينتمون بطبيعة الحال لدولتهم المفضلة "فرنسا"، ويعتبرون بيروت "باريس" الشرق، كما تقول الأحمدية.

بالرغم من أن المقارنة لا تصلح في أي حال لمقارنة بيروت بباريس، لكنني لا زلت أرى بلداننا الشرق أوسطية أجمل من باريس، وسوف أشعر دوماً بالانتماء إلى دمشق وبيروت أكثر من برلين وباريس.

وأستخدم هذا التشبيه هنا، لأن السوريات والسوريين يعتبرون برلين عاصمتهم في أوروبا.

لا تزال تدهشني كل أنواع التشابيه والصور التي تخلقها الشعوب لتهون على نفسها فظاظة العيش، ويدهشني أكثر أن بعض السوريات والسوريين يريدون أن يخلقوا سوريا جديدة في برلين، بينما يريد بعض اللبنانيات واللبنانيين أن يخلقوا باريس في بيروت!

هل تعلم نضال الأحمدية أن الصالحية هي عاصمة الشوكولا مو؟

كتبت الصحفية والناشطة السورية ميس قات على صفحتها الشخصية على فيس بوك: "أصلاً الصالحية عاصمة الشوكلامو، تُقدم بكاسة ستانلس طويلة ومعها ملعقة طويلة ما بيعرفوا يستعملوها غير محترفي الشوكلامو، أرخص أشكال البوظة بمطاعم دمشق، أرخص من بوظة الدق بالفستق الحلبي وأرخص من سلطة الفواكه عند أبو شاكر. لاحقاً لما تركت البلاد، أرض الشوكلامو، اكتشفت أن الهولنديين والألمان والسويديين والدانماركيين مابيعرفوا الشوكلامو… بسموها بوظة بكريمة".

وبينما تباينت الآراء فيما يخص الرد على الأحمدية، اجتمع السوريات والسوريون على حُب الشوكولامو، لكن ما يشعرني بالغثيان كسورية اليوم، هو في الواقع معرفتي بأن السوريات والسوريين تعرضوا للجوع مؤخراً، وعاشوه، وأكلوا حشائش الرصيف، وطهوا أحياناً الحجر في قدر ماء وشربوه، تماماً كما في قصص الساحرات الشريرات، وبأن أبشع كوابيسهم كان أحدها الجوع، وبأنهم عاشوا حصارات كثيرة، وتخلوا عن الكثير مما يشتهون بعد أن بلغ ثمن كل شيء عشرين ضعفاً على الأقل.

لا تعرف نضال الأحمدية أننا كسوريات وسوريين قد اتفقنا ضمناً بعد كل ما مر أن نمتنع عن مشاركة صور الطعام على منصات السوشال ميديا، احتراماً لكل جراحنا التي لم تشف بعد. وبأن للشوكولامو في الذاكرة طعماً حلواً ممزوجاً بحرقة الفقد. فليست العنصرية اليوم هي ما يؤلم على الأخص، لكنها تأتي كالملح الذي يرش على الجراح الغضة.

ولا يأتي حس الفكاهة الذي نواجه به أزماتنا نابعاً من أي نوع من السعادة التي يمكن أن نحصل عليها كسوريات وسوريين اليوم في أي مكان في العالم، فنحن نبتلع كرات الشوك كل يوم، وننتظر أن نفجر حنقنا بضحكة مجلجلة.

لا تعرف الأحمدية أننا كسوريين قد اتفقنا ضمناً بعد كل ما مر أن نمتنع عن مشاركة صور الطعام على منصات السوشال ميديا، احتراماً لكل جراحنا التي لم تشف بعد. وبأن للشوكولامو في الذاكرة طعماً حلواً ممزوجاً بحرقة الفقد

الجدير بالذكر أنني في السنوات العشر الأخيرة شهدت محاولات هروب كثيفة لصديقاتي وأصدقائي من أرض لبنان المسجونة، ومن سلطات لبنان ومليشياته التابعة للنظام السوري، وبأنني شهدت عدداً لا ينتهي من ختم "منع دخول مدى الحياة" إلى لبنان على وثائق السوريات والسوريين، وبأن هنالك عدداً هائلاً من الصديقات والأصدقاء اللبنانيات واللبنانيين ممن واجهوا معنا ذات المطرقة، ونجوا بأعجوبة ومنهم من لم ينج بعد.

صباح الخير لكل الدافئين في هذا العالم البارد

وفيما كانت الردود السورية متباينة من كل مكان، داخل سوريا وخارجها، كتبت المغنية السورية الأرمنية لينا شماميان كرد غير مباشر  على صفحتها الشخصية على فيس بوك:

" صباح الخير

صباح الخير لكل من يضع الزيتون والزعتر داخل الكرواسان، لفرن القشلة وكل أفران المناقيش الفايحة ريحتها بالشوارع.

صباح الخير للهيل المضاف للبن العربي.

صباح الخير للتماري كعك الأطيب من كل كريپ العالم.

صباح الخير للمهجّرين واللاجئين والنازحين، أولئك الذين ذاقوا طعم الظلم دون أن يختاروه، ورغم ذلك لم يرضوه لأحد.

صباح الخير للعامل "من أي جنسية كان" الذي لا يملك رفاهية أن يقرأ هذا الكلام، ولكنه يواجه العنصرية والتعالي من القاصي والداني كل يوم.

صباح الخير لمن يحب المدلوقة، الكنافة، كشك الفقرا مدري الأُمَرا، للقيمع والبوظة دق، الهيطلية والحلو بالمازهر، للحلاوة بالجبن الحموية والحمصية والشامية، للبامية الديرية، للراحة الدرعاوية والمعمول بجبنة.

صباح الخير لخناقة البازلا برز، والرز ببازلا !!!!

صباح الخير لفطور يوم الجمعة المجبول بأيدي الآباء بعد صلاة الجمعة.

صباح الخير للسوريين الذين كلّما اختاروا درباً طالعتهم فيه المصائب والكره في الأزقة، فحملوا تعبهم وخيباتهم زاداً وقالوا (يا فتّاح يا عليم يا رزّاق يا كريم ... صباح الخير)

صباح الخير لنازك العابد، لمجلة العروس، لكوليت خوري وغيرهنّ كثيرات

ليست العنصرية اليوم هي ما يؤلم على الأخص، لكنها تأتي كالملح الذي يرش على الجراح الغضة.

صباح الخير لأمي وأبي، لأساتذتي والكرمة والمعهد وكل من عملني ثقافة ال "عيب" و"الخْطَيْ" و"الحرام"

صباح الخير لآنستي إحسان الزهر، أستاذ عبد الكريم سلّوم ومدام جليلة بريك الذين علّموني قواعد اللغة العربية، وهي اللغة الأغنى لقلبي بين كل اللّغات التي أتكلم بلسانها.

صباح الخير لهاني نديم الذي علّمني أنني مهما تعلمت، فأنا لستُ بعارفة.

صباح الخير لفيروز: كل صباح.

صباح الخير لجبران خليل جبران، لطلال حيدر وميشيل طراد وغيرهم كتار.

صباح الخير لكل من قال بوجه العنصرية وثقافة الكره (لا)

صباح الخير لكل الذين ما زالوا يفخرون بنطقهم السليم للّغة العربية.

صباحك خير سورية... صباحكم خير أيها السوريين

صباح الخير للجميلين الدافئين في هذا العالم البارد".

الذاكرة السورية لا تزال تعبق بالصور والروائح والطعمات، ولا تزال الشوكولامو مطبوعة في ذكرياتنا "الحلوة" عن سوريا، فنحن نملك ألبومي صور أحدها حلو كالسكر، والآخر مبلل بدموعنا الطرية. نقسم ذكرياتنا بين هذين الألبومين، وقد وضعنا الشوكولامو حتماً في الحلو منها. وربما هذا ما لم تفهمه الأحمدية، ولن تفهمه أبداً، فهي تملك ألبوماً واحداً فقط يشبه كل ما تتفوه به. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image