"هل أنت حامل"... معاناة النساء مع متلازمة تهيّج القولون العصبي

لم تعد أوجاع النساء تؤخذ على أنها أوهام مرتبطة بفترات الحيض أو الحمل والولادة فحسب، بل أصبحن أكثر وعياً وتفهماً لكل ما يشعرن به، وأكثر اهتماماً للحديث عن آلامهن من دون حرج، ساعدهن التطور الطبي حيناً، ومساحات الحديث عمّا يعانينه عبر العالم الافتراضي أحياناً أخرى.

متلازمة تهيّج القولون العصبي، واحدة من تلك الأمراض التي كانت غير معروفة برغم انتشارها الواسع، وكانت تتّحد مع أعراض ما قبل الدورة الشهرية وغيرها، قبل أن يؤكد الطب أنها مرض عصبي مزمن يصيب جدار القولون، مرتبط بالحالة العاطفية والنفسية للمصابين سواء كانوا رجالاً أو نساء.

معاناة لا تنتهي

قبل 15 عاماً، لم تصدّق ياسمين، أن نوبة حزن شديدة اجتاحت مشاعرها يوماً، قادرة على التحول إلى مرض مزمن، يقلب أسلوب حياتها ويتحكم في أصناف غذائها وشرابها وتوقيت لقاءاتها الاجتماعية.

تستذكر الثلاثينية، والأم لسبعة أبناء، كيف أخبرها طبيبها بعد فحوصات مطولة بالمناظير والتحاليل بحماسة: "كأنه يتكلم عن اكتشاف عظيم هو أنني مصابة بالقولون، وطلب مني تحسين حالتي النفسية ونوعية غذائي وتجنّب الكثير من الأشياء، بدايةً من استبدال القهوة بحبة تفاح صباحاً للتخفيف من حدة تهيّج القولون. أحاول أن أنفّذ ما طلبه مني حرفياً لكنني لا أنجح دائماً".

وشرحت لرصيف22، المسلسل اليومي لحياتها التي تدور حلقاته حول نفسها، إذ تكمن مشكلة متلازمة القولون العصبي في كونها علاقةً تبادليةً طرديةً مع الحالة النفسية؛ فكلما انتفخ القولون ساءت الحالة النفسية، وكلما تعرض المزاج للتقلب ازداد انتفاخ القولون، مما يجعل المخرج من هذه الكرة المنتفخة أمراً صعباً للغاية.

متلازمة تهيّج القولون العصبي، واحدة من تلك الأمراض التي كانت غير معروفة برغم انتشارها الواسع، وكانت تتّحد مع أعراض ما قبل الدورة الشهرية وغيرها، قبل أن يؤكد الطب أنها مرض عصبي مزمن يصيب جدار القولون، مرتبط بالحالة العاطفية والنفسية للمصابين سواء كانوا رجالاً أو نساء

إكرام، أمّ لطفلين، لها درب مختلف في معاناتها مع القولون العصبي، فهي في البداية اعتمدت لتشخيص هذا المرض على مقولة تتردد عبر السوشال ميديا ومحرك البحث غوغل، مفادها أن النساء اللواتي مررن بتجربة الحمل والولادة لا بد من إصابتهنّ بهذا المرض، لذلك فهي لم تذهب إلى طبيب/ ة، بل شخصت نفسها بنفسها، واتّبعت نظاماً غذائياً ساعدها، وبعضاً من مهدئات المعدة، كاشفةً أن عامل الوراثة والظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها في غربتها ووحدتها، كانت من الأسباب التي أوصلتها إلى مرض القولون العصبي.

ووصفت لرصيف22، محاولاتها لتلاشي تلك الأعراض الشائعة للقولون، من الانتفاخ في منطقة البطن والإمساك المزمن، وكثرة الغازات إلى الأوجاع المتعددة، وكيف أصاب جسدها بالضعف الشديد والهزال: "أصبحت أحسب ألف حساب لأي لباس أرتديه حتى لا يظهر انتفاخ بطني، ولكي أتحاشى التساؤلات من الأقارب مثل: هل أنت حامل؟"، مشيرةً إلى أنها أصيبت بهوس كبير في تطبيق الوصفات الغريبة وتناول الأعشاب الطبيعية أملاً في التخفيف من حدة المرض، إنما دون جدوى.

وكشفت إكرام أن المتلازمة وما أحدثته من تغييرات في جسدها وحالتها المزاجية، أثّرت سلباً على علاقتها مع زوجها: "زوجي لم يتفهم طبيعة المرض. يعدّه وسواساً لا وجود له كما أنه لم يحاول الوقوف بجانبي لتجاوز الحالة النفسية الصعبة التي أمرّ بها، بل يسخر كثيراً من تلك الأعراض المزعجة مثل كثرة الغازات والحاجة الملحة إلى المكوث في الحمام من وقت إلى آخر، وضيق النفس"، فهذه الأمور وفق قولها، لا تنتظر الاستئذان، ولا تستطيع التحكم بها.

تتفق ياسمين مع إكرام على أن القولون كان سبباً في عزلتهما عن المجتمع، واعتذارهما الدائم عن حضور تلك المناسبات التي تقوم على تناول الطعام أو التواجد في الأماكن العامة، لاحتياجهما الضروري إلى الذهاب إلى الحمام، وتفادياً للعواقب والتشنجات التي قد تصيب المعدة عند تغيير أساليب الطعام، كما تجتمعان على القول إن المجتمع لا يزال يجهل معاناتهن ويبخّس من شأنها.

ما علاقة متلازمة القولون العصبي مع النساء؟

في حديثه إلى رصيف22، أوضح الطبيب المختص بالجهاز الهضمي، باسم شندير، أن متلازمة القولون العصبي IBS تُعدّ مرضاً عصبياً مزمناً يلعب العامل النفسي دوراً في نشأته؛ لكنه ليس السبب الوحيد، بل تجتمع أسباب هضمية أخرى معه.

وأشار إلى أن متلازمة القولون العصبي من الأمراض التي لا يمكن تشخيصها بسهولة أو ملاحظة تغيّر ما نتج عنها على أنسجة القولون، بل تُشخص وفق الأعراض التي يشعر بها المريض/ ة: "عادةً ما يُعاني مصابو متلازمة القولون العصبي من انقباض عضلات القولون بمعدل أعلى من غير المصابين بتلك المتلازمة، ما يسبب لهم الشعور بألم البطن الشديد والمستمر"، على حدّ قوله.

"أصبحت أحسب ألف حساب لأي لباس أرتديه حتى لا يظهر انتفاخ بطني، ولكي أتحاشى التساؤلات من الأقارب مثل: هل أنت حامل؟"

وبحسب شندير، ليس هناك سبب وحيد لتهيج القولون العصبي، بل هي مجموعة عوامل: كالاضطرابات الحركية لعضلات الأمعاء أو القولون، والحساسية للمريض/ ة، إلى جانب العامل النفسي، بحيث يزداد لدى الأشخاص الأكثر حساسيةً للضغوط النفسية والتوتر، وعادةً ما يرتبط القولون العصبي بعمر العشرينات وما فوق، لكن الغالبية تكون نسبتها عند النساء بشكل أكبر من بين المصابين ومن بين زوار العيادات الخاصة لعلاج القولون.

وطبقاً لحديث الدكتور باسم، فإن "طبيعة جسم المرأة وهرموناتها تزيد حدّة اضطرابات القولون العصبي وهناك العديد من الحالات التي يمكن أن تثير غضب القولون العصبي إن جاز التعبير، والعديد منها يؤثر على النساء أكثر من الرجال".

واستطرد قائلاً: "بالنسبة إلى الدورة الشهرية، هناك مريضات تشتد أعراض القولون لديهنّ كآلام البطن والتقلصات ما قبل الحيض، لكن ليست هناك دراسات تؤكد أن التقلصات هذه نتيجة متلازمة القولون، فالموضوع متداخل، كذلك لا يؤثر على الخصوبة وليست له علاقة بذلك، كما أن متلازمة القولون لا تؤثر على استمرارية الحمل، لكن هناك دراسات قليلةً تؤكد أنه أحياناً تكون نسبة الإجهاض أكبر لدى المريضات بالقولون. يمكن القول هنا: ربما أعراض الحمل تضاعف من أعراض القولون، كزيادة الإمساك مثلاً نتيجة هرمونات الحمل أو تناول بعض الأدوية، كالحديد لتقوية دم الأم الحامل".

بلغة الأرقام والدراسات

في هذا الخصوص، أظهرت دراسة قدمتها المؤسسة الدولية لاضطرابات الجهاز الهضمي (IFFGD)، وشملت أكثر من 150 امرأةً في فترة الحيض مع متلازمة القولون العصبي، تداخلاً بينه وبين اضطرابات الجهاز التناسلي. ما يقرب من 45% و35% منهن عرّفن بأنفسهنّ على أنهنّ يعانين أيضاً من عسر الطمث ومتلازمة ما قبل الدورة الشهرية، على التوالي، بينما أبلغت النساء المصابات بـIBS عن مستويات أعلى من آلام تقلصات الرحم عند الحيض مقارنةً بالنساء غير المصابات بالقولون.

وبحسب الدراسة، تم الإبلاغ عن العجز الجنسي من قبل عدد كبير بشكل غير متناسب من المرضى (رجالاً ونساء) مع القولون العصبي، كما أن ما يقرب من 32% من النساء المصابات بالـIBS أبلغن عن مخاوف تتعلق بالأداء الجنسي، ويمكن أن يتراوح العجز الجنسي من انخفاض الدافع الجنسي (أكثر الأعراض شيوعاً التي أبلغ عنها كل من الرجال والنساء المصابين بمتلازمة القولون العصبي)، وصولاً إلى الجماع المؤلم.

تتجه العديد من النساء إلى التشخيص بناءً على الأعراض الشائعة من دون الذهاب إلى الفحص السريري.

تعليقاً على هذه النقطة، قال الدكتور شندير: "بعض المرضى قد لا يتقبلون فكرة أن هذه الأعراض ليس لها سبب واضح، ولا يوجد لها علاج شافٍ بنسبة 100%، وأن الأعراض قد تستمر، وتتردد أحياناً أخرى، وجزء آخر من المرضى يكونون متخوفين من إجراءات الفحص والتنظير، برغم أن معظم الحالات يكون التنظير فيها طبيعياً لا يحتاج إلى إجراءات معقدة، كما أن التنظير لا يثبت المرض لكنه ينفي وجود أمراض عضوية أخرى محتملة لتشخيص الأعراض الملازمة للمريض/ ة".

وأوصي الطبيب المختص بالجهاز الهضمي، المرضى بتنظيم أمور حيواتهم بما يشمل نمط التعاطي مع الضغوط والتوتر والأولويات، أي يجب أن يكون هناك جهد من قبل المريض/ ة لمعالجة نفسه/ ا، لافتاً إلى أن الأدوية تُعطى كوسيلة للتخفيف من حدة العلامات والآلام المتزايدة، لكن الجهد الأهم والأكبر يرتكز على الشخص المصاب ونمط الغذاء المتبع وإدارة الحالة النفسية والمشاعر.

الرابط بين الحمية وتهيّج القولون

منذ سنوات، ومع انتشار المصابين بالقولون العصبي، شكل علاج متلازمة القولون نقطة انطلاق وارتداد، بدايةً من الأدوية التي تقلل حدة الأعراض من دون التدخل مع مسبباتها، أو العلاجات النفسية والبدنية، إلى العلاجات العشبية والتقليدية ذات المخاطر والتداخلات المتعددة، قبل ظهور الدراسات العلمية التي أظهرت أن طريق التعافي يبدأ من التحكم بما يدخل إلى الجسم من طعام وشراب، للحد من معاناة مرضى القولون العصبي.

في هذا السياق، قالت أخصائية التغذية الإكلينيكية في السويد، أسماء أبو القمصان، لرصيف22، "إن متلازمة القولون العصبي، اضطراب يصيب المعدة والأمعاء، ومن أبرز علاماته، الإسهال أو الإمساك أو كلاهما، وعدم الإحساس الكامل بالتبرز وغازات البطن وانتفاخها، تصاحبها آلام التقلصات والغثيان والحموضة، ويتفق العلم مع الطب في التأكيد على أن التوتر والقلق والأكل غير المتوازن تفاقم المعاناة عند الشخص المصاب".

"زوجي لم يتفهم طبيعة المرض. يعدّه وسواساً لا وجود له كما أنه لم يحاول الوقوف بجانبي لتجاوز الحالة النفسية الصعبة التي أمرّ بها، بل يسخر كثيراً من تلك الأعراض المزعجة مثل كثرة الغازات والحاجة الملحة إلى المكوث في الحمام"

وتحدثت أسماء عن الأطعمة والعادات التي تتسبب في اضطراب القولون، كالأكل السريع والأطعمة المقلية والدهنية إلى جانب المشروبات الغازية والقهوة وبعض الخضروات والفواكه التي تتخمر في المعدة وتسبب الغازات: مثل البطيخ والبقوليات والبصل والثوم، كذلك قد تكون المعدة والأمعاء غير قادرة على تحمل اللاكتوز الموجود في الألبان، والألياف إلى جانب الخبز وحبوب القمح، لذلك قد يرتاح الكثير من المرضى عندما يتناولون أطعمةً من غير غلوتين لأن هذه الأطعمة تحتوي على كمية قليلة من الألياف، مشيرةً إلى أن الأنظمة التي تُتّبع من أجل تخفيف القولون قد تختلف من شخص إلى آخر، لأن الأعراض تختلف.

بحسب أبو القمصان، فإن نظام الفود ماب Fodmap هو الأنسب لمرضى القولون: "أثبتت الأبحاث أن النظام الأسترالي Fodmap، ساعد أكتر من 70% من مرضى القولون العصبي في تخطي الآلام، وهو نظام صعب التطبيق إذا كان من دون مساعدة ومتابعة من أخصائي/ ة التغذية، وهو يرتكز على التقليل من تناول الكربوهيدرات صعبة الهضم والتي تتخمر في المعدة، وفق برنامج يسير عليه المريض تدريجياً ووفق خطوات عدة".