ازداد التواجد الأمني الفرنسي في السنوات الخمس الأخيرة في منطقة الخليج، مع توسع مصالح فرنسا في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ساهم في ذلك تحوّل دول خليجية إلى شراء الطائرات المقاتلة والمروحيات والأسلحة البحرية والدفاعات الجوية الفرنسية، كبديل من السلاح الأمريكي الذي يتطلب الحصول عليه إجراءات معقدةً.
في تقرير نُشر في 13 آذار/ مارس عام 2023، أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إلى أن فرنسا باتت ثاني أكبر دولة مصدّرة للسلاح بعد الولايات المتحدّة، منافسةً روسيا التي انتقلت إلى المركز الثالث. ووفق التقرير، فإن من بين أبرز خمس عملاء لفرنسا، يأتي الخليج العربي في المرتبة الرابعة وقد يصعد إلى الثالثة في وقت قصير.
النفوذ العسكري في الخليج
بدأ التعاون العسكري الأمني الفرنسي مع دول مجلس التعاون الخليجي يتبلور، في عام 2009، حين بنت باريس "معسكر السلام" في أبو ظبي لتكون أول قاعدة عسكرية لها في هذه المنطقة، لا بل تنفرد الإمارات العربية المتحدة دون جاراتها في دول المجلس باستضافة هذه القاعدة التي ينتشر فيها نحو 700 عسكري.
بدأ التعاون العسكري الأمني الفرنسي مع دول مجلس التعاون الخليجي يتبلور، في عام 2009
يشير تقرير لقناة "فرانس24" في كانون الأول/ ديسمبر 2021، إلى أنّ العلاقات الإماراتية الفرنسية بدأت عام 1971، وتطورت بشكل مُطرد في مختلف القطاعات، كالاقتصاد والتبادل التجاري والاستثمارات والطاقة المتجددة والنووية والنفطية والدفاع والأمن والتربية والثقافة. وفي زيارته إلى الإمارات أواخر العام 2021، وقّع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتفاقيةً سيحصل بموجبها الإماراتيون على 80 طائرةً مقاتلةً من طراز رافال، و12 طائرةً مروحيةً "كاراكال"، بقيمة 17 مليار يورو (18.5 مليارات دولار)، وتسليم الطائرات سيتم بدءاً من عام 2027.
مع الإشارة إلى أنّ أبو ظبي قدّمت دعمها المادي لفرنسا في حملتها العسكرية في مالي عام 2011.
في حديثه إلى رصيف22، يشرح الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط، الدكتور أمجد طه، أبرز أشكال التعاون العسكري بين فرنسا ودول الخليج، قائلاً: "في ما يتعلق بالتدريبات العسكرية وبرامج التدريب المشتركة، غالباً ما تشارك فرنسا ودول الخليج في مناورات عسكرية مشتركة لتعزيز إمكانية التشغيل البيني وتعزيز القدرات العسكرية، كذلك مبيعات المعدات الدفاعية، بيد أن فرنسا تشتهر بتصدير معدات عسكرية متنوعة إلى دول الخليج، بما في ذلك السفن البحرية والطائرات المقاتلة والمدرعات وأنظمة المراقبة".
ويضيف: "تتعاون فرنسا ودول الخليج في تبادل المعلومات الاستخبارية وجهود مكافحة الإرهاب والأمن البحري لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية، بالإضافة إلى البعثات الاستشارية والمساندة العسكرية، ويقدّم المستشارون والخبراء العسكريون الفرنسيون المساعدة والتوجيه لدول الخليج في مجالات مثل إستراتيجية الدفاع والتطوير التنظيمي والتحديث العسكري".
ويعددّ أبرز ما يُقدّم من عتاد عسكري فرنسي لدول الخليج: "طائرات رافال المقاتلة، السفن الحربية، والمركبات المدرعة، إذ اشترت دول الخليج مركبات مدرعةً فرنسيةً، مثل دبابة القتال الرئيسية Leclerc وعربة المشاة القتاليةVBCI ، لتعزيز قواتها البرية، فضلاً عن أنظمة المراقبة والاستطلاع، بما في ذلك الطائرات من دون طيار UAVs، والرادارات، لدعم دول الخليج في مراقبة حدودها وتعزيز الوعي بالأوضاع".
موقع الإمارات وقطر
برأي طه، "تواجه فرنسا والإمارات تحديات أمنيةً مشتركةً، بما في ذلك عدم الاستقرار الإقليمي والتهديدات الإرهابية ومخاطر الأمن البحري. والتعاون في الأمور العسكرية يسمح لهما بالتعامل مع هذه التحديات بفعالية، فضلاً عن أن العلاقات السياسية والاقتصادية الإماراتية قوية مع فرنسا وهي تشكل أساساً لتعميق التعاون الدفاعي"، ويلفت إلى أنّ فرنسا تمتلك تقنيات عسكريةً متقدمةً وخبرةً دفاعيةً تهم الإمارات وتتيح لها تعزيز قدراتها الدفاعية وتحقيق أهدافها الأمنية.
من جهتها، حرصت دولة قطر على تعزيز قدراتها العسكرية العالية بالاستفادة من الخبرات الفرنسية في هذا المجال، ومع تزايد التوتر في منطقة الخليج، عام 2017، سارعت إلى شراء 12 طائرةً حربيةً من نوع رافال، ونحو 500 عربة عسكرية، من فرنسا.
ويشير موقع أوراسيا ريفيو في تقرير له في نيسان/ أبريل 2023، إلى أن التعاون الدفاعي هو أحد أعمدة العلاقات الثنائية بين قطر وفرنسا، من خلال صفقات التسليح والتدريبات والمناورات العسكرية المنتظمة، ويشير إلى أن القوات البحرية القطرية تلقّت تعزيزات فرنسيةً كبيرةً مع وصول سفن حربية عدة من صنع شركة "فينكانتيري"، كما يتألف معظم سلاح الجو القطري من طائرات ميراج ورافال فرنسية الصنع، مقابل عدد قليل من المعدات البريطانية والأمريكية.
تشارك فرنسا ودول الخليج في مناورات عسكرية مشتركة، كذلك مبيعات المعدات الدفاعية، وتصدير معدات عسكرية متنوعة إلى الخليج، فكيف تتوزع بين دوله ولماذا تصاعدت في السنوات الأخيرة؟
يتحدث الخبير السياسي الأمني القطري، صالح الغريب، إلى رصيف22، عن تاريخ العلاقات القطرية-الفرنسية، ويقول: "يعود التعاون العسكري بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية الفرنسية إلى الاتفاق الموقّع في باريس في 22 تشرين الأول/ أكتوبر1977، والاتفاق التقني للتعاون العسكري الموقع في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1998، بشأن سبل التعاون في مجال الدفاع، رغبةً منهما في تطوير وتعزيز التعاون الفعال بين البلدين القائم على مبدأ المصالح المشتركة".
ويضيف: "كلا البلدين ملتزمان بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المؤرخة في 18 نيسان/ أبريل 1961، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية المؤرخة في 24 نيسان/ أبريل 1963".
يشير الغريب إلى أن "قطر اشترت من فرنسا عام 2017، 12 مقاتلةً من طراز رافال بقيمة 1.1 مليار يورو، و50 طائرة إيرباص طرازA321 ، بقيمة 5.5 مليارات يورو. كما وقّعت خطاب نوايا لشراء 490 عربةً مدرعةً بقيمة نحو 1.5 مليارات يورو من شركة نكستر الفرنسية. سبق ذلك شراء قطر 24 طائرةً حربيةً من طراز رافال بقيمة 6.3 مليار يورو عام 2015، وفي العام 2019 تسلمت الدوحة الدفعة الأولى منها".
التقارب الفرنسي السعودي
مؤخراً، باتت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين العسكريين والأمنيين السعوديين والفرنسيين تتزايد بشكل ملحوظ، ووفق معلومات لوكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن التعاون العسكري مع باريس يتركز في مجالات التدريب الأمني وتسليح القوات البرية والبحرية والجوية في المملكة، حيث تربط البلدان اتفاقية أمنية في مجال قوى الأمن والدفاع، وتُعدّ فرنسا واحدةً من أهم الوجهات السعودية في مجال التسليح، خاصةً في المجالين البحري والجوي.
يقول الخبير الأمني السعودي، عبد الكريم الهشيري، لرصيف22: "في كانون الأول/ ديسمبر 2021، وقّع البلدان صفقات ضخمةً في مجال الطيران العسكري، شملت إحداها مشروعاً مشتركاً مع إيرباص في مجال الطيران العسكري. وتتجاوز قيمة صادرات الأسلحة الفرنسية إلى السعودية، ومن ضمن ذلك الطائرات الحربية، حاجز الـ22 مليار دولار. وفي عام 2015، أبرمت الرياض صفقةً لشراء 23 طائرة هليكوبتر فرنسية بقيمة 500 مليون دولار".
ويلفت إلى أنه "في العام 2008، وقّع كلا البلدين اتفاقية تدريب أمني وتسليحٍ للقوات البرية والبحرية والجوية في المملكة. وفي العام 2022، دشنت القوات البحرية الملكية السعودية في قيادة الأسطول الغربي، المجموعة الأولى من الزوارق الدورية المتوسطة السريعة من طراز كواش الفرنسية، التي ستسهم في تعزيز قوة الأمن البحري في المنطقة، وحماية المصالح الحيوية والإستراتيجية للمملكة".
ساعدت في إقامة مصنع للذخيرة في مدينة الخرج السعودية عام 1953، الذي بات يصنع الطائرات من دون طيار
وفق الخبير الأمني فإن "العلاقات الفرنسية السعودية العسكرية تعود إلى حقبات قديمة جداً لكنها لم تكن بهذا التطور الملحوظ في الآونة الأخيرة، بيد أنه في العام 1944 عقد الملك عبد العزيز اتفاقية كوينسي مع الولايات المتحدة؛ النفط مقابل الأمن، إلا أن الجمهورية الفرنسية ساعدت في إقامة مصنع للذخيرة في مدينة الخرج السعودية عام 1953، بات يصنع الطائرات من دون طيار، كطائرة Luna، والرادارات، والدبابات والعربات والبنادق والمناظير والذخائر".
العلاقات مع الكويت والبحرين
نشرت صحيفة القبس الكويتية، في 14 تموز/ يوليو 2022، خبراً عن السفيرة الفرنسية في البلاد كلير لو فليشير، تؤكد فيه ارتباط البلدين في علاقة دفاعية طويلة الأمد تعززت بعد تحرير الكويت العام 1991، إذ درّبت فرنسا 500 عسكري كويتي، وزودت الكويت بمعدات وآليات عسكرية ودفاعية متطورة.
ترتبط فرنسا والكويت في مجال الدفاع باتفاق موقّع في عام 1992، وهو أول اتفاق توقّعه فرنسا مع بلد في الخليج العربي، ثم أعاد البلدان تجديد هذا الاتفاق في عام 2009. وأسهم حضور فرنسا العسكري في الخليج ومشاركتها في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، في تعزيز صورتها كجهة فاعلة نافذة في المنطقة، وفق الدبلوماسية الفرنسية في الكويت.
كذلك شهدت العلاقات العسكرية بين البحرين وفرنسا تطورات ملحوظةً، خاصةً بعد توقيع اتفاقية المنامة للتعاون العسكري بين البلدين عام 2009.
وبحسب صحيفة الوسط البحرينية، يرتبط البلدان بعلاقات تعاون وطيدة في المجال العسكري، وقد مهدت الزيارة التي قام بها الملك حمد بن عيسى آل خليفة، إلى فرنسا في العام 1979، حينما كان ولياً للعهد، لإقامة هذا التعاون العسكري الوثيق بين البلدين والذي ازداد بصورة كبيرة بعد حرب الخليج الثانية، خصوصاً في مجال تبادل الخبراء والتدريب والإعداد لبرامج تمارين عسكرية مشتركة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك تعاوناً فرنسياً بحرينياً في المجال الأمني يتمثل في تبادل المعلومات الاستخبارية في مجال مكافحة الإرهاب. وفي كانون الثاني/ يناير 2023، كشفت صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية، أن البحرين تنوي شراء سفن حربية من نوع "كورفيت غوويند 2500" الفرنسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون