شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"خذني إلى البحيرات التي ذهب إليها الشعراء كي يموتوا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

الأحد 4 يونيو 202312:00 م

الخائف


كانت الموسيقى ملاذي لفترات طويلة خلال عزلتي الإجبارية كمراهق والاختيارية حالياً. بدأت عملي الأول في يناير 2020 وتلته موجة الكورونا. انعزل الجميع تدريجياً، واختفى الناس من على كورنيش البحر. صار الكل محبوساً في بيته، بينما استمريت في الذهاب إلى المستشفى يومياً والعودة سيراً بحذاء البحر وحدي.

"إن لم تنزف فلن تكبر أبداً"

عزّتني كلمات تلك الأغنية. كنت حينها أمرّ- بدون وعي - باكتئاب لوفاة العديد من مرضى السرطان في مقر عملي. لم يكن قد مرّ علي سوى خمسة أشهر، ولم أكن قد اعتدت الموت بعد. رغبت في ترك العمل وقت بداية كورونا، لكنني استمريت لعدم وجود بديل سوى أن أصير عاطلاً معتمداً على المصروف.

ارتبطت الكلمات في ذهني بطريقي اليومي للمستشفى ذهاباً وإياباً. أجلس في المواصلات وحدي دون أن أتحدث لأي ممن يجاورني، بصحبة كتاب، مستمعاً للألبوم، وسارحاً في كلماته. تفاجأت حين وجدت نفسي لا إرادياً أنصح أحد الأطفال الغاضبين خلال روتين سحب التحاليل اليومية، بأنه إن لن ينزف فلن يكبر.

"أنا أعرفك

تغادر كأب

تجري كالمياه

عندما تكون صغيراً، يعتقدون أنك لا تعرف شيئاً"

علق في ذهني خلال سيري على الكورنيش السطور السابقة وما تلاها. تشاجرت صبيحة هذا اليوم مع أبي الذي صار محبوساً في المنزل إثر حظر التجوال وتعليق العمل في كل الأماكن. دارت المشاجرة حول انعزالي عن العائلة وعدم مكوثي معهم لأوقات طويلة عند عودتي من المستشفى.

تذكرت حين كنت طفلاً كنت أتعلّق بذيل والدي في كل مكان، راغباً مغادرة البيت معه في كل مشوار يذهب إليه. تدمع عيني حين يمرّ ببالي تلك المشاهد من تعلقي بملابسه قبيل مغادرته، أو حين كان يكذب ويخبرني أنه ذاهب فقط لنهاية الشارع ليبتاع بعض طلبات المنزل، لكنه يغيب حتى أنام، ولا أشعر سوى بقبلته المطبوعة على جبيني.

تردّد تايلور وصوتها متماهٍ مع الموسيقى الخلفية: "عرفت أنك ستطارد جميع الماذا لو التي تخصني". 

أفكر إن كان هذا سبب عزلتي الاختيارية في الوقت الحالي، فلعلّ امتلاكي قوة الرفض يدفعني إلى النفور من كل ما تمنيته صغيراً! أردّد هذا السؤال اللعين دوماً والذي ارتبط بتلك الأغنية مؤخراً. حين أسمعها ،يتجسّد أمامي البحر الشاسع وأمواجه الصغيرة تمتد إلى ما لا نهاية في اتجاه المجهول، بينما يلطخ رذاذ الملح نظارتي.

"خذني إلى البحيرات التي ذهب إليها الشعراء كي يموتوا"
أجلس على سور البحر المقابل لمكتبة الإسكندرية، أرى الصيادين الواقفين على الصخور ملقين بسناراتهم لمتعة الصيد، عالمين أنهم يقومون بذلك من أجل الاسترخاء وليس التربّح... مجاز

"كان وقتاً رائعاً حين دمّرت كل شيء"

أسمع صوت عائلتي يتردد في ذهني دوماً: "أنت عايش حياتك بالطول والعرض". أسير في طريق عكس ما عهدوه، فربما عزلوني عنهم لذلك السبب!

 أتذكر مديرتي حين أخبرتني ذات يوم إثر مشادة كلامية: "انت ماشي فاتح صدرك طول الوقت". كان سبب المشاجرة هو اهتمامي بصحة المريض أكثر من الورقيات. لم أرَ نفسي يوماً في قالب الشخص المهتم بالورقيات، وتمنيت مراراً حرق جميع الأوراق الموجودة في المستشفى.

رأيت يومها في طريقي إلى المنزل رجلاً واقفاً على شاطئ البحر وحيداً. خمّنت من ملابسه وحقيبة ظهره المهترئة أنه بلا مأوى، تصدمه الأمواج وهو يتقدم بثبات ليقف في منطقة لا يعلمها سواه. تكرّرت رؤيتي له يومياً خلال أيام كورونا. لاحظت شخصاً في إحدى المرات يحاول ثنيه عن التقدم نحو هلاكه، لكنه صم أذنيه. تمنيت لوهلة أن أترك كل شيء وأصير مثله.

"فلتأخذ خطوة للخارج

لا يوجد ما يكفي من البكاء يمكنني القيام به من أجلك

كل هذا الوقت

سرنا فوق خط رفيع للغاية

لم تسمعني حتى

لم تعطني قط أي علامة تحذير (أعطيتك علامات كثيرة)"

جلست مراراً على سور البحر الواقع قبل كازينو الشاطبي المهجور وقت كورونا. التزم الناس في بداية الحظر بعدم النزول، فكان الكورنيش فارغاً معظم الوقت، وبالأخص وقت الغروب. كنت أجلس على إحدى الصخور وحيدا ًبعد يوم عمل طويل، وتتبادر إلى ذهني مشاهد تعب جدتي الأخير قبل وفاتها. تتضارب الأمواج في الصخور وأتذكر مناجاتي لها كمراهق، راجياً منها عدم هجرها لي كي تموت!

تجيبني الأمواج بصوت تايلور وهي تخبرني بأنها أعطتني إشارات كثيرة، وتردّد وصيتها الدائمة بأن أخرج من عزلتي لأنخرط في حياة عائلتي. أفكر أنها كانت منزلي الآمن، لكن مع موتها صرت مهجوراً، ثم أنهض عائداً لبيتي ودموعي مازالت باردة على وجنتي.

"لم أجد في نفسي ما يجعلني أتقبل النعمة"

تركتني تلك العلاقات في فوضى عارمة مع نفسي، كقطع السمك الصغيرة المبعثرة التي انتهت منها إحدى القطط للتو. تقول تايلور إن العلاقات العابرة والسرية تولد من نظرة واحدة، لكنها تموت مليون مرة بعدها... مجاز

تهدأ أمواج البحر فجأة، فأتذكر قصة حبي الأولى، التي كرّر على مسمعي كل المقربين مني جملة: "احمد ربنا انها خلصت"، لكنني أقف عاجزاً عن تقبل تلك النعمة. أصرخ لاعناً اسمها، متمنياً مكوثها ولو لفترة قصيرة حتى تشرح لي سبب هذا الهجر المفاجئ. انعزلت حينها عن الجميع. امتنعت عن الكلام والأكل. ذهبت إلى طبيبتي النفسية فكرّرت كلامها حول تقبلي لفكرة الترك وتخطيها.

أخبرتني عن استحقاقي لشخص أفضل يقدر اهتمامي به ويبادلني إياه، لكن رعبي من اختفاء أشخاص من دوائري دفعني للتعلق بهم أكثر من اللازم. تمنيت أن أصير قوياً كتايلور حين يرتفع صوت الأبواق وتهدّد حبيبها بأنه سيتحوّل إلى أسوأ مخاوفه.

ينخفض صوت عزف الآلات  للحظة ولا أسمع سوى صوت البيانو مختلطاً بارتطام الأمواج مع الصخور. ترتفع الأمواج مع الأبواق تدريجياً، فيبتلّ جزء من بنطالي مع نهاية الأغنية، بينما تختلط دموعي السائلة مع يود البحر على شفتي!

"مازلت مؤمنة، لكنني لا أعرف لماذا

لم أكن يوماً تلقائية

لكنني أحاول

مازلت على تلك الأرجوحة

مازلت أجرب كل شيء

حتى أستمر في جعلك تنظر إلي"

تتلألأ الأمواج الصغيرة أمامي. تجذب نظري بلمعانها كصداقتي الأخيرة التي حين اقتربتُ من صاحبها تكسّرت. تعرفت عليه في نهاية العام الأول من وظيفتي، واكتشفت معه مدى هشاشة شخصيتي التي تحولت ببطء إلى نسخة مصغرة منه.

"يمكنني تغيير كل شيء يخصّني كي يناسب من أمامي"، وهذا بالضبط ما فعلته ولمت نفسي عليه مراراً. أفكر كثيراً في أسباب تعلقي بشخص هو نقيضي، مدركاً تمام الإدراك أن صداقتي معه ستخرج أسوأ طباعي. دخنت معه بشراهة، وجربنا سوياً كل الممنوعات. فكرت أن هذا سيكون وقود تلك الصداقة المحكوم عليها بالفشل مسبقاً.

عزلت نفسي عن كل من حولي لأجل بقائي معه، حتى صرت غريباً عني. أتذكر صبيحة أحد الأيام قبل ذهابي للعمل، حين نظرت إلى انعكاسي في المرآة ورأيت جسدي الذي هزل للغاية إثر التدخين والشرب. لم أعرفني حينها وأخبرته بما شعرت، فضحك!

بكيت محاولاتي المستميتة في الإبقاء على تلك الصداقة، وقت إعلان هذا الشخص عن رغبته في عدم استمرارها. ابتعت له الهدايا وكتبت رسائل لا نهائية، لكن قراره بصبّ اهتمامه نحو خطيبته حينها كان بلا رجعة.

لم افهم أبداً سبب وضعه إيانا في خانة واحدة. هجر دائرتي، وحاول تشويه سمعتي في مكان عملي، وحين سألت صديقة في إحدى المرات عن سبب أفعاله، أخبرتني ببساطة بأنني قمت معه بما أنهت به تايلور الأغنية، فقد عكست تصرفاته البشعة ورآها متجسّدة في! 

"هل مازال هناك أشياء جميلة؟"

في منتصف الألبوم تطرح تايلور هذا السؤال، وكل ما أراه أمامي حينها هي الحديقة الواقعة أمام مكتبة الإسكندرية. جلست وحدي مراراً وقت الغروب، على مقاعدها الحجرية شبه المحطمة، وسط عائلة الكلاب، أداعبهم وأسأل نفسي هذا السؤال، فيجيبني أحدهم بلعقة على يدي.

"أعطيك الصمت الذي يحضر حين يفهم اثنان بعضهما البعض"، أتذكر الهدوء الذي يحل بيني وبين أصدقائي حين نسكت. أخمّن إن كان هو الذي تتحدث عنه الأغنية وأفكر أنني لم أبلغه يوماً في أي من علاقاتي السابقة... مجاز

"لكن بإمكاني رؤيتنا ضائعين في الذكرى

يتسرب أغسطس بعيداً في لحظة

لأنه لم يكن ملكي أبداً"

أجلس على إحدى صخور البحر في كليوباترا مع صديقتي وقت شمس الظهيرة. يختلط طعم البيرة مع ملوحة البحر على شفتي، ومع زجاجتي الثانية، ينفلت لساني بكل ما رغبت في حكيه عن حبي الأول.

أكرّر لها:"فاهماني؟" بين كل جملة والأخرى، لكنها منهمكة في شرب زجاجتها، وحين تملّ أو تفرغ منها، تلقيها في المياه ثم تمسك يدي بقوة قائلة: "انساها انت معايا دلوقتي". بدأت علاقتنا في أغسطس 2020، حين أخذتُ أسبوعاً إجازة من عملي وانتهت في الشهر نفسه .

أجد نفسي عائداً لتلك العلاقة مراراً بلا سبب واضح. أتذكر حين كنا نتقابل شبه يومياً، للكلام والجنس. ألغي مواعيدي إثر تلقي رسالة: "فاضي؟". انعزلت عن الجميع معها واعتقدت أننا سنظل معقودين بملاءات الفراش للأبد.

تعلن تايلور: "لأنك لم تكن لي حتى أخسرك"، فينقضي الشهر وتختفي تلك الصديقة فجأة كظهورها، ربما لسفرها إلى القاهرة أو إلى الخارج. لم أعرف قط، لأنها أوصت الجميع بعدم إفصاحهم لمعلومة عنها أمامي، لكنني أعزّي نفسي بتلك الأغنية دوماً مكرراً نفس السطر.  

"أخبروني أن كل سجوني عقلية"

أرى نفسي سائراً من كازينو الشاطبي المهجور نحو كامب شيزار في يوم سمائه معتمة وبحره هائج. أسمع تايلور تردّد بما أخبروها به، وأتحسّر على فشلي في الخروج من علاقاتي الأخيرة كلها. أدخل في واحدة كي أنسى التي سبقتها، فأشتت نفسي عن الطريق الذي أعددته لها. أرغب كسر سجني الذي اخترته ودفن عقلي السجان. أتمنى أن أصير كالبحر الذي لا يكف عن محاولاته في تخطي الصخور والوصول إلى الشارع.

"انظر إلى تلك الفوضى العارمة التي جعلتني أقوم بها"

أجلس على صخرة وقت الغروب، ممسكاً ببكرة من الخيط ألفها حول إبهامي. أسمع أصابع تايلور الحرة مداعبة أوتار الغيتار، وأراقب تبدل لون إصبعي إلى الأزرق القاتم حتى أتأوه. أتذكر علاقاتي الأخيرة، وبالأخص الصديق الذي دفعني هجره لي نحو مواجهة قاسية مع نفسي.

أسقط التفاف الخيوط على حياتي في الفترة الماضية، فأكتشف أنني على شفا خنق نفسي بتلك المجموعة من الخيوط الرفيعة، التي صنعت حولي على مدار العامين شبكة محكمة تميتني أكثر مما تحييني، مجرّد مقص قد ينهيها.

تركتني تلك العلاقات في فوضى عارمة مع نفسي، كقطع السمك الصغيرة المبعثرة التي انتهت منها إحدى القطط للتو. تقول تايلور إن العلاقات العابرة والسرية تولد من نظرة واحدة، لكنها تموت مليون مرة بعدها، فيتضح لي ببطء سبب فشل علاقاتي الأخيرة!

"الوقت، مفعوله عجيب

يجرحني ثم يشفيني ببساطة"

تشرق الشمس من وراء السحب ويملأ هواء البحر صدري. أذكّر نفسي مع كلمات تايلور بأن للوقت مفعول السحر. سأنسى تفاصيل ما يؤلمني وسأشفى من كل الجراح في النهاية، أو هكذا أعتقد. تملأني نوتات الغيتار بالتفاؤل بما هو قادم. فلأخرج من عزلتي وأسرع من خطواتي للأمام.

"كل مرة تخبرونني أنني مجنونة

أزداد جنوناً"

أتذكر نوبات غضبي التي احتملها كل من حولي منذ بداية عملي في المستشفى. أكتم غضبي كأمواج البحر الصغيرة المتتالية التي تتحطم عند تلامسها مع مقدمة الصخرة ، ثم تهدر فجأة إثر الرياح وترتفع لتغرق الصخرة بأكملها.

تصرخ أمي قائلة: "انت اتجننت؟"، حين أرفع صوتي لأتفه الأسباب، كاقتحام أحدهم غرفتي بعد خبطة سريعة. لا أعتذر، لكنني أرفع صوتي أكثر وأستمر في الصراخ معلناً أنه لا يحترم عزلتي. لم أدرك حينها أن مصدر هذا الغضب هو خذلاني لنفسي إثر موت أحد المرضى، أو عدم ردّي على تعليق سخيف لأحد الزملاء.

أتذكر صورة قديمة لي، أجلس فيها على طاولة مشيراً لخالتي حول جرح صغير في ركبتي. أرفض اقتراب أحدهم كي يطهره أو يعالجه، لكنني أستمتع بإظهاره للآخرين!

أردّد مع تايلور أنني أحتاج وقتا طويلاً كي أفهم نفسي ببطء، متمنياً سماحي للأشخاص الصحيحين بدخول دائرتي ومساعدتي على التئام جروحي.

"لكنك تحلم ببعض السعادة "

أرى الكورنيش ضبابياً للغاية، وحين أبلغ النفق الذي أعبره لمنزلي، تظهر الشمس وتصفى السماء. رغبت يومها أن أسير أكثر، لكنني كنت منهكاً وعصبياً. لم أصبر كي تدفئني الشمس وعدت إلى عزلتي في المنزل. أفكر بأنه عليّ تدريب نفسي على الصبر وتقبل شروق الشمس ببطء على حياتي!

"لدي 17 سنة فقط، ولا أعرف شيئاً

لكنني أعرف أنني أفتقدك"

أذكّر نفسي مع كلمات تايلور بأن للوقت مفعول السحر. سأنسى تفاصيل ما يؤلمني وسأشفى من كل الجراح في النهاية، أو هكذا أعتقد. "كل مرة تخبرونني أنني مجنونة أزداد جنوناً"... مجاز

على عكس اللحن المرح للأغنية، علق في ذهني السطران السابقان، حيث تذكرت وقت فقداني لجدتي في عمر مماثل. وبالرغم من بساطة الكلمات، إلا أنها تركت أثراً عميقاً بي.

أتأمل وحيداً المتحابين بين صخور الكورنيش، لكن ما لفت انتباهي كان جدة مفترشة أحد الصخور مع حفيدتها وتقهقهان، فخمنت أنهما تسخران من المتحابين حولهما، وتذكرت نكاتي مع جدتي ومدى افتقادي لها.

"أعطيك الصمت الذي يحضر حين يفهم اثنان بعضهما البعض"

أسمع صوت الطيور المحلقة فوق البحر الصامتة أمواجه. أتذكر الهدوء الذي يحل بيني وبين أصدقائي حين نسكت. أخمّن إن كان هو الذي تتحدث عنه الأغنية وأفكر أنني لم أبلغه يوماً في أي من علاقاتي السابقة!

"عرفت أنك هزمتني، فلماذا ترغب في إحراز رقم قياسي؟"

تتحدث تايلور عن درايتها بوجودها في علاقة سامة، لكنها مع ذلك تستمر. أتذكر الصديق الذي تعلّقت به بشدة، ولمت نفسي إثر هجره المفاجئ لي لسنتين كاملتين.

سرنا سوياً على هذا الكورنيش، وأخبرته في أقل من سنة بكل مكنونات نفسي. استأمنته على أسراري على الرغم من رؤيتي لكل العلامات التحذيرية. اندفعت بغباء، وحين انقطعت تلك العلاقة لم يكتفِ فقط بتركي مجروحاً، لكنه نشر سمومه في دائرتي المقربة.

"خذني إلى البحيرات التي ذهب إليها الشعراء كي يموتوا"

أجلس على سور البحر المقابل لمكتبة الإسكندرية، وأتأمل الشاطئ الصغير المخبأ بين البحر والحديقة ولم يتم استعماره بعد بالكافيهات والشماسي. أراقب الأطفال الذين يسبحون فيه طوال العام وحتى في نهار رمضان بسعادة، مفكراً بجرأتهم وانطلاقهم. أرى الصيادين الواقفين على الصخور ملقين بسناراتهم لمتعة الصيد، عالمين أنهم يقومون بذلك من أجل الاسترخاء وليس التربح.

أسير مبتسماً وقت الغروب ببطء على الكورنيش، متأملاً أحد أصدقائي خارجاً من كازينو الشاطبي الذي افتتح منذ بضعة أشهر بعد رفع حظر التجوال. وضعت خطيبته رأسها على كتفه وسارا متشابكي الأذرع. راقبتهما من بعيد في سعادة شاعت في نفسي غير عالم مصدرها، ربما لعدم انزعاجي من صحبة نفسي التي أتصالح معها! 

"ملاحظة: الجمل بين الأقواس من أغاني تايلور سويفت"

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard