ينتقل "حسني" كمال الشناوي للعيش في القاهرة من أجل دراسة الطب، وفي المنزل الذي يسكنه، يسقط غريقاً في غرام "زينب" زبيدة ثروت، ليتخذا معاً من "السطوح"، موطناً للقاءات السرية، حتى ينكشف أمرهما، وتموت الحبيبة شهيدة لهذا الحب الذي لم يكتب له الدوام.
هكذا قدم المخرج السيد بدير "السطوح" رمزاً للقصص الغرامية السرية في فيلم "عاشت للحب" عام 1959.
أفلام عدة استخدمت هذه الرمزية، إذ نجد أيضاً سطح المنزل شاهداً على قصة حب "فاطمة" شادية وجارها "صلاح" صلاح ذو الفقار، الطالب في كلية البوليس، في فيلم "عيون سهرانة" عام 1956، فكيف اقتبست السينما المصرية قصص الحب من واقع المجتمع؟ وهل تغيرت سينوغرافيا الحب إن جاز التعبير في الثقافة الشعبية المصرية؟
مع صبي المكوجي
كان هشام محمود يرافق إيمان ابنة الجيران، كل يوم في طريقها إلى مدرسة زيزينيا في الإسكندرية سيراً، وعندما أحس أن عيون الجيران تراقبهما أصبح يرافقها على دراجته الهوائية من بعيد.لم تبتعد الأفلام المصرية عن الواقع حين أعطت أهمية كبرى لبير السلّم والسطوح كمسرح أساسي لقصص الحب
كانت أمه مغرمة بكتابة الشعر فأخذ عنها هذه الموهبة، وصار يكتب لحبيبته الأشعار، ويدفع "باكو شوكلاته" لجمال ابن العشر سنوات الذي يعمل "صبي مكوجي" مقابل أن يضع الصبي خطاباته لإيمان في جيب مريلة المدرسة خاصتها، وليعود له بخطاب منها في نفس الوقت.
يستذكر هشام محمود قصة حبه هذه وقد صار يعمل مهندساً مدنياً ويبلغ من العمر (67 عاماً)، ويروي لرصيف22 أن قصة حبهما استمرت ست سنوات سراً، فكان يقابل الحبيبة فوق سقف المنزل خلسة، وفي بعض المرات يذهب إليها في منزلها عند غياب والديها، فيتبادلان القبلات"البوس والأحضان زمان كان تعبير معنوي للحب مش تعبير عن غريزة جنسية" يقول.
اعتاد هشام في مراهقته منذ 40 عاماً أن يراسل حبيبته من خلال وضع "الجوابات" لها في جيب مريلة المدرسة من خلال صبي المكوجي، مقابل كل رسالة كان يعطيه قطعة شوكلاتةتوفي والد هشام مبكراً وبصفته الابن الأكبر كان من مسؤوليته أن يرعى إخوته الصغار، لذلك لم يستطع التقدم لخطبة حبيبته بينما سبقه شخص آخر في عامها الثاني من الجامعة. سافر إلى فرنسا حينها والتحق بكلية الهندسة وبعد فترة طويلة عاد وتزوج، ومرت الأيام والتقى بحبيبته من جديد في نفس الشارع الذي كانا يمشيان فيه وهما ذاهبان إلى المدرسة.
أصبح لكلا الحبيبين الآن أبناء وأحفاد، لكنهما لم ينسيا قصة الحب الأولى التي جمعت بينهما، يضيف: "لسه محتفظ بالجوابات اللي كانت بتبعتهالي لحد النهاردة".
في بير السلّم
تتمثل الصورة الذهنية حول القُبلة الأولى لدى المهندس عمر خليفة (35 عاماً) بمشاهد من الأفلام القديمة لعبد الحليم حافظ، هذه الرمزية تعبر عن حقيقة الحب التي تمثل المرجع السينمائي بالنسبة له التي كان يرغب بممارستها مع حبيبته "تحت بير السلم".الدور الأول في العمارة كان معتماً ولا يوجد به سكان. لذلك كان مسرحاً لألعاب طفولته، لكن حين كبر وأصبح لديه حبيبة تسكن معه في نفس البيت في الدور الخامس، صارا يلتقيان سراً في الأسفل، كما كان يفعل عبد الحليم حافظ في أفلامه، ويقول عمر لرصيف22: "كنت مكسوف أكتر منها بس استجمعت شجاعتي وشديتها ناحيتي وبستها على خدها، من غير ولا كلمة، وفي 2004 حصلت أول بوسة عميقة بيننا".
خطف عمر القبلة الأولى من ابنة جيرانه منذ عقدين في بير السلّم، يقول: "كنت مكسوف أكثر منها"
على السطوح
اعتاد سمير رجب أن يدرس فوق سطح المنزل، لكنه لم يكن يصعد للأعلى للمذاكرة فقط بل لمراقبة سارة، الفتاة الجميلة التي كانت تسكن خياله، كل ما كان يشغله هو لفت نظرها إليه، وبعد محاولات عدة استجابت له، يقول لرصيف22: "لما كنت بطلع أذاكر مكنتش بذاكر فعلاً، كنت بستناها تطلع ونقعد نبص لبعض ونتكلم بخوف أحسن حد ياخد باله".ويعتقد سمير أن ممارسات المشاعر والتعبير عن الحب تغيرت بسبب تغير وسائل الاتصال والتواصل بين الناس وتطورها إذ أعطت من منظوره فرصة للعبث بمشاعر الآخرين والابتزاز.
أما سمير فيبلغ من العمر اليوم (48 عاماً) ويعمل مديراً للمخازن في إحدى الشركات، قصة حبه مع سارة كشفها جار آخر، شاهده وهو يلقي لها قبلة في الهواء، ولم يتركه إلا بعد أن فضح أمره لأبيه، ولم يكن في ذلك مشكلة بينما المشكلة أن سارة وأفراد أسرتها غادروا مدينة الجيزة إلى بورسعيد.
في المرة الأولى أخفى سمير حبه لصغر سنه، وعدم قدرته على الارتباط الرسمي والزواج، بينما في المرة الثانية كان مجبراً أن يخفي حبه لأن حبيبته مسيحية الديانة وهو مسلم، لم تكن هناك سبل لاستمرار هذا الحب لكنهما كان يعلمان أن نهاية القصة هي الفشل المحتوم، إلا أنهما قررا أن يلتقيا في الخفاء ويتبادلا القبلات والأحضان رغماً عن الدنيا.
بين الواقع والأفلام
تجمع بين "صلاح" عبدالحليم حافظ، و"سميحة" لبنى عبدالعزيز في فيلم "الوسادة الخالية" 1957، قصة حب حالمة، يتبادل الحبيبان فيها العهود والقبلات، وسرعان ما تمر الأيام وتنفض سيرة حبهما بسبب رغبة أهلها في تزويجها من طبيب ناجح. على الرغم من رفض الفتاة التي دافعت عن حبها، لم تستطع تغيير مصيرها، وبالفعل تتزوج وتتحطم مشاعر حبيبها.في منتصف التسعينيات اعتاد رامي أن يشغل كاسيتات عمرو دياب للفتاة التي تسكن مقابل منزله بصوت مرتفع جداً إذا أراد منها أن تخرج على الشرفة ليراها ويبتسمان لبعضهما
على غرار هذه القصة، كان محمد أمين (67 عاماً) وهو اليوم أستاذ جامعي متقاعد، قد أحب زميلة له في جامعة القاهرة، حيث كان طالباً في كلية الإعلام، وتعرف على سميرة، وأعجب بها، إذ وجد فيها صفات من الرقة والهدوء جعلته يتعلق بها بحسب قوله لرصيف22.
صارا يلتقيان يومياً في الثامنة صباحاً قبل المحاضرات بساعة، ويعودان إلى بيتها معاً سيراً من الجيزة حتى منطقة وسط البلد، التي كانت تسكن فيها، وبعد أن يطمئن عليها يستقل الترام إلى بيته في العباسية.
قبل تخرجه من الجامعة عام 1976، ذهب إلى أبيها في مقر عمله وكان موظفا كبيراً في إحدى الوزارات، قدم له نفسه وتحدث عن رغبته في زيارة عائلته لطلب يد ابنته، لكن الأم رفضت بحجة أنه صغير في العمر وبسبب المكانة الاجتماعية. وتزوجت حبيبته في نفس العام الذي تم رفضه فيه، يضيف: "قابلتها بعد ثلاث سنوات حزنت جداً لأنها أنجبت طفلاً وأسمته خالد، وهو الاسم الذي اخترناه ليكون اسم طفلنا".
مرت السنوات وفي العقد الخامس من عمره التقى بها صدفة مرة أخرى ووجدها هذه المرة تعرض عليه الزواج، فقد انفصلت عن زوجها وتزوج أبناؤها وتعيش وحدها، واستعاد شريط الذكريات أمامه وتذكر الماضي الذي أوجع روحه وكسر قلبه.
شرايط الكاسيت
الزمن، منتصف التسعينيات، المكان، حي شبرا مصر، هناك كان يعيش رامي مدحت الذي يبلغ من العمر اليوم (37 عاماً) ويعمل كمحاسب قانوني، وهناك تعلق بفتاة في المنزل المقابل لبيت أهله، فكان ينتظرها يومياً كل مساء بعد صلاة العصر تخرج إلى الشرفة ليتبادلا النظرات والابتسامات، وعندما كانت تتأخر عن الخروج، يستخدم "الكاسيت" محاولاً لفت انتباهها أو تذكيرها، بواسطة أغاني عمر دياب، المسجلة في شرائط كاسيت، فيرفع الصوت إلى نهايته حتى تنزعج والدته من الضجيج. إلا أن ما يفعله كان الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يعبر من خلالها عن رغبته في رؤيتها لأخذ ابتسامة واحدة.كانت فاطمة تتحجج بأي عمل على السطوح لتقابل حبيبها هناك، نشر الغسيل، تنفيض السجاد، أو إطعام الحمامظل على هذه الحال فترة طويلة، وهو خائف من أن يتقدم في علاقته خطوة أخرى، لكن في أحد الأيام قرر أن يكسر حاجز الخوف وكتب لها خطاباً غرامياً، وتمكن من توصيله لها في يدها، لم يمر وقت طويل قبل أن يصل الخطاب الغرامي إلى يد أبيه ثم إلى والدته. يقول لرصيف22: "طبعاً اختفت صابرين وبقيت كل صيف استنى صابرين تطلع البلكونة زي زمان، ولا طلعت ولا جت تاني أبداً".
أحبت فاطمة محمد (35 عاماً) وهي ربة منزل، جارها علاء، الشاب الذي يرتدي القميص والبنطال، مثل المطرب إيهاب توفيق، الذي كان فتى أحلامها. كانت تنتظر حتى ينام جميع أفراد أسرتها، وتتصل به هاتفياً، تطلب مقابلته فوق سطح المنزل، وفي كل مرة تخرج بحجة مختلفة، مرة بسبب إطعام الحمام، ومرة لتنظيف السجاد، وأخرى لجمع الملابس.
في البداية اكتشفت والدتها القصة، حينما شاهدت ابنتها بين ذراعي الشاب، فهددتها إن لم تمتنع عن مقابلته بأنها سوف تخبر والدها بالأمر، فما كان منها إلا أن غيرت طريقة اللقاء ووقته حتى تحافظ على سرية علاقتها واستمرارها، قبل أن تنكشف القصة للجميع.
المخاوف كبرت وبدأت تحيط بهما أكثر خاصة عندما رفض والدها الزواج منه. لكنها نجحت في إقناع الأب، وبعد عامين من إعلان خطبتهما تزوجته، تقول لرصيف22: "حب العمر كله كان على السطح ولسه فيه قصص حب حقيقية وناس فعلا بتحب بجد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com