شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لم يكترث الملك فاروق بموت حسنين باشا لأنه كان على علاقة بأمّه؟

لم يكترث الملك فاروق بموت حسنين باشا لأنه كان على علاقة بأمّه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 21 مايو 202304:46 م

"تركنا واحنا في عزّ الشغل."؛ كانت هذه هي كلمات الملك فاروق عندما سمع خبر مقتل رئيس ديوانه، أحمد حسنين باشا، في حادث سير يوم 19 شباط/فبراير 1946. قالها أمام مستشاره الصحافي كريم ثابت، كأنه يلوم حسنين على الوقت الذي اختاره في أن يموت. لم يقل: "ونحن بحاجة شديدة إليه" أو على الأقل: "ونحن بحاجة له". بعد قليل أنعم على اسمه بالوشاح الأكبر لكي يحظى الباشا الراحل بجنازة عسكرية. غاب عنها فاروق. فما هو سرّ هذا البرود في ردة فعل الملك على وفاة معلمه ورئيس ديوانه، الذي لازمه منذ الطفولة وكان مقرباً من أبيه الملك فؤاد الأول؟

يعد أحمد حسنين باشا من أكثر الشخصيات إشكاليةً في عهد الملك فاروق، نظراً للعلاقة العاطفية التي جمعت بينه وبين الملكة نازلي، أم فاروق وأرملة الملك فؤاد. كانت وفاته صدمة للمجتمع المصري برمته، ولكل زملائه في القصر الملكي. واعتقد كثيرون يومها أن مقتله لم يكن صدفة، بل مفتعلاً، خُطّط له من قبل أجهزة الأمن المصرية، ربما بإيعاز من الملك فاروق. وقد زاد من هذه الإشاعات طبعاً أن المطربة السورية أسمهان –وهي أيضاً من عاشقات أحمد حسنين– توفيت بحادث غامض قبل سنتين، عندما غرقت سيارتها في ترعة الساحل، وقيل يومها إنه حادث مدبر أيضاً.

السياسي الرياضي، المستكشف، والربيب

ولد أحمد حسنين في القاهرة سنة 1889 وكان جدّه عالماً أزهرياً ووالده مقرباً من الخديوي عباس حلمي الثاني ومن السلطان حسين كامل. درس في جامعة أوكسفورد العريقة ببريطانيا، وبدء حياته بمنصب مساعد مفتش في وزارة الداخلية سنة 1920 قبل التحاقه بالقصر الملكي في عهد الملك فؤاد. عهد إليه الملك فؤاد بتدريس وتأهيل نجله الوحيد ووليّ عهده الأمير فاروق، وأرسله معه إلى لندن لإكمال دراسته في تشرين الأول/أكتوبر 1935، نظراً لمعرفته الوطيدة بالإنكليز وبلادهم.

يعد أحمد حسنين باشا من أكثر الشخصيات إشكالية في عهد الملك فاروق، نظراً للعلاقة العاطفية التي جمعت بينه وبين الملكة نازلي، أم فاروق وأرملة الملك فؤاد. كانت وفاته صدمة للمجتمع المصري برمته، ولكل زملائه في القصر الملكي

وكان حسنين قد ذاع صيته كرحالة ومستكشف في الصحراء الغربية (expeditioner)، حيث جال في صحراء مصر وليبيا، ووضع دراسة مصورة عن مشاهداته نُشرت في مجلة National Geographic الأمريكية في أيلول/سبتمبر 1924. إضافة إلى أنه كان رياضياً لامعاً ومثّل بلاده في دورة الألعاب الصيفية الأولمبية في باريس سنة 1924. ويبدو أن هذه الأنشطة كلها مع ثقافته الواسعة ودماثته ولطفه أثارت إعجاب الملكة نازلي التي لم تكن سعيدة في حياتها الزوجية مع الملك فؤاد ولم تذرف دمعة واحدة عند وفاته.

يقول كريم ثابت في مذكراته إن فاروق بدا "مرتاحاً" لرحيل حسنين، وتوجه في نفس الليلة إلى "أوبرج الأهرام" لقضاء سهرته كالمعتاد، وكأن شيئاً لم يحدث في النهار. 

صارت الملكة تجتمع بحسنين باشا بدايةً في السرّ ثم في العلن، تارة في المينا هاوس وتارة في مطعم "بالمكس" برمل الإسكندرية، وأحياناً في حجرتها الخاصة بقصر عابدين. وصل الأمر إلى مسامع الملك في مطلع عهده، وهو لا يزال فتى في السادسة عشرة من عمره. فولدت من يومها مشاعر كراهية لأمه، واعتبر أنها تخون أبيه في قبره وتثير زوبعة من الإشاعات التي تستخدم ضده من قبل الإنكليز وحزب الوفد، إضافة إلى كون تصرفها مشيناً لا يليق بمكانة "الملكة الأم".

اهتزت صورتها أمامه بعد أن فقد احترامه لها وكان يقول: "كيف يمكن لأئمة المساجد أن يتمكنوا من الدعاء لي في الصلاة كحامٍ للإسلام بعد كل هذه الأقاويل؟". وغدت سيرة الملكة وأحمد حسنين على كل لسان في القاهرة، وتمكنت من تمزيق شخصية فاروق الفتى وهو في مستهل عمره وحكمه. وقد شكلت قضية نازلي وحسنين باشا العامل الأساسي في بلورة شخصية فاروق، وفقدانه الثقة بأمّه أولاً، ثم بجميع من حوله.

وفاة الباشا

توفي أحمد حسنين في الساعة الثالثة ظهراً من يوم 19 شباط/فرایر 1946 عندما غادر قصر عابدين إلى بيته في حيّ الدقي (وكانت الملكة نازلي تقضي الكثير من الوقت في دار أبيها الراحل في ذات الحيّ). اصطدمت سيارته وهي تعبر كوبري النيل بسيارة "لوري" تابعة لقوات الجيش البريطاني، فأُسعف إلى مستشفى الأنجلو أمريكان، وفيه توفي.

نُقل جثمانه إلى منزله، وتوجه الملك فوراً إلى الأسرة لتقديم واجب العزاء، لكون زوجة حسنين، لطفية هانم سري، بنت الأميرة شويكار، مطلقة الملك فؤاد. وكان فاروق قد حافظ على علاقة طيبة مع الأميرة شويكار التي كانت تحبه وتحترمه، وطلب منها التدخل مع صهرها لوضع حد لهذه العلاقة. فاتحت شويكار حسنين باشا بالأمر، فأنكر بشدة أي علاقة مع نازلي، ولكنه طلّق زوجته إثر هذه الاتهامات، ما زاد من تكهنات الجميع بأنه على علاقة بالملكة الأم بالفعل.

دردشة في أوبرج الأهرام ليلة الوفاة

رافق كريم ثابت الملكَ إلى دار الفقيد بعد ساعة من وفاة الباشا، وقبل أن يحدد موعد الدفن قال له فاروق: "لقد جمعت بنفسي كل أوراقه الخصوصية هنا وفي عابدين قبل أن تمتد إليها يد.".

يقول كريم ثابت في مذكراته إن فاروق بدا "مرتاحاً" لرحيل حسنين، وتوجه في نفس الليلة إلى "أوبرج الأهرام" لقضاء سهرته كالمعتاد، وكأن شيئاً لم يحدث في النهار، مضيفاً: "إذا كان قد جاء إلى الأوبرج ليلة وفاة حسنين، فما عساه فاعلاً ليلة وفاتي؟ وكان نبأ مصرع حسنين قد ذاع في العاصمة، فلما رآنا الذين كانوا يتعشون في الأوبرج في تلك الليلة لم يصدقوا أعينهم".

ويتابع كريم ثابت أن فاروق صارحه في تلك الليلة عن غضبه الشديد من حسنين، وقال إن أمه دخلت عليه يوماً برفقته واستأذنته في عقد زواجهما: "طار عقلي (والكلام هنا لفاروق) وهجمت على حسنين، وصفعته على وجهه بكل قوتي. ثم طردتهما من حجرتي وأنا ألعنهما شرّ لعنة. وفي مرة أخرى لم أستطع تحمل ما يجري تحت سقف القصر الذي مات فيه والدي، فأصدرت أمري إلى الخدم بأن يلقوا بفرش حجرة حسنين في حديقة القصر". أما عن الأوراق التي صادرها فاروق لحظة وفاة حسنين، فيقول ثابت إنه سمع –دون أن يتأكد – أنها كان فيها عقد زواج عرفي بين حسنين ونازلي.

وجه فاروق كلامه لكريم ثابت: "إذا كان التمثال لأحمد حسنين بالفعل، فاعمل ترتيبك لإزالته في الحال!". ردّ عليه ثابت أن التمثال لأحمد ماهر باشا، فقال الملك: "في هذه الحالة يبقى" 

سأله كريم ثابت: "وكيف احتفظت به في قصرك؟ ولماذا أبقيت عليه؟". أجابه الملك: "كنت مضطراً إلى الاحتفاظ بحسنين. كان يعرف طبيعتي وأخلاقي... وكان يعرف سياستي وأسراري... وكان يعرف داخليتي وشؤوني الخاصة. كنت في البداية محتاجاً إليه في عملي، ثم لم أعد بحاجة إليه، ولكني كنت قد اعتدت العمل معه، وكان يريحني، فظل في خدمتي بقوة الاستمرار، ولا سيما أنه كان في عمله مطيعاً ومؤدباً".

بعد وفاة أحمد حسنين بأكثر من سنتين، مرّ الملك فاروق بميدان كبري الجلاء، وكان معه في السيارة كريم ثابت وطبيبه الدكتور يوسف رشاد عندما شاهدوا تمثال الفقيد أحمد ماهر باشا (رئيس الوزراء الأسبق) وكان قد نُصب قبل يومين ولم يزح عنه الستار بعد.

سأل فاروق: "تمثال من هذا؟". قال يوسف رشاد: "إما أحمد ماهر باشا يا أفندم أو أحمد حسنين". 

وكان بعضهم قد اقترح يومئذ في الصحف إقامة تمثال لأحمد حسنين.

فوجه فاروق كلامه لكريم ثابت: "إذا كان التمثال لأحمد حسنين بالفعل، فاعمل ترتيبك لإزالته في الحال!". وردّ عليه ثابت أن التمثال لأحمد ماهر باشا، فقال الملك: "في هذه الحالة يبقى".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image