خرج وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قبل بضعة أيام، بعد قتل جيشه أكثر من عشرين فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء ومدنيون، في غارات على قطاع غزة صباح الثلاثاء الماضي، بتصريح لوسائل الإعلام يقول فيه إن "بلاده لديها الدعم الكامل من أمريكا وأوروبا".
غالانت يبذل قصارى جهده ودمويته وفاشيته، ليرضي رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، الذي كان قد تراجع عن قرار إقالته لغالانت، بسبب معارضة الأخير له. ووزير الدفاع يريد الحفاظ على موقعه وسطوته، لذا يقوم بكل ما يلزم من عنف كامل ومجازر كاملة لا يفترض أن ينجو منها أحد، تزلفاً لبيبي، الذي بدوره يتزلف للأحزاب الصهيونية الدينية التي يتزعمها وزراء أقلّ ما يمكن وصفهم به، أنهم من أصحاب السّوابق؛ كوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسئيل سموتريتش.
وحدة السّاحات في تل أبيب
الحرب التي تُشنّ على قطاع غزة المحاصَر، أدت بطبيعة الحال إلى تقارب بين الأطراف المتحاربة سياسياً في إسرائيل، والتي توحدت ضد الصواريخ الفلسطينية التي نجح ما يقارب من نصفها في الإفلات من منظومة القبة الحديدية، في تطوّر ملحوظ لكفاءة صواريخ المقاومة المنطلقة من قطاع غزة وتطوّرها، والتي ستوقف المظاهرات والاحتجاجات المتواصلة ضد حكومة بيبي الكاهانية المتطرفة، وتمنحه مساحةً للمناورة السياسية بشكل أكبر ضد المعارضة الإسرائيلية؛ وهذا أمر لا يحتاج إلى استنتاج.
رغم الاختباء الفلسطيني خلف العنوان الكبير؛ "وحدة الساحات"، إلا أن حركة حماس تصدر البيانات فقط، وتتواجد ضمن الغرفة المشتركة من دون إطلاق صاروخ واحد ضد المدن الفلسطينية المحتلة
في المقابل، لا تؤدي هذه الهجمة الإسرائيلية الفاشية ضد القطاع إلى النتيجة ذاتها، وللأسف الشديد، برغم الاختباء الفلسطيني خلف العنوان الكبير؛ "وحدة الساحات"، إلا أن حركة حماس تصدر البيانات فقط، وتتواجد ضمن الغرفة المشتركة من دون إطلاق صاروخ واحد ضد المدن الفلسطينية المحتلة، وتمهّد لها إسرائيل هذه الذرائع بحجة عدم استهداف مواقعها وقادتها كما تفعل ضد حركة الجهاد الإسلامي، التي تخوض الحرب برفقة عدد من الفصائل التي أضعفتها حماس أساساً لضمان سيطرتها المطلقة على قطاع غزة، وللاستمرار في حكم الأمر الواقع في القطاع المحاصر.
الغاية هي أن يستمر حكم الحركة الإسلامية الميكافيلية لقطاع غزة، برغم موقفها الحرج، ووقوفها موقف المتفرج، فالغاية تبرر الوسيلة، حتى لو كانت الوسيلة هي التخلّي عن مبررات الانقلاب الذي قامت به حماس تحت عنوان المقاومة في قطاع غزة.
مقلاع داود الأمريكي
استخدمت إسرائيل حديثاً قذائف جي بي يو 39 الأمريكية، والتي يزن رأسها المتفجر 110 كيلوغرامات، في استهداف الشقق السكنية في قطاع غزة، فأحدثت دماراً هائلاً طال عشرات الشّقق السّكنية المجاورة للشّقق المستهدفة، كما استخدمت أيضاً للمرة الأولى وبشكل علني الأربعاء الفائت، المنظومة الإسرائيلية الأمريكية؛ مقلاع داود، لاعتراض صاروخ فلسطيني محلّي الصنع أُطلق من غزة نحو تل أبيب.
ولا يتوقف الأمر هنا، بل توفر أمريكا الغطاء السياسي لجرائم الاحتلال، فهناك مقلاع داود (لاحظ معي الاسم الديني)، للأغراض الحربية ويُستخدم في تل أبيب، ومقلاع داود في واشنطن للأغراض السياسية، حيث مُنعت مبادرة صينية لإصدار بيان لمجلس الأمن بشأن ما يحصل في غزة.
وهنا تعود بنا الذاكرة، إلى دعوة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في منتصف شهر شباط/ فبراير الفائت، إلى متابعة جرائم الحرب في أوكرانيا قضائياً، ومن ثم إصدار المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في منتصف شهر آذار/ مارس الفائت، مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في المقابل، التحقيق الرسمي الذي قررته المحكمة الجنائية الدولية قبل عامين، في الخامس من شهر شباط/ فبراير للعام 2021، بخصوص الأراضي الفلسطينية، لا يزال يراوح مكانه وبات عبارةً عن حبر على ورق.
في أوكرانيا، تدعم الولايات المتحدة مبدأ عدم الاستيلاء على الأراضي بالقوة، بينما تؤيد وتعترف رسمياً بالقرارات الإسرائيلية الجائرة الصادرة في عامي 2017 و2019، التي ضمت الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس الشرقية والجولان ووضعتها تحت نفوذ سلطة الاحتلال.
كما ترفض الولايات المتحدة، على الرغم من مساهمتها في صياغة نظام روما الأساسي، حق الفلسطينيين في الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية أو اللجوء إليها. بل أكثر من ذلك، تستخدم التهديد المباشر والابتزاز السياسي والاقتصادي كي ترغم الفلسطينيين على العدول عما تسميه إسرائيل، الإرهاب الدبلوماسي الفلسطيني بخصوص التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية.
يتعامل الغرب في السياسة بمفهوم الربح والخسارة ويمنح الدعم الكامل للمجرم ضد الضحية، وعليه يتوجب على الفلسطينيين تحويل إسرائيل من حامية للمصالح الغربية، إلى عبء سياسي ومالي
المنطق يقول إنه لا يمكن في أي حال من الأحوال، تبرير احتلال في مكان ما، والدفاع عنه ودفع المليارات كرمى له، وفي المقابل إدانة احتلال آخر والحشد ضده، مع التأكيد على أن كل احتلال مدان ومرفوض ومصيره الرحيل مهما طال الزمن وتمادى المحتل في عدوانه، وتكاثرت المنحدرات والتعرجات على طريق نضال الشعوب المستضعفة. مصير الاحتلال إلى زوال أياً كانت تسميته ولونه وجنسه ودينه.
ازدواجية المعايير الغربية
لو أعدنا النظر في ازدواجية المعايير التي تمارَس بحق الفلسطينيين، ولماذا تتم هذه الممارسة وما الأسباب التي تمنع ممارستها ضد الشعب الفلسطيني في المستقبل، فمن الطبيعي القول إن فلسطين تمثل اختصاراً للسياسة الغربية في العالم بما تحمل من تناقضات في نظرها بعين عوراء إلى جرائم الاحتلال هناك.
من الواضح أن الغرب يتعامل في السياسة بمفهوم الربح والخسارة ويمنح الدعم الكامل للمجرم ضد الضحية، ويساوي بينهما، وعليه يتوجب على الفلسطينيين تحويل إسرائيل من حامية للمصالح الغربية ومخفر متقدم للغرب في الشرق الأوسط، إلى عبء سياسي ومالي، يدفع فواتيره مواطنو دول الغرب، وتزيد من هذا العبء ممارسات دولة الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني المُسالِم، وإفشال حكوماته المُتعاقِبة لكل مساعي السلام العربية والدولية، بالإضافة إلى استخدامه العنف المُفرط والقوة غير المُتكافِئة ضدّ العرب الفلسطينيين، مما يضعهم في حَرَجٍ شديد مع شعوبهم، وهذا يجعل مربّع الصراع الصهيوني العربي قابلاً للانفجار ويؤثّر على كامل منطقة الشرق الأوسط بسبب عُمقها العربي والإسلامي والمسيحي، وما مقاطعة الجامعات ومراكز البحث الأمريكية والأوروبية، بالإضافة إلى مقاطعة مُنتجات المستوطنات الصهيونية، إلا بداية توجّه نحو فقدان الكيان لأهميّته لدى المواطن الغربي الذي يشكّل بمحصّلته ضغطاً على حكومته لتغيير موقفها منه.
لا يمكن تحقيق أي انتصار في درب التحرر الوعر، إلا عبر مراكمة النضالات العسكرية والسياسية، كي لا تكون مجرد شهادة بلا نصر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.