شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أحبّ الفنون وفتك بأبنائه… الشاه عباس الصفوي الذي أعاد الإمبراطورية الفارسية باسم المذهب الشيعي

أحبّ الفنون وفتك بأبنائه… الشاه عباس الصفوي الذي أعاد الإمبراطورية الفارسية باسم المذهب الشيعي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 16 مايو 202302:27 م

حكمت الدولة الصفوية لقرنين وعقدين (من 1501 إلى 1722م)، عاشت خلالها إيران أرقى الفترات في تاريخها وحكمت في أوج نفوذها على إيران وأذربيجان والبحرين وجورجيا وبعض المناطق الشمالية من القوقاز والعراق والكويت وأفغانستان، إضافة إلى أجزاء من تركيا وسوريا وباكستان وتركمانستان وأوزبكستان. وقد اتخذت ثلاث مدن عواصم لها هي تبريز وقزوين وأصفهان. 

الأسرة الصفوية هي أسرة علوية النسب تعود أصولها إلى الإمام علي بن ابي طالب، حسب تأكيد بعض المصادر. 

أما العصر الذهبي خلال فترة الحكم الصفوي فكان فترة حكم الشاه عباس الأول الصفوي الذي تولى العرش في 1587م وامتد حكمه إلى 1629م، فبقي اسمه في تاريخ إيران والشيعة رمزاً للمجد والعظمة والرخاء.

أفلح الشاه عباس طيلة 4 عقود من حكمه في هزيمة أعدائه، وصنع مجدَ الدولة الصفوية حينما هزم الأوزبك، وحارب العثمانيين، ونشر أسباب العمران في البلاد، ثم نقل العاصمة من قزوين في غرب طهران إلى أصفهان وسط إيران

كان عباس حاكماً على إقليم خراسان في شرق البلاد، وكان والده، محمد خُدا بنده، شاه إيران. حينها كان يهدد البلادَ التفكك والاضمحلال، واستحوذت الفوضى في كل أرجائها، فتمرد قادة العسكر الملقب بـ"قِزلبَاش" على الشاه، وبايعوا ابنه عباس، فاعتلى العرش وهو ابن الـ17 عاماً، ليبقى شاهاً لحوالى 41 عاماً.

أفلح الشاه عباس طيلة 4 عقود من حكمه في هزيمة أعدائه، وصنع مجد الدولة الصفوية حينما هزم الأوزبك، وحارب العثمانيين، ونشر أسباب العمران في البلاد، ثم نقل العاصمة من قزوين في غرب طهران إلى أصفهان وسط إيران.

كتب عنه المؤرخ اللبناني الشيخ محمد جواد مغنية: "كان معروفاً بأصالة الرأي، وقوة العزم، وحسن التدبير، والعدل في الرعية، وكانت البلاد الإيرانية حين تولى المُلكَ مجزّأة الأطراف، موزّعة بين الأتراك والتركمان بسوء إدارة أسلافه، فاسترجعها ووحدها تحت سلطانه، وأنشأ لأول مرة في تاريخ إيران أو الصفويين العلاقات السياسية والعلمية والعسكرية بين إيران ودول أوروبا، كفرنسا، وإنكلترا، وإيطاليا".

الأولويات في الحكم

ولكيلا يفتح القتال في عدة جبهات في نفس الوقت، جعل الشاه عباس أولويةً لترتيب الأمور الفوضوية القائمة في البلاد، فعقد "معاهدة إسطنبول" مع العثمانيين، وقبل بمنحهم جزءاً من الأراضي التي كانت تحت سيطرته في غرب إيران، والعراق وسوريا، وتوعد بالامتناع من شتم الخلافاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان على المنابر، وأخذ العثمانيين الأمير حيدر ميرزا رهينة عندهم. كانت هذه المعاهدة سياسةً من جانبه ليتفرغ للشؤون الداخلية وقمع التمرد في المحافظات، فهاجم الشاه عباس الأوزبك، واستعاد منهم الأراضي الإيرانية في شرق البلاد، وهكذا استمر بقمع وإخضاع الثائرين والمتمردين على حكمه.

تزامن ذلك مع وصول الأميرين أنطوني شيرلي وروبيرت شيرلي إلى قزوين مع خمسة وعشرين رجلاً إنكليزياً، فرحب بهما الشاه عباس، واستغل وجودهما لتجهيز وتأسيس نظام الجيش الإيراني، حيث كان قاسمهم المشترك هو عداءهما للعثمانيين.

"كانت البلاد الإيرانية حين تولى المُلكَ مجزّأة الأطراف، موزّعة بين الأتراك والتركمان بسوء إدارة أسلافه، فاسترجعها ووحدها تحت سلطانه".

حينها بدأ بالعمل على عاصمة مُلكه الجديدة، فعمل على تجميلها بشق الطرقات الكبيرة وتشييد العمارات الضخمة، وجذب إليها الخطاطين والمعماريين والرسامين والمصورين، حتى أصبحت مقر العلوم والفنون. كما عمل على العلاقات الخارجية، فزار إيران سفراء وبعثات من مختلف الدول الأوروبية، وشجع تسامح الشاه وحكومتُه السياحَ والتجارَ على القدوم إلى بلاد فارس، وترك كثير منهم مذكراتٍ وَصَفوا فيها إعجابهم بنهضة البلاد وما رأوه فيها من العادات والتقاليد، وتحدث بعضهم عن الصور البديعة التي كانت تزين جدران القصور.

اهتم الشاه بالفنون المختلفة اهتماماً جماً، منها الرسم على الجدران، ولا يزال أثر ذلك باقياً في بعض القصور بأصفهان، تظهر الرسوم الفارسية الطراز، وتجاورها صور أوروبية، من المحتمل أن تكون من صناعة الفنان يوحنا الهولندي، الذي بقي سنيناً عديدة في بلاط الشاه عباس.

استقدم الملك عباس العديد من الخبراء بالتجارة والصناعة، مع عائلاتهم من الأرمن وغيرهم، وبنى لهم مدينة خاصة في ضواحي أصفهان، أنشأ فيها الكنائس وأطلق لهم الحرية الدينية، وقد تعلم الإيرانيون من هؤلاء أنواعاً شتى من الفنون والصناعات، فكانوا عنصراً امؤثراً في حضارة إيران ورفع مستواها الاقتصادي.

3 حروب مع العثمانيين

خاض الشاه عباس 3 حروب مع العثمانيين في فترات متفاوتة، وطلب مساعدة الملك الإسباني في تقديم دعم حربي له خلال حروبه مع العثمانيين، وقد ساعده، فزحف بجيشه على الأقطار التي انتزعها الأتراك من الدولة الصفوية، واستردها قطراً بعد قطر، حيث استرجع أذربيجان وشطوط بحر قزوين وبلاد الجراكسة والعراق والموصل وديار بكر وكردستان وما يليها، واستمر العداء والكراهية التي كانت قائمة بين العثمانيين السنة والصفويين الشيعة في فترة الشاه عباس، بل وازدادت تشدداً.

أنهى الشاه عباس سيطرة البرتغاليين على الجزر الإيرانية في الخليج بعد 116 سنة، فحاصرهم وانتزع منهم جزيرة هُرمُز، حيث دُمّرت قلعة البرتغاليين وبُنيت قلعة جديدة على أطلالها. وجاء ذلك بعد تحالف الشاه مع البريطانيين وإرسال شركة الهند الشرقية البريطانية 4 سفن خلال الحرب، ما أدى إلى منحهم الكثير من الغنائم من قبل الشاه وفرصة التجارة من المياه الإيرانية.

في ظل ذلك لم ينس عباس اهتمامه بالشعر والرسم والموسيقى والعمارة، إضافة إلى القصور والمساجد والأسواق التي شيدت في عهده في عاصمة ملكه.

تشييد ألف خان

اهتم الملك الإيراني بشق الطرق وتعبيدها، وتسهيل المواصلات بالأساليب المألوفة في عهده، حتى أنه بنى ألف خان، يتسع بعضها لمئات المسافرين مع دوابهم وحمولتهم، كانوا يقيمون فيها دون أي مقابل، ومن الواضح أن هذه الخانات كانت ضرورية لمواصلة السير والتنقل، ولولاها لاستحال على المسافرين أن يقطعوا المسافات النائية. آثار هذه الخانات ما زالت قائمة حتى اليوم.

كتب الباحثان صادق نشأت ومصطفى حجازي: "قد نشط الشاه عباس الكبير في إقامة علاقات سياسية مع الدول الأوروبية، مما ساعد على تبادل المعلومات الصحيحة بين إيران وأوروبا. وكان عباس الكبير يبدي روح التسامح الديني نحو غير المسلمين، وكان يهتم بترقية إيران صناعياً، وقد أحضر ثلاثمائة من الصناع الصينيين المهرة في صناعة الخزف مع عائلاتهم، ليعلموا الصناع الإيرانيين الجودة في هذه الصناعة، ويدربوهم على إتقانها. فأخذت إيران تنتج الخزف بكميات هائلة. أما الصناعات الأخرى فإن صناعة السجاد قد بلغت في عهد الصفويين حدّاً من الروعة والإتقان كان أساساً لتفوقها الكبير. كذلك ارتفعت صناعة المنسوجات الحريرية ذات الخيوط الفضية والذهبية والنماذج الزخرفية البديعة".


كان أول الملوك الذي قدم خدمة كبيرة للمذهب الشيعي ورموزه، فقد شيد مرقداً للإمام علي بن أبي طالب في مدينة النجف وبنى له ضريحاً كبيراً، ثم أهدى له الذهب والفضة والأموال. وکذلك جرى الحال في مدينة مشهد شمال شرق إيران، حيث شيد مرقداً للإمام الثامن للشيعة علي بن موسى الرضا

حصل في عهده زيادة فائقة في تحصيل الضرائب، وتجارة نشطة مع دول الشرق والغرب، وهذا ما جعل الشاه الصفوي يبذل الأموال لإعمار البلاد. جاء في مذكرات الرحالة ديلافال عن هدايا مبعوث ملك إسبانيا غارسيا دي سيلفا للشاه عباس الأول: "كانت هدايا السفير تعادل مئة ألف إيكو إسباني، بالإضافة إلى أنه أحضر ثلاثمئة جمل تحمل الفلفل من الهند... وتألفت هداياه من بعض الأطباق الذهبية والفضية والكريستال والأحجار والجواهر النفيسة... أيضاً من بين الهدايا كان هناك بعض السروج واللجام المطرزة بالذهب الثمين، والأقواس والسهام، والبنادق، وغيرها من أدوات الحرب المرصعة، بما في ذلك خنجر وسيف مرصع بالكامل بالمجوهرات الثمينة... ومن بين الهدايا بعض الأدوات المختلفة المستخدمة في صناعة الحديد والنجارة... وأنواع مختلفة من اللحامات والرماح الهندية وملابس متنوعة".

تشييد الأضرحة الشيعية

كان عباس أول الملوك الذي قدم خدمة كبيرة للمذهب الشيعي ورموزه، فقد شيد مرقداً للإمام علي بن أبي طالب في مدينة النجف وبنى له ضريحاً كبيراً، ثم أهدى له الذهب والفضة والأموال. وکذلك جرى الحال في مدينة مشهد شمال شرق إيران، حيث شيد مرقداً للإمام الثامن للشيعة علي بن موسى الرضا، وأودع في خزانته التحف الثمينة، وعمل على تطوير وتنمية مدينتي النجف ومشهد لتسهيل حركة الشيعة إليها واستقرارهم هناك.

نهاية شاه عباس

قَتل الشاه عباس أحدَ أبنائه وأصاب اثنين آخرين منهم بالعمى، كما قتل ابنين آخرين في طفولتهما بسبب خوفه منهما على أن يفعلا به كما فعل هو بأبيه، ويحلا محله، ولهذه الأسباب لم يترك خلفاً جديراً له، فعين حفيده الشاه صفي ولياً للعهد.

وكانت الحالة الصحية للشاه عباس سيئة منذ عام 1621، حتى توفي في قصره في فرح آباد على ساحل بحر قزوين سنة 1629، ودفن في مدينة كاشان بالقرب من عاصمته أصفهان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image