شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ظاهرة

ظاهرة "فقدان التعليم" في لبنان تكبر... من المسؤول عن رمي الطلاب في المجهول؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 12 مايو 202302:27 م

"التعليم دخل دائرة الخطر"؛ بهذه الجملة تصف التقارير الدولية وضع التعليم في لبنان في ظل عدم استقرار كبير شهدته الأعوام الدراسية خلال الأزمة الاقتصادية التي ألمّت به منذ العام 2019، إلى جانب جائحة كورونا وتأثيرها في هذا القطاع بشكل كبير، فشهد مراحل عديدة من "التعثر في بدء العام الدراسي"، وصولاً إلى إضرابات الأساتذة المستمرة حتى اليوم لتحصيل الحد الأدنى من حقوقهم.

وأظهرت دراسة أجراها المركز اللبناني للدراسات أن مجموع الإنفاق على التعليم من ميزانية وزارة التربية، بالإضافة إلى الهبات والقروض، وصل إلى 14.77 مليار دولار، 2.27 ملياراً منها هي عبارة عن هبات ومنح عينية في الفترة ما بين 2011 و2023، ذهب منها 900 مليون دولار كمساهمات لقطاع التعليم الخاص، في وقت يرزح فيه القطاع التعليمي الرسمي تحت أزمة كبيرة.

وأضافت الدراسة أن "64% من هذه المساعدات يستفيد منها ذوو الدخل العالي، فيما 16% فقط من قيمة التقديمات المدرسية تذهب للفقراء"، وتخلص إلى أن "هذه الأرقام توضح جليّاً كيف أن سياسة الدولة اللبنانية ووزارة التربية تدعم القطاع الخاص على حساب القطاع الرسمي، وتراعي مصالح المدارس الدينية التابعة للأحزاب السياسية".

مجموع الإنفاق على التعليم من ميزانية وزارة التربية، بالإضافة إلى الهبات والقروض، وصل إلى 14.77 مليار دولار منذ عام 2011

يشير الخبير التربوي نعمة نعمة، إلى أن وزارة التربية "كانت ولا تزال تنفذ مشاريع عدة من جهات مانحة، منذ بداية عام 2011 حتى اليوم، وأهمها وأكبرها مشروع Race 1 ومشروع Race 2 وهذان المشروعان ليسا مخصصين لتعليم اللاجئين السوريين فقط، كما يشاع، بل لهما 3 أهداف هي؛ وصول جميع الأطفال إلى التعليم، تحسين جودة التعليم، وتحسين الأداء الإداري ومراقبة النظم الإدارية، والمقصود هنا قطاع التعليم الرسمي فقط".

ويضيف: "لدينا نحو 2.5 مليارات دولار هي أموال منهوبة لدى وزارة التربية، وكل ما يقال عن غياب الموارد المالية بسبب الأزمة الاقتصادية غير صحيح، والوزارة ذاع صيتها أصلاً لدى البنك الدولي، الذي عدّ أن وزارة التربية تعاني من قلة التنظيم وغياب النظرة التجديدية وغياب إدارة الموارد المالية".

في نظرة سريعة إلى جدول الدراسة للهبات المقدمة لوزارة التربية منذ عام 2011 وحتى هذا العام، يتبين أن اليونيسيف والبنك الدولي قدّما 64 مليون دولار عام 2022، كمساعدات طارئة للأساتذة، كما قُدّمت 100 مليون دولار عام 2022، لمساعدة صناديق المدارس الرسمية الخاصة.

حاول رصيف22، التواصل مع وزارة التربية والتعليم العالي، للاستيضاح أكثر عن هذه المشاريع والخطوات الفعلية التي اتخذتها الوزارة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، لكن دون إجابة عن هذه الأسئلة كلها حتى تاريخ نشر التقرير.

من فقر التعليم إلى فقدانه

على الرغم من الحصول على الأموال والقروض، إلا أن القطاع التعليمي في لبنان في دائرة الخطر وفق التقارير الدولية بسبب سوء إدارة الأموال وعدم شفافية وزارة التربية، ولهذا الأمر تأثير على مستوى التعليم في لبنان.

في بداية عام 2015، كان لبنان يعاني من ظاهرة "فقر التعلّم" حيث كان 70% من الأطفال في لبنان الذين يبلغون من العمر 10 سنوات، تحت الحد الأدنى في القراءة والتعبير بحسب الاختبارات العالمية، وتشير دراسة المركز اللبناني للأبحاث إلى أن مستوى "فقر التعلّم ارتفع تدريجياً في لبنان من 60 إلى 70% بعد كورونا وخلال الأزمة الاقتصادية، وتعدّى الـ80% في المدارس الرسمية، بسبب الإضرابات المتكررة".

والآن، يعاني لبنان من ظاهرة "فقدان التعليم" وهي عادة ظاهرة تقاس بعدد الأيام الفاعلة في التدريس. يقول نعمة شارحاً: "بحسب المعيار العالمي، خلال 12 سنةً دراسيةً يجب أن تكون 10.8 سنوات منها فعالةً وهو المعدل العالمي الطبيعي، ولكن في لبنان 12 سنةً دراسيةً 6 سنوات ونصف سنة منها فعالة فقط، ويعود ذلك إلى خفض عدد الأيام الدراسية على عهد الوزير الياس بو صعب، من 170 يوماً إلى 120 يوماً دراسياً، في وقت المعدل العالمي الطبيعي فيه هو 180 يوماً دراسياً".

فقر التعلّم ارتفع تدريجياً في لبنان من 60 إلى 70% بعد كورونا وخلال الأزمة الاقتصادية، وتعدّى الـ80% في المدارس الرسمية، وهناك حديث عن هدر وصل إلى 2.4 مليار دولار، فمن يتحمل مسؤوليته؟

تشير الدراسة أيضاً إلى أنه منذ بداية كورونا ومع إضرابات الأساتذة خلال الأزمة الاقتصادية، خسر القطاع التعليمي في لبنان الكثير من الأيام التعليمية الفعالة وحصل تباين بين القطاعين العام والخاص، والفجوة بدأت تتسع، إذ بلغ عدد الأيام الدراسية الفعالة في القطاع الرسمي 60 يوماً فقط".

يقول نعمة: "كل ما يقال عن أن وزارة التربية ترزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، كلام غير صحيح، ما نعاني منه هو قلة التنظيم وسوء إدارة أموال المشاريع، والإجراءات التي تقوم بها الوزارة منذ بداية عام 2019 إلى الآن، إجراءات ترقيعية لإيقاف إضراب الأساتذة المطالبين بحقوقهم".

الوزارة تدور في حلقة مفرغة

في نظرة سريعة إلى الإجراءات الحكومية التي اتُخذت، يتبين أنها كانت دائماً تهدف إلى فك الإضراب وتطال تكلفة المواصلات التي رُفعت تدريجيّاً لتصل إلى 450 ألف ليرة شهريّاً، ولكن بدل النقل لم يتم صرفه للأساتذة قبل هذه الزيادة أصلاً، وجاء هذا القرار مخالفاً لوعود الوزارة بـ"5 ليترات بنزين"، بالإضافة إلى الزيادة في الرواتب والحوافز للأساتذة المتعاقدين والملاك.

وأقرت الحكومة في 18 نيسان/ أبريل 2023، زيادة 4 رواتب في القطاع العام للإداريين وأساتذة الملاك، أما الأساتذة المتعاقدون، فأقرّت لهم بزيادة 50% على الساعة، لترتفع قيمة ساعة الأستاذ المتعاقد من 100 ألف إلى 150 ألف ليرة، وهي تُقدَّر بدولار ونصف دولار بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء .

هذه الزيادة، رفضها الأساتذة المتعاقدون كونها غير كافية، عادّين أن هذه الإجراءات بالية، كونها غير مرتبطة بسلّم متحرك للأجور، وليست محددةً بالدولار وسعر منصة صيرفة مثلاً، ومع الارتفاع المستمر للدولار، تخسر كل هذه الزيادات قيمتها لتصبح هذه البنود تدور في حلقة مفرغة، تؤدي دائماً إلى عودة الأساتذة إلى الإضراب.

ففي هذا العام، استمر إضراب الأساتذة في قطاع التعليم الرسمي لمدة شهرين ونصف تقريباً، وعلى الرغم من فكّه توازياً مع وعود وزارة التربية بزيادة التحفيزات، إلا أن نسبةً عاليةً من الأساتذة المتعاقدين خاصةً لم ترجع إلى عملها لأن كلفة النقل عالية، فاستمر التعليم بشكل نسبي وبنسب تتفاوت بين مدرسة وأخرى.

ويعتمد قطاع التعليم الرسمي في لبنان على الأساتذة المتعاقدين بشكل عام، وهم يشكلون تقريباً 70% من الطاقم التعليمي في التعليم الأساسي، و30% في الثانوي، أما أساتذة المهني المتعاقدون فنسبتهم 85%، وتالياً فإن إضراب الأساتذة المتعاقدين تحديداً كفيل بإيقاف قطاع التعليم الرسمي وتعطيل السنة الدراسية في وقت تبدو فيه الوزارة غير معنية بإيجاد حل فعلي للأزمة خارج دائرة "الترقيع".

تشير دراسة أجرتها يونيسيف، إلى أن "نحو 25% من العائلات اللبنانية عجزت عن تأمين كلفة التعليم المدرسي"

وبدأ اعتماد التعليم الأساسي والثانوي في معظم طاقمه على الأساتذة المتعاقدين، بعد قرار وقف التوظيف في القطاع الرسمي عام 2003، إذ كانت هناك حاجة إلى مدرّسين ومعلمين في المدارس الرسمية، فبدأ اللجوء إلى حل "الأساتذة المتعاقدين"، من دون إجراء أي مباراة رسمية وتم التعاقد على الساعة لسد هذه الحاجة من دون أي ضمانات صحية ومن دون تعويض نهاية الخدمة .

مواجهة الأزمة بعجز مطلق

وفق رأي أستاذة الثانوية العامة والمدربة على الحقوق، سهام أنطون، فإن "هذا الأمر يقف أساساً في وجه تطور التعليم الرسمي لأنه لا يتم إجراء مباريات للتأكد أصلاً من كفاءة الأساتذة في التعليم، ولا يتم إجراء أي نوع من التدريبات لهم، وهنا نخسر فرصة وجود كفاءات من المعلمين في قطاع التربية والتعليم".

وتقول في حديثها إلى رصيف22: "لا يمكن تعميم فكرة أن الأساتذة المتعاقدين غير أكفاء، ففكرة التعاقد أصلاً مجحفة بحق الأساتذة وتحرمهم من الكثير من الحقوق المادية والمعنويّة أيضاً ولا تمنحهم الاستقرار والاستمرارية في عملهم، فضلاً عن الدور السيئ الذي تلعبه المحاصصة الطائفية والمحسوبيات".

وتتابع: "منذ بداية الأزمة الاقتصادية، لا تقوم وزارة التربية ومعها الحكومة إلا بخطوات لمواجهة الأزمة بعجز مطلق؛ وأوّل هذه الإجراءات هي طلب الدعم من المؤسسات والجمعيات الدولية التي يهمّها دعم قطاع التعليم، وسياسة طلب الدعم صارت مع الوقت سياسة الدولة اللبنانية كاملةً في مواجهة الأزمة وتشمل الوزارات كلها ولا تقف عند وزارة التربية".

وتضيف أنطون: "أما ثاني الإجراءات التي تتبعها الوزارة في مواجهة أزمة الإضراب، وفي ما يتعلق بقضية الأساتذة في القطاع الرسمي، فهي القمع والترهيب وتهديدهم مثلاً بعقوبات، من تفتيش وفصل، إذا لم يفكوا الإضراب، وتطلب منهم ممارسة التعليم من دون أي بدل يُذكر".

لا عدالة في التعليم

تتسع تدريجياً الهوة بين التعليم الرسمي والخاص من جهة التقديمات الدراسية وغيرها، فتنعكس على نسبة الطلاب في المدارس، وعلى نسب التسرّب المدرسي. عام 2020، ارتفع عدد الملتحقين بالمدارس الرسمية من 30% إلى 46%، ثم عاد لينخفض هذا المعدل عام 2022، بسبب الإضرابات والإغلاق وتعثر إطلاق العام الدراسي، فكان من الطبيعي أن يوضَع هذا الانخفاض في سياق التحاق الطلاب بالتعليم الخاص لمتابعة دراستهم.

لكن تُظهر دراسة للمركز التربوي للبحوث والإنماء، تراجعاً في تسجيل الطلبة في المدارس الخاصة من نحو 564 ألفاً عام 2019، إلى نحو 514 ألفاً عام 2021، في مقابل انخفاض في نسبة التسجيل في المدارس الرسمية ما يعني ارتفاعاً في نسب التسرب المدرسي.

أثر أزمة قطاع التعليم سيظهر خلال السنوات الأربعة المقبلة، وسيكون على المدى الطويل إذ إن الطلاب في المدارس الرسمية بالتحديد لم يأخذوا المنهاج كاملاً، فإلى ماذا تستند هذه الوقائع؟

وفي المقابل، أظهرت دراسات أجرتها منظمات دولية أن أكثر من 400 ألف طفل في لبنان أصبحوا خارج المدارس بعد الأزمة الاقتصادية. وتشير دراسة أجرتها يونيسيف، إلى أن "نحو 25% من العائلات اللبنانية عجزت عن تأمين كلفة التعليم المدرسي، إذ يجد الأهالي أنفسهم غير قادرين على تحمّل أعباء الأقساط المدرسيّة، بالإضافة إلى تكاليف النقل".

يقول مدير برنامج التعليم في جمعية إنقاذ الأطفال save the children الدولية ميشال سلامة، إن "أزمة التعليم هي على مستويين؛ المستوى الأول يخص المعلمين في القطاع الرسمي الذين يطالبون بأدنى حقوقهم والمستوى الثاني يخص الطلاب الذين يخسرون تعليمهم".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "حق الأطفال في التّعليم لا يواجه صعوبةً ماديّةً فقط، بل أيضاً مشكلة الإقفال وبشكل خاص هذه السنة الدراسية التي تُعدّ من أكثر السنوات الدراسية صعوبةً بسبب الانقطاع عن التعليم في المدارس الرسمية، بينما كان التعليم أونلاين مسيطراً خلال السنوات الماضية".

بحسب سلامة، "أثر أزمة قطاع التعليم سيظهر خلال السنوات الأربعة المقبلة، وسيكون على المدى الطويل إذ إن الطلاب في المدارس الرسمية بالتحديد لم يأخذوا المنهاج كاملاً، وهذا سيشكل ضغطاً عليهم في السنوات المقبلة"، مضيفاً: "من الحلول التي على الوزارة أن تتخذها لإنقاذ العام الدراسي، وضع خطة تدريس مكثفة ولكن مع عدم الضغط على التلميذ".

ويقول: "مشاريع الجمعيات الدولية، ومشاريعنا نحن بشكل خاص، تتمحور حول إنشاء مراكز تعليمية تدعم التلاميذ المنقطعين عن التعليم أو المعرضين أكثر لخطر التسرب المدرسي، وما نفعله هو دعم هؤلاء التلاميذ للانضمام مجدداً إلى مدارس قطاع التعليم الرسمي، وقد شهدت المراكز إقبالاً كثيفاً خلال الفترة الأخيرة، وحاولت الجمعية ترشيد الإنفاق وزيادة القدرة الاستيعابية. ولكن دور المراكز تمهيدي ولا يمكنها إعطاء شهادات مثلاً والترفيع من صف إلى آخر".

"هذا الدعم عادةً ما يُعطى للتلاميذ في وقت يوجد فيه استقرار في قطاع التعليم ولا تكون هناك إضرابات وإقفال ومستقبل عام دراسي شبه مجهول، وما نلمسه الآن 'قلة عدالة' واضحة في الحق في التعليم حيث يتعلم طلاب المدارس الخاصة فقط، ولكن أيضاً عامهم الدراسيّ في خطر خاصةً لصفوف الشهادات الرسمية"، يختم سلامة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image