وافق مجلس النواب البحريني، في 9 أيار/ مايو 2023، على إلغاء المادة (353) من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم في قانون رقم (15) لسنة 1976. تنص المادة على أن "للمحكمة ألا تحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة (تحت فصل الاغتصاب والاعتداء على عرض) إذا عقد زواجاً صحيحاً بينه وبين المجنى عليها. فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية".
تأتي هذه الخطوة بعد نضال طويل خاضته الجمعيات النسائية لسنوات عديدة مع الاتحاد النسائي الذي تأسّس في العام 2006، لحماية ضحايا الاغتصاب من الفتيات والسيدات من العيش تحت وطأة المعتدي/ المغتصب لبقية حياتهن.
"إنجاز"
في هذا الصدد، تقول رئيسة الاتحاد النسائي البحريني أحلام رجب لرصيف22: "تعتبر هذه الخطوة إنجازاً في صالح المرأة البحرينية وحمايتها من الانتهاكات، وثمرةً لجهود كبيرة قام بها الاتحاد النسائي البحريني والجمعيات النسائية خلال الأعوام السابقة. كما أنه يترجم الاهتمام الأهلي والرسمي والدعم التشريعي لحماية المرأة البحرينية وإبعاد الضرر عنها".
"لئلّا نسمح له بمعاودة اغتصاب الضحية في كل يومٍ وليلة، وحتى يكون عبرة، ولكي لا نفتح الباب واسعاً لإغراء المنحرفين بممارسة هذه الجريمة تحت حماية القانون"... مجلس النواب البحريني يُلغي المادة 353 التي تسمح بتفلت المغتصب من العقاب إذا تزوج ضحيّته
وتشدد رجب على أن موافقة مجلس النواب على إلغاء المادة 353 من قانون العقوبات "أسعدتنا، ونتطلع إلى موافقة مجلس الشورى والحكومة على تمرير هذا القانون الهام بالموافقة عليه".
من جهتها، تلفت النائبة البحرينية إيمان شويطر إلى أن "مرئيات الجهات المختصة كلها تؤكد على ضرورة إلغاء هذه المادة لما لها من أثر نفسي كبير على الضحية بأن تُغصب على الزواج مِن مَن أجرم بحقها وهتك عرضها ومسّ كرامتها وإنسانيتها ولوّث سمعتها وشوه مستقبلها".
وتقول لرصيف22 إن هذه المادة لم تكن تتسق المادة مع الشريعة الإسلامية من حيث صحة عقد الزواج وشرعيته إذ لا يتوفر ركن أساسي من أركان الزواج الصحيح وهو "القبول والرضا" من قبل المرأة، مردفةً "قُدِّم مقترح إلغاء المادة منذ زمن، ولكنه أخيراً مُرِرَ في مجلس النواب".
وتنوّه شويطر بأن تمرير المقترح هذه المرة يعود إلى "الجهود التي بذلها الاتحاد النسائي في صور مختلفة منها الندوات والحلقات النقاشية والحملات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي شكّلت عوامل ضغط على الحكومة والجهات المختصة، بالإضافة إلى توصيّات وملاحظات لجنة السيداو وطلبها إلغاء المادة 353 وإعطاء أجل لتنفيذ هذه التوصية" .
من جهته، يصف المحامي البحريني إبراهيم المناعي المادة 353 من قانون العقوبات البحريني بـ"المؤلمة"، موضحاً "لا يجوز مكافأة المجرم المغتصب على جريمته بالسماح له بزواجه من المجنى عليها، مستغِلّاً ظروفها الاجتماعية البائسة، أو مراعاةً لقيم الشرف والتستر على الجريمة والبعد الاجتماعي، التي لا تجوز شرعاً".
كان المناعي قد دعا في مقال نشره حديثاً لإلغاء هذه المادة ومعاقبة المغتصب على جريمته و"ألّا نسمح له بمعاودة اغتصاب الضحية في كل يومٍ وليلة، وذلك حتى يكون عبرة له ولغيره، ولكي لا نفتح الباب واسعاً لإغراء المنحرفين بممارسة هذه الجريمة تحت حماية القانون".
حسم الملفات المعلّقة
في الأثناء، تبارك المحامية المعنيّة بشؤون المرأة، يارا الأحمدي، للمرأة البحرينية "انتصارها وتحررها أخيراً من نص المادة 353 المجحف، والذي كان من النصوص المعفية للعقاب"، معتبرةً إياها "خطوة إيجابية في سبيل حقوق المرأة البحرينية"، وفق ما أخبرت رصيف22.
إلغاء هذه المادة يُحيي الآمال في فتح وحسم "الملفات المعلّقة" الخاصة بقضايا تؤثر بشدة على واقع المرأة البحرينية لا سيّما قضيّة "المعلّقات"، وحق البحرينية المتزوجة من أجنبي في تمرير الجنسية لأبنائها، ومراجعة قانون الحماية من العنف الأسري، وتعزيز مراكز حماية الأسرة
وترى الأحمدي أن هذه الخطوة تؤكد أن "فتح ملف المرأة البحرينية على طاولة صانعي القرار في مملكة البحرين - بدءاً من نص المادة 353 - قد آن أوانه" بما يشمل "عدم تجزئة التعامل مع تطبيق اتفاقية السيداو وتعديل قانون الجنسية البحريني وقانون أحكام الأسرة وغيرهما على نحو يضمن حقوق المرأة البحرينية وحريتها".
تتفق معها رئيسة الاتحاد النسائي التي تدعو لحل ملف جنسية أبناء المواطنة البحرينية المتزوجة من أجنبي ومساواتهم بأبناء المواطن البحريني المتزوج بأجنبية في الحصول على الجنسية البحرينية.
وتضيف: "رصد الاتحاد أكثر من 600 حالة لأسر مختلطة (الزوجة بحرينية والزوج أجنبي)، والمتوقع أن العدد أكبر من ذلك. جميع أبنائهن وبناتهن محرومون/ات من حمل الجنسية البحرينية وما يترتب على ذلك من امتيازات، بما يؤثر على مستقبل أجيال قادمة لا تحمل الجنسية البحرينية، على الرغم من أن الحكومة قدّمت بعض التسهيلات لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من الأجنبي في ما يتعلق بالعمل والصحة والتعليم والإسكان. لكنها ما زالت منقوصة".
تدعو أحلام رجب أيضاً لمراجعة قانون الحماية من العنف الأسري رقم (17) لسنة 2015، وتعزيز مراكز حماية الأسرة في المملكة، مشيرةً إلى أن الأرقام الوحيدة التي يملكها الاتحاد هي لأعداد النساء اللواتي ترددن إلى مراكز الدعم الأسري التابعة للجمعيات النسائية، طالبين الحماية والدعم القانوني.
وتتابع: "نتطلع في الاتحاد إلى شموليّة قانون الحماية من العنف الأسري لجميع الحالات والأحوال التي تتعرض فيها المرأة لأي نوع من أنواع العنف كالتهديد بالعنف، والتعنيف في الفضاء العام، والتهديد بالقتل، وارتكاب أعمال العنف، والتشهير، والتنمر والتهديد على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتُذَكِّر رجب بقضية "المعلّقات" أو السيدات اللواتي تقع حالتهن بين الزواج والطلاق، لرفض الزوج تطليقهن، مردفةً "يعمل الاتحاد حالياً على اقتراح بعض التعديلات على قانون الأسرة رقم (19) لسنة 2017، بعد أن تبين بالتجربة وجود بعض الثغرات به، التي تتضرر بسببها السيدات المعلًقات أو المهجورات بفعل تعنّت الزوج، وكذلك في ما يتعلق بالنفقة والحضانة وحالة الزواج وإفرازات الطلاق وتبعاته. كما يعمل الاتحاد على تقديم مقترح لوثيقة عقد زواج اختيارية تتضمن العديد من الاشتراطات، بالاستفادة من تجارب عدة دول إسلامية خطت خطوات متقدّمة في هذا الشأن، بحيث تحمي هذه الوثيقة بصورة أكبر طرفي العلاقة الزوجية".
"الحكومة قدّمت بعض التسهيلات لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من الأجنبي في ما يتعلق بالعمل والصحة والتعليم والإسكان. لكنها ما زالت منقوصة".
دول عربية سبقت البحرين
الجدير بالذكر أن إلغاء المادة التي "تكافىء" المغتصب بالزواج من ضحيّته لتفادي العقوبة القانونية في البحرين يعقب إجراءات تشريعية مشابهة في دول عربية أخرى بينها لبنان وتونس والأردن.
ألغت مصر المادة 290 والمادة 291 من القانون العقوبات اللتين كانتا تسمحان بسقوط العقوبة عن المغتصب إذا تزوج ضحيته في العام 1999. وقام المغرب بالمثل إذ وافق مجلس النواب في العام 2014 على إلغاء الفصل 475 من القانون الجنائي التي تنص على إعفاء مرتكب جريمة الاغتصاب من عقوبة السجن بحال زواجه من ضحيته.
في حين ألغى لبنان المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني التي تنصّ: "إسقاط الملاحقة والعقوبة القانونية عن المُغتصِب إذا عُقد زواج صحيح بين المُغتصِب وبين الضّحية" في العام 2017. وفي العام نفسه ألغت تونس قانوناً مشابهاً، وهو الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية، وهو يقضي بإيقاف التبعات ضد المغتصب الذي يتزوج ضحيته. علماً أن هذا الفصل لم يكن يستثني القاصرات.
ومطلع العام 2018، وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس القانون رقم 5 لسنة 2018، وينص على إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات لعام 1960 الذي كان يسمح للمغتصبين المدانين بالإفلات من السجن إذا تزوجوا ضحاياهم.
وفي الأردن، أُلغيت المادة 308 من قانون العقوبات على أنه "إذا أُبرم عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (الاعتداء على العرض) وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة، وإذا كان قد صدر حكم بالدعوى عُلِّقَ تنفيذ العقوبة التي فُرضت على المحكوم عليه" في العام 2021.
وبرغم إلغاء هذه المواد المجحفة، ما تزال حالات تزويج المغتصب من ضحيته والتكتم على الجريمة أو إسقاط حق المعتدى عليها متكررة في هذه الدول نظراً للاعتبارات الاجتماعية التي تعرقل التبليغ أيضاً عن حوادث الاغتصاب في بعض الأحيان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.