بشكلٍ عام، تنفصل المرأة الشرقية عن جسدها منذ الولادة، حيث تمتثل لنصيحة الجدة والأم وتحذيراتهما من لمس عضوها التناسلي حتى تتفاجأ وقت البلوغ بنزف وألم وتحذيرات إضافية مبالغ فيها، فلا تتعرف على هذا الجسد أبداً إلا في حضور الزوج، وإن حدث ذلك قبل الزواج، تقع في بئر مظلمة وعميقة من المخاوف والصراعات النفسية والشعور بالذنب والخطيئة والوصم.
قليلات هنّ النساء اللواتي تجاوزن "رعب" التعرف على أجسادهنّ، وعرفن طريق التصالح والتفهم والثقة.
إن البيئات الشرقية القروية والصحراوية وأماكن كثيرة من المدن الكبرى والعواصم تتبع ثقافة الإلغاء هذه؛ إلغاء حق ملكية المرأة لجسدها، فهو ملك لزوجها المستقبلي فقط، لذلك نجد أغلبية المترددات على عيادات أمراض النساء، من المتزوجات، وأغلبهنّ يذهبن مضطرات كأنهنّ مساقات إلى غرفة تعذيب من أجل مشكلات تتعلق بإرضاء الزوج غالباً، لا إرضاءً لأنفسهنّ أو إشفاقاً على أجسادهنّ من الألم، ويبقى الكابوس الأكبر عند زيارة طبيب/ ة أمراض النساء، تطور الأمر إلى ضرورة القيام بفحص المهبل.
عاقبتني لأنني لا أريد الإنجاب
قالت الشابة الثلاثينية نورهان (اسم مستعار)، وهي متزوجة منذ خمس سنوات وتعمل في مجال التعليم: "تعرضت للسونار المهبلي في السنة الثالثة من الزواج. كنت حتى تلك اللحظة شديدة الحذر والتخوف في ما يتعلق بأطباء النساء بسبب حكايات الصديقات عن الإهانات في التعامل معهنّ. كنا، أنا وزوجي، قد قررنا تأجيل الإنجاب لذلك لم أتخيل أن أتعرض له في وقت قريب".
وأضافت لرصيف22: "مع إصرار أمي على زيارة الطبيب للتأكد من قدرتنا لاحقاً على الإنجاب، قررت اختيار طبيبة بسبب خجلي الشديد، وحذري من كل شيء قد يقترب من أعضائي الخاصة".
نجد أغلبية المترددات على عيادات أمراض النساء، من المتزوجات، وأغلبهنّ يذهبن مضطرات كأنهنّ مساقات إلى غرفة تعذيب من أجل مشكلات تتعلق بإرضاء الزوج غالباً، لا إرضاءً لأنفسهنّ أو إشفاقاً على أجسادهنّ من الألم، ويبقى الكابوس الأكبر عند زيارة طبيب/ ة أمراض النساء، تطور الأمر إلى ضرورة القيام بفحص المهبل
وتابعت حديثها: " قبل الكشف، اهتممت بنظافة المنطقة التناسلية بشكل مبالغ فيه. وجلست أمام الطبيبة أشرح لها طلبي وهي تقنعني بضرورة الإنجاب مبكراً قبل أن يفوتني القطار. ضايقني الحوار وكدت أن أرحل لولا أنها طلبت مني التمدد خلف الستار وخلع بنطالي. اعتقدت أن السونار سيكون للبطن فقط. وقتها لم أكن أعرف أن هناك سوناراً خاصاً بالكشف المهبلي... رأيت ذلك الشيء وهي تضع عليه المزلق، ومن دون استئذاني عدلت من وضع ساقي وأدخلَته بطريقة بدت لي قاسيةً. لم أسمع من شرحها شيئاً غير أنها أكدت أني بخير ولا أعاني من أي مشكلة".
وكشفت نورهان أن هذه التجربة أثّرت سلباً على علاقتها الجنسية: "كنت لا أطيق تخيّل أن شيئاً سيقتحم هذا المكان ثانيةً، حتى لو كانت في ذلك متعة لي. قاومت شعوري لأني لم أرد البوح لزوجي عن شعوري بالإهانة البالغة. مع الوقت تجاوزت هذا الموقف، واستعدت ثقتي بنفسي، لكن بعد أن قررت مقاطعة أطباء النساء، برغم حاجتي إليهم في وقت لاحق، حين أصابني نوع من البكتيريا أو الفطريات التي تسبب الحكة والإفرازات وتلك الأشياء المزعجة. قررت وقتها التحمل حتى يستعيد مهبلي صحته وحده؛ شعرت أن هذه هي رغبته، لأني بعد فترة شُفيت تماماً".
وختمت نورهان بالقول: "منذ ذلك الحين وأنا مصابة بذعر شديد من فكرة أن أترك جهازي التناسلي بين يدي طبيبة أو طبيب، لحمل أو ولادة أو حتى لعلاج الفطريات المزعجة".
المال يجعل الألم درجات
لماذا قُدّر على النساء هذا الكم كله من الألم؟ بهذا التساؤل بدأت مرام تجربتها مع الكشف المهبلي والولادة الطبيعية، ثم أكملت السيدة الأربعينية الموظفة في مطعم شهير وهي أم لثلاثة أبناء: "تتحمل المرأة الكثير لكي تنجب أطفالها، لكن مع ذلك هناك فرق كبير بين الكشف الخاص والكشف في المستشفيات الحكومية، فالمال يجعل الألم درجات".
وشرحت قائلةً: "حين كانت ظروفي المادية جيدةً في حملي الأول، كنت أذهب إلى عيادة شهيرة ونظيفة ودكتور ذي خبرة كبيرة ومرت التجربة بسلام. كنت صغيرةً في العشرين، وكان الطبيب يعاملني بأبوّة، لكن في ما بعد، وفي أثناء حملي الثاني، لم أتابع الحمل جيداً ففاجأتني آلام الولادة مبكراً وأنا في البيت مع أمي التي حاولت التصرف وتركتني مع الجارات حتى تعود بسيارة، لكني تفاجأت بخروج رأس ابني. لحظتها كنت ملقاةً على السرير والجارات يتوافدن إليّ ليشاهدن هذا المشهد الذي لا يتكرر".
"طلبت مني التمدد خلف الستار وخلع بنطالي. اعتقدت أن السونار سيكون للبطن فقط. وقتها لم أكن أعرف أن هناك سوناراً خاصاً بالكشف المهبلي... رأيت ذلك الشيء وهي تضع عليه المزلق، ومن دون استئذاني عدلت من وضع ساقي وأدخلَته بطريقة بدت لي قاسيةً"
وتابعت: "كنت في غاية الخجل والوحدة والألم والذعر من أن يختنق طفلي أو يحدث له شيء، فنصف رأسه خارجي وبقية جسده في داخلي وأنا عارية وغارقة في سوائل جسدي، بعدها ذهبت إلى مستشفى الصحة لتركيب لولب، وكان يوماً مريراً إذ صرخت الطبيبة في وجهي كي أكفّ عن التشنج".
أما الولادة الثالثة فكانت في مستشفى حكومي، وفق ما قالت: "كانت الولادة صعبةً بعض الشيء ولم أستطع التحكم في إخراجي وقت الطلق، فانفعل الطاقم الطبي، وتمنيت الموت من الخجل لولا أن شقيقتي وضعت ورقةً ماليةً في يد عاملة لتتولى الأمر. لم أصرخ في حياتي بقدر ذلك اليوم. شعرت بأنني سأموت، بينما الطبيب يضحك ولا يهتم حتى بتهدئتي وكأنه يسخر من فقري الذي دفعني للولادة في مستشفى حكومي".
ثم صمتت مرام لحظات، وأكملت وكأنها تدافع عن نفسها: "لم تكن وسيلة منع الحمل، أي اللولب، تجدي معي نفعاً، لكنني بعد تجربة الولادة الثالثة امتنعت تماماً عن العلاقة الجنسية لسنوات حتى تم الطلاق. كنت كلما شعرت برغبة أتذكر ضحكات الطبيب والضغط العنيف على بطني والشيء القاسي في مهبلي، فتتحول الرغبة الجنسية إلى رغبة في التقيؤ والبكاء".
هذه الآلام ثمن الأمومة
أنجبت منى طفلها الأول حديثاً، وعن علاقتها الجنسية مع شريكها، قالت لرصيف22: "لم أشعر بأي متعة في علاقتي الجنسية في بداية زواجي، بل بألم شديد. كان زوجي يغضب كثيراً ولا يتفهم لماذا أتألم هكذا حتى قررنا زيارة الطبيبة. حين طلبت مني أن أتمدد على السرير وأخلع ملابسي، شعرت برعب خاصةً حين باعدت بين ساقيّ ووضعت آلةً معدنيةً تشبه الكماشة لتوسع المكان أكثر وأكثر، صرخت بشدة لحظتها، ووسط هذا الكمّ الهائل من الألم قالت إنني لا بد أن أقوم بعملية جراحية لإزالة لحمية زائدة هي السبب في الألم الذي أشعر به، كما أنها تعيق حدوث الحمل. صمم زوجي على أن أدخل العمليات في الليلة نفسها، أي بعد أربع ساعات. لم أكن مؤهلةً لشيء. كانوا يوجهونني وكنت خاضعةً، تمت العملية بسلام، لكنني لم أتجاوز الكشف نفسه، فهو أسوأ ما في الموضوع".
وتابعت: "بعد أن عرفت بحملي، تابعت مع الطبيبة نفسها تجنّباً للتعري أمام أطباء آخرين، وأقنعتني بالولادة الطبيعية من دون ألم، ووافقت. مررت بكشف الولادة مرات عدة على أيدي أطباء رجال متفرقين في المستشفى، حتى وصلت طبيبتي في النهاية. كانت تجربةً منهكةً نفسياً وجسدياً، ولم أكن أتخيل أن تتركني هكذا ولا تأتي سوى بعد خمس ساعات حين أخبروها بأنني جاهزة للوضع".
وعن هذه التجربة قالت: "أشعر بفوبيا إدخال أي شيء في مهبلي، حتى ولو كان عضو زوجي في أثناء العلاقة الزوجية. فكرة أن شيئاً سيخترقني تثير فزعي، لكنني أعدّ هذه الآلام ثمن الأمومة حتى لا أُجنّ".
وحول الخياطة التجميلية لتضييق فتحة المهبل، كشفت أن الطبيبة لم تسألها عن رغبتها في القيام بها: "لم نتحدث أبداً حول هذا الموضوع، لكنها أخبرتني مبتسمةً لاحقاً بخياطة غرزتين تجميليتين لأعود كالفتاة العذراء حتى لا يشعر زوجي بأي اختلاف أو انزعاج".
"أشعر بفوبيا إدخال أي شيء في مهبلي، حتى ولو كان عضو زوجي في أثناء العلاقة الزوجية. فكرة أن شيئاً سيخترقني تثير فزعي"
بدورها، تحدثت رنا، وهي طبيبة عشرينية ومتزوجة حديثاً، عن تجربتها مع الكشف المهبلي: "بوصفي طبيبةً وأثق بالعلم والطب وضرورة حفاظ المرأة على صحتها النفسية والجسدية، لم أتخيل أن أشعر بهذه الإهانة وهذا القدر من الانتهاك فور قيامي بالكشف المهبلي لأول مرة. لقد شعرت باكتئاب، وألم نفسي عميق، وظللت لأيام أفكر في الطبيبة ولماذا تعاملت معي بهذه الحدة وكأنها تتعمد إحراجي وانتهاكي؟ لكن بعد تفكير واقعي أدركت أنها فقط تعاملت معي كحالة من عشرات تقابلهن يومياً".
ثقافة الخجل
صرحت أخصائية أمراض النساء والتوليد في مستشفى بلقاس المركزي في محافظة الدقهلية الدكتورة ياسمين أبو العزم، لرصيف22، بأن "هناك ترسيخاً في وجدان النساء بحدوث ألم حاد حول كل ما له علاقة بالمهبل، فالعلاقة الجنسية مؤلمة والسونار المهبلي مؤلم والولادة الطبيعية مؤلمة، لأن هذه المنطقة حساسة للغاية، وأي احتكاك بسيط بها يولّد ألماً عميقاً، لكن هذا ليس صحيحاً؛ فالعلاقة الجنسية مثلاً تسبب في البدايات شعوراً بعدم الراحة، وكذلك إدخال أي شيء في المهبل".
وتابعت: "يحدث الألم نتيجة حدوث تشنج مهبلي ناتج عن الخوف أو القلق النفسي المسبّق، لذلك على الطبيب/ ة احتواء الموقف، فالنساء في ثقافتنا نشأن على ثقافة الخجل من هذا المكان بسبب ارتباطه بالجنس، وتعلمن ضرورة عدم لمسه بسبب فوبيا الحفاظ على سلامة غشاء البكارة، لذلك يتألمن كرد فعل نفسي على مخاوفهنّ الذاتية القديمة".
وعن كيفية تجاوز الهلع من الفحص المهبلي، قالت أبو العزم: "يجب إدراك أن الكشف المهبلي غير مريح ككشف اللوز مثلاً، وأن العضو التناسلي كأي عضو آخر في الجسد، لذا من الضروري الإسراع في طلب التدخل الطبي وقت الحاجة وعدم الإهمال حتى لا تتفاقم المشكلات البسيطة مع الوقت".
"المؤسف أن بعض الطبيبات يتعاملن هكذا أيضاً، برغم إدراكهنّ أن التشنج المهبلي يسبب ألماً حقيقياً، وتالياً يتعيّن عليهنّ تقديم الدعم والمساعدة والشرح الكافي قبل كل خطوة"
وقد أوضحت الدكتورة أبو العزم، أن بعض النساء بالفعل يتجنّبن الولادة الطبيعية خوفاً من شقّ العجان وعدم القدرة على الاهتمام بالجرح في هذا المكان الخاص، وتخوفاً من حدوث آلام لاحقة في أثناء العلاقة الجنسية، وليس لصعوبة الولادة نفسها، مشددةً على أن كل هذه الاعتقادات غير صحيحة: "القلق من المهبل وعدّ المنطقة الخاصة مكاناً محرماً وتابو، يدفعان النساء لعملية الولادة القيصرية برغم أنها تحمل مخاطر عديدةً".
وتحدثت أبو العزم، عن أسباب شعور المريضات باحتقار الأطباء لآلامهنّ: "للأسف بعض أطباء النساء من الجنسين يتعاملون/ ن مع الألم استناداً إلى ما ذُكر في المراجع، ولا يتفهمون/ ن معنى أن تتألم مريضة نتيجة حالة مرضية لم يُذكر أنها مؤلمة أو بسبب إدخال السونار في المهبل، ويعدّون/ يعددن التوجع مجرد دلع، فلا يهتمون/ يهتممن بها ويركزون/ ن فقط على إنهاء عملهم/ نّ، فهم/ نّ يقابلون/ ن عشرات الحالات يومياً لذلك لا يتوقفون/ ن عند حالة شديدة الحساسية".
وختمت ياسمين أبو العزم بالقول: "المؤسف أن بعض الطبيبات يتعاملن هكذا أيضاً، برغم إدراكهنّ أن التشنج المهبلي يسبب ألماً حقيقياً، وتالياً يتعيّن عليهنّ تقديم الدعم والمساعدة والشرح الكافي قبل كل خطوة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...