برغم التوقعات بأن يمرّ موسم حج الغريبة اليهودي في تونس في أحسن الظروف، إلاّ أن هجوماً نفّذه عون أمن تونسي، أفسد الحدث الديني الذي يقوم به آلاف الحجاج اليهود. فهل يؤثر هذا على تونس كدولة تضمن حقوق الأقليات الدينية؟
حدث أفسد الحج
تسهر تونس سنوياً على تأمين مراسم حج اليهود إلى معبد الغريبة في اليوم الثالث والثلاثين من عيد الفصح اليهوديّ، وذلك في جزيرة جربة الواقعة جنوب البلاد.
وقد انطلقت فعاليات موسم حج الغريبة، يوم 4 أيار/ مايو الجاري، وحتى اليوم الـ10 من الشهر نفسه، وسط توقعات بوصول عدد زوار الغريبة إلى 7 آلاف زائر، بعد استرجاع القطاع السياحي لنسقه العادي مقارنةً بالسنوات الماضية التي أنهكت فيها جائحة كورونا السياحة التونسية.
موسم حج الغريبة يتم سنوياً وسط إجراءات أمنية مشدّدة، لحماية اليهود الذين يفدون على المعبد من جميع أنحاء العالم. لكن هجوماً نفّذه ضابط شرطة ليلة الثلاثاء/ الأربعاء، بالقرب من المعبد، تسبب في مقتل عون أمن ومدنيَّيْن اثنين وإصابة 9 آخرين بإصابات متفاوتة الخطورة.
وأفادت وزارة الداخلية في بلاغ لها، بأن عون حرس تابعاً للمركز البحري للحرس الوطني في جربة، أقدم على قتل زميله باستعمال سلاحه الفردي واستولى على الذخيرة ثم حاول الوصول إلى محيط معبد الغريبة وتعمد إطلاق النار بصفة عشوائية على الوحدات الأمنيّة، فتم التصدي له وتصفيته جسدياً. وقد أسفر الهجوم عن إصابة 6 أعوان أمن قُتل أحدهم كما توفي زائران للغريبة أحدهما تونسي والآخر فرنسي الجنسية، وتم على إثر ذلك تطويق المعبد وتأمين الزوار فيما تظل أسباب هذا الهجوم مجهولةً إلى الآن.
تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو التقطه أحد الزائرين من فناء المعبد أظهر حالة الفزع التي عاشها زوار المعبد، ويُسمع فيه دوي إطلاق النار وقد تعددت الروايات حول حيثيات الحادثة وأسبابها، فيما تواصل السلطات الرسمية التحقيق في الهجوم للوقوف على دواعي هذا العمل الإجرامي.
موسم حج الغريبة لم يشهد هجوماً مماثلاً منذ سنة 2002، التي نفّذ فيها إرهابيون منتمون إلى تنظيم القاعدة هجوماً انتحارياً أودى بحياة 14 شخصاً من بينهم 6 سياح ألمان، و6 تونسيين وسائح فرنسي وتسبب في جرح العشرات.
وأفاد رئيس جمعية معبد الغريبة في جربة بيريز الطرابلسي، بأن زيارة الغريبة لهذه السنة ناجحة ولم يشهد لها مثيل منذ سنوات، وبأن طقوس موسم الحج كان يُفترض أن تنتهي ليلة أمس في وضع مستقر، لكن في حدود الساعة الثامنة مساءً تفاجأ بدخول عدد كبير من زوار الغريبة إلى مكتبه، وأعلموه بوجود إطلاق نار في محيط المعبد، وكانوا في حالة فزع شديد. ويضيف الطرابلسي في حديثه إلى رصيف22، أنه لم يفهم ما حدث لكن وحدات الأمن بعد سيطرتها على الوضع دعتهم إلى عدم الخوف ونقلتهم في الحافلات إلى بيوتهم.
وقال المتحدث إن المعبد كان يضم نحو 7 آلاف زائر عند وقوع الحادثة، كانت غالبيتهم قد غادرت المعبد ولم يبق سوى نحو ألفي زائر لافتاً إلى أن المعبد مغلق حالياً، وأن مرتكب الجريمة قام بجريمة شنعاء استهدف فيها زملاءه. وشدد رئيس جمعية معبد الغريبة في جربة، على أن الطائفة اليهودية تحبّ تونس في كل الحالات.
تضامن وإدانة
جوبهت العملية الغادرة بتنديد دولي تراوح بين الرفض والإدانة، وقد عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن استنكارها لعملية جربة، وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، عن استنكار واشنطن للهجوم الذي تزامن مع موسم الحج اليهودي إلى معبد الغريبة، كما قدّم تعازي بلاده للشعب التونسي.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد أعرب عن انزعاج بلده بسبب هجوم الغريبة، مضيفاً: "نفكر بألم في الضحايا وفي الشعب التونسي الصديق. نقف مع عائلة المواطن الفرنسي الذي قُتل في العملية، وسنحارب دائماً وبلا هوادة الكراهية".
توالت ردود الأفعال الدولية المُدينة للاعتداء على حج موسم الغريبة الذي شارك فيه نحو 7 آلاف يهودي
بدورها عبّرت سفارة ألمانيا في تونس عن عميق أسفها للحادثة مُدينةً الهجوم بأشد العبارات الممكنة كما رأت أن كنيس الغريبة والحج السنوي ركيزتان ثابتتان للحياة اليهودية في تونس معربةً عن أملها في توضيح سريع على خلفية الهجوم.
كذلك أدانت دولة الإمارات هجوم الغريبة مستنكرةً هذا العمل الإجرامي ورافضةً جميع أشكال العنف والتطرف. وقد أشادت الإمارات بكفاءة الحكومة التونسية في التعامل مع الحادثة مقدّمةً تعازيها لأهالي الضحايا.
جربة... أرض التعايش والسلام
التزمت تونس بحماية حرية المعتقد منذ قيام دولة الاستقلال، فقد نص دستور 1959، على أن "الجمهورية التونسية تضمن حرمة الفرد وحرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية". ولا يتلخص التعايش بين المسلمين واليهود في تونس في الأطر التشريعية كما أنه لا يُحدَّد عبر قوانين بل هو علاقة وثيقة تمتد جذورها لقرون مضت، فقد وفّر المسلمون سنة 1942، الحماية لليهود من بطش النازية كما اختلطت دماء أبناء الطائفتين سنة 1961، خلال الذود عن حرمة تراب تونس.
موسم حج الغريبة لم يشهد هجوماً مماثلاً منذ سنة 2002، التي نفّذ فيها إرهابيون منتمون إلى تنظيم القاعدة هجوماً انتحارياً أودى بحياة 14 شخصاً
العلاقات المميزة التي تجمع بين المسلمين والأقلية اليهودية في تونس استثنائية بكل المقاييس فهي علاقة نادرة تتسم بالانسجام والتعايش السلمي وأساسها احترام حرية المعتقد وهو حق مكفول في الدستور.
ويُعدّ كنيس الغريبة في جربة أقدم وأكبر معبد في إفريقيا، كما أنه أحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، ويقع في "الحارة الصغيرة" وهي منطقة تبعد بضعة كيلومترات عن حومة السوق "عاصمة جربة". ووفقاً لروايات يهودية، فإن المعبد يحتوي على أقدم نسخة للتوراة في العالم، وتم إنشاؤه من قبل امرأة يهودية قدِمت إلى المنطقة قبل آلاف السنين، وسُمّي الغريبة لأن المرأة كانت غريبةً عن المكان. كما يشكل المعبد وجهةً لآلاف الزوار من اليهود سنوياً، وتسهر الدولة التونسية على تأمين نجاح موسم الحج إلى الغريبة ويتم اتخاذ جميع التدابير اللازمة لاستقبال اليهود التونسيين والوافدين من جميع بلدان العالم بتنسيق تام بين وزارتي السياحة والداخلية.
يبقى هجوم الغريبة حادثةً معزولةً تمكنت السلطات الأمنية في تونس من التصدي لها وتفادي سيناريو أسوأ في انتظار الكشف عن ملابسات الحادثة كاملةً
ويمارس اليهود طقوسهم في تونس بكل حرية، كما تتم مساعدتهم على أداء شعائرهم الدينية وتتحول جزيرة جربة سنوياً إلى وجهة سياحية بامتياز تزامناً مع موسم الحج إلى الغريبة، فيحضر التونسيون هذه الاحتفالات في إطار الانفتاح والتسامح بين الأديان، وقد رفض يهود تونس سنة 2011، دعوات نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق سيلفان شالوم، لمغادرتها والإقامة في إسرائيل عادّين أن تونس بلدهم أباً عن جد.
وعلى الرغم من تقلص عدد اليهود في تونس، بسبب هجرة أكثر من 20 ألف يهودي من تونس إلى إسرائيل، إلا أن مساهمتهم في المجال الاقتصادي متميزة في العديد من القطاعات، وأبرزها السياحة وتجارة الذهب.
ويبلغ العدد الرسمي لهذه الطائفة 1،500 يهودي، ويُعزى تمركزهم في جربة حالياً إلى العديد من الأسباب وأولها وجود معبد الغريبة في الجزيرة، وثانيها الطابع المحافظ لهذه الفئة الذي يتطابق مع أهل الجنوب المتعلقين بجزيرتهم والرافضين لمغادرتها.
ويبقى هجوم الغريبة حادثةً معزولةً تمكنت السلطات الأمنية في تونس من التصدي لها وتفادي سيناريو أسوأ في انتظار الكشف عن ملابسات الحادثة كاملةً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع