شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أنجبت ابني دون زواج من شاب ألماني"... أمومة خارج قوالب الأسرة التقليدية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Giving birth out of wedlock, Arab motherhood in Europe outside conventional family structures

هل انتهى عهد سطوة الرجل؟... يافطة مكتوبة بحبر سري أوروبي تراه بعض النساء العربيات المهاجرات وحدهن على أبواب القارة الأوروبية، سواء دخلنها براً أوعبر قواربها البحرية، لتعلنّ كسر طوق التبعية للأب أو الأخ أو الزوج، كأول الخطوات الأوروبية التي إن أردنها يمكنهن الحصول عليها في أوروبا. 

ميزة كسبتها في أوقات السلم، وكذلك النزاعات... والمقصود هنا المعارك الجندرية التي اعتادت المرأة خوضها. ففي حالة السلم، تفرض الاستقلالية نفسها على الأسر التي اختارت الجغرافيا الأوروبية، مستمدة خيارها من نهج المجتمع الأوروبي القائم على استقلالية كل فرد من أفراد الأسرة مادياً ومعنوياً، أما في المعترك، فتحطمت تلك التبعية تحت أوزار قانون قادر أن يكفل حقوقاً كانت في الماضي مغمسة بالعرق والدم، مثل حق الأمومة والحضانة والعدالة.

في فضاء الحرية الواسع هذا، نساء قررن وضع أمومتهن فوق كل اعتبار، لا بل تنحية كل الاعتبارات الأخرى والقوالب التقليدية التي كانت تحيط بالأمومة سابقاً، فاتخذن قرار الإنجاب وتربية الأولاد بمفردهن، على نهج بعض الأمهات العازبات في أوروبا.

هناك نساء قررن وضع أمومتهن فوق كل اعتبار، وتنحية القوالب التقليدية التي كانت تحيط بالأمومة سابقاً، فاتخذن قرار الإنجاب وتربية الأولاد بمفردهن.

أمهات منفصلات عن شركائهن أو أزواجهن يكافحن من أجل حياة كريمة لهن ولأطفالهن، ويدرن ظهورهن لكل من يصفهن بالفاسدات، ويمضين محاولات أن يصبحن الأم والأب، وأحياناً الأسرة بجلّها.

لا أطيق الرجال!

"رغم التطور والانفتاح الكبيرين في فرنسا، لكن يبقى شكل الأسرة التقليدي نمطاً له قدسيته، وأي أسرة خارج الشكل المثالي المكون من أب وأم وطفل، ينظر إليها على أنها عائلة مشروخة، لكنني لم أكترث لذلك، وقررت العيش وحدي مع طفلتي". تقول لين محمد (اسم مستعار)، 33 عاماً، لرصيف22، وهي خريجة الحقوق من جامعة بيروت: "شعرت بعد عامين من علاقتي مع ماتيو، بأننا سنصل إلى طريق مسدود، وأنا متيقنة أن المشكلة في شخصيتي، لأنني لطالما شعرت أنني غير قادرة على العيش مع رجل، ولم أقابل طوال حياتي رجلاً أشعر بأنني أرغب باستمرار حياتي معه".

أيقنت لين وقتها أنها على شفير الانفصال عن ماتيو، وفي ذات الوقت، يثور في داخلها بركان بسبب رغبتها بالأمومة، فقررت الخروج من هذه العلاقة بجنين في أحشائها. وهنا قالت: "اتخذت القرار بالحمل ونفذته رغم معارضة ماتيو بحجة أن علاقتنا مضطربة، لكنني مضيت في قراري، وأنجبت طفلتي سيبيل، 3 أعوام، وبعد أن صار عمرها 6 أشهر انفصلنا أنا وماتيو بشكل نهائي".

غياب الأب... سكينة؟

تربي لين طفلتها وحدها، يزورها ماتيو لرؤية الطفلة كل شهر مرة، وتعيش استقلالاً مادياً واجتماعياً بعد أن كفل لها القانون الفرنسي حقوقها، رغم الفراع الذي يتركه غياب الأب، والذي تصفه لين: "يترك غيابه حملاً كبيراً يستنزف كل طاقتي، لكنني قادرة على النجاة وأحياناً أشعر أن هذه الحياة أفضل من عيش ابنتي في جو مسموم تشوبه الخلافات والصراعات... أعيش حياتي بشكل طبيعي هنا طالما أنني بعيدة عن المجتمع العربي التقليدي، وتعرفت على عدد من الأمهات العازبات اللواتي يعشن حياتهن بشكل طبيعي ويشكلن مع أطفالهن أسراً مستقلة".

"يترك غياب الأب حملاً يستنزف كل طاقتي، لكنني قادرة على النجاة وأحياناً أشعر أن هذه الحياة أفضل من عيش ابنتي في جو مسموم". لين، أم عازبة في فرنسا

وتتصدر فرنسا الدول الأوروبية في عدد الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج  بحسب دراسات مكتب الإحصاء الأوروبي بنسبة 60%، لتقل عن 56% في السويد، وعن 30% في خمس دول أوروبية أخرى، وفي اليونان تصل إلى 8% أما في المجر فلا تتجاوز الـ 5%.

مطاردة عربية

في الوقت الذي يكفل فيه القانون الأوروبي أمان المرأة العازبة وحريتها واستقلاليتها، تنبذ بعض مكونات المجتمع منها أي مظاهر جانحة عن شكل العائلة المثالية وتتجنبها، وتتصرف حيال النموذج الجانح بطريقة جائرة أحياناً.

"كنت على علاقة بشاب ألماني، وحملت عن طريق الخطأ، ورفضت الإجهاض، أما هو فما كان منه إلا الهرب وتبرئة نفسه من الطفل والعائلة". بتول، أم عازبة في ألمانيا.

"وصل بي الأمر لتغيير مكان سكني مرتين نتيجة ما تلقيته من إزعاج أنا وابني من بعض السكان العرب التقليديين الذين يسكنون منطقتنا، أما بالنسبة للأجانب فتقتصر المضايقات على التجنب وبعض النظرات الغريبة". تقول بتول. م، 33 عاماً، التي أنجبت آدم، 5 أعوام، من شاب ألماني خارج إطار علاقة الزواج وتعيش لوحدها مع ابنها في برلين. وتروي ابنة مدينة حلب السورية لرصيف 22 قصتها: "كنت على علاقة بشاب ألماني، وحملت عن طريق الخطأ، ورفضت الإجهاض رفضاً قاطعاً، أما هو فما كان منه إلا الهرب وتبرئة نفسه من الطفل والعائلة".

رفضت بتول التضحية بابنها، وقررت أن تتحول إلى أم عازبة، مستعدة لخوض معركتها مع بيئتها العربية، ومع عائلتها التي تعيش بقربها في برلين، والتي ترفض بأي شكل من الأشكال هذا السلوك.

تضيف خريجة الهندسة المدنية: "سكنت بداية قرب شارع العرب في حي نيوكولن، وكان خالي وأخي يزوراني من وقت لآخر ونتشاجر بسبب الـ (عار) الذي تسببته للعائلة حسب تعبيرهما، فيسمع الجيران صراخنا، وبعدها أصبحت أتعرض للمضايقات من بعض الجيران العرب لذلك غيرت سكني وانتقلت إلى حي آخر في برلين لأواجه هناك تحدياً جديداً في حي جديد سكانه متمسكون بمسيحيتهم، ولا يرحبون بهذا النموذج من العائلات".

رغم أن الإنجاب خارج إطار الزواج أمراً قانونياً ومقبولاً من الناحية الاجتماعية في ألمانيا، لكن تبقى هناك بعض البيئات التي لا تستسيغ شكل الأسرة هذا، وبحسب القانون الألماني، لا يوجد قانون يلزم الأب الأعزب بالاعتراف بطفله، ولكن يمكن للأم العازبة أو للطفل الذي يبلغ من العمر 18 عاماً الطلب من المحكمة أن تأمر الأب بالاعتراف بالطفل ودفع النفقة العائلية.

رفضت بتول التضحية بابنها، وقررت أن تتحول إلى أم عازبة، مستعدة لخوض معركتها مع بيئتها العربية والأجنبية أيضاً

تتابع بتول حديثها: "بعد فترة من سكني في المنزل الجديد، أصبحت أشعر بنظرات غريبة من السكان، وفجأة أصبح الأطفال في الحي يتجنبون اللعب مع آدم انصياعاً لطلب أهاليهم، فقررت الانتقال إلى منزل آخر خوفاً على طفلي التي تسبب له هذا الأمر برضّ نفسي كبير... أعيش الآن على أطراف برلين وأعمل في شركة برمجيات، وأحاول التكتم على وضعي العائلي، خوفاً من ردات الفعل غير المتوقعة، أما أهلي وأقربائي فلا يكفون عن مضايقتي ووصفي بالزانية في كل مناسبة، ويتبرؤون جميعهم من طفلي".

كسر الصورة النمطية للعائلة

تعددت أشكال الأسرة في العصر الحديث، وخرجت عن المألوف برعاية هوامش الحرية الجنسية والجندرية، صحيح أنها لا تكسر هيمنة نموذج الأسرة التقليدي على عرش المثالية الاجتماعية، إلا أن التجارب خلقت أسراً شذت بتكوينها عن شكل المؤسسة الكلاسيكي، ونجحت في أن تكون نموذجاً ناجحاً في صيرورة الحياة، بعد أن أدارت ظهرها لموروثات دينية واجتماعية تعلي شأن المظهر الأسري على حساب جودته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard