بعد تقصّيه أثرَ المطربَين صالح عبد الحي وفتحية أحمد، هاهو الباحث محب جميل يتقفى تجربة المغني محمد قنديل، الذي شيد بصوته الممتد وإحساسه المتدفق وملامحه الهانئة اسماً جديراً بالتأمل والبحث.
"محمد قنديل... 3 سلامات" كتابٌ صدر مؤخراً للكاتب المصري، يحكي رحلة قنديل الثرية، وكأن العنوان العائد لإحدى أغنياته، يحيلنا إلى تحيات ثلاث يقدمها الكتاب للمغني المصري افتناناً وامتناناً لفنه الذي لا يشبه سواه، ولتواصله الطيب، ولحياته الوادعة خلف ستائر المسرح وصخب الشهرة.
يؤكد المؤلف أن إتمام المُنجز لم يكن هيناً في ظل شحّ المعلومات الدقيقة عن "صاحب الألف حنجرة"، ويعلل بأن السبب هو ابتعادُه عن وسائل الإعلام. برغم ذلك بدا الكتاب كصورة بانورامية منضبطة تحكي موسيقى قنديل المعجونة بالخفة والعذوبة والعاطفة، إلى جانب تفاصيل حياته في الفن، كذلك على ضفة العائلة رفقة زوجته وحيواناته الأليفة وآلة عوده.
صوتٌ بلا نهاية
تفوّق محمد قنديل على التصنيفات الصوتية، بل استوعبها جميعها، يذكر الكتاب، معللاً ذلك بسعة المساحة الصوتية التي امتلكها، وقد وصلت 12 درجةً صوتية، بسلاسة وحرفية يتنقل بين تلك الدرجات، دون الحاجة لاستعارة أي صوت مهما كان اللون الغنائي الذي يؤديه، ما ضاعف جرعات الجمال لديه.
"محمد قنديل... 3 سلامات" كتابٌ صدر مؤخراً للكاتب المصري، يحكي رحلة قنديل الثرية، وكأن العنوان العائد لإحدى أغنياته، يحيلنا إلى تحيات ثلاث يقدمها الكتاب للمغني المصري افتناناً وامتناناً لفنه الذي لا يشبه سواه
بصوته وثقته فرد قنديل لنفسه مساحة لم يدانِه فيها أحد، رغم معاصرته أسماء لامعة، منها أم كلثوم، عبد الحليم، محمد عبد الوهاب، صالح عبد الحي، محمد فوزي، فريد الأطرش، وغيرهم، وقد بنى مع أغلبيتهم علاقات طيبة وغير شائكة.
عزّز كل ذلك نشأته في مناخ عائلي مشحون بالحميمية والفن والموسيقى، بين جَدةٍ مغنية ووالدٍ عازف على القانون، وأمٍّ عاشقة للغناء. في سن مبكرة بدأ قنديل العزف والغناء، وواظب على سماع موشحات سيد درويش وصالح عبد الحي ومحمدعبد الوهاب وزكريا أحمد، إضافة إلى تلاوات من القرآن، بحسب المؤلف.
عن الاحتراف وأغاني الحب والسياسة
في معهد الاتحاد الموسيقي درس محمد قنديل الغناء والعزف بشكل أكاديمي، وهناك برز اسمه وسبقه إلى الإذاعة المصرية التي كانت عتبته الأولى في الاحتراف، غنى فيها للمستمعين على الهواء مباشرة برفقة كارم محمود وشافية أحمد والطفلة آنذاك نجاة الصغيرة. كان ذلك في أربعينيات القرن الماضي.
تلا ذلك إصدار أغنياته الخاصة التي لاقت قبولاً شرع له الباب نحو السينما، ثم اقترن اسمه بأسماء ملحنين أنجزوا له أغنياتٍ نسمعها لليوم، منها "بين شطين ومية" التي لحنها الموسيقار كمال الطويل وكان في بداية خطواته الفنية آنذاك.
سوف يلي ذلك إصدار جواهر موسيقية منها "تلات سلامات" كلمات مرسي جميل عزيز وألحان محمود الشريف الذي مزج بين الإيقاعات الشرقية والفالس، بحسب الكتاب. ثم أغنيته العاطفية الشجية "سماح"، ثم "انشالله ما اعدمك" التي كانت خلطة سحرية من الخفة والعاطفة.
يعرّج محب جميل على الأحداث السياسية التي عايشها محمد قنديل وكان لها حصة من أغانيه. ففي ثورة يوليو 1952 قدم أغنيته المعروفة "ع الدوار"، وفي أحداث العدوان الثلاثي غنى لبور سعيد التي كانت تواجه إسرائيل "ياويل عدو الدار". وعند الوحدة بين سوريا ومصر قدم أغنية "وحدة ما يغلبها غلاب"، ويقول مطلعها الشهير: "أنا واقف قدام فوق الأهرام/وقدامي بساتين الشام".
لا يعرف قيمة حنجرته
كما هي شخصيته، كان الود واللين عنوان معظم علاقات قنديل الفنية، بحسب الكتاب، فجمعته بمحمد فوزي صداقة قوية، وكان أول مطرب تعاقدت معه شركة فوزي "مصنع الشرق للأسطوانات"، سجل معها أغاني نرددها لليوم مثل "جميل وأسمر"، سبقتها أغنية "أبو سمرة سكرة" التي لاقت رواجاً كبيراً.
عن نجاحها يحكي قنديل وفق الكتاب: "السرّ في نجاح هذه الأغنية يرجع إلى أنها ظهرت في وقت شاعت فيه الأغنيات الخفيفة ذات الألحان المطعمة بالنغمات الغربية، وكان لغرابة اللحن والكلمات سحرٌ في الأسماع".
أم كلثوم "كانت ترى أن قنديل يمتلك صوتاً قوياً ممتازاً وقادراً على أداء كل الألوان الغنائية، لكن عيبه الوحيد أنه لا يعرف قيمة حنجرته، ولا يعرف كيف يستثمر هذه القيمة في إمتاع الجمهور".
أكثر ما فخر به محمد قنديل علاقته بأم كلثوم وتقديرها له منذ رأته عندما كان يدرس في معهد الموسيقى: "حضرت وقتها رفقة المخرج أحمد بدرخان لاختيار كورس للغناء في فيلمها 'عايدة'، غنى فيه قنديل مع الكورس أغنية 'القطن'، ألحان الشيخ زكريا أحمد. كانت ترى أن قنديل يمتلك صوتاً قوياً ممتازاً وقادراً على أداء كل الألوان الغنائية، لكن عيبه الوحيد أنه لا يعرف قيمة حنجرته، ولا يعرف كيف يستثمر هذه القيمة في إمتاع الجمهور".
محمد عبد الوهاب كان أيضاً شديد الإعجاب بصوت قنديل وقدراته وفهمه العميق للألحان، بل وكان يستعين به أحيانا في ضبط بعض القفلات الغنائية، برغم ذلك لم يحظ قنديل بلحن من عبد الوهاب، طوال 17 عاماً من التعارف والودّ بينهما.
يعلل الكتاب أن "حواراً أجراه قنديل مع إحدى المجلات، تخلله تحريف وفبركة للكلام عن عبد الوهاب بشأن اقتباسه الموسيقى الغربية، تسبب بغضب وحزن صاحب النهر الخالد. السبب الآخر أن عبد الوهاب قد انصرف للتلحين لأصوات نسائية كان يحبها، نجاة وفايزة أحمد ووردة وشادية، إلى جانب افتتانه بلون الحداثة في حنجرة عبد الحليم حافظ فقرر التلحين له".
هذا الأخير جمعته بمحمد قنديل علاقة عادية، التقيا خلال جلسات خاصة كان يقدمه فيها عبد الحليم للغناء واصفاً إياه بالأستاذ، وكان عبد الحليم خلال بداياته في الإذاعة يعزف على الأبوا في بعض أغنياته.
علاقات محمد قنديل الطيبة طالت تواصله مع الملحنين أيضاً، بحسب محب جميل الذي يذكر في الكتاب أن قنديل فضّل بعضهم، ووردت أسماؤهم في حوار له: رياض السنباطي وزكريا أحمد وأحمد صدقي ومحمود الشريف.
خلف ستائر المسرح
حياة وادعة عاشها "مطرب كل الألوان"، كما يقول الكتاب، بعيداً عن ستائر المسرح، في ظل الأطباق الشهية لزوجته رجاء قنديل التي كانت تدير كازينو في "الكيت كات"، وتخلت عنه فور زواجها، وإلى جانبه آلة العود التي كان يعزف عليها في أوقات فراغه، وقد جمع منها في بيته 130 عوداً.
بصوته وثقته فرد قنديل لنفسه مساحة لم يدانِه فيها أحد، برغم معاصرته أسماء لامعة، منها أم كلثوم، عبد الحليم، محمد عبد الوهاب، صالح عبد الحي، محمد فوزي، فريد الأطرش، وغيرهم، وقد بنى مع أغلبيتهم علاقات طيبة وغير شائكة
شَغُفَ قنديل بأعمال النجارة والرسم الهندسي وبجمع ألعاب الأطفال. كان مربياً لأسماك الزينة والببغاء والكناري. ورعى "غيّة" (بيت) حمام ضخمة أعلى بيته تحتوي أنواع عدة من الحمام. كان يقضي جل وقته مع حيواناته خلال سنواته الأخيرة، خاصة بعدما اعتكف البيت وابتعد عن الفن، نهاية سبعينيات القرن الماضي.
عُزلته وتفاصيل حياته الهادئة لم تمنع عنه المرض والحزن؛ في عقده الأخير صارع مرض السكري والقلب. ولم يرضَ عن التطور الذي أصاب الأغنية العربية نهاية الألفية الثانية كظهور الفيديو كليب واجتياح الصورة والإعلانات للأغاني التي أصبحت "تيك أواي" دون أي إحساس كما يقول في حوار له تضمنه الكتاب: "كلمة حبيبي التي تغنى الآن اختلف معناها، وأصحبت تقال دون أن تدخل القلب أو يشعر بها المستمع، رياض السنباطي لم يلحّن كلمة إلا إذا أحسّ بها وعاش معها".
في أحد مساءات شهر أيار/مايو من عام 2004، انطفأت حنجرة محمد قنديل بعدما نال منه المرض، تاركاً ثروة من الأغاني الحيّة حتى اللحظة، نسمعها فتضيء الوجدان بتفاصيل عادية لفنان غير عادي، أجاد الكاتب محب جميل اختزالها وإعادة تشكيلها في كتاب يستحق الاطلاع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 7 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor