كانت نهاية مارس/ أذار الماضي موعد إعلان نتيجة المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي توافقت عليه مصر مع صندوق النقد الدولي، وحصلت بموجبه على قرض تسهيل ممتد قيمته ثلاثة مليارات دولار، مقسمة على تسع شرائح، وثماني مراجعات، لكن رغم مرور شهر كامل على الموعد المحدد في تقرير خبراء الصندوق الذي نُشر في ديسمبر/ كانون الأول 2022، أدلى جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، بتصريحات في مؤتمر صحافي عقد الخميس 13 أبريل/ نيسان، على هامش اجتماعات الربيع في واشنطن، قال فيها إن مصر وصندوق النقد لم يتفقا بعد على موعد للمراجعة، معقباً: "نحن في حوار منتظم مع السلطات من أجل التحضير للمراجعة الأولية، وبدأت الاستعدادات لها، وعندما نكون والسلطات مستعدين سنعلن موعدها". لكن رويترز فسرت هذا التصريح بأنه إشارة إلى أن الصندوق قد يكون محبطاً بشكل متزايد بسبب افتقار القاهرة للإصلاحات الاقتصادية.
يذكر أن مديرة الصندوق أعربت عن تفاؤلها بالمراجعة القادمة المقرر لها سبتمبر/ أيلول المقبل.
بعيداً عن الترجمات "غير الدقيقة" التي نقلتها الصحف والمواقع المصرية، يتضح من تصريحات مسؤولي صندوق النقد الدولي أن مصر لن تتلقى الدفعة الثانية من قرض المليارات الثلاثة في وقت قريب، إذ أن المراجعة التي كان مقرراً لها منتصف الشهر الماضي مؤجلة إلى موعد غير محدد
لم تكن تلك المفاجأة هي الأخيرة، ففي تصريحات رسمية لمديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا أدلت بها خلال اجتماعات الربيع الدورية للصندوق المنعقدة في واشنطن، جاء أن مصر لا بد أن تبطئ من وتيرة مشروعاتها القومية الضخمة إن أرادت الخروج من أزمتها الحالية، كما عليها التزام البرنامج المتفق عليه مع الصندوق بما يتضمنه من خطوات لانسحات "مؤسسات الدولة" من الاقتصاد والسماح للقطاع الخاص بالمنافسة العادلة والسماح بحركة حرة لسعر الجنيه. إلا أن هذه التصريحات نقلتها الصحف المصرية ووسائل الإعلام العربية التي تتبنى سياسات الحكومة المصرية بشكل مختلف أظهرها مؤيدة لخطوات مصر الحالية عبر ترجمة "لإبطاء وتيرة المشروعات القومية" إلى "لإبطاء وتيرة الإصلاح" في ترجمة غير أمينة اتفقت عليها تلك المواقع والصحف، قبل أن يتراجع بعضها عنها ويقوم بالتعديل إلى الترجمة الصحيحة بعد افتضاح الأمر.
في الوقت عينه نقلت الوسائل نفسها تصريحات حسن عبدالله، القائم باعمال محافظ البنك المركزي المصري أمام اجتماعات الربيع، قال فيها إن البنك الذي يقود السياسة المالية في مصر لا يزال "في انتظار خطة عمل" للخروج من الوضع الراهن.
صحف مصرية وعربية نقلت عن مديرة الصندوق أن مصر تحتاج إلى إبطاء وتيرة "الإصلاح"؛ إلا أن افتتضاح أمر التضليل دفع بعضها إلى تصحيح التغطيات إلى الترجمة السليمة التي تنتقد عجلة تنفيد المشروعات القومية
تضليل الإعلام الرسمي
ورغم أهمية تصريحات صندوق النقد التي تقدم حلولا وتوصيفاً لوضع الاقتصاد المثري، لوحظ بالبحث عبر مواقع الأخبار الرسمية المصرية،اتجاهان، إما تجاهل تام للأخبار المتعلقة بعدم اتفاق مصر والصندوق على موعد المراجعة الأولى، وحاجة الدولة لإبطاء وتيرة بعض المشروعات القومية، أو تناول الموضوع بشكل مخالف لحقيقته، فبدلاً من عقد مقارنة بين توقعات صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصادي المصري والتي انخفضت في أبريل/ نيسان عنها في يناير/ كانون الثاني الماضي، برزت أخبار تتصدرها عناوين بأن الصندوق يتوقع تزايد النمو الاقتصادي المصري.
وحاول رصيف22 التواصل مع بعض خبراء الإعلام لتفسير هذا الأمر، وما إذا كان يرتبط بسياسة إعلامية محددة قد تتعلق بعدم إثارة الرأي العام، لكنهم رفضوا التعليق.
محافظ المركزي المصري خلال اجتماعات الصندوق: لا زلنا في انتظار خطة الحكومة للعمل على حل الأزمة الجارية
شريحة وحيدة والباقي معلَّق
بتوقيع الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حصلت مصر على الشريحة الأولى من القرض بقيمة 347 مليون دولار، وهي نفس قيمة الشريحة الثانية المتوقع الحصول عليها بعد انتهاء المراجعة الأولى التي لم تتم في موعدها ولم يُحدد لها بعد موعد بديل. وللحصول على هذا التمويل، تعهدت مصر التزام عدة شروط، أهمها التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن، وإصلاحات هيكيلة واسعة النطاق للاقتصاد، أبرزها تخارج الدولة من العديد من الأنشطة الاقتصادية وإتاحة المجال للقطاع الخاص للاستثمار فيها.
وفي تصريحاته يوم الخميس الماضي قال جهاد أزعور إن من بين الأولويات أن تتبنى مصر سعر صرف مرناً، وتخفض التضخم باستخدام أدوات السياسة النقدية وخاصة أسعار الفائدة، وتفتح مساحة أكبر للقطاع الخاص من خلال تكافؤ الفرص مع الشركات الحكومية، في إشارة إلى أن مصر لم تبدأ بعد في تنفيذ تعهداتها.
ورغم تعهد مصر الالتزام بسعر صرف مرن للجنيه مقابل الدولار، فإن سعر الصرف الرسمي للدولار يستقر للأسبوع السادس على التوالي عند متوسط 30.93، مع استمرار شكوى البنوك ورجال الأعمال من النقص الحاد في العملات الأجنبية، ونمو السوق السوداء للدولار حيث وصل سعره حوالى 36 جنيها، بحسب رويترز، فيما قفز إلى 42 جنيهاً في العقود الآجلة التي يتخذها البعض وسيلة للتنبؤ بالسعر الذي ستصل إليه العملة المحلية خلال أشهر.
مسؤولو الصندوق خلال اجتماعات الربيع: من بين الأولويات أن تتبنى مصر سعر صرف مرناً، وتخفض التضخم باستخدام أدوات السياسة النقدية، وتفتح مساحة أكبر للقطاع الخاص من خلال تكافؤ الفرص مع الشركات الحكومية. في إشارة إلى أن مصر لم تبدأ بعد في تنفيذ تعهداتها.
كما وعدت مصر في اتفاق ديسمبر/ كانون الأول 2022 ببيع أصول مملوكة للدولة بمليارات الدولارات على مدى السنوات الأربع المقبلة، وفي فبراير/شباط الماضي، كشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اعتزام الدولة بيع حصص حكومية في 32 شركة من خلال طرح أسهمها في البورصة، ابتداءً من الربع الأول من العام الحالي حتى نهاية الربع الأول من عام 2024، بهدف جمع ستة مليارات دولار، وتضمنت تلك الحصص شركتين تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة هما "الشركة الوطنية للمنتجات البترولية"، وشركة "صافي لتعبئة المياه"، اللتان تطرحان للبيع في البورصة، لكن رغم هذه التصريحات لم تنفذ الدولة أي مبيعات. وتأخرت السلطات في طرح الشركات التي يملك بعضها أصولاً ذات قيمة مادية وتراثية ضخمة في وقت يتراجع الإقبال الخليجي على شراء تلك الأصول الغالية انتظاراً لخفض جديد لقيمة الجنيه يضمن تخفيض تكلفة تلك الأصول، وسط توترات مصرية- سعودية شبه معلنة.
الدكتور مدحت نافع: للمرة الأولى منذ عام 2016، يصدر صندوق النقد الدولي تصريحات تشير إلى إحباط من الإجراءات المتخدة من قبل الحكومة المصرية، على الرغم من دأبه على الإشارة الإيجابية إلى السياسات الاقتصادية الرسمية
لم تقف ملاحظات صندوق النقد على الاقتصاد المصري عند حد سعر صرف الجنيه وتخارج الحكومة من الأنشطة الاقتصادية، لكن العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا أضافت أن مصر قد تحتاج إلى إبطاء وتيرة المشاريع القومية العملاقة عما كان مقرراً في الأصل لتجنب الإضرار بالاقتصاد الكلي، قائلة: "إن هذه المشروعات هي بالتأكيد جيدة ومهمة بالنسبة لمصر، إلا أنه في ظل الظروف الصعبة حالياً، قد تقوض استقرار الاقتصاد الكلي إذا استمر تنفيذها بالسرعة التي تم إقرارها من قبل في ظل ظروف مختلفة".
وفي 10 إبريل/ الماضي، أصدر صندوق النقد الدولي تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي" تزامناً مع اجتماعات الربيع في واشنطن، وخفض فيه توقعاته لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 3.7% عام 2023، خلافاً للتوقعات السابقة البالغة 4% في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد المصري عام 2024، إلى 5% نزولاً من 5.3% توقعها في يناير/ كانون الثلني، وتقل توقعات الصندوق لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون مستهدف الحكومة الذي يصل إلى 4.1% خلال السنة المالية 2023/2024 التي تبدأ في أول يوليو/ تموز.
اعترافات المركزي المصري
في المقابل، نشرت شبكة بلومبرغ عبر منصة "الشرق بلومبيرغ" الممولة سعودياً والتي مقرها في المنطقة الحرة في دبي – حتى الآن- تصريحات محافظ البنك المركزي المصري خلال اجتماعات الصندوق، وقال فيها إن البنك المركزي المصري لا يزال بانتظار الاتفاق مع الحكومة على خطة عمل للخروج من الوضع الراهن، ما يشير إلى أن السلطات المصرية ليست لديها خطة واضحة لخروج من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة للعام الثاني على التوالي.
نافع: التأخر في تخارج الحكومة من الأنشطة الاقتصادية مرتبط بمدى طموح المستثمر في جنيه مصري أرخص - انتظاره مزيد من التخفيض في سعر العملة المصرية- وهذا له تبعات كبيرة تتعلق بالسلم الاجتماعي وترتبط مباشرة بالمواطن البسيط
وبحسب تصريحاته في الحوار نفسه، كشف عبد الله أن المركزي المصري يستهدف ألا تزيد نسبة التضخم على أساس سنوي في العام المالي الحالي 7% إضافة إلى نقطتين أخريين صعوداً أو انخفاضاً (من 5 إلى 9 بالمائة)، إلا أن المعلن حول خطة الموازنة العامة للدولة التي وضعتها وزارة المالية وينتظر مناقشتها وإقرارها في البرلمان المصري خلال الأسابيع القليلة المقبلة تتوقع أن يكون التضخم عند حدود 16%.
في التصريحات نفسها، قال محافظ المركزي إن ما يملكه البنك من إجراءات تتمثل في التحكم في سعر الفائدة لن يكفي وحده لحل الازمة الحالية في مصر، وهو ما يتفق مع التصريحات الرسمية لمسؤولي الصندوق، ومع التقارير الاقتصادية الدولية التي تتابع الشأن الاقتصادي المصري.
تحركات تتعلق بالسلم الاجتماعي
في تصريحات لرصيف22، يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل، مدحت نافع، إنه للمرة الأولى منذ عام 2016، يصدر صندوق النقد الدولي تصريحات تشير إلى إحباط من الإجراءات المتخدة من قبل الحكومة المصرية، باستثناء ملاحظاته في تقاريره السابقة إلى تأخر الحكومة في تنفيذ برنامج التخارج من الأنشطة الاقتصادية لصالح القطاع الخاص، لافتاً إلى أن معظم بيانات الصندوق الرسمية والمكتوبة منذ عام 2016 إيجابية فيما يتعلق بتجاوبها مع برنامج الصندوق للإصلاح الاقتصادي.
ويعقتد نافع أن التأخر في تخارج الحكومة من الأنشطة الاقتصادية مرتبط بمدى طموح المستثمر في جنيه مصري أرخص - انتظاره مزيد من التخفيض في سعر العملة المصرية- مشيراً إلى أن لهذا تبعات كبيرة تتعلق بالسلم الاجتماعي وترتبط مباشرة بالمواطن البسيط، إذ أن تخفيض سعر العملة يترجم في صورة تضخم. وقد قفز بالفعل إلى مستويات تاريخية.
وبحسب أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قفز معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية في شهر مارس/ آذار الماضي، ليصل إلى 33.9%، مقابل 32.9% في فبراير/ شباط السابق، و12.1% لشهر مارس/ آذار 2022. أما المعدل السنوي للتضخم الأساسي الذي يعلنه البنك المركزي المصري، فتراجع خلال مارس/آذار الفائت، ليبلغ 39.5% مقابل 40.3% في فبراير/ شباط 2023. ويؤكد مدحت نافع، أنه رغم هذا التراجع إلا أن مستويات التضخم لا تزال مرتفعة للغاية.
رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية: أعترض على تصريحات الصندوق، هناك فرق بين المراجعة والتفتيش، تحديد وقت اتخاذ الإجراءات المشار إليها من اختصاص الإدارة الاقتصادية المصرية
ولفت نافع إلى أننا لا يمكن أن نطمئن إلى مزيد من التحريك في سعر الصرف، في ظل سياسة الربط المرن (تعويم مدار) الي تتبعها الإدارة المصرية، والتي تتطلب تدخل كل فترة من أجل تخفيض أو رفع قيمة الجنيه أمام الدولار وفقا للمعطيات، مشيراً إلى أن محافظ البنك المركزي كان قد أعلن أنه بصدد تركيب مؤشر مرتبط بسلة عملات إضافة إلى الذهب، يمكن على أساسه تقدير قيمة الجنيه، طارحاً تساؤل عما إذا كان تم تنفيذ هذه الآلية من عدمه؟ وإذا كانت الإجابة بلا فعلى أي أساس يتم تخفيض قيمة العملة المحلية؟
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن هناك تصريحات غير رسمية تقول إننا في حالة تعويم تام، لكن هذه التصريحات تتنافى مع المنطق ومع وجود سوق سوداء كبيرة يتداول فيها الدولار بأسعار تبتعد كثيراً عن القيمة الرسمية، ومع صعوبة تدبير العملة الصعبة بالنسبة للبنوك أحيانا، لافتاً إلى أنه في وضعنا الحالي فإن تحديد سعر الجنيه يخضع لشروط وضوابط لا يمكن أن يتحدث عنها سوى البنك المركزي.
وخلال عام 2022، سمح البنك المركزي المصري بتخفيض قيمة العملة المحلية ثلاث مرات، فقدت خلاها نحو 50% من قيمتها، إذ تحرك سعر الجنيه من 15.70 في مارس/ آذار 2022، إلى 30.95 جنيه لكل دولار في مارس/ آذار الماضي.
واعترض الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، على إملاءات صندوق النقد الدولي بسرعة تخارج الحكومة من الأنشطة الاقتصادية، وكذلك خفض قيمة الجنيه، وإبطاء المشروعات القومية طويلة الأجل، قائلاً لرصيف22، أن هناك فرق بين المراجعة والتفتيش، تحديد وقت اتخاذ الإجراءات المشار إليها من اختصاص الإدارة الاقتصادية المصرية.
وأشار عبده إلى أن البنك المركزي هو الذي يحق له تحديد ما إذا كان حجم الطلب على الدولار يستدعي مزيد من التخفيض في سعر صرف الجنيه أم لا، كما أن طرح أسهم الشركات الحكومية في البورصة يتطلب حسن اختيار التوقيت، إذ أن العالم يعاني ركود شديد والبورصات العالمية منهارة، وأي بيع في الفترة الحالية يعني خسارة كبيرة "من 3 سنين الحكومة قالت هتبيع بنك القاهرة ولما ماجاش سعر كويس رفضت البيع، وهذا نفس الوضع الحالي".
لكن مدحت نافع يرى أن الأمر لا يتعلق بإملاء الشروط، بل أن هذه هي سياسة التمويل، بأي جهة تمويلية تضع شروطاً مقابل التمويل والعقد شريعة المتعاقدين.
ماذا لو توقف التمويل؟
يتوقع رشاد عبده أن يمضي صندوق النقد قدماً في تقديم الشريحة الثانية من القرض لمصر، والتي تبلغ قيمتها 347 مليون دولار، بعد انتهاء المراجعة الأولى، حتى ولو كانت غير مرضية بالنسبة له: "لو المراجعة الأولى كانت غير مرضية الصندوق هيدفع الشريحة الثانية لكنه هيقدم ملاحظات، لكن إذا تكررت هذه الملاحظات أكثر من مرة قد يتوقف عن التمويل". ويرى الخبير الاقتصادي أن مصر لن تنهار إذا حدث سيناريو إيقاف التمويل، فقيمة التمويل كاملة قليلة جداً بالنسبة لدولة كبيرة مثل مصر.
أما الخبير الاقتصادي مدحت نافع، فيقول إن الدفعة الثانية من القرض مشروطة بتحقق التزامات مصر مع الصندوق، وإذا لم تتحقق ستؤجل، لافتاً إلى أنه ربما لهذا السبب تأخرت مراجعة الصندوق: "علاقة الصندوق بمصر طيبة وهو لا يريد أن يفجر أزمة بأن الدولة غير متجاوبة، خاصة أن الكثير من التداعيات التي يعيشها الاقتصاد المصري مرتبطة ببرنامج تم تطبيقه منذ عام 2016، وحصل على مباركة الصندوق، حتى إن البيان الأخير للقرض، أشاد فيه الصندوق ببرنامج عام 2016، وقال إنه لولا الأزمة العالمية لما ظهرت مشكلات الاقتصاد المصري".
ويلفت نافع إلى أنه في حالة توقف الصندوق عن تمويل القرض، فلن تكمن المشكلة في قيمته المحددة بثلاثة مليارات دولار، بل في تداعيات هذا القرار بالنسبة للمستثمر الأجنبي، الذي قد يرى أن عدم الامتثال للبرنامج أو الاستثمرار فيه يمثل أزمة في الاقتصاد، مما يضيف عبئاً إلى الأعباء ويجعل تسعير الدولار بعيداً عن قيمته المنطقية بطريق المضاربة والمغالاة بسبب عدم تماثل المعلومات: "بمعنى أن المستثمر يعرف عن الحكومة أكثر مما تعرف هي عنه، فهو يعرف الاحتياطي النقدي وإلى أي مدى هو مقيد بودائع خارجية، ويعرف أن الحكومة تحتاج إلى الدولار ولا تملكه بشكل كبير، وأن طلبها على الدولار مشتق من الطلب على الواردات في الأساس وسداد الالتزامات الخارجية".
وأثر الغزو الروسي لأوكرانيا الذي اندلع في فبراير/ شباط 2022، على الاقتصاد المصري بشكل خاص، الأمر الذي تسبب في زيادات كبيرة في أسعار الغذاء والوقود، كذلك توقفت عائدات السياحة الحيوية، وحالياً تواجه أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان أسوأ أزمة للعملات الاجنبية منذ سنوات، إذ فقدت نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، عقب قرارات الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة.
وبحسب أحدث بيان للبنك المركزي المصري، بلغ صافي الاحتياطي الدولي من النقد الأجنبي بنهاية مارس/ آذار الماضي 34.447 مليار دولار، بعدما كان حوالى 40.9 مليار دولار قبل اندلاع الحرب.
الجدير بالذكر أن أهمية اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، وإن كانت قيمته محدودة، تكمن في كونه محفزاً على تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار من شركاء من الدوليين والإقليميين، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال التجريد المستمر للأصول المملكة للدولة، والأشكال التقليدية للتمويل من الدائنين، لكن بحسب بلومبرغ، فإن حلفاء مصر الخليجيين الأثرياء بالطاقة، لم يضخوا بعد معظم هذه الأموال في انتظار مؤشرات على قيام السلطات المصرية بإصلاحات اقتصادية عميقة.
وتحتاج مصر لسداد نحو 83.8 مليار دولار عن خدمة الدين الخارجي بين 2023 و2027 كالتالي: 17.6 مليار دولار خلال عام 2023، و24.2 مليار دولار عام 2024، و15.1 مليار دولار عام 2025، 16.8 مليار دولار عام 2026، ثم 10.1 مليار دولار عام 2027، بحسب البنك المركزي المصري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...