تمثل الكتابة هاجس الكاتب الأول والتي يفني فيها معظم وقته. وتعتبر الكتابة عند بعض الكتاب المحترفين مهنتهم الرئيسية التي يعيشون منها كما هو الأمر مع بعض الفنانين من مسرحيين وسينمائيين وممثلين. ومن ثم فإن انشغال كتاب اليوميات بالحديث عن مشاريعهم الإبداعية أمر مفهوم ونكاد لا نعثر على كتاب في اليوميات ألفه كاتب أو فنان لم يتطرق فيه إلى نشاطه الإبداعي.
فقد زخرت اليوميات العالمية والعربية بالحديث عن أجنة الأعمال والأفكار التي كانت القادح لإنتاج تلك الأعمال، بعضها أنجز وبعضها أجهض جنيناً وتشبيه الأعمال الإبداعية في بداية تشكلها بالأجنة تشبيه أثير، ولعل أبلغ رواية عنه ما ورد على لسان الكاتب الأمريكي ديفيد فوستر والاس عندما تحدث عن المخطوط ورعايته منذ كان جنيناً في مقاربته لوضع الكاتب أثناء الكتابة وعلاقته بمشروعه وصبره عليه كأي جنين في طور التكوين وتحمله في صورته البشعة غير الفنية قبل النشر.
اليوميات محضنة النصوص وتمارين الكتابة
تنبئنا اليوميات عند معظم الكتاب بمشاريعهم المستقبلية إما بالإشارة إلى أجنة نصوصهم وأفكارهم ولحظات الإشراقات الإبداعية أو تصحيحاتهم وتطويرهم لمادة من موادهم ومراجعتها أو الحديث عن أعمال منجزة أو بصدد الإنجاز ونقل معاناتهم مع الكتابة.
في "يوميات سرير الموت" يخصص الكاتب المغربي محمد خير الدين جزءاً من يومية الثلاثاء 8 آب/أغسطس ليناقش فيها مسألة الانقطاعات التي يعيشها الكاتب أحياناً مع نصوصه، فيتوقف عن مواصلتها ويزج بها في الأدراج شهوراً وسنيناً حتى تنضج أو تحين لحظة ظهورها.
تشترك يوميات الأثر عند معظم الكتاب والفنانين بإحساس هؤلاء أنهم يقدمون على عمل عظيم وغير عادي ومصيري أحياناً. وتحت وطأة ذلك الإحساس بأهمية ما يهمون بفعله وبخلقه تنشأ الحاجة إلى تسجيل يوميات هذا العمل
يكتب محمد خير الدين: "تردد كثيراً. ثم لم أجد بدا من أفتح محفظتي. تصفحت الأوراق التي كتبتها من طابياس. وجدتها ثمانياً وسبعين صفحة مرقونة. لم أكن أعلم أن الصفحات بلغت هذا القدر. بدأت تسويد هذا الكتاب وأنا في باريس، منذ سنتين ونصف السنة. وقد ظل يحجب نفسه، مفسحاً المجال لنصوص أخرى. لكن سيأتي يوم ويكتمل فيه. يومها سيكون كتاباً طوبياس كتاباً عظيماً. فلا داعي للعجلة".
ويجره الحديث عن مصير مخطوطه غير للمكتمل إلى الحديث عن رؤيته للكتابة وعاداته في الانقطاع عن مواصلة العمل على المخطوطات ويعطيه شرعية من زاوية حرصه على الجودة: "لكل كتاب لكل كتابة شرائطهما ومتطلباتهما الخاصة، فلست أكتب لمجرد الكتابة، وإنما أكتب لأنفخ بالكتابة الحياة في أناس وفي مشاهد، وفي أشياء، ولست أهتم للكتابة لا تكون لها غاية أخرى تتعداها في نفسها".
رفع محمد خير الدين الكتابة الإبداعية إلى مستوى المسكن والمخدر، فتوقف كثيراً عند دور الكتابة في التخلص من الوجع وتجاهل الآلام وتهوينها على المريض وأعطى أمثلة من حياته الراهنة والسابقة.
أما الكاتب المصري وجيه غالي فتمثل الكتابة هاجساً رئيسياً، فعلى امتداد الجزئين كان تقدم الكتابة وتعطلها هو الذي يشتغل كمحرك لليوميات ونفسية الكاتب. يسجل يوم الخميس 28 كانون الثاني/يناير 1965: "قصتي تتضعضع، بطريقة أو بأخرى. لم أستطع الكتابة اليوم. أكتب ثم أرمي ما كتبته بعيداً، محض هراء... أشعر بأنني أهدرت عاماً ونصفاً، لم أفعل شيئاً بصحبة أشخاص عديمي القيمة".
يصل وجيه غالي إلى مرحلة محاولة إرغام نفسه على الكتابة لأنها الوسيلة الوحيدة لمواصلة الحياة فيسجل يوم 5 تموز/يوليو 1965: "سأجبر نفسي على الكتابة، الآن، لم أر أو أتحدث إلى أي شخص منذ ثلاثة أيام".
ويوضح تلك الراحة الكبيرة التي يجنيها أثناء الكتابة يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر 1956: "مساء الجمعة، كنت أعمل في الرواية طوال يومي في المكتب... كلما كتبت أكثر، أصبح في حالة أفضل... في لحظة ما، بعد الظهيرة، شعرت أنني في حالة جيدة جداً... وفكرت فجأة بتلك الفتاة... كم هي غبية. هكذا فكّرت. أقول هكذا لأشرح كيف أن شعوري بانعدام القيمة يجعلني عاطفياً إلى حد صبياني تجاه الحب... الرواية غريبة بعض الشيء... النغمة ليست واضحة بعد... إنها تتغير قليلاً، ليست منتظمة، وأكتب في حالات مزاجية مختلفة ولكنني لا أستطيع رؤية حالة مزاجية مميزة حتى الآن. سنرى".
وعلى هذا النحو كانت يوميات غسان كنفاني الذي كان يعلن في يومياته على مشاريعه القصصية والروائية.
كل ذلك الحضور الكثيف لحركة العملية الإبداعية عند الكتّاب تعكس قيمتها عندهم إذ يشكل الإبداع هاجساً رئيسياً عندهم وحبل النجاة الوحيد الذي يتمسكون به، وكما أدى العجز عن الكتابة بافيزي إلى الانتحار، دفع أيضاً ذات العجز وجيه غالي إلى الانتحار، ولا ندري ونحن نتأمل ذلك الحزن وتلك الكآبة التي يتحرك فيها غسان كنفاني أو أبو القاسم الشابي في يومياتهما إن كانا سيواصلان العيش وأنهما لن يضعا حداً لحياتهما إذا لم يكن أحدهما قد اغتيل والآخر أسقطه المرض مبكراً .
يوميات الأثر الفني
الأثر الفني هو كل عمل فريد يضعه كاتب أو فنان، رواية، شعر، قصة، موسيقى، فيلم، نحت، قطعة مسرحية، لوحة، رقصة، عمارة، صورة فوتوغرافية، إلخ، يكتسب اعترافاً بما هو عمل على قدر من الجمالية إن كانت نصية أو سمعية أو بصرية أو حسية. وتنقسم الأعمال إلى أعمال مكانية كالعمارة والرسم والنحت والكتب وأخرى زمنية كالموسيقى والرقص والسينما والدراما. ولا تشترط الفردية في انجاز العمل فيمكن أن يكون العمل نتاج جهد جماعي أو ثنائي وينسحب ذلك على كل الفنون والآداب. وتشترك كل الأعمال في نسبتها إلى التخييل فمصدرها الأساسي هو الخيال وإن استعان الفنان في إنجازها بمراجع فكرية أو حسية أو علمية. ويكتسب الأثر الفني وجوده من اعتراف الملتقي به فلا وجود له إلا في دائرة التلقي.
انشغل كبار الفلاسفة والمحللين النفسانيين بالعمل الفني وتحليله من هايدغر إلى سيغموند فرويد وعادة ما تتقاطع تلك البحوث والتفاتها نحو الذات المبدعة للأثر الفني ومحاولة التعرف عليها عبر تفكيك أثرها.
غير أن بعض الفنانين والكتاب لم يكتفوا بانجازهم الفني بل جعلوا من بعض مشاريعهم مواضيع لتسجيل يوميتهم في ما نسميه بيوميات "الأثر الفني"، وقد اخترنا من هذه الأعمال الفنية ثلاثة روايات: رواية "المزيفون" لأندريه جيد، ورواية "عناقيد الغضب" لجون ستاينباك، ورواية "دابادا" لحسن مطلك.
يوميات المزيفين لأندريه جيد
رواية "المزيفون" أو "مزيفو النقود" تعتبر أحد روائع الرواية العالمية بالقرن العشرين وفي يومياته يخوض أندريه جيد صراعاً قوياً مع شخصياته ومع الأسلوب ومع الأحداث التي يجترحها لبناء روايته وهو ما يجعل هذه اليوميات ناطقة بأوجاعه ومعاناته من أجل الخلق الفني ولإنجازه يعود دائماً لتذكير نفسه بما يجب أن يكون عليه كتابه في يوميات الأُثر فيسجل يوم 13 كانون الثاني/يناير: "يجب أن أشير هنا فقط إلى الملاحظات العامة حول إنشاء الرواية وتكوينها وسبب وجودها. يجب أن يصبح هذا دفتر الملاحظات بطريقة "دفتر إدوار". علاوة على ذلك، أكتب على البطاقات ما يمكن أن يكون مفيداً: مواد صغيرة، وخطوط، وأجزاء من الحوار، وخاصة ما يمكن أن يساعدني في رسم الشخصيات.
يوميات العمل الفني هي مطبخ الفنان والكاتب الذي يتلصص من خلالها المتلقي على العملية الإبداعية بصفتها نحتاً وإعادة نحت وتسجيلاً وشطباً وإقداماً وتردداً وتراجعاً.
أريد شخصاً (الشيطان) ينشر التخفي في جميع أنحاء الكتاب ويكون واقعه يؤكد نفسه أكثر كلما قل إيماننا به. هذا هو جوهر الشيطان الذي مقدمته: "لماذا تخافونني؟ أنت تعلم جيداً أنني غير موجود. لقد شرعت بالفعل في القليل من الحوار الذي يهدف فقط إلى طرح وشرح هذه الجملة المهمة جداً، وهي إحدى الركائز الأساسية للكتاب. لكن الحوار نفسه (كما أشرت أثناء الجري) سيء للغاية وسيتعين إعادة صياغته بالكامل في الكتاب، وإشراكه في العمل".
وينتقد أندريه جيد نفسه مصححاً أخطاءه فيقول: "الخطأ الكبير في حوارات كتابX... هو أن شخصياته تتحدث نيابة عن القارئ؛ كلفهم المؤلف بمهمته لشرح كل شيء. تأكد دائماً من أن الشخصية تتحدث فقط عن الشخص الذي يتم توجيهها إليه. هناك نوع من الشخصيات لا يمكنه التحدث إلا كما لو كان من أجل 'معرض' وهمي (استحالة الصدق، حتى في المونولوج) ولكن هذه حالة خاصة جداً، والتي لا يمكن أن تأخذ معناها الكامل. البعض الآخر، على العكس من ذلك، يظلون طبيعيين تماماً".
يوميات "عناقيد الغضب"
أنهى ستاينباك كتابة روايته "عناقيد الغضب" سنة 1939 ونشرها في أيار/مايو من ذات العام وتحصل بها على جائزة بلوتزير سنة 1940. وإذا رجعنا إلى يومياته التي بدأت في شباط/فبراير 1938 عرفنا أنه انطلق في كتابتها في ذات العام والشهر. ويذكر يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر 1939 أنه أنهى المخطوطة الأولى من الرواية منذ قرابة العام: "مر عام إلا عشرة أيام منذ أن أنهيت المخطوطة الأولى من العناقيد". غير أن طرافة هذه اليوميات أنها لا تتوقف مع نشر الرواية، بل تتواصل بعد ذلك، خاصة أن الرواية دخلت حياة أخرى بتحويلها إلى فيلم سينمائي.
يضع ستاينباك خطة عمل منذ بداية اليوميات فتلعب هذه اليومية، مثلاً، دور الميثاق السيرذاتي الذي نتعرف عبره على جنس الكتاب من ناحية ومثابة البيان الكتابي من ناحية ثاني: مدخل رقم 2. 31 أيار/مايو 1938 - الثلاثاء. إنها يوميات كتاب وسيكون من المثير للإهتمام أن نرى كيف سيظهر. حاولت الاحتفاظ باليوميات من قبل، لكنها لم تنجح بسبب الحاجة إلى التحلي بالصدق. عندما لا توجد حقيقة محددة جيداً، أميل إلى الانجذاب إلى الجانب الآخر. أحياناً، عندما تكون هناك حقيقة مطلقة، أشعر بالاشمئزاز من كفايتها وأفعل الشيء نفسه. هنا على الرغم من ذلك، سأحاول فقط الاحتفاظ بسجل لأيام العمل والكم الذي تم تحقيقه كل يوم، والنجاح (بقدر ما أستطيع أن أقول). الآن يسير العمل بشكل جيد . إنه تقريباً الأول من حزيران/يونيو. هذا يعني أن أمامي سبعة أشهر لإنجاز هذا الكتاب وأود أن آخذهم، لكني أتخيل أن خمسة ستكون أكثر من الحد الأقصى. في الحقيقة، لم أستغرق وقتاً طويلاً لكتابة كتاب. ومع ذلك، أود أن أفعل هذا في وقت فراغي. هذا هو أحد أسباب الاحتفاظ بهذه اليوميات.
العين إلى الداخل لحسن مطلك
إن العثور عن هذا الصنف من اليوميات في الكتابة العربية يعتبر أمراً عسيراً لندرة فن اليوميات نفسه في الثقافة العربية كما أثبتنا ذلك مرات، غير أننا يمكن أن نرفع يوميات حسن مطلك ضمن هذه الخانة لما توفر فيها من عناصر يؤهلها لذلك الموقع. ف يوميات حسن مطلك تنقل لنا هواجسه في كتابة رواية يعتقد أنها ستنقذه من نفسه المكتئبة والتي سيسميها بعد ذلك دابادا.
اعتبر بعض النقاد المبدعين العراقيين أن رواية دابادا لحسن مطلك أهم رواية عراقية في القرن العشرين وإنها مثلت تحولات كبيرة في مسار الرواية العراقية بعد أن تأثر بها الكتاب الشباب من جيل التسعينات، لا هذه الرواية التي أراد لها كاتبها أن تحدث قطيعة جزئية مع التراث السردي العراقي. واقحمها فيما يسميه بالواقعية الكلية تلك الرواية التي تقول كل شيء الفلسفي والعلمي والزراعي والثقافي والنفسي أمكن لها أن تتموقع في منطقة مضيئة في المكتبة الروائية العراقية والعربية بطرافة أسلوبها وأفكارها التي اشتغل عليها حسن مطلك بوعي شديد بعد أن نهل من المنجز الروائي الغربي ومسح ما كان يكتب في عهده في العراق. وأخذ منه موقفا مضاداً.
وهو برغم انبهاره بالرواية الغربية إلا أنه تجنب أن يتبنى تياراً منها أو نموذجاً يقلده لأنه كان ضد فكرة التقليد. فـ جاءت روايته على غير مثال معروف. ولأن اعترف الكاتب في تحدى حواراته إنه لم يكن مجدداً مائة بالمائة. فإنه حاول أن يجترح نصاً يمثله وحده.
لم يكن حسن مطلك مبدعاً فقط بل كان مفكراً ونقاداً وهو يباشر عملية الكتابة الابداعية وهذا ما كشف عنه كتابه يعد ذلك الكتابة وقوفاً، والذي تضمن أفكاره وحواراته التي كشفت ثقافته الأدبية ورهاناته وطموحاته الأدبية.
لكنه يضع لها أهدافاً عالية فهو يريد أن يكتب رواية تتجاوز كل ما يكتبه العراقيون، فيرفع من الرواية إلى مستوى المشروع الوطني الذي سينقذ الأدب العراقي من السطحية ويلحقه بالأدب العالمي. حلم رومنسي من جملة أحلام رومانسية أخرى أنتهت به إلى حبل المشنقة عندما تحوّل الحلم بالتغيير من تغيير الواقع الأدبي إلى تغيير الواقع السياسي فأُعدم حسن مطلك شنقاً في 18 تموز/يوليو 1990 على الساعة السابعة مساءً، لاشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم.
قادح تسجيل اليوميات مشروع رواية
يكشف حسن مطلك من أول يومية بتاريخ 4 حزيران/يونيو 1983 عن مشروع العمل الفني الذي قرر أن يخوضه لكنه يقدم قراره كفعل خطير وفيه مجازفة كبرى، يسجل: "إنتهت دراستي الجامعية. جالس الآن في غرفتي، في قريتي، أقرأ وأستمع إلى الموسيقى. لقد عزمتُ على شيء... وإني لأرتجف حتى في الكلام عنه: أن أكتب رواية... يا للهول... روايتي الأولى ستكون كافية لقتلي أو إحيائي... وإني خائف... أيما خوف. إنني أستجمع قوتي للوثوب، للافتراس، للبدء في الكتابة؟ يا له من عمل شاق...، أتهرب منه مثلما أشتاق إليه. سأبدأ مرحلة جديدة من عمري الآن... وأختم بالنسيان على الماضي... لقد كنتُ متعباً".
كان الهاجس الذي يحرك حسن مطلك هو عمل ثوري في الرواية العراقية، فغيرته من آداب الشعوب الأخرى هي التي دفعه لمحاولة كتابة نص فارق واعتبر ذلك مسألة حياة أو موت ومشروع وطني متكامل. وهو بذلك يعيد نحت مفهوم جديد للكتابة الأدبية باعتبارها نشاطاً وطنياً وليست مجرد تخييل أو ترفا فكرياً.
وهذا ما جعله يأخذ عمله على محمل الجد حتى أنه كان يتعذّب للتقدم فيه. يقول: أن تكتب: كنت أتعذّب، أقفز من سريري في قلب الليل لأسجّل عبارة وردتني، أو فكرة... والآن، حينما بدأت... بدأت ببرود لا يوازي حرارة الانتظار. كانت موضوعية هائلة وسيطرة تامة، حتى أن الداخلين والخارجين إلى غرفتي، من أطفال وأبناء الجيران، كانوا يتحدثون معي وأنا أكتب. ولقد استغربت تماماً هذا الحال إذ قارنته بمذكرات الكتاب الذين يغلقون على أنفسهم الأبواب ويبدؤون بالولادة... استغربت من هو الأصح؟ ماذا يعني هذا؟ لست أنفعل أو أثور أو أتأثر بما أكتب... كنت أتخّيل فقط... وأنظر إلى كلماتي بأنها سخافات كبيرة..كنت أبحث عن العمق فيها فلا أجده".
تكشف هذه اليوميات على وجه خفي وسري من مؤسسة المبدع الذي عادة ما يحرص أغلبية المبدعين على بقائه في العامة أو محاطاً بالغموض والسحر وهذا الكشف والتعري ما يجعل من هذه اليوميات تنضوي تحت ما يسمى بالحميم أدباً كان أم فناً
تشترك يوميات الأثر عند معظم الكتاب والفنانين بإحساس هؤلاء أنهم يقدمون على عمل عظيم وغير عادي ومصيري أحياناً. وتحت وطأة ذلك الإحساس بأهمية ما يهمون بفعله وبخلقه تنشأ الحاجة إلى تسجيل يوميات هذا العمل.
فمسك اليوميات يكون مدفوعاً بهذا الهاجس التوقعي وضرورة المحافظة على الحماس والجدية حتى إنهائه وتعتبر تلك السجلات شكلاً من أشكال إرغام الذات وتذكيرها يومياً بأنها منخرطة في انجاز عمل مهم يتطلب منها الإخلاص له والعمل عليه والمثابرة حتى ينجز.
وعادة ما ترتبط أسماء المبدعين بتلك الأعمال التي خصصوا لها يوميات، فلا يذكر اندريه جيد إلا مستحضرين مزيفو النقود ولا يذكر ستاينباك إلا مستحضرين روايته عناقيد الغضب ولا يمكن ذكر حسن مطلك دون أن نذكر دابادا ".
تمثل هذه النوعية من اليوميات عتبات مهمة لفهم الأعمال الفنية والظروف التي نشأت فيها والعقول التي تدبرتها وخططت لها وطورتها يوما بيوم. إنها اشبه بفتح باب غرفة العمليات السرية التي نشأ فيها الأثر وترعرع. ودخولها مثل إدخال كاميرا إلى رحم ومراقبة تطور الجنين من لحظة النطفة الى الولادة.
يوميات العمل الفني هي مطبخ الفنان والكاتب الذي يتلصص من خلالها المتلقي على العملية الابداعية بصفتها نحت واعادة نحت وتسجيل وشطب وأقدام وتردد وتراجع.
كما تكشف هذه اليوميات على وجه خفي وسري من مؤسسة المبدع الذي عادة ما يحرص أغلبية المبدعين على بقائه في العامة أو محاطاً بالغموض والسحر وهذا الكشف والتعري ما يجعل من هذه اليوميات تنضوي تحت ما يسمى بالحميم أدباً كان أم فناً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين