شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"المرأة لا تحب رؤية غابات الشعر فوق جسدي"... لماذا يلجأ بعض الرجال إلى إزالة الشعر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 15 أبريل 202312:53 م

للوهلة الأولى، يبدو الحديث عن إزالة الشعر لدى الرجال مسألةً سطحيةً، لكن عند الغوص في الأسباب التي تدفع بعض الرجال لإزالة الشعر عن أجسادهم، خاصةً الذين يعانون من كثافته في منطقة الصدر والبطن والظهر والكتفين، تظهر معاناة نفسية واجتماعية تواجههم تحديداً عندما يصبح الشعر الزائد بمثابة كابوس يطارد بعض الرجال الذين يلجؤون إلى مختلف الخيارات المتاحة للتخلص منه في أسرع وقت نظراً إلى النظرات والتعليقات التي تكون جارحةً في بعض الأحيان.

تعرّق زائد

إن الإنسان مغطّى في الواقع بنحو 5 ملايين بصيلة شعر صغيرة، ويُعتقد أنه مع تطور أسلافنا في عصور ما قبل التاريخ من المشي على الأطراف الأربعة إلى الوقوف، بدأ غطاء شعر الجسم الكثيف يخفّ من أجل إبقائنا أكثر برودةً عند الحركة، مع العلم بأن الغرض الأساسي من شعر الجسم هو المساعدة في تنظيم درجة حرارة أجسادنا وإبعاد الأوساخ عنها.

بالعودة إلى العصر الحجري، عندما كان الرجال يمارسون الصيد وجمع الثمار، كانت لشعر الجسم مجموعة من الأغراض المختلفة: من الحفاظ على الدفء إلى إثبات النضج الجنسي والخشونة، غير أن نظرتنا إلى شعر الجسد قد تبدلت مع الوقت، بحيث تبيّن أن حلق شعر الجسم يمكن أن يساعد في تقليل رائحة الجسم: يُعدّ شعر الإبط، على سبيل المثال، موضعاً خصباً لتكاثر البكتيريا التي تنمو تحت الغطاء الواقي لشعر الجسم، مما يزيد من رائحة العرق، وتعمل البكتيريا الموجودة على تفتيت العرق، مما يؤدي إلى ظهور الرائحة الكريهة، وتالياً فإن حلق شعر الإبطين وشعر الجسم يؤدي إلى تقليل البكتيريا وتقليل الرائحة.

عند الغوص في الأسباب التي تدفع بعض الرجال لإزالة الشعر عن أجسادهم، خاصةً الذين يعانون من كثافته في منطقة الصدر والبطن والظهر والكتفين، تظهر معاناة نفسية واجتماعية 

وعليه، خلال السنوات الأخيرة، بدأ العديد من الرجال بحلاقة شعر أجسادهم وارتياد عيادات التجميل ومراكز إزالة الشعر، على غرار الشاب العراقي خضر شلش، الذي روى قصته لرصيف22: "خرجتُ من الحمّام متجهاً إلى غرفتي، وبدأتُ بتلمّس شعر بطني ثم صدري وأكتافي، وما استطعت الوصول إليه من ظهري؛ شعر كثيف إلى درجة غطّى فيها جلدي بشكل كامل. أحسستُ ذلك اليوم بأنه ينمو أكثر من السابق، ولا أدري لماذا، ربما لأنني كنت أجهّز نفسي لموعد غرامي انتظرته طويلاً".

اعتاد خضر (29 عاماً)، على ارتداء قميص أبيض قطني تحت ملابسه لامتصاص العرق خلال الصيف، فشعر جسده الكثيف يزيد التعرّق ويُظهر بقعاً كبيرةً تحت الإبطين وحول البطن: "عندما وصلت كانت البقع ظاهرةً فوق قميصي الأزرق، برغم أنني استخدمت مزيل العرق بعد الحمّام، ولاحظت الفتاة البقع الظاهرة، فابتسمت وقالت: ليلة صيفية حارة فعلاً".

كان تعليق الفتاة بمثابة رسالة قاسية إلى خضر، ومنذ ذلك الوقت قرر ملازمة اللون الأسود لإخفاء عرقه، ريثما يجد حلاً لمشكلة شعر جسده الكثيف، إلى أن نصحه صديقه بإزالته عن طريق ماكينة الحلاقة: "دخلت مع صديقي إلى الحمّام، وبدأت بدهن ظهري بالصابون، ثم بدأ هو بحلاقته. كان الشعر يتساقط بكثرة على أرضية الحمّام، بينما سمعته يقول: إنها المرة الأخيرة التي أفعل فيها ذلك لك".

في الحقيقة، يعاني أصحاب الشعر الزائد من صعوبة في إيجاد شخص يساعدهم على حلاقة المناطق التي لا يمكنهم حلاقتها بأنفسهم، وفق ما قال خضر: "جرّبت مرةً حلاقة شعر ظهري بمفردي، لكنني جرحتُ نفسي، ولم أصل إلى النتائج المرجوة. تتعبني هذه الحالة خاصةً أن الشعر ينمو بسرعة ويسبب لي الحكّة بعد الحلاقة وإلى الآن لم أجد حلاً جذرياً لمشكلتي".

السباحة بقميص قطني

وفقاً للمنتديات الرياضية، فإن السباحين الذين يحلقون أرجلهم، أسرع بنسبة 0.06 إلى 0.07 في المئة، من غيرهم، كما يقلّ احتمال إصابة الجسم المحلوق النظيف بالتهاباتٍ بعد إصابات رياضية طفيفة، حيث لا توجد فرصة لدخول شعر الجسم إلى الجرح.

يحب الشاب العراقي جواد عبد الحميد، السباحة وتصله الكثير من الدعوات للذهاب إلى المسبح خلال فصل الصيف، لكن مشكلة الشعر الكثيف الذي يكسو جسده تمنعه، وفق ما كشف لرصيف22: "يغزو الشعر جسدي من كل الاتجاهات، ويصل إلى رقبتي ويشكّل طبقةً كثيفةً سوداء. في سنوات مراهقتي رفضته بشدة، وعندما كبرت قليلاً بدأت بقبوله لكن بعد فترة من الزمن أصبح الشعر الزائد عبئاً ثقيلاً على جسدي".

وعمّا إذا كان يخاف من نظرات بعض النساء الرافضة، قال جواد (30 عاماً): "يرفض المجتمع الشعر الزائد ومعظم النساء يحببن الشعر الطبيعي على صدر الرجل، لكن لا يرغبن في رؤية غابات من الشعر فوق جسده، لذلك فضّلت المسابح الخاصة بالرجال، وكنت أسبح مرتدياً قميصاً لتغطية الشعر، وبقيت على ذلك إلى يوم خطوبتي حين اقترحت عليّ خطيبتي إزالة شعري الزائد عن طريق الليزر".

بدأ جواد بزيارة مركز لإزالة الشعر بالليزر، بمعدل مرة كل أربعين يوماً، وعن هذه التجربة قال: "كان الليزر الحل الوحيد، برغم أنني لا أفضّل إزالة الشعر بشكل كامل، بل أحب وجوده الطبيعي، لكن المشكلة في غلاء مراكز الليزر لأن الشعر الكثيف يحتاج إلى الكثير من الجهد ويُحسب السعر وفق عدد ضربات الليزر المستهلكة من الجهاز، وهذا ما أرهقني فعلاً"، كاشفاً أنه يدفع شهرياً 100 دولار أمريكي لإزالة شعر الصدر والظهر والكتفين.

وعن عدم اللجوء إلى خيار الحلاقة، قال جواد: "آلة الحلاقة تزيد من سماكة الشعرة، وبعد أيام قليلة يعود الشعر لينمو من جديد، كنت أريد حلاًّ جذرياً يمكّنني من ارتداء القميص من دون إحكام إغلاق أزراره إلى رقبتي لإخفاء الشعر البارز، وعليه كان الليزر هو الحل الأمثل".

أسباب جمالية

يتمرّن سعد الدين، يومياً في النادي الرياضي، حيث يرفع أوزاناً ثقيلةً، وهدفه من ذلك بناء عضلات جسده كما أنه يتناول البروتين الرياضي لتقوية العضلات بعد التمرين.

وعن إزالة الشعر، قال الشاب العراقي البالغ من العمر 32 عاماً، لرصيف22: "منذ أن بدأت عضلات جسدي بالظهور، أزلتُ شعر جسدي لأنني أرغب في إظهار جمال العضلة التي بنيتها".

"يرفض المجتمع الشعر الزائد ومعظم النساء يحببن الشعر الطبيعي على صدر الرجل، لكن لا يرغبن في رؤية غابات من الشعر فوق جسده، لذلك فضّلت المسابح الخاصة بالرجال، وكنت أسبح مرتدياً قميصاً لتغطية الشعر"

يرى سعد، أن إزالة شعد الجسد لا تعيب الرجل، خاصةً إذا كان رياضياً، فالرياضيون كلهم يفعلون ذلك، لأنه في أثناء التمرين، من الممكن أن تتعرض العضلة لإصابة ووجود الشعر يعيق عملية العلاج: "أواظب على إزالته بآلة الحلاقة. بروز العضلات يزيد من ثقتي بنفسي، وأرى نتائج جهدي وتمريني المستمر".

أما الشابة العراقية عبير دلو، فرأت أن إزالة الرجال لشعر أجسادهم أصبحت موضةً حديثةً، مشيرةً إلى أن العديد من النساء لا يزعجهنّ شعر الشريك حتى لو كان كثيفاً: "زوجي يمتلك جسداً بشعر كثيف على الكتفين والظهر. لم يضايقني ذلك، ولم أطلب منه يوماً حلاقته، لكن في النهاية هي خيارات شخصية".

في هذا الصدد، وجدت دراسة YouGov Body Image أن الذين يكرهون شعر الصدر هم في الواقع الرجال أنفسهم، بحيث يعتقد 31% من الرجال أن الرجل يبدو أفضل مع شعر الصدر، مقارنةً بـ40% من النساء.

مشكلات وراثية

وجدت دراسة أجريت في العام 2018 من Mitel، أن ما يصل إلى 46% من الرجال قد أزالوا الشعر عن أجسادهم، مقارنةً بما يزيد قليلاً عن الثلث في العام 2016، كما أن خيار عدم حلق شعر الصدر على وجه التحديد قد تلاشى أيضاً.

واللافت أن رجال الكهف اعتادوا حلق شعرهم بالحجارة أو الصدف، لمنع الحشرات، كما أن المصريين القدماء كانوا أول من حلقوا شعر أجسامهم لأسباب أقل عمليةً، ورأى الإغريق القدماء شعر الجسم مثل شعر الصدر، قبيحاً تماماً.

في حديثه إلى رصيف22، أوضح الطبيب الصيدلاني، طارق هرموش، أن حلول إزالة شعر الجسد للرجال، هي ذاتها التي تلجأ إليها النساء، والتي تتراوح بين آلات الحلاقة وكريمات إزالة الشعر وصولاً إلى الليزر، لأن العلاج الطبي لهذه الحالة عند الرجال غير ممكن: "الشعر الكثيف أو كثرة الشعر على جسد الرجل يعودان لزيادة في معدلات إفراز هرمون التستوستيرون، وهو هرمون ذكري يزيد من نمو الشعر تحت الإبطين وحول العانة، وازدياد معدلاته يؤدي إلى ظهور الشعر في ظهر الرجل وحول كتفيه وعنقه".

كان الإغريق والمصريون يعدّون أن الأجساد الخالية من الشعر "مثالية" لاعتقادهم بأن الجسم من دون شعر أكثر نظافةً ويحمي من الطفيليات

وشرح الطبيب هرموش، كيف أن الخلل في التوازن الهرموني، يؤدي إلى زيادة معدلات إفراز التستوستيرون، ويعود هذا الخلل عادةً إلى مسببات وراثية في جذور العائلة، ولا يمكن علاج هذا الخلل بالأدوية كما يحدث مع النساء، لأن التلاعب بمعدلات التستوستيرون في جسد الرجل قد يؤثر على قدرته الجنسية، "لذلك ننصح الرجال بطرائق إزالة الشعر التقليدية"، وفق قوله.

باختصار، تغيرت اتجاهات العناية بالشعر على مرّ العصور، والملاحظ أن عدد الأشخاص، وتحديداً الرجال الذين يخضعون لإزالة الشعر، بعضه أو كلّه، قد ازداد بشكل ملحوظ.

تعود الصور الأولية لإزالة الشعر إلى لوحات الكهوف التي تصوّر الرجال من دون شعر في الوجه، كما أن ميل الرجال إلى إزالة شعر الوجه واضح في الفن القديم للحضارات اليونانية والمصرية، وكان الإغريق والمصريون يعدّون أن الأجساد الخالية من الشعر "مثالية" لاعتقادهم بأن الجسم من دون شعر أكثر نظافةً ويحمي من الطفيليات. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard