شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن علاقة

عن علاقة "صلب المسيح وقيامته" بالمواطنة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الجمعة 14 أبريل 202310:46 ص

قبل عام 2011، حين كنت تلميذة في الابتدائية، كان من طقوس يوم عيد الميلاد المعهودة، أن أجلس وأمامي أوراق مادة امتحان يوم الغد، الثامن من يناير. كنت فتاة كما يقولون دائماً "دحيحة"، فكان ممنوعاً علي أن أبتهج بالعيد أو أن أخرج حتى أتنزه قليلاً كباقي الأطفال، والسبب أنه لا يفصلني عن امتحان نصف العام سوى ساعات قليلة، لذا لا وقت لأرتدي فستاني الجديد.

كنت أشعر بالضغينة والغضب في هذا اليوم: لماذا أنا مجبرة على إنهاء الاحتفال بدقائق معدودة بينما تتمتع صديقتي المقربة "مي" بأسبوع كامل إجازة قبل العودة مجدداً لأي امتحان أو دراسة؟  وفي يناير 2011، بينما كنت أجلس مع أبي في غرفة التلفزيون، كانت قناة مسيحية تستضيف فتاة صغيرة، ربما في عمري أو أصغر قليلاً، كان تعريفها يظهر على الشاشة من وقت لآخر: مريم أرمانيوس، صاحبة مبادرة "أنا زيك من حقي أعيّد".

ركّزت انتباهي على حديثها وهي تطالب بإلغاء امتحانات يوم الثامن من يناير حتى تسمح الفرصة بقضاء عيد الميلاد، أعجبتني شجاعتها وتعبيرها عما يجول في خاطري طول الوقت، وبعدها بالفعل تم تأجيل كافة الامتحانات ليوم التاسع من يناير، حتى وقتنا هذا.

بغض النظر عن أن يوماً واحداً يفصل بين العيد والامتحان غير كاف، لكن على الأقل حصل الأقباط على حق الإجازة في عيد الميلاد بشكل رسمي عام 2006، وبتأجيل الامتحانات عام 2011، والأمر أهون بكثير من إشكالية عيد القيامة المجيد الذي يصادف نهاية الفصل الدراسي الثاني في مصر، حيث مواعيد امتحانات "الميدتيرم" أو تسليمات تكليفات الجامعات التي لا تنتهي، ولم يحصل فيه المسيحيون في مصر على أي قرار بالإجازة.

لا أعرف ما علاقة الإيمان من عدمه بصلب المسيح وقيامته بحقوق المسيحيين في مصر كمواطنين، من المفترض أنهم متساوون في الحقوق والواجبات مع المسلمين المصريين، ولا أفهم أي مبرّر لتجاهل أحقية المواطن المسيحي في إجازة رسمية حتى ولو ليوم واحد

في بيان مجلس الوزراء المصري، يوم الثلاثاء الموافق 11 نيسان/إبريل، أشارت وزارة القوى العاملة إلى إجازة بأجر كامل للعاملين في الدولة يوم السابع عشر من نيسان/إبريل احتفالاً بالعيد المصري القديم "شم النسيم"، وفي نهاية البيان يهنى الوزير البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد، دون أي إشارة لإجازة يوم هذا العيد!

لا أعرف تحديداً ما علاقة الإيمان من عدمه بصلب المسيح وقيامته بحقوق المسيحيين في مصر كمواطنين، من المفترض أنهم متساوون في الحقوق والواجبات مع المسلمين المصريين، ولا أفهم أي مبرّر لتجاهل أحقية المواطن المسيحي في إجازة رسمية حتى ولو ليوم واحد، وهو يوم العيد ذاته، سوى أنها مجاملة للهوى السلفي الذي يرانا مجرد حفنة من الكفرة، نحتفل بعيد يخالف عقيدة وإيمان السواد الأعظم: "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ".

عيد القيامة كأحد السعف، يوافق دائماً بداية الأسبوع بالنسبة للمدارس والجامعات والموظفين في مصر، لذا ينتهز الأصوليون في المناصب العليا فرصة عدم وجود إجازة رسمية للتفنّن في إذلال الأقباط بمختلف مواقعهم، بل وتأجيل كافة الامتحانات التقديرية أو التكليفات في الجامعات لهذين اليومين. وفي هذا الشأن كتبت الطالبة (أ. ن) من جامعة عين شمس، أن جامعتها أرسلت رسالة نصية تشدّد فيها على أن يوم عيد القيامة المجيد ليس إجازة رسمية، وأن الإجازة تتوقف فقط على اليوم التالي للعيد: "يوم الحد الجاي عيد القيامة مش إجازة المحاضرات والسكاشن كلها شغالة عادي، إنما يوم الاتنين شم النسيم هو إللي إجازة ".

لا أريد فتنة ولا دروساً في المواطنة. أريد أن آكل الكعك وأخرج لأستمتع بالعيد دون شعور بأن محاضرة هامة فاتتني أو امتحان مصيري أو حتى يوم عمل

الجدير بالذكر أن الدولة المصرية تمنح إجازات بشكل رسمي لكافة الأعياد الدينية الإسلامية وكافة الأعياد الوطنية، ولا تمنح الحق نفسه للمسيحيين إلا في عيد الميلاد "7 يناير" وهو العيد الثاني في الأهمية لدى مسيحيي مصر، بعد عيد القيامة المحرم فيه الإجازات الرسمية حتى ولو كانت للمسيحيين فقط.

ربما تكثر أيضاً في هذا العيد بالتحديد الانتفاضات والدعوات بوجوب مقاطعة المسيحي وعدم تهنئته بعيد يخالف العقيدة الإسلامية، والحقيقة أننا لا نكترث أبداً سوى ليوم واحد فقط نستطيع أن نحتفل فيه بالعيد، دون أن نتحمل جنون البعض في استغلال الفرص للاضطهاد بكافة أشكاله.

لم يرقني الحديث عن الوحدة الوطنية بشكل أحادي أبداً، ولن أتردّد في إبداء تقززي من المنزعجين في أن يطالب مسيحيو مصر بحقهم في إجازة ليوم عيد القيامة، بدافع أن هذه المطالبات تجلب الفتن الطائفية!

لا أريد فتنة ولا دروساً في المواطنة. أريد أن آكل الكعك وأخرج لأستمتع بالعيد دون شعور بأن محاضرة هامة فاتتني أو امتحان مصيري أو حتى يوم عمل.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard