شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"جول" الموريتانية... مدينة الحجر المثقوب والثورات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الثلاثاء 11 أبريل 202302:47 م

في جنوب موريتانيا، تتناقل الألسن حكايات مدينة جول التاريخيّة، الواقعة بين حضن النهر وسفح الجبل، في الجنوب الشرقي لمقاطعة كيهيدي عاصمة ولاية كوركل.

جول مدينة التلال التاريخية الرابضة على ضفاف نهر السنغال، موقع قديم مدرج ضمن التراث الثقافي اللا مادي الموريتاني، وعلى قوائم الإيسيسكو للتراث في العالم الإسلامي.

"المدينة العالية"

هي مدينة ضاربة جذورها في العراقة والأصالة، وتعني تسميتها في اللغة البولارية، لغة شعب الفُلان، "المكان المرتفع" الذي يوضع فيه الطعام عادةً لحفظه من التلف، وحسب المؤرخين، فإن المنطقة الجغرافية التي تقع فيها جول، كانت ممرّاً للصيادين، ومحاطةً بالحجارة. تقول الحكايات المتداولة إنه في فترة ما، كان هناك جفاف شديد، وتالياً كانت هناك اتفاقية بين الصيادين والرعاة، تقضي بأن يقوم الصيادون، حين يصطادون الوحوش البرية والأحياء البحرية، بوضع بقايا طعامهم في الأعلى، حتى يمر الرعاة من هناك ويأكلوا منها. هذا هو أصل التسمية، يقول المؤرخ المتخصص في تاريخ فوتا داوود محمد جاه، في حديثه إلى رصيف22، ويضيف: "تاريخياً، لا يُعرف حتى اليوم، تاريخ تأسيس محدد للمدينة، إلا أن المؤرخين، يرون أنها عاصرت مملكة غانا، وذلك طبيعي جداً، لأنه بعد سقوط مملكة غانا، وقيام ممالك أخرى، ظهرت في فوتا مملكتان قديمتان قِدم مملكة غانا تقريباً، هما مملكتا دامكا وكينار، وجول كانت تقع بينهما. إذاً يمكن القول، إن تأسيس مدينة جول، قد يرجع إلى ما بين 1400 و1500 خلت، هذا من جانب، ومن جانب آخر جول مرّت، بمراحل تأسيس عدة".


وفق المتحدث، فإن "ثورة الشيخ سليمان بالْ (مؤسس دولة الأئمة في فوتا تورو)، أو ثورة ما يسمى بثورة تورودو، الثورة الإمامية في فوتا، يمكن القول إنها بدأت في مدينة جول، لأن الشيخ سليمان، بدأ هذه الثورة الإصلاحية من مدينة جول، ومن جانب آخر، اعتمد الشيخ عبد القادر كان، على سكان جول كمقاتلين، في ثورته التي دعت إلى نشر الإسلام وضرورة القضاء على الوثنية".

تاريخياً، لا يُعرف حتى اليوم، تاريخ تأسيس محدد للمدينة، إلا أن المؤرخين، يرون أنها عاصرت مملكة غانا

تقع دولة فوتا الإسلامية المذكورة، على ضفاف نهر السنغال، ضمن النطاق الحدودي الذي يتداخل فيه شمال السنغال حالياً مع جنوب موريتانيا. أما الشيخ سليمان بال، فيعدُّ من أهم الرجال الذين قادوا حركةً إصلاحيةً مؤثرةً، خلال القرون الخمسة الماضية، تمخّضت عنها دولة الأئمة التي عمَّرَت قرناً كاملاً، وقد وُلد الشيخ سليمان راسن بال، حسب بعض المصادر، في مستهل القرن الثامن عشر الميلادي، وهو من أسرة علمية ودينية، أسرة تشارنو آسو بال.

أما عبد القادر كان، فقد وُلد في حدود سنة 1729، وامتدت فترة حكمه لبلاد "فوتا تور" بين سنتي 1776 و1806، واشتهر بأنه أول حاكم مسلم في المنطقة، منع تجارة الرقيق سنة 1776.

"مركز المؤتمرات في منطقة فوتا"

تُعدّ مدينة جول، مكاناً مركزياً في منطقة فوتا، وحسب داوود محمد جاه، فإن "الخصوصية التاريخية لهذه المدينة هي أنها تميّزت بكونها، مكان الاجتماعات والمؤتمرات في فوتا التي تنقسم إلى أقسام، هي فوتا ماسينا وفوتا تورو وفوتا جالو. وخصوصية جول تاريخياً، أنها كانت مكان الصراع، حيث كان 'الأبطال' يضربون موعداً في مدينة جول، في منطقة تسمى بيلباسي، وهي عبارة عن منطقة صحراوية قرب جول، ويحددون يوماً للقتال في بيلباسي. لماذا؟ لأن جول أصلاً كانت مدينة المحاربين وأهلها كانوا يعيشون على الصيد".

تحتوي مدينة جول على ثلاثة أحجار قديمة جداً، حولها الكثير من القصص، مثلاً هناك الحجر المثقوب وهو 'أعجوبة زمنه'

أضاف المتحدث، أن "الخصوصية الثانية لجول هي أنها أول مدينة في فوتا، تنشئ 'نظام الفربا' (نظام القربى)، هذا بعد قيام ثورة الشيخ سليمان بال، ومرور الشيخ عمر تال. إذاً، بدأ هذا النظام أو نظام الأسرة الحاكمة في جول، بحيث تقوم هذه الأسرة بتقسيم الأدوار، مثلاً العمدة وغيره يكونون من المحاربين، بينما الإمام ومن شابهه يكونون من زوايا توردو.

أما الخصوصية الثالثة، فهي أن جول آوت حركة السُونُنكي. يقول المتحدث: "حين واجهوا المشكلات في كيهيدي وسيلبابي، طلبوا اللجوء إلى جول فقبل أهلها ذلك. إذاً هذه خصوصية تعايش، أما الخصوصية الرابعة فهي أنها المدينة الوحيدة، التي توجد فيها كل المكونات الطبقية لفوتا".

مدينة الثقب الغريب

تتعدد المزارات في مدينة جول القديمة، ومن بينها الأحجار الثلاثة القديمة، والمسجد والمقبرة، وحسب جاه "تحتوي مدينة جول على ثلاثة أحجار قديمة جداً، حولها الكثير من القصص، مثلاً هناك الحجر المثقوب وهو 'أعجوبة زمنه'، إذ يقع عند مدخل جول، حجر مثقوب، اختُلف في سبب ثقبه، يقول المستعمر إنه بسبب قذيفة، ولكن رواية أهل جول، تخبرُ عن بطل من أبطال جول، اسمه صمبا جلال الدين، أراد أن يظهر أنه قادر على قهر الطبيعية، فخرقها، وهناك من يقول إنه استُعمل سلاحاً، وهناك من يقول إنه استُعمل سحراً، وتتعدد الروايات في هذا الصدد".

وأضاف: "من جانب آخر، هناك مقبرة الشيخ سليمان بال في بلباسي، ومنطقة بلباسي هذه من المناطق التاريخية، تصنَّف كتراث إنساني، ورابعاً هناك مسجد جول، الذي يقال إنه أُسّس قبل العام 1600 م".

جول المنسية اليوم

تعاني مدينة جول اليوم من كونها نقطةً معزولةً، والحركة الاقتصادية فيها ضعيفة، وحسب داوود محمد جاه، فإن "جل سكانها من المتعلمين، ويشعرون نوعاً ما بالإهمال، لأن الدولة الموريتانية، لم تهتم بمشروع الشيخ الحاج محمود باه (1908/ 1978) الإصلاحي، الذي شرّف موريتانيا، إذ أسس مدارس الفلاح في كامل غرب إفريقيا، لكن مشروعه تراجع قليلاً، بل يكاد يندثر، مع أن أحفاده يحاولون بعث المشروع والاستمرار فيه، وهناك أيضاً إشكالية اجتماعية قد تكون سبباً في تراجع المشروع، وهو أن سكان جول اليوم أغلبهم من الصوفية التيجانية، والشيخ محمود باه لا يمكن بالمفهوم العامي أن نصنّفه صوفيّاً، وهذا أحدث شرخاً بين الساكنة".


ويُعدّ الحاج محمود باه، الذي يتحدث عنه داوود محمد جاه، العالم الذي أسس مدارس الفلاح في غرب إفريقيا، من أبرز وجوه الغرب الإفريقي العلمية في العصر الحديث، ويقع قبره في مدينة جول.

خلص المتحدث إلى القول: "باختصار تعاني المدينة اقتصادياً، والدولة الموريتانية حتى اللحظة لم تبذل جهوداً في إطار إنعاش المدينة، برغم محاولات أبنائها لتطويرها".

ويُذكر أن الحكومة الموريتانية، قد أعلنت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، استحداث مهرجان في مدينة جول، تثميناً لجزء مهم من التاريخ الموريتاني.

وأكدت الحكومة حينها، على أن الهدف من القرار هو "إرساء قواعد سياسية وثقافية قادرة على مواكبة نمو البلد وتطوراته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية".

وبالفعل نُظّم المهرجان بين 17 و19 آذار/ مارس الماضي، وافتتحه الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، الذي أكد في خطاب افتتاحه، على أن الحكومة، عبّأت الموارد المالية اللازمة، لتنفيذ مجموعة متنوعة من البرامج الإنمائية، لصالح منطقة جول، في مجالات البيئة، والصحة، والتعليم، والمياه، والطاقة، والزراعة، والتنمية الحيوانية وغيرها، "عملاً على تحسين ظروف حياة المواطنين في المدينة، ودعماً للتنمية المحلية فيها".

ويبقى السؤال المطروح: هل سيحدث هذا المهرجان فرقاً في تنمية المدينة، أم سيكون مثل بقية المهرجانات التي تنظَّم في مدن موريتانيا التاريخية، والمهددة بالاندثار يوماً بعد يوم؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard