تصل الحياة الزوجية إلى قمة التعقيد، عندما تتوافر لها عوامل النجاح مثل إنجاب الأطفال وحصول الأب والأم على فرصة عمل دائمة، لكن التحول من النجاح إلى الفشل يحدث عندما يهمل الشريكان العلاقة الحميمة بسبب الروتين اليومي المتكرر.
تلعب الظروف الاقتصادية دوراً مهماً في عزل الأزواج جسدياً، خصوصاً في ظل غلاء الأسعار، وسعي البعض إلى العمل ساعات إضافيةً أو العمل في وظيفتين لتوفير نفقات الأسرة، وفي نهاية اليوم يصل المرء إلى منزله فاقداً القدرة على الحركة، وكل ما يشغله هو الوصول إلى سريره من أجل النوم، بعد أن يحصل على "دش ساخن"، ويتناول العشاء سريعاً.
مجرد هواجس؟
تؤكد الدراسات أن عدم ممارسة العلاقة الزوجية لفترة طويلة له آثار سلبية جسدية ونفسية، ويزيد من القلق والتوتر بين الأزواج، بالإضافة إلى تقلّب المزاج نتيجة عدم التواصل، وهو ما ينعكس سلباً على الحياة الزوجية وقد يؤدي إلى الانفصال.
تقول نسمة مصطفى (اسم مستعار)، لرصيف22: "منذ أكثر من 6 أشهر، أعيش أنا وزوجي كـ'فريندز' (أصدقاء). في البداية ظننت أن زوجي لديه مشكلة جنسية، وأحياناً كانت تراودني شكوك حول وجود امرأة أخرى في حياته".
وتضيف: "حدّثته عن شكوكي، لكنه أكد أنها مجرد هواجس، وأقسم أنني المرأة الوحيدة في حياته، واعترف بتقصيره في ما يتعلق بعلاقتنا الزوجية، مبرراً ذلك بما نعيشه من ضغوط بسبب الأولاد ومطالبهم والظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها".
وتابعت نسمة البالغة من العمر 34 سنةً: "الأولاد ومطالبهم واخدين كل وقتنا وطاقتنا أنا وجوزي مشغولين طول الوقت بتلبية طلباتهم ونسينا نفسنا".
"منذ أكثر من 6 أشهر، أعيش أنا وزوجي كـ'فريندز' (أصدقاء). في البداية ظننت أن زوجي لديه مشكلة جنسية، وأحياناً كانت تراودني شكوك حول وجود امرأة أخرى في حياته"
وتستطرد: "بصراحة يأتي الليل وأكون منهكةً تماماً، وبرغم ذلك أنتظر من زوجي أن يطلب مني ممارسة العلاقة الحميمة، وحتماً كنت سأرفض ولكنني كنت أودّ التأكد من أنه لا يزال يحبني ويرغب في ممارسة الجنس معي".
وتضيف نسمة: "زوجي يبذل مجهوداً خارقاً داخل البيت وخارجه، لكنه طوال الوقت متوتر بسبب الظروف الاقتصادية وارتفاع الأسعار الجنوني، وزيادة طلبات المنزل والأولاد. تكرار هذا السيناريو جعل الأمر معتاداً وأصبحنا شبه متّفقَين على أن إقامة العلاقة الحميمة أصبحت أمراً شبه مستحيل في ظل ما نعيشه من ضغوط يومية".
بدورها، تقول ساره يوسف (اسم مستعار)، والتي تعيش في محافظة الجيزة وتعمل في مجال التعليم: "برغم مرور 12 عاماً على زواجي، أحب زوجي وأرغب في أن يلبّي احتياجاتي بشكل دائم، لكن ظروف الحياة أحبطت طموحاتي في أن أعيش حياةً زوجيةً طبيعيةً، فزوجي يعمل ساعات مضاعفةً وأنا أحاول أن أعمل لأساعده، ويأتي ليلاً حين أكون نائمةً".
وتستطرد سارة (37 عاماً)، بالقول إن الزواج مسؤولية كبيرة جداً، لم تكن تدرك حجمها الحقيقي: "بصراحة زوجي له الحق في أن يفقد الرغبة في ممارسة الجنس معي. لقد فقدت الرقة التي جذبته إليّ قبل الزواج، وأصبحت طوال الوقت أصرخ في وجه الأولاد وشديدة العصبية، ولا أستطيع في ظل كل هذه الضغوط ومطالب الحياة، أن أهيئ جوّاً رومانسياً يعيد إلينا شغف علاقتنا، على الرغم من أنني ما زلت أحلم بقضاء ليلة مميزة معه في غرفة النوم بعيداً عن التوترات، وأن أقوم برش العطر الذي يحبه وارتداء الملابس التي تثيره ولكنني استسلمت للواقع الصعب، 'لأن مفيش وقت'".
ظروف صعبة
لم تختلف ردود الرجال عن مبررات النساء، إذ يقول ياسر الذي يعمل في شركة تطوير عقاري، ويعيش في حي الدقي في الجيزة: "طلبت من زوجتي في بداية زواجنا تأجيل الإنجاب، حتى نستمتع بحياتنا لفترة، لكنها رفضت 'وجبنا طفل ورا التاني، لحد ما هجرنا غرفة النوم وبقينا بنّام كلنا في أوضة العيال، وآخرنا نقضيها أحضان وهما نايمين، وبنبقى خايفين يقفشونا'، ومهما بلغت رغبتي في العلاقة أصبح مضطراً إلى إخمادها".
ويتابع الرجل الأربعيني بالقول: "لا تسمح لي الظروف الاقتصادية بحجز ليلة في أحد الفنادق، أو السفر مع زوجتي إلى أي مكان لاستعادة شغفنا ببعضنا البعض بعيداً عن الأولاد ومطالبهم".
"الأولاد ومطالبهم واخدين كل وقتنا وطاقتنا أنا وجوزي مشغولين طول الوقت بتلبية طلباتهم ونسينا نفسنا"
ويضيف لرصيف22: "لم يكن في مخيّلتي هذا السيناريو السيئ لعلاقتي مع زوجتي، فالعمر يمر والوضع كما هو، اليوم كله مرهون للشغل والأولاد".
في السياق نفسه، يقول محيي غريب (اسم مستعار)، الذي يعمل في مجال التسويق الإلكتروني ويعيش في وسط القاهرة: "ترى زوجتي أن أي شيء بعيد عن الأبناء هو تقصير في حقوقهم، وعادةً تتجاهل طلبي بممارسة الجنس معها أو تطلب تأجيله، وعند إلحاحي تتهمني بالأنانية".
ويكمل محيي (38 عاماً): "الحقيقة أن زوجتي أهملت نظافتها الشخصية وهندامها، وأعرف أنها تتهرب مني خشية أن أراها في وضع لا تحبه يفقدها ثقتها بنفسها أمامي، لذلك لا أحب أن أضعها في مثل هذا الموقف".
في حديثه إلى رصيف22، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية الدكتور سعيد صادق، أن أكثر من نصف المتزوجين تتراجع ممارسة العلاقة الحميمة بينهم تدريجياً بسبب ضغوط الحياة الاقتصادية والمعيشية والقلق المالي، وضغوط العمل، والإجهاد الجسدي والنفسي والتقدم في السنّ والمرض وتغير المزاج.
ويضيف صادق أن الرغبة وقوتها وتوقيتها قد تختلف بين الزوجين، كما أن الشجار يغيّر المزاج، ويؤثر على العلاقة الزوجية، بالإضافة إلى تراجع أساليب الإثارة التي كانت موجودةً في بداية الزواج، ودخولها مرحلة الروتين والواجب، لا الرغبة المتبادلة، بينما تتحسن الممارسة إذا غاب الأطفال عن المنزل.
ويكشف خبير علم الاجتماع، أن الإثارة تضعف مع التكرار وانتهاء الخصوصية بين الزوجين، مما يقلل من درجة الإثارة: "إن وتيرة العلاقة الحميمة تتراجع ولا تصبح أولويةً، لكن في المقابل قوة التفاهم والاحترام المتبادل، والرضا عن العلاقة واستقرارها، تكون أقوى، ففي العلاقة الزوجية هناك روابط تربط أكثر من العلاقة الحميمة وعدد ممارستها والرضا عنها".
وفي هذا السياق، يقدّم صادق مجموعةً من النصائح إلى الأزواج لتنشيط الرغبة الجنسية واستعادة الحميمية الزوجية:
- إجازة شهر عسل من دون أطفال أو عمل.
- تخصيص وقت ليكون الزوجان أكثر قرباً من بعضهما البعض.
- التجديد في أساليبهم وتغيير أماكن ممارسة العلاقة الجنسية والملابس وطرق الإثارة والتعبير بكلمات حب أكثر.
- التركيز على درجة الرضا على العلاقة الحميمة لا على عدد المرات.
من جانبها، تقول استشارية في أمراض النساء والتوليد والإرشاد الأسري، د. سحر عبد العال حامد: "إن الانشغال بالأولاد والظروف الاقتصادية تؤثر على العلاقة الحميمية، لأن الإنسان حصيلة ما يتعرض له خلال اليوم، فلو كان ذهنه مشغولاً طوال الوقت، وكان مرهقاً، فمن الطبيعي ألا يكون لديه ميل إلى العلاقة الزوجية، لكن يجب ألا نضع مشكلاتنا أمامنا طوال الوقت كي نستطيع العيش بشكل طبيعي".
وتضيف عبد العال لرصيف22: "كبح الرغبة في ممارسة العلاقة الحميمية، وضيق مكان المعيشة، أو وجود الأولاد، أو العيش في بيت العائلة، تتسبب في إرهاق بدني ونفسي وتوتر للزوجين".
وتضيف: "لا فرق بين الرجل والمرأة في الاحتياج إلى ممارسة العلاقة الحميمة، لكن المجتمع الذكوري يعطي الرجل الحق في أن يعبّر عن احتياجه في حين يعدّ تعبير المرأة عن مشاعرها ورغباتها الجنسية نوعاً من العيب"، مشددةً على أن إهمال العلاقة الجنسية لفترات طويلة يؤثر على هرمونات الجسم وعلى الحالة النفسية ويتحول الزوجان إلى أشقاء أو مجرد شركاء في السكن.
"لا فرق بين الرجل والمرأة في الاحتياج إلى ممارسة العلاقة الحميمة، لكن المجتمع الذكوري يعطي الرجل الحق في أن يعبّر عن احتياجه في حين يعدّ تعبير المرأة عن مشاعرها ورغباتها الجنسية نوعاً من العيب"
من جانبها، تحذّر الاستشارية في العلاقات الزوجية والإرشاد النفسي د. نادية جمال، من أن يتحول الزوجان إلى موظفَين في شركة: "إلى جانب الواجبات والمسؤوليات، هناك احتياجات ورغبات عاطفية ونفسية وجنسية يجب أن تلبّى وسط زحمة الحياة".
وتؤكد جمال أن الشيء الذي قد يمكّننا من تجاوز الإجهاد البدني والذهني ونسيانه بعد يوم عمل مرهق، هو ممارسة علاقة جنسية حميمة، "وهو ما يمنح كلا الطرفين طاقةً لمواصلة الحياة بنشاط وحيوية وهدوء وسلام نفسي".
هذا وتختم حديثها بالقول: "إن تناسي هذه الحقوق بحجة عدم وجود وقت، يزيد من المتاعب والضغوط والخلافات الزوجية"، مؤكدةً على ضرورة السعي إلى تجديد العلاقة الزوجية من خلال تغيّرات بسيطة حسب إمكانات كل شخص.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين