شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
إلى متى سنبقى متحرّرين ومتحرّرات في غرف نومنا فقط؟

إلى متى سنبقى متحرّرين ومتحرّرات في غرف نومنا فقط؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الثلاثاء 11 أبريل 202310:29 ص

إلى متى سنبقى متحرّرين ومتحرّرات في غرف نومنا فقط؟

استمع-ـي إلى المقال هنا


غالباً ما يهرب النّاس في مجتمعنا من كلمة "التحرّر"، فيتفادون استخدامها ويستبدلونها بعباراتٍ دبلوماسية أخرى، كالانفتاح المفرط، تأثيرات العولمة، والهيمنة الغربية على الشّرق، وغيرها من المصطلحات الاتهامية. لطالما اعتاد مجتمعنا على تحميل الغرب ما يكرهه في نفسه، وكأنّ الأخير مسؤول عن معركته المجتمعية الوجودية التي يخوضها.

منذ هجوت أبجديتي الأولى واجتزت عتبة الباب الأوّل لهذا المجتمع، وأنا أسمع العيب صدى للتحرّر. منذ تلك اللحظة، بدأتْ رحلة بحثي عن سبب تحميل هذه الكلمة كلّ هذه البشاعة، علماً أنّ معناها لا يمت للبشاعة بأي صلةٍ.

من منّا، كنساء مجتمعنا الشّرقي اللّبناني، لم تسمع عبارة "صايرة متحرّرة زيادة عن اللّزوم"، إلى جانب عباراتٍ أخرى، أقنعتنا ولو للحظةٍ واحدةٍ أنّ أفكارنا تخوننا، وما يجري في رأسنا يجب أن يختفي، فطردنا كلّ فكرة غير مقيدة راودتنا. ومنذ ذلك الوقت، سرنا في الحياة وأفكارنا المتحرّرة اجتازت حواجز عقولنا ولكنّها لم تتغلّب على حواجز المجتمع، فباتت مسجونة في أجسادنا، تجري في شراييننا، تثور في عيوننا، وفي كلّ مرّةٍ تعاودنا، نجابهها في الخفية. وبعدما كبرنا، اكتشفنا أنّ في كلّ مرّة رفضناها، خلعنا حقّاً من حقوقنا...

إلى متى سنتجاهل طرح الحقوق والصّحّة الجنسية والإنجابية، في الوقت الذي نجالسها في يومياتنا وعلاقاتنا؟ لماذا نقبل أن نعالج أمورنا الجنسية خفية فيما نطلق حروبنا في العلن؟

إلى متى سنتجاهل طرح الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية، في الوقت الذي نجالسها في يومياتنا وعلاقاتنا؟ إلى متى سنبقى متحرّرين ومتحرّرات في غرف نومنا فقط؟ لماذا نقبل أن نعالج مشاكلنا وأمورنا الجنسية خفية فيما نطلق حروبنا في العلن؟ أهكذا سنبقى، نحبّ بالسّرّ ونبغض في العلن؟ نكتشف ذواتنا خلف السّتائر، نلبّي مطالب المجتمع دون أن نعي ماذا نريد؟

لتحرّرنا في الخفية تداعياتٌ صحّية ونفسية واجتماعية تدفعنا إلى الهاوية، تشرذمنا عن أنفسنا، نهرب منها فتطاردنا، وتشاطرنا أنفاسنا وتشكّل خطر على أجسادنا وعلى حياتنا.

إنّ جوهر التحرّر هو حق الاختيار.

فالتحرّر ليس بخلع الملابس، ولا بالابتذال، ولا بالتخلّي عن القناعات الشّخصية للانجرار خلف ما لا نحبّذه أو نؤمن به؛ هو ليس باستيراد حياةٍ لا تشبه حياتنا ولا تغيير حياتنا إلى ما لا نقتنع به. إنّ عدم تعريفنا للتحرّر على الصّعيد الاجتماعي أودى بنا إلى استنتاج تعريفات تتلاءم والأحكام الاجتماعية وتغذّيها. فضلاً عن ذلك، فقد ضاعف الترديات النّاتجة عنه، أي صعّب الوصول إلى الخدمات الطّبية والاجتماعية والنّفسية والسّعي إلى تأمينها. وبالتالي، وضعت المناصرة لهذه الحقوق في خانة اتهامية، بحيث أصبح كلّ شخصٍ ينشر التوعية الجنسية ويطالب بالحقوق الجنسية والإنجابية ينادي بغير المألوف وغير المقبول، وفقاً لمعايير هذا المجتمع.

يكمن التحرّر في المعرفة والاحترام؛ في معرفة ما هي حقوقنا الجنسية والإنجابية، في التوعية الكافية على الصحّة الجنسية والإنجابية وكيفية حمايتها بالاعتناء بأجسادنا. بذلك، تكتمل رحلة اكتشاف الذّات التي نباشرها منذ نفسنا الأوّل، فالتحرّر، ببساطة، وبشكلٍ عام، هو تصديق وإقرار واحترام الحقوق الشّخصية وحقوق الآخرين.

إنّ جوهر التحرّر هو حق الاختيار. فالإنسان المتحرّر يجالس حقوقه وحقوق الآخرين، يدافع عنها، ويمارس قناعاته الشّخصية، ويحترم ممارسات الآخرين دون أن يعادي من يغايره. فإنّ صمتنا لفترةٍ طويلة، وسجن تطلّعاتنا بين جدران منازلنا، دعّم مقاومة المجتمع لأفكارنا الثّائرة على نفسها. شكّل هذا الاعتكاف المزدوج حالة ضياعٍ لدى الأجيال الجديدة التائقة للتغيير من خلال التصالح مع الذّات والمجتمع، والطّامحة لتحويل العلاقة الاجتماعية لتشبه ما نؤول إليه، أي الإنسانية الحقيقية، التي لم تتجرّأ منطقتنا حتى اليوم أن تعترف بها أولويةً.

من منّا، كنساء مجتمعنا الشّرقي اللّبناني، لم تسمع عبارة "صايرة متحرّرة زيادة عن اللّزوم"، إلى جانب عباراتٍ أخرى، أقنعتنا ولو للحظةٍ واحدةٍ أنّ أفكارنا تخوننا، وما يجري في رأسنا يجب أن يختفي، فطردنا كلّ فكرة غير مقيدة راودتنا

عندما يدور الموضوع حول الصحّة والحقوق الجنسية والإنجابية تصبح مجتمعاتنا كأمّهاتنا، تصمت، لا تتجرّأ على البوح بالرّغم من أنّها تعلم وتدرك وتشعر. تصمت مجتمعاتنا وتتفرّج علينا، شباب وشابّات، كأطفالٍ نسائل أمّهاتنا ونخبرهنّ عمّا نحسّ ونختبر في أنفسنا وهنّ يجبننا بحذر، ويخترن كلماتهنّ من معجم اجتماعي، يحاولن من خلاله تحجيم أفكارنا ومشاعرنا لئلّا نلقى مصيرهنّ.

ففي صخب العواصف الاجتماعية والسّياسية ومعاركنا الوجودية اليومية، وغياب مجتمعاتنا عن الاعتراف بحقوقنا الجنسية والإنجابية، وفي ظلّ سكوت بيئتنا، ومقاومة أفكارنا المتحرّرة سرّاً، ملنا إلى تبنّي ما ترسله إلينا مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات والمنصّات المنبثقة عن الفكر الغربي. نتأرجح بدورنا، بين التحرّر المطلوب وخطر التحرّر المفرط. أصبحنا باللاوعي منجذبين ومنجذبات إلى ما يبعث إلينا لأنّه يتهمنا بالتخلّف، ويتحدّانا، فنريد أن نثبت له العكس. ملنا إلى تصديق كلّ ما تبثّه الشّاشات، وإلى الاقتناع أنّها ترسم لنا طريق التحرّر الخلاصي. ما أخشاه هو أنّ هنا أيضاً، نفقد حقّ الاختيار، لكن هذه المرّة ليس بسبب قمعٍ مجتمعي، إنّما ثقلٍ تفرضه المبالغة ويقوده الإفراط، ويكاد أن يبدّل كلّ المعايير في معركتنا مع أنفسنا ومع مجتمعنا.

كيف لإنسانٍ أن يختار ويناصر لخياراته دون أن يحظى ببيئةٍ متصالحة مع كلّ الخيارات وحاضنة لها؟

فكيف لإنسانٍ أن يختار ويناصر لخياراته دون أن يحظى ببيئةٍ متصالحة مع كلّ الخيارات وحاضنة لها؟ كيف لإنسانٍ أن يبني قناعاته في ظلّ وجود قناعة واحدة معترف بها وغير قابلة للتبديل؟ كيف لنا أن نختار وخياراتنا مقرّرة قبل ولادتنا؟ الغاية من التحرّر هي إدراك الإنسان أنّ من حقّه أن يختار، ومن حقّه أن تحترم قناعاته بغضّ النّظر عن طبيعتها. يأتي التحرّر بالفكر دون دفتر شروطٍ، فالمرأة مثلاً، ليست بحاجة أن تكون ناشطة جنسياً قبل الزّواج لتعتبر متحرّرة، فالتحرّر هو في التصالح مع القناعات الشّخصية دون محاولة إلغاء قناعات الغير وبالتالي التصدّي لحقوقه.

إنّ إشكالية تعريف التحرّر في مجتمعنا وضعتنا وسط صراعٍ بين التحرّر المطلوب الذي يحمي صحّتنا ويعزّز حقوقنا الجنسية والإنجابية ويقلّص مشاكلنا، وبين التحرّر المفرط الذي من شأنه أن يضاعف معاركنا. وبما أنّ المبالغة والإفراط هما نتيجة الحرمان والنّقص الفادح في الحقوق، حان وقت التعامل مع الحقوق الجنسية والإنجابية كحقوقٍ للإنسان، لأنّ مجتمعنا لا يزال حتى اليوم رافضاً أن يخلع قناعه ليراها بعينٍ حقوقية.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image