تداولت شبكات التواصل الاجتماعي في إيران قبل أيام قليلة، مقطع فيديو لمتجر بيع الألبان في منطقة شانديز السياحية شمال شرق البلاد، هاجم فيه رجلاً سيدتين (أم وابنتها) كانتا دون غطاء الرأس، فأخذ علبة من لبن الزبادي من فوق أحد الرفوف ورمى به غاضباً على رأسيهما بعد أن تحدث إليهما، ويبدو أنه نصحهما بارتداء الحجاب.
وتدخل صاحب المتجر وباقي الزبائن بالدفاع عن السيدتين، إذ طردوا الرجل المتشدد إلى الخارج، وقوبل عمله بالغضب من جانب المجتمع الإيراني بعد أن تعمد صاحب المتجر بنشر هذا المقطع للتشهير بهذا العمل السيئ.
وبعد موجة الغضب والتنديد التي عمت منصات التواصل، أعلنت النيابة العامة في المنطقة عن توجية أوامر لإلقاء القبض على الرجل المهاجم بتهمة الإخلال بالنظام العام، وكذلك حجز السيدتين بتهمة السفور، وهو أمر محظور في الجمهورية الإسلامية.
كما أضافت وكالة ميزان للأنباء التابعة للسلطة القضائية بأن "تعليمات" صدرت لصاحب المتجر بضمان تطبيق قانون الحجاب، بيد أن مصادر محلية أخرى أكدت أن السلطات أغلقت المتجر ليلاً وحجزته لساعات معدودة، قبل أن تسمح بفتح المحل وتطلق سراح صاحبه بعد تضامن على منصات التواصل.
أعلن حسين جلالي، سكرتير لجنة الثقافة في البرلمان الإيراني، أن هناك توافقاً قد حصل بين مؤسسات البلاد كالسلطات الثلاث، والشرطة ومجلس الأمن القومي والمجلس الأعلى الثقافي حول تطبيق "قانون الحجاب والحياة العفيفة"
وفي اليوم التالي رحب الكثير بخطوة صاحب المتجر، وأرسلوا له باقات الورد وتلقى عشرات الاتصالات لتقديره من موقفه في دعم السيدتين ضد الرجل المهاجم.
موجة إغلاق المحلات والأماكن العامة
كثفت السلطات الإيرانية في الأيام الأخيرة من تهديداتها ومواجهتها للعصيان المدني الحالي الذي يتضمن عدم مراعاة الحجاب الإلزامي الذي تسرب إلى جميع المدن والأحياء في عموم البلاد. ومن خطط السلطات الإيرانية هي الاعتماد على إغلاق المحال التجارية والخدماتية والمراكز الثقافية والفنية التي تدخلها الفتيات دون حجاب، مطالبين أصحاب هذه الأماكن بالحد من دخول الزبونات دون غطاء الرأس إلى مجموعاتهم.
وحتى الآن تم إغلاق مئات الأماكن، خاصة السياحية منها في عطلة رأس السنة الإيرانية الجديدة. وفي هذا السياق، أعلن أحد قادة الحرس الثوري في مدينة كاشان السياحية وسط إيران، كريم أحمدي، عن إغلاق أكثر من 40 وحدة تجارية بسبب عدم التزام عملائها بالحجاب في تلك المدينة. ولا زالت هذه الخطة متواصلة في إيران حتى اللحظة.
وأوضح أحمدي أن منتسبي الحرس الثوري ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجرون زيارات ميدانية للمحال التجارية لمتابعة وضع حجاب السيدات عن كثب وإصدار الأوامر اللازمة، حيث تم تفقد 600 محل تجاري في مدينة كاشان، والعملية مستمرة في عموم البلاد.
ويجري ذلك في ظل أجواء اقتصادية هشة بالنسبة للمواطنين الذين يعانون من التضخم الحاد وانخفاض شديد في قيمة العملة الإيرانية. وانتقد الصحافي والمحلل السياسي الإصلاحي الإيراني، أحمد زيد آبادي، ظاهرة إغلاق المحلات، وقارن بين إضراب السوق أيام الاحتجاجات الأخيرة والذي كان تواجهه السلطات بصرامة، والتأكيد على بقاء المحلات مفتوحة.
وتأتي هذه الأحداث بعد أشهر قليلة من مظاهرات عصفت بإيران للمطالبة بإنهاء إلزام النساء بارتداء الحجاب في الأماكن العامة. ويحظر على النساء في إيران الظهور في الأماكن العامة سافرات.
وخلال أيلول/سبمتبر الماضي، اجتاحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عاصفة من المظاهرات بعد وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً)، أثناء احتجازها لدى شرطة الحجاب في العاصمة طهران بتهمة عدم ارتداء الحجاب المناسب.
واتسع نطاق المظاهرات إلى إصلاحات شاملة في النظام الإسلامي أو تغييره حتى، ولكنها ظلت في الأساس متمحورة حول قضية الحجاب والحريات الفردية، خاصة للنساء. واعتقلت السلطات نحو 80 ألف، وقُتل ما يزيد على 500 شخص، وأعدمت المحكمة 4 أشخاص بتهمة المحاربة.
لا تعليم من دون حجاب
في ظل ظاهرة رفض النساء في إيران ارتداءَ الحجاب، ووسط تحذيرات وانتقادات رجال الدين والمتشددين في البلاد من هذه الظاهرة، أصدرت وزارة الداخلية الإيرانية بياناً أكدت فيه أنه لن يكون هناك تراجع أو تسامح بشأن الحجاب وأن "الحجاب لا يزال عنصراً أساسياً في الشريعة الإسلامية وبالتالي سيظل أحد المبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية".
ووصف بيان وزارة الداخلية بأن الحجاب "أحد الأسس الحضارية للشعب الإيراني ولن يكون هناك تراجع أو تسامح بشأن هذه القضية"، وحثت هذه الوزارة المواطنين على مواجهة النساء غير المحجبات.
هذا وأصدرت وزارتا العلوم والدراسات العليا والتربية والتعليم بياناً أكدتا فيه على عدم تقديم الخدمات التعليمية للطالبات اللاتي لا يتلزمن بالحجاب.
برلمانياً، شدد النائب حسين علي حاجي دليجاني، على ضرورة اتخاذ تدابير قضائية لوضع حد للاستهانة بقانون الحجاب وهي أوامر إلهية، وإن لم تفعل السلطة القضائية ذلك فسوف يتدخل البرلمان بالتصديق على قانون أكثر صرامة لمحاسبة غير المحجبات.
وأعلنت النائبة المتشددة زُهرة إلاهيان، أن النواب سيعقدون اجتماعات مع وزير الداخلية ووزير الثقافة، وشرطة الحجاب والمعنيين بمجال القضاء، حول الحجاب، وصرحت أن "الجماعات الشعبية" أي المواطنين المتدينين سيؤدون دوراً في خلق ثقافة الحجاب.
كما أشار رئيس السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين محسني في كلمة له إلى إمكانية محاكمة دون رحمة للنساء اللواتي لا يرتدين غطاء الرأس.
من جانبه أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في كلمة له، أن على الإيرانيات ارتداء الحجاب بوصفه "ضرورة دينية"، وأضاف أن "الحجاب مسألة شرعية، والتمسك به إلزامي".
وأشار الرئيس الإيراني إلى الشعور بالمسؤولية تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شهر رمضان من قبل المواطنين، وقال: "بالحجاب، ستظهر فتياتنا ونساؤنا مرة أخرى الالتزام بالقانون والمتطلبات الدينية"، مؤكداً على أن "الحجاب في إيران إلزاماً قانونياً".
وضمن السياسات الجديدة في إيران تجاه الحجاب، أكدت مصادر محلية بأن محكمة مدينة قم الدينية قضت على الممرضة مريم بني رضي بالسجن لأكثر من 8 أشهر و 148 جلدة وعقوبات أخرى لعدم التزامها بالحجاب الإجباري.
تفاصيل قانون الحجاب الجديد
هذا وأعلن حسين جلالي، سكرتير اللجنة الدينية في البرلمان الإيراني، أن هناك توافقاً قد حصل بين مؤسسات البلاد كالسلطات الثلاث، والشرطة ومجلس الأمن القومي والمجلس الأعلى الثقافي حول تطبيق "قانون الحجاب والحياة العفيفة".
وينص القانون الذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد، أن على النساء مراعاة الحجاب في الشوارع والأسواق والسيارات والقطار والطيران والمؤسسات التعليمية والمتنزهات والحدائق، وحتى في نشر صورهن على شبكات التواصل الاجتماعي، وستكون محاسبة من يخالف القانون على ثلاثة مراحل: أولاً الاكتفاء بإرسال رسالة نصية للتحذير، وإن تكرر فغرامة مالية، وإن تكرر للمرة الثالثة فستكون غرامة مالية باهظة الثمن والحرمان من معظم الخدمات الاجتماعية.
وليست هناك تفاصيل أكثر عن الغرامة المالية، ولكن أفصح نائب آخر وهو رجل دين أن أقصى عدد سيكون 3 مليارات تومان وهو ما يزيد عن 60 ألف دولار. أما حول الخدمات الاجتماعية فكانت هناك تسريبات غير رسمية تشير إلى الحرمان من الخدمات المصرفية والنقل العام والحظر من مغادرة البلاد وغيرها.
هناك تحذيرات عديدة من جانب الشخصيات الإصلاحية والمعتدلة والناشطين، بأن التصريحات التي يطلقها المسؤولون وبعض من شخصيات التيار المتشدد تؤدي إلى انقسام في المجتمع الإيراني
هذا وما زال التحدي بين الحكومة والمجتمع مستمراً حتى اللحظة، وتظهر مقاطع الفيديو والصور على منصات التواصل تصاعدَ الإحباط والغضب من القيود التي لا تزال قوة قاهرة في المجتمع الإيراني.
تحريض على الاشتباكات الشعبية
وتحرض تصريحات المسؤولين ورجال الدين على الاشتباكات الشعبية بين المواطنين/ات المتشددين/ات دينياً وبين من لا تلتزم بقيود قانون الحجاب، وهذا ما تم فعلياً خلال الآونة الأخيرة في أكثر من مدينة إيرانية. وهناك تحذيرات عديدة من جانب الشخصيات الإصلاحية والمعتدلة والناشطين، بأن التصريحات التي يطلقها المسؤولين وبعض من شخصيات التيار المتشدد تؤدي إلى انقسام في المجتمع الإيراني، ومن الممكن أن تشهد البلاد أحداثاً مشابهة لصب اللبن، كما حدث مؤخراً في شانديز شمال شرق البلاد. كما حذروا من أنها يمكن أن تتوسع وتصل إلى هجمات شديدة ضد غير المحجبات بطرق أخرى كـصب المواد الحارقة عليهن.
من ضمن هذه التصريحات المحرضة التي أثارت جدلاً في الأيام الأخيرة، هي تغريدة خطيب جمعة مدينة لاهيجان (شمال البلاد) جواد سليماني، التي كتب خلالها متهكماً: "من لاهيجان إلى المركز. هل تسمعون صوتي؟ المدينة قد سقطت"، تلميحاً منه إلى أن سكان المدينة وسياحها لم يعيروا اهتماماً للحجاب. وتداولت في مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، مواجهات بين حاضرين في حديقة في عطلة السنة الإيرانية الجديدة وبين متشددين بسبب الحجاب.
وشهدت إيران في الفترة الأخيرة، إلى جانب التصريحات والمواجهات بين المواطنين، تجمعات من جانب المتشددين ضد عدم الالتزام بالحجاب في البلاد، حيث تجمعت عدد من المتشددات أمام البرلمان، مطالبات بتدخل السلطات في الأمر، كما تجمع عدد آخر من المتشددين في مدينة رامسَر (شمال البلاد)، في نفس الموضوع.
ما هو واضح اليوم بعد احتجاجات مهسا أميني أن السلطات التي كانت تطبق إجراءات صارمة بدوريات الحجاب ودوريات الأمر بالمعروف في المتاجر والأسواق والشوارع والساحات والحدائق، بحثاً عن ما تسميهن بـ"سيئات الحجاب"، وهن الفتيات اللاتي يرتدين غطاء الرأس مع إظهار شعرهن، وكذلك ملابس مفتوحة من الأمام أو الضيقة منها، باتت اليوم تواجه مواطنات أكثر جرأة لم يلتزمن حتى بذلك الوشاح، في ظاهرة متزايدة غيرت ميزان القوى واللعبة بين السلطات والمجتمع، فما تطالب به السلطات اليوم هو العودة إلى صيف العام الماضي والالتزام بغطاء الرأس حتى إن كان رمزياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون