شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
طبيب سعاد حسني لرصيف22: لا أعرف إذا قُتلت ولكن الدولة المصرية لم تضغط لمعرفة مصيرها

طبيب سعاد حسني لرصيف22: لا أعرف إذا قُتلت ولكن الدولة المصرية لم تضغط لمعرفة مصيرها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 26 ديسمبر 201803:30 م
ارتبط الدكتور عصام عبد الصمد، الطبيب المصري المقيم في لندن والمختص بالتخدير والرعاية المركّزة وعلاج الآلام، بعلاقة صداقة متينة مع الفنانة المصرية سعاد حسني التي تُعَدّ من أشهر نجوم السينما المصرية على الإطلاق. وحتى اليوم، لا تزال وفاة حسني عام 2001 غامضة، رغم أن القضاء الإنكليزي أكّد فرضية انتحارها. Suad_Husni_1979 عبد الصمد أصدر عام 2016 كتاباً من مقر إقامته في بريطانيا بعنوان "سعاد حسني: بعيداً عن الوطن... ذكريات وحكايات"، روى فيه شهادته على حياة "السندريلا" في بريطانيا حيث كان مقرّباً منها لما يقرب من ثلاث سنوات من أصل أربع قضتها هناك. رصيف22 حاور عبد الصمد أثناء زيارة قام بها إلى مصر، ليجيب على العديد من الأسئلة المتعلقة بحياة الفنانة الراحلة.
  • كيف تعرّفت على الفنانة الراحلة سعاد حسني؟

تعرّفت على سعاد حسني بصفتها مريضة وليس لأنها فنانة. ذهبَت في البداية إلى الدكتور هشام العيسوي، وهو من كبار جراحي الأسنان، لعلاج أسنانها، ولكنها في نفس الوقت كانت تحتاج طبيباً للآلام لأنها كانت تعاني من بعض المشاكل الصحية التي تتسبب لها بآلام. أتت إليّ ومن هنا بدأت علاقة صداقتنا التي امتدت لما يقرب من ثلاث سنوات كانت خلالها صديقة لي ولزوجتي ولأولادي، وكانت فترة بقائها في لندن قبل وفاتها أربع سنوات إلا 18 يوماً.
  • ما هي الأمراض التي كانت تعاني منها سعاد حسني؟

أمراضها لم تكن كثيرة أو صعبة، وأوّلها أن ظهرها كان يتعبها لأنه كانت فيه مسامير نتيجة عملية أجرتها في فرنسا في تسعينيات القرن الماضي بعد تعرّضها لمشكلة، ولما زاد وزنها بدأت الآلام تلاحقها وهذا سبب معرفتي بها باعتباري طبيباً مختصاً بالتخدير والرعاية المركزة وعلاج الآلام. ومن ضمن الأمراض التي كانت تعاني منها كان مرض الاكتئاب الذي كان يصيبها أحياناً عندما كانت في مصر وكانت تتعالج منه، وهذا المرض كان يلازمها منذ أن كانت طفلة، كونها بدأت بالعمل منذ طفولتها والأضواء القوية على الأطفال تتعبهم وهو ما أثّر على شخصيتها فقد كانت إنسانة "خايبة" جداً، لا تستطيع مواجهة الواقع، ولما تحزن منك لا تواجهك ولكن عندما تعود إلى منزلها تكتب لك رسالة تعاتبك فيها، وحدث هذا معي فقد كانت تحزن جداً عندما لا أتصل بها فور عودتي من رحلة سفر ما، كما أنها لم تكن تملك ملكة المواجهة ولا تستطيع أن تتكلم عن شخص تعتبره سيئاً. ومن المشاكل الصحية التي لازمتها أيضاً مشكلة السمنة. هذه السمنة لم تكن مفرطة ولكنها ظهرت عليها لأنها كانت قصيرة جداً فطولها فقط 158 سنتيمتراً، أما وجهها فلم يتغير وظل جماله. وكانت تعاني من مشاكل في أسنانها ولهذا زرعنا لها أسنانها جميعاً وأنا قمت بتخديرها بنفسي. وقبل وفاتها بفترة قليلة، جدّ عليها مرض هو مرض الشلل في العصب السابع، وهو شلل يأتي ويذهب وفي بعض الأحيان لا يذهب، وكان ضعيفاً جداً لدرجة أنه من الممكن ألا تلاحظه لأن هناك فرقاً بسيطاً جداً بين نصف الوجه الأيسر ونصفه الأيمن، وكانت حزينة جداً بسبب هذا المرض.
  • لماذا تركَت السندريلا مصر وقررت العيش في لندن؟

كانت لدى سعاد حسني مشاكل عائلية كبيرة، فقد كانت واحدة من 17 أخاً وأختاً، الأم والأب انفصلا وتزوّجا بأزواج آخرين، وكانت تعيش بينهما، وأختها التي تعشقها ماتت وأثّرت وفاتها فيها جداً، وحتى عملها توقف لمّا زاد وزنها قليلاً، وكانت قلقة على مظهرها فقررت الابتعاد عن الساحة إلا أن زوجها السابق علي بدرخان أصر على قيامها بالتمثيل في آخر أفلامها فحزنت من كل هذا وقررت السفر إلى لندن بعد الاتفاق مع زوجها الأخير، كاتب السيناريو الشهير ماهر عواد، والذي ظلت على ذمته حتى وفاتها. وكان أهم ما تريد أن تتعالج منه أسنانها وظهرها وكذلك السمنة، وبالفعل دخلت مصحة لتخفيض الوزن في إنكلترا.
  • هل كانت سعاد حسني تخطط للعودة إلى مصر والعودة مرة أخرى إلى عالم الأضواء؟

بالطبع. كان من المفترض أن تعود إلى مصر في أغسطس 2001، بعد أن خفّضت وزنها... كانت لا تريد أن ترى أحداً في البداية. كانت ستنزل في شرم الشيخ وتظل هناك لفترة تقابل خلالها شقيقة صلاح جاهين ثم تتوجّه إلى القاهرة وتجلس مع زوجها حتى الاستقرار في مصر ومن ثم تنتقل إلى شقتها في الزمالك. ولكن فجأة، توفيت سعاد حسني وفشل كل شيء.
  • البعض ردد أن سعاد حسني كانت تعاني من الفقر الشديد في لندن... فما صحة ذلك؟

كانت سعاد حسني تعيش بخير في لندن وغير صحيح أنها لم تكن تجد مَن يعالجها كما ردد بعض الإعلام المصري.
  • إذاً لماذا لم تكن تمتلك شقة وكانت ضيفة دائمة على صديقتها نادية يسري وتوفيت في شقتها؟

أول ما سافرت عاشت في بيت طالبات ثم في فندق إليزابيث ثم استأجرت شقة فشقة أخرى. كانت تعيش في شقتها وحدها معززة مكرمة ولما قررت الذهاب إلى المصحة في آخر ثلاثة أشهر من حياتها تركت الشقة وكان عندها بعض الحقائب فتركتها عند صديقتها نادية يسري ولما خرجت من المصحة في يوم أربعاء ذهبت إلى شقة صديقتها وماتت يوم الخميس أي أنها لم تسكن مع نادية يسري إلا ساعات على عكس ما ردد البعض.
  • هل كانت سعاد حسني تجهّز لعودة فنية أم مجرد عودة للعيش في القاهرة؟

كانت هناك تحضيرات لثلاثة أعمال فنية، والسيناريوهات كانت معي، ومنها فيلم اسمه "الديك"، والثاني كان لمخرج صديقها، والثالث فيلم كرتون كانت ستشارك فيه بالتعليق الصوتي، وهي كلها أعمال مصرية، ووعدتها أن أنتج لها عملاً.
  • هل كانت تتحدث الإنكليزية؟ البعض قال إنها كانت لا تعرف الكتابة ولا القراءة حتى بالعربية؟

سعاد حسني لم تكن جاهلة، وكانت تعرف القراءة والكتابة، وكتبت لي رسائل كثيرة، وكانت تتحدث الإنكليزية أيضاً، ولكن بصورة ضعيفة.
  • ننتقل إلى النقطة الأهم في حوارنا. هل قُتلت سعاد حسني أم انتحرت؟

لا أعرف إذا انتحرت أم قُتلت.
  • ولكن في حلقات تلفزيونية، أكدت فكرة الانتحار.

لم أؤيد أية فرضية. نعم كنت أقرب شخص منها ولكني لا أعرف كيف ماتت، وأنا حزين لأن المحكمة قالت إنها ماتت انتحاراً، لأن المفروض أن يكون الحكم مفتوحاً: ممكن يكون موتها قتلاً أو انتحاراً. أنا لا أعلم ما هي الحقيقة مثلي مثل الجميع.
هل القضاء البريطاني أهدر حق سعاد حسني في اعتبارها منتحرة لا مقتولة؟... حوار مع الدكتور عصام عبد الصمد، الطبيب المصري المقيم في لندن والذي ارتبط بعلاقة صداقة متينة مع الفنانة المصرية الراحلة
هل كانت سعاد حسني تخطط للعودة إلى مصر والعودة مرة أخرى إلى عالم الأضواء قبل وفاتها؟... حوار مع الدكتور عصام عبد الصمد، الطبيب المصري المقيم في لندن والذي ارتبط بعلاقة صداقة متينة مع الفنانة المصرية الراحلة
  • هل تحدثت سعاد حسني عن أمور سياسية شاركت فيها قد تكون سبباً في قتلها؟

لا. لم تتحدث في هذا الأمر، وكانت تعيش حياتها بصورة طبيعية جداً وتجهّز لمستقبلها، ولا أتذكر أنها حدثتني عن موضوع سياسي يتعلق برئيس أو وزير كما كان يردد الإعلام لتبرير وفاتها والتأكيد على فرضية مقتلها.
  • هل القضاء البريطاني أهدر حق سعاد حسني في اعتبارها منتحرة لا مقتولة؟

العيب ليس من بريطانيا. العيب منا نحن، لأننا تركنا الأمور ولم نضغط جيداً حتى نعرف حقيقة ما حدث لسعاد حسني. المحققون ظلوا عامين يحققون في وفاتها. كان المفروض أن نغذّيهم بمعلومات أكثر. كل المعلومات التي ذهبنا بها إلى المحكمة كانت معلومات إعلام، أي من جرائد ومجلات، فكانت مهزلة، والمهزلة الأكبر أن بعض المسؤولين عن القضية لم يكونوا يتحدثون الإنكليزية من الأساس وكان القاضي يحتاج إلى مترجم ليتواصل مع الطرف المصري وهذا بالطبع أثّر كثيراً على مسار القضية. هذا بجانب عدم وجود ضغط قوي من الدولة المصرية لمعرفة مصير مواطنتها.
  • بحسب معرفتك بشخصية سعاد حسني، هل من الممكن أن تنتحر؟

كل شيء ممكن. الانتحار لا يكون لحظياً ولكن يسبقه إعداد وتفكير قوي فيه. قبلها بيوم هاتفتني ولم يكن هناك أي شيء غريب، ولم استشف أية رغبة أو أية نية لديها في الانتحار. وسعاد توفت يوم الخميس (في 21 يونيو) ليلاً الساعة 9:11، وكان المفروض أن أذهب إليها يوم السبت حتى تقضي معنا عطلة السبت والأحد ولكن حدث ما حدث.
  • هل قصة اتصال سعاد حسني بك قبل وفاتها بأشهر والتي ذكرتها في كتابك تُعتبر استعداداً نفسياً للانتحار؟

لا. الاتصال كان ودياً بين أصدقاء. تبدأ القصة عندما أصابتني جلطة لما سافرت إلى مصر فأخذوني إلى لندن في طائرة مخصصة فكلمتني لتطمئن عليّ وقالت لي: ماذا ستفعل لي لو مت قبلك؟ وماذا تريدني أن أفعل لو أنت مت قبلي؟ طلبت مني إذا ماتت قبلي أن أكتب عنها وأقول ما حصل بالضبط وأن أزورها، وأنا طلبت منها أنها تزورني في حديقة منزلي لأني سأدفن فيها كوني أخاف من المقابر ولو وُضعت فيها سأموت من الرعب، فضحكت.
  • كيف عرفت بوفاتها؟

وقع عليّ الخبر كالمصيبة. عرفته من سفير فلسطين في إحدى الدول الإفريقية وهو صديقي علي حليم الذي كلّمني وقال لي إن سعاد حسني توفت. قلت له: إشاعة كالعادة، إلا أنه أكد الأمر وبدأت تتهافت الاتصالات عليّ وانقلبت الدنيا رأساً على عقب.
  • ماذا فعلت فور تأكدك من وفاتها؟

أخذت إجازة فور وفاتها، وذهبت أنا وزوجتي إلى نادية يسري وقصّت لي ما حدث ورأيت البيت ورأيت الغرفة ورأيت كل شيء قبل أي شخص. كل هذا شاهدته يوم الجمعة أي بعد ساعات من وفاة سعاد حسني. بذلت مجهوداً كبيراً من أجل البحث عن الحقيقة، ولا أريد الإدلاء بمعلومات عن ذلك للإعلام.
  • لهذا السبب كتبت كتابك؟

نعم، فقد كانت وصيتها، وحرصت على تنفيذ ما طلبته مني فجمعت قصصنا ولقاءاتنا وحكاوينا معاً، ورويتها في كتاب.
  • ماذا كانت تفعل سعاد حسني في زيارتها لك ولزوجتك؟

كانت لما تجلس معنا تشغّل أفلامها القديمة كي نعرفها أكثر، خاصة أنّي لم أكن متابعاً لها عندما كانت ممثلة كبيرة في مصر. وكانت تحكي عن حياتها الشخصية وزواجها أكثر من مرة وصدمتها أكثر من مرة، وأكدت لي زواجها من عبد الحليم حافظ وكان هذا الزواج عرفياً خوفاً من العندليب على جمهوره فاستفزها الأمر وقالت له إن لديها جمهوراً أيضاً سيحزن من زواجها وقالت له إن لديها جمهوراً أكبر من جمهوره، وتقريباً تزوجا في المغرب. قصت لي العديد من القصص عن حياتها. أتذكر أيضاً أنها كانت تجلس على الأرض وتستند على بعض الأرائك لأن ظهرها كان يتعبها، وبجوارها بعض الكتب وكذلك القهوة. هي كانت عشوائية حتى في جلساتها. كنت انتقدها في هذا فكانت تضحك جداً ولما تضحك كثيراً تدمع عيناها.
  • مَن من الممثلين كانت تحب؟

كانت دائماً تتحدث عن نادية لطفي وكانت تحبها جداً، وكانت تحب جداً الفنان الكوميدي الكبير محمد هنيدي وقالت إنها تتمنى تمثيل فيلم معه ووعدتها أن أنتج لها هذا الفيلم فور عودتنا إلى مصر.
  • هل مثلت سعاد في بريطانيا؟

بشكل محترف؟ لا. ولكني أتذكر آخر مشهد جسدته. كنّا في جلسة مع دكتور شهير في علم الأجنة. ألّفنا مسرحية سريعة من تأليفنا وإخراجنا وتمثيلنا، وكانت عن علم الاستنساخ وأسميناها علم الاستوساخ، وغيّرنا اسم أطفال الأنابيب إلى أطفال البراميل، وجسدنا مشاهد مضحكة لدرجة أنها طلبت مني أن أتوقف عن التمثيل لأن وجهها آلمها بسبب الضحك المتواصل ثم ضربتني على رأسي بقوة بسبب استمراري في التمثيل وواصلنا الضحك حتى الساعة الثانية صباحاً، فأوصلناها إلى المنزل، أنا وزوجتي، ثم أرسلت إليّ فاكساً لتشكرني على هذه السهرة الجميلة.
  • ما هي الأغاني التي كانت تغنيها دائماً لكم؟

كانت تغني لزوجتي دائماً "يا واد يا تقيل". كانت تعشق هذه الأغنية جداً.
  • هل أنجبت سعاد حسني، فالبعض ردد كثيراً قصة إنجابها؟

لم تنجب سعاد حسني وكانت حزينة جداً بسبب ذلك، وللعلم هي حملت مرة وسقط الجنين منها ولم تحمل مرة أخرى ولذلك رفضت تمثيل أدوار الأمومة لأنها لا تملك هذه العاطفة ولم تختبرها.
  • في النهاية، كيف رأيت المسلسل الخاص بقصة حياة السندريلا؟

لم أتابعه. لن أصدّق عن حياة سعاد إلا ما حكته لي وما كتبتُه في كتابي.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image