شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أقدم من وجود الملك فاروق في قصر رأس التين… جولة في الأنفوشي الإسكندرانية

أقدم من وجود الملك فاروق في قصر رأس التين… جولة في الأنفوشي الإسكندرانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتنوّع

السبت 15 يوليو 202302:42 م

تُعدّ منطقة "بحري"، من أقدم مناطق مدينة الإسكندرية المطلّة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبالرغم من صغر مساحتها، إلا أنها تضمّ الكثير من المناطق السياحية والأثرية والتاريخية، ومن أهم ما يُعبّر عن طبيعة المكان، حلقة سمك الأنفوشي التاريخية، التي تُعدّ أهم أسواق بيع السمك بالجملة في الإسكندرية وأقدمها.

يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1834، فهي من معالم الإسكندرية البارزة، وعبارة عن وثيقة تاريخية تسرد مظاهر الحياة الإسكندرانية، من التمسك باللهجة الإسكندرانية الشهيرة وصولاً إلى المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد، وتُعبّر عن الاعتماد على مهنة الصيد كمصدر أساسي للرزق في هذه المنطقة، ويقع مقرها في الطريق بين قصر رأس التين وقلعة قايتباي الأثرية.


وتضم منطقة "بحري"، التابعة لحي الجمرك في وسط مدينة الإسكندرية شمال مصر، العديد من المباني الأثرية التي شُيّدت قبل زمن بعيد، وأيضاً فيها أقدم المساجد والكنائس التي شُيّدت قبل عقود في عصور مختلفة، وتُظهر المنطقة مظاهر العادات الأصلية واللهجة القديمة للسكان الأصليين لمدينة الإسكندرية. ومن المعروف عن الإسكندرية أنها محافظة جاذبة للسكان ويقطن فيها الكثير من سكان المحافظات المصرية الأخرى، وهنا يظهر الفرق واضحاً جلياً بين السكان الأصليين والوافدين إلى المنطقة.

ولأن ساحل البحر مكوّن أساسي في طبيعة هذه المنطقة، أصبحت المهنة الرئيسة للسكان الأصليين لمنطقة "بحري"، هي مهنة الصيد وكل ما يتفرع منها، مثل صناعة أدوات الصيد من مراكب وشبك وصنارات، وبيعها، وتحتوي الأنفوشي على أقدم ورش لتصنيع المراكب والسفن واليخوت في مصر كلها.

يعود تاريخ ورش صناعة السفن في هذه المنطقة إلى ما يزيد عن مئة عام. هي قديمة العهد بحيث أنها أقدم من وجود الملك فاروق في قصر رأس التين

يرجع أصل مهنة صناعة السفن ومؤسسيها في مصر تحديداً إلى منطقة الأنفوشي، التي عُدّت المدرسة الأولى لتعلّم الصناعة، فكل من تعلم الحرفة تعلّمها فيها ثم انتقلت إلى مدن مصرية أخرى مثل رشيد والغردقة ومرسى علم وغيرها.

ويعود تاريخ ورش صناعة السفن في هذه المنطقة إلى ما يزيد عن مئة عام. هي قديمة العهد بحيث أنها أقدم من وجود الملك فاروق في قصر رأس التين، ويُقال إنها أُنشئت في الأساس لتكون ترسانةً بحريةً لمواجهة تحديات الحروب ومخاطرها، وقد أسسها محمد علي باشا.

قديماً، كان مقر ورش صناعة السفن بجوار قصر الملك فاروق "قصر رأس التين"، ولكن الملك أمر بنقلها إلى منطقة الأنفوشي لأنها كانت تُسبب له الإزعاج لقربها من القصر وما تصدره من ضوضاء في أثناء العمل.

خلال جولة في المنطقة، التقينا بعمداء المهنة في الأنفوشي؛ أحدهم من صُنّاع السفن المَهَرة ويُدعى إبراهيم القبطان، يعمل في المهنة منذ أكثر من 50 عاماً، فهي مهنة آبائه وأجداده. نشأ وسط الورش على ساحل البحر، ولم يتقن مهنةً غيرها في حياته، بل لم يعرف بوجود مهن أخرى في الحياة مذ كان صغيراً وحتى أصبح شاباً.

تحدثنا معهم عن مهنة صناعة السفن وأسرارها، فوصفوها بأنها هواية قبل أن تكون مهنةً، وشرحوا لنا بالتفاصيل ماهية الأدوات المستخدمة في الصناعة، وأيضاً شرحوا خلال حديثهم إلى رصيف22، كل مرحلة من مراحل تصنيع السفينة.


ذكر القبطان، أن السفينة تُصنع من خشب شجر مصر، مثل شجر التوت، وأضاف: "نأتي به من أماكن مثل منطقة سيدي سالم في محافظة كفر الشيخ في دلتا مصر، ومنطقة المطرية في محافظة القاهرة، وهي أماكن متخصصة في خشب الشجر، أما كمية الخشب المستخدمة فتتوقف على طول السفينة لأن المقاسات هنا تتراوح بين 3 أمتار و60 متراً، فالمركب الصغير بالمجاديف طوله 3 أمتار، ومراكب السياحة والصيد تصل إلى 60 متراً وقد تُصنع من الخشب أو الحديد".

واستطرد قائلاً: "المراكب التي يصل طولها إلى أكثر من 60 متراً تصعب صناعتها في الورشة، لأنها تحتاج إلى معدات خاصة لا تتوافر في هذه الورش، فمركب طوله 60 متراً يبلغ عرضه من 18 متراً إلى 20 متراً، ولا تتوافر لدينا المعدات اللازمة لدفعها في مياه البحر، ولكن تقوم بذلك شركات متخصصة في تصنيع هذا الحجم الكبير من السفن تتوافر لديها إمكانيات الصناعة".

ربيع محمد، أحد العاملين القدامى في ورش صناعة السفن في المنطقة، يقول لرصيف22، إن آلية العمل في تصنيع المراكب والسفن تتطلب وضع تصوّر لهيكل المركب المراد تصنيعه من الخشب، ثم وضع المسامير وربط الصامولة، وبعد ذلك يتم عمل "الأرينة" وهي ما يُطلق على أرضية المركب وأساسه، والمركب يُصنع إما من خشب أو حديد، والمركب الذي يُصنع من حديد يكون كله من الحديد ما عدا "الكابينة" والهيكل الداخلي فيه (يُصنعان من الخشب).

وعن تحديد مواصفات المركب والوقت المستغرق للانتهاء منه، يقول ربيع إن الزبون يأتي ويطلب مواصفات معيّنة يريدها في المركب أو اليخت الذي يُريده، ثم أبدأ العمل بها في الحال، وعن الوقت المستغرَق في صناعة المركب فهو يختلف بحسب المساحة المطلوبة، فمثلاً المركب الذي يبلغ طوله 3 أمتار يستغرق ما بين 20 يوماً أو 25 يوماً، أما المركب اليي يصل طواه إلى 60 متراً فتستغرق صناعته أكثر من عام، وأحياناً تصل إلى عامين.

ومن ذكريات القبطان، أنه في عام 1993، عمل على صناعة يخت استغرق فيه ما يقرب من 6 سنوات، وبلغت تكلفته حينها 6 ملايين جنيه مصري، وتُعدّ هذه تكلفةً ضخمةً في ذلك الوقت، وصُنع اليخت آنذاك من خشب مستورد من فرنسا.

80% من مراكب الصيد والسفن السياحية الموجودة في مدن مصر السياحية والساحلية مثل؛ شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم، تم تصنيعها في منطقة بحري وتحديداً في الأنفوشي

وأجمع الصُنّاع كلهم على أن الخشب المصري دائماً ما يُستخدم في صناعة السفن، إلا إذا طلب الزبون الخشب المستورد، ومن أشهر البلدان التي يتم استيراد الأخشاب منها؛ فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

أما عن المعدّات الميكانيكية داخل المركب ومولدات الكهرباء في السفينة، فكلها مستوردة لا تُصنع في مصر، إذ يتم استيرادها من كوريا وأمريكا واليابان وألمانيا والصين، وتتوقف الأنواع المُستخدمة على الإمكانات المادية لصاحب السفينة، وظروف الاستيراد وقت الصناعة.


ومن الجدير بالذكر أن 80% من مراكب الصيد والسفن السياحية الموجودة في مدن مصر السياحية والساحلية مثل؛ شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم، تم تصنيعها في منطقة بحري وتحديداً في الأنفوشي.

وترتبط مهنة صناعة المراكب واليخوت والسفن بشكل كبير بحجم السياحة في مصر، ففي الوقت الذي تزدهر فيه السياحة في مصر تتزايد الطلبات لصناعة المراكب والسفن واليخوت وتزدهر الصناعة، ولا يستطيعون الانتهاء من الطلبات المتزايدة طوال الوقت. أما إذا انخفضت نسبة السياحة في مصر، وانخفضت أعداد الوافدين إلى البلاد، فيقلّ العمل في الورش كثيراً وقد يتوقف أحياناً، لقلة أعداد الزبائن، ويتجه حينها الصنّاع إلى العمل على صناعة مراكب الزينة والإكسسوار وهي صغيرة الحجم تُعلَّق للزينة والتجميل ويُقبل عليها أكثر الزبائن الوافدين إلى مدينة الإسكندرية، فهي بمثابة ذكرى من الأنفوشي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard