تندرج هذه المادة ضمن ملف الرسوم المتحركة (استراحة في عالم الألوان والأمل)، في قسم ثقافة، رصيف22.
يستند فيلم الأنيمي الياباني "فيوليت إيفرغاردن" والمقتبس من الرواية التي تحمل الاسم نفسه، إلى اختراع عالم دمية لزوجته الكفيفة، أوتوماتون Automaton، لكي تكتب لها الرسائل.
تطورت الفكرة بعدها إلى الاستعانة بأشخاص يكتبون الرسائل لمن لا يستطيعون الكتابة أو التعبير عن أنفسهم، وتحولت الرواية التي فازت بالجائزة الكبرى عن فئة الرواية لجائزة كيوتو أنيميشن في 2014، إلى فيلم أنيمي في 2018 من إنتاج ستوديو كيوتو أنيميشن.
تعالج الرواية (والفيلم) موضوعات الحب والخسارة والحزن، وآثار الحرب المدمرة، وتدور الأحداث على شكل قصة داخل قصة داخل قصة، تبدأ مع فتاة تبكي جدتها المتوفاة، وتكتشف رسائل آلية كانت ترسلها أم جدتها إلى الجدّة، وقصاصة جريدة تتحدث عن فيوليت إيفرغاردن، دمية الكتابة الآلية في عصر مختلف تتحرك الرواية داخله، وتتداخل مع زمن الميجور غيلبرت وأخيه ديتفريد، ووالدهما العسكري حين كانا طفلين، ثم بعدما أصبحا عسكريين بدورهما وشاركا في الحرب الكبرى.
يهدي ديتفريد أخاه غيلبرت الفتاةَ السلاح، آلة القتل، فيوليت، والتي تأتمر بأوامر الميجور غيلبرت ويعلمها القراءة والكتابة. تنتهي الحرب فيذهب إلى جزيرة إيكارتا، بعد أن ظنت أنه مات، هي التي فقدت يديها وهي تحاول حمايته، ووضعت يدين ميكانيكيتين متطورتين تسمحان لها بممارسة عملها في شركة البريد
يهدي ديتفريد أخاه غيلبرت الفتاةَ السلاح، آلة القتل، فيوليت، والتي تأتمر بأوامر الميجور غيلبرت ويعلمها القراءة والكتابة. تنتهي الحرب فيذهب إلى جزيرة إيكارتا، بعد أن ظنت أنه مات، هي التي فقدت يديها وهي تحاول حمايته، ووضعت يدين ميكانيكيتين متطورتين تسمحان لها بممارسة عملها في شركة البريد.
يقول محمود درويش في تبريره للدور الإنساني للشاعر: "وعلِّميني الشِعْرَ، قد تحتاجُ بنتٌ ما إلى أُغنية لبعيدها... كأنَّني زوَّجتُ ظبياً شارداً لغزالةٍ، وفتحتُ أبوابَ الكنيسةِ للحمام".
أليس الهدف النهائي لكل قلمٍ.. ارتداء مشاعر الآخرين والتعبير عنها! حيث يصيغ الشاعر والكاتب مشاعره الذاتية التي تمتد إلى التعبير عن المشاعر الكونية للبشر، وهذا قدر أي كتابة صادقة وفذة.
يحدث هذا مع الأدب الذي يصبح كلاسيكياً مهما كان حديثاً ومهما كان الوسيط الذي يعبر عنه. ففي رواية ماركيز "الحب في زمن الكوليرا"، ينقّب الشاب العاشق والقارئ الرومانسي النهم والموهوب في الكتابة، فلورينتينو، عن حبه الضائع، في كتابة رسائل الآخرين، فيسكب عواطفه وآلامه وعشقه المستحيل في كل رسالة يكتبها لزوجة تشتاق لزوجها، أو أم تنتحب على ولدها البعيد. ولتتحول الرسائل الوظيفية العادية اليومية إلى قطع أدبية ميلودرامية مليئة بالعواطف الجياشة. الحب واضح عند فلورينتينو، وقراره نهائي: سوف يحتفظ بهذا الحب ويدافع عنه ويعيد تكريره في الرسائل التي يكتبها لحبيبته وللآخرين، وسوف ينتظر إلى أن يتحقق حبه في العقد السابع من عمريهما. الحب قرار نهائي لا عدول عنه عند فلورينتينو، ومجهول غائم عند فيوليت إيفرغاردن.
يتشابك الزمن، ابتداءً بزمن الفتاة ديزي ثم زمن جدتها، وحتى زمن عائلة بوغانفيليا عندما كان الأخَوان طفلين، ثم ضابطين، وإلى ما بعد الحرب وعمل فيوليت كدمية آلية، في ماتريوشكا زمنية وقصص متداخلة بسلاسة. كانت الفتاة مجرد "سلاح" أو آلة للقتل، وأصبحت دمية ذكريات آلية، تكتب الرسائل للآخرين وتعمل في شركة البريد "سي إتش"، محاولة عبر هذه الرحلة فهم الكلمة الأخيرة التي قالها لها الميجور غيلبرت: "أحبك".
الكتابة اليابانية للرسوم المتحركة تركز بالكلمات قبل الرسوم على العينين، فالعينان نوافذ على الروح، وربما يفسر هذا نجاح شخصيات ديزني أيضاً.
عند التنقيب عن المصادر الرئيسة لهذه الفكرة العبقرية، نصادف مفهوم الكتابة التلقائية، وهي نمط الكتابة التي لا يتدخل فيها الوعي، ونجدها في الأدب وعلم النفس والرسم والتخاطر والتنويم المغناطيسي. وتدعى، كظاهرة روحانية، بالكتابة الآلية، وفي مجال علم النفس تطلق عليها تسمية "الكتابة الميكانيكية". تمتد الفكرة نفسها أيضاً إلى مجال الاتصال بالموتى، حيث راج مصطلح الكتابة الآلية ليغدو أكثر الطرق شهرة في التواصل مع الموتى، عندما يخط القلم، تلقائياً، وبواسطة الكتابة الآلية، الرسائلَ التي يرسلها شخص آخر سواء أكان حياً أم ميتاً، من خلال التخاطر.
تتردد أصداء هذه الفكرة في تطورها الأدبي والسينمائي في فيلم P.S: I love You الذي أنتج عام 2007، حيث تكتشف الأرملة (قامت بدورها هيلاري سوانك) أن زوجها (قام بدوره جيرارد بتلر) قد ترك لها 10 رسائل تصل إليها دورياً، ليخفف من آلامها ويساعدها على بدء حياة جديدة.
بالعودة لفيوليت إيفرغاردن التي تقول في أحد المشاهد: "ليس هناك ارتباط بيني وبين كلماتي، كل ما فعلته هو نقل رؤى الملك إلى كلمات". نرى فيوليت تؤكد على الدور الآلي الذي تمارسه بفصل نفسها عن الرسائل التي تكتبها، من دون أن تدرك أن أي رسالة تكتبها هي خطوة في طريقها نحو ذاتها، ونحو فهم الحب بذاته.
الأنيمي إذن هي مسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة، أما المانغا فهي المجلات الورقية أو الإلكترونية اليابانية التي تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، وتنقسم الكلمة إلى جزئين هما: "مان" والتي تعني المتحركة أو المتغيرة، و"غا" التي يقصد بها الصور أو الرسوم. وقد تطورت بعد الحرب العالمية الثانية متأثرة بالكومكس الأميركية وبأفلام ديزني، ولكنها نحتت لنفسها أسلوبها الخاص. إلا أن الأسلوبين يعتمدان سمة رئيسة مميزة وهي العيون الكرتونية اليابانية التي تتقافز وتلتمع في الفرح والحزن، وتعيدنا هذه العيون في فيلم فيوليت إيفرغاردن لأفلام الكرتون اليابانية التي شكلت وعينا في الثمانينيات.
لقد حاولت هذه الصناعة في التسعينيات الاستغناء قليلاً عن هذه السمة المميزة للعيون، ومنح الشخصيات الرئيسية بعض الملامح الغربية، ولكن هذه الأخيرة لم تحقق النجاح المطلوب، لتعود الرسوم اليابانية بعدها بالعيون المتلألئة الواسعة.
قد نفهم من رواية فيوليت إيفرغاردن، التي يتكرر فيها السطر التالي: "وانفتحت العينان الزمرديتان" كلما تغيرت مشاعر الرائد أو أخيه أو فيوليت نفسها، أن هذا التركيز البصري يستند إلى النص المكتوب نفسه، أي أن الكتابة اليابانية للرسوم المتحركة تركز بالكلمات قبل الرسوم على العينين، فالعينان نوافذ على الروح، وربما يفسر هذا نجاح شخصيات ديزني أيضاً.
تقول فيوليت إيفرغاردن في أحد المشاهد: "ليس هناك ارتباط بيني وبين كلماتي، كل ما فعلته هو نقل رؤى الملك إلى كلمات". إنها تؤكد على الدور الآلي الذي تمارسه بفصل نفسها عن الرسائل التي تكتبها، من دون أن تدرك أن أي رسالة تكتبها هي خطوة في طريقها نحو ذاتها، ونحو فهم الحب بذاته
قد يشوش حجم العينين المشاهد أيضاً، ويمنعه من ملاحظة أي عيوب في الرسوم أو المشهد، وتساعد العينان الكبيرتان على فهم ردود الفعل العاطفية للشخصية دون الحاجة لاستخدام الحوار. يرد البعض ذلك إلى شعور اليابانيين بالحسد من عيون الغربيين، كما يقول كيفن هنريكي، المدون المهتم بالثقافة اليابانية.
مثّلت روايات الأطفال الشهيرة المصدرَ الأساسي للعديد من أفلام الرسوم المتحركة الغربية وأفلام الأنيمي مثل: طرزان وبينوكيو وبيتر بان وأحدب نوتردام وسيد الخواتم وأوليفر تويست، ومزرعة الحيوان وديفيد كوبرفيلد وغيرها الكثير من الروايات الغربية التي تحولت إلى كلاسيكيات أدبية وسينمائية.
أما على الصعيد السينمائي، فقد ضمت "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة" لجوائز الأوسكار التي تمنح سنوياً.. أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة، جائزة أنيمي، وهي بدأت عام 2002 مع فيلم Shrek، لتُمنح أخيراً لفيلم "Encanto" في عام 2022.
بلغت قيمة سوق الرسوم المتحركة العالمي 372.44 مليار دولار في عام 2021. ويقدر أن تصل هذه القيمة مع نسبة نمو 5.2%، إلى 587.4 مليار دولار بحلول عام 2030.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...