شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
يخافون من المجتمع… أطفال وحوامل يصومون رغماً عنهم

يخافون من المجتمع… أطفال وحوامل يصومون رغماً عنهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء نحن والخطاب الديني

الثلاثاء 28 مارس 202311:06 ص

جلست المرأة الحامل تسند رأسها من التعب داخل عيادة طبيب النساء والتوليد. أشفقت عليها حين رأيتها وسألتها: "هل سمح لك الطبيب بالصيام؟"، ردّت: "بالعكس طلب مني أن أفطر ولكن زوجي لم يسمح لي، وأخاف من معايرته لي، لو فطرت سيذلّني". حاولت أن أقنع المرأة أن الإفطار رخصة أعطاها الله لها، ولكن خوفها من زوجها والمجتمع كان أكبر من أي كلام.

لم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع فيها من امرأة حامل أو مرضع أن زوجها لا يسمح لها بالإفطار في شهر رمضان، قائلاً إن الله سيحاسبه على ما تفعله، وأنها تخاف منه وتتحمّل مشقة الصوم رغماً عنها أو تفطر في السر دون أن يراها، فبات الزوج يمتلك حق تقرير مصيرها حتى في تنفيذ أحكام الله.

وضع الله شروطاً محددة للصيام. فلا صوم لغير القادرين من الأطفال، ولا لوم على المرأة المرضع والحامل التي تفطر نهار رمضان. وبينما هوّن الله على عباده وسهّل عليهم أمور الدنيا، أصبح مجتمعنا يعلّق لهم المشانق طوال الوقت، ويطلق عليهم أحكاماً لا علاقة لها بالشرع، فالطفل الصغير يصوم بأمر من والديه، والمرأة الحامل أو المرضع التي تفكّر بالإفطار تتعرّض لانتقادات شديدة ومعايرة ولوم من المقرّبين منها، وفي نظرهم هي امرأة ذات إيمان ضعيف غير صبورة ولا تقدر قيمة الفرض وثوابه عند الله.

ما الذي يرجوه رجل يرغم زوجته الحامل أو المرضع على الصوم؟ أن تُفتح له أبواب الجنة على مصراعيها لأنه طبّق شرع الله على الأرض؟ أن يصفّق له الناس لأنه يجعل امرأته الضعيفة تصوم رغماً عنها؟

أحكام خاصة

لماذا يصوم الأطفال دون العاشرة؟ سألت نفسي هذا السؤال كثيراً طوال السنوات الماضية ولم أجد إجابة سوى أنهم يصومون فقط لإرضاء أهلهم، وليصبحوا وسيلة للتباهي بين الأقارب والجيران، وإلا ما الفائدة التي يرجوها الخالق من طفل يصوم في السادسة أو السابعة، ويبكي من شدة الجوع والعطش وعدم قدرته على التحمّل، بينما تمنعه والدته من الأكل والشرب وتجبره على التحمّل والانتظار حتى موعد الأذان.

كنت في التاسعة عندما أجبرني الطبيب وأمي على الإفطار بسبب مرضي، ورغم صغر سني لم أسلم من معايرة أولاد الجيران الذين أمطروني بعبارات قاسية لم أنسها طوال حياتي.

في قريتي يصوم الطفل في السادسة والسابعة وما دون ذلك. يجلس الأهل مع بعضهم كل منهم يتفاخر بابنه أو ابنته التي تصوم نهار رمضان كله وطوله/ها لا يتجاوز السنتيمترات. في مرة سمعت واحداً منهم يقول إنه يسمح لابنه بالصيام فقط لأذان العصر، لأنه لا يتحمّل المشقة، فعايره الجالسون بقول: "طفل خايب"، وفي ظنهم أنهم كذلك يشجعونه على الصوم.

أصبح كل شيء يدخل فيه الإكراه بطريقة أو بأخرى، ولا يستوعب عدد كبير من الناس أن الإكراه والدين لا يجتمعان، ولا يصح أن يكون هناك شبه إكراه في أداء أي فريضة حدّدها الله. يظن الأب أو الأم أنهما بتلك الطريقة يأخذان ثواب الصائم، وأنهما يعوّدان أولادهما على الصوم منذ الصغر، ولا يتوقعان أنهما هكذا قد يبنيان حاجزاً كبيراً بين أطفالهما وبين المعنى الحقيقة المرجو من أداء الصوم.

وصاية غير مستحقة

حقاً ما الذي يريده المجتمع من المرأة؟ أن تكون ساحرة مثلاً، تعمل في البيت وخارجه وتربي الأولاد وتتحمّل كل الضغوطات دون أن تشكو، بل وتركع أيضاً لزوج يقيم عليها الحد ويوجّهها بوصايته عليها ويفرض عليها أموراً لا تريدها؟ ثم ما الذي يرجوه رجل يرغم زوجته الحامل أو المرضع على الصوم؟ أن تُفتح له مثلاً أبواب الجنة على مصراعيها لأنه طبّق شرع الله على الأرض؟ أن يصفّق له الناس لأنه يجعل امرأته الضعيفة تصوم رغماً عنها؟

كانت جارتنا المرضع تصمّم على الصوم في شهر رمضان. تشعر أحياناً بالدوار وتفقد وعيها ويلتف حولها الناس، وعندما تفيق تصمّم مجدداً ألا تفطر قائلة: "أموت ولا أفطر".

لم تكن الجارة المسكينة صاحبة قرارها فهي - كما قالت لأمي- لن تتحمل مذلة زوجها لها، وكذلك معايرة حماتها التي تخبرها باستمرار أنها أنجبت 7 أولاد دون أن تفطر ولا مرة في الحمل أو أثناء الرضاعة. لم تكن الجارة تفعل شيئاً سوى التحمّل أو تناول الطعام في السر بعيداً عن أعين الزوج وأمه.

ما هي المعجزة التي أنزلها الله على هؤلاء الناس ليظنوا كذباً أنهم أنبياء لا يخطئون؟ ما هو الكتاب السماوي الذي يخرجون من بين سطوره هذه الأحكام ويضيقون بها الخناق على رقاب النساء دون وجه حق؟

ما هي المعجزة التي أنزلها الله على هؤلاء الناس ليظنوا كذباً أنهم أنبياء لا يخطئون، ومقدر لهم إطلاق الأحكام دون التفكير ولو للحظة أنهم قد يكونون مخطئين؟ ما هو الكتاب السماوي الذي يخرجون من بين سطوره هذه الأحكام ويضيقون بها الخناق على رقاب النساء دون وجه حق؟

لا أنسى صديقتي التي كانت تفطر بأمر من الطبيب أثناء فترة حملها، وكانت تبكي طوال الوقت وتأكل بالسرّ. تشعر باستمرار بسبب نظرة الناس إليها أنها ترتكب جريمة وأنها مخطئة. كنت أسمعها تستغفر الله كثيراً وتلوم نفسها. لم تنظر للأمر وكأنه حق أجازه الله لها ولا عتاب عليها أبداً ولا ذنب. أوصلها المجتمع لتلك الحالة من الإشفاق على الذات والإحباط ومعاتبة النفس. تدخل كل يوم الحمام ومعها حقيبتها، تأكل بعض اللقيمات ثم تخرج لتسألني إن كان هناك أي بقايا ظاهرة على فمها.

في النهاية، الصوم شريعة فرضها الله لها شروط محدّدة ورخص منحها الله لعباده، وما نراه من إكراه وترهيب للصغار والنساء لإجبارهم عليه ليس رغبة قوية في إرضاء الخالق فحسب، لأن الرب لا يرضيه ضرر حامل أو مرضع أو طفل صغير ضعيف، ولكن الأمر دخله التعنّت والوصاية والمباهاة التي تتملك البعض وتسيطر عليهم. فرض عضلات وربما استقواء على الأضعف، في محاولة لإثبات أنهم سبب في تطبيق الدين بشكله الصحيح، بينما لا أعرف في واقع الأمر ما هو دينهم الذي يحاولون تطبيقه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image