اضطرت كارما، وهو اسم مستعار لشابة سورية، أن تترك بلدها إلى الإمارات.
تعرضت لضغط نفسي وتهديد لإرغامها على الزواج، فضلاً عن احتجازها في المنزل واصطحابها للأطباء النفسيين، ومنعها من التواصل مع أصدقائها.
كان السبب اعترافها لعائلتها بميولها المثلية، وانجذابها للفتيات.
تقول إنها لم تتمكن من اللجوء إلى القانون السوري لأنه يجرم المثلية ويعاقب عليها بالسجن.
فهربت إلى الإمارات، وقدمت ملفها أخيراً للمفوضية السامية لحقوق اللاجئين لنقلها إلى بلد آخر، ولا تزال تتنظر الرد للخروج من هذه الدوامة، بحسب تعبيرها.
لكنها قادرة على طرح مشكلتها في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وفي بعض الدوائر. إذ لم يعد الحديث عن المثلية الجنسية في العالم العربي يصطدم بجميع العوائق التي كانت تواجهه في العقود الماضية.
بالطبع مما لا شك فيه أن عوائق كثيرة ما زالت موجودة، لكن الحديث بات مطروحاً في بعض الدوائر التي بدأت بالاتساع.
وقد ساعد في ذلك تنوع وسائط الطرح والعرض التي تحمي هوية الأفراد، والتي تزامنت مع ثورة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط عموماً، وسوريا خصوصاً.
استطاعت وسائل التواصل هذه أن تكسر العديد من دوائر الصمت على أصعدة مختلفة، ففي السياسة ساعدت في بدء حراك احتجاجي في الـ2011.
أما اجتماعياً فبدأ من الممكن طرح مواضيع كانت تعتبر "تابو"، كالمثلية، في العالم الافتراضي الذي يعد أقل خطورة من الواقع.
الحب ينتصر
في سوريا، أطلق 104 أشخاص، حملة منظمة تحمل عنوان "Love Wins" أو الحب ينتصر، بدأت قبل نحو عام وتطالب بحقوق الأقليات على أنواعها: مثليو الجنس والأقليات الجندرية والدينية. نشأت إثر خلاف كان مسرحه مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً صفحات فيسبوك. آنذاك كانت توجد صفحة ترفيهية سورية وصل تعدادها لنحو نصف مليون، وكانت تحمل اسم "MTV Syria". هي صفحة افتراضية تعنى بنشر صور وأخبار ومقاطع فيديو مسلية، فضلاً عن دعم المواهب السورية. إلى أن قررت تلك الصفحة شن حرب غير مسبوقة على المثليين السوريين، مطالبةً إياهم بمغادرة الصفحة فوراً، بعد نعتهم بألفاظ قاسية وتهديدهم بالقوانين السورية. حاول بعض المثليين التواصل مراراً مع إدارة الصفحة لكنهم جوبهوا بالحظر مراراً. لاحقاً أزالت إدارة فيسبوك منشورات الصفحة، لأنها وفق قوانين الموقع الأزرق تحض على الكراهية. جاء ذلك بعد حملة تبليغات واسعة شنها مثليو الصفحة، لتكون حملة التبليغات تلك باكورة أعمالهم التي نظمت صفوفهم في وقت لاحق، وأتت ثمارها بأن قام فيسبوك بحذف الصفحة كاملة عن محركات البحث. أصحاب الصفحة المحذوفة سرعان ما عمدوا إلى إطلاق صفحة جديدة, فتواصل المثليون مجدداً معهم, وللمرة الثانية كان مصيرهم الحظر، فقاموا بإنشاء صفحة خاصة بهم، تحمل اسماً مشابهاً للصفحة المسيئة، ولكن بإضافة عبارة الحب ينتصر، ليصير اسم حملتهم "mtv Syria – love wins". وعلى الفور نظم هؤلاء أنفسهم ضمن مجموعات خاصة تضم 104 أشخاص، من توجهات جنسية، وجندرية، ودينية، وسياسية مختلفة، بهدف دعم الحب والمطالبة بحقوق الإنسان عموماًُ، والأقليات الجنسية الجندرية خصوصاً، في سوريا والشرق الوسط، وصولاً لدعم كل مثلي مضطهد على حسب تعبيرهم.ناشطون في السر
فادي (يفضل عدم ذكر اسمه كاملاً) ناشط في مجال حقوق الإنسان وهو أحد مؤسسي مجموعة "الحب ينتصر". يقيم حالياً في بريطانيا ويدير المجموعة من هناك حيث يربط بينها وبين منظمات حقوق الإنسان الدولية، فيما يعمل باقي فريقه بشكل سري في مدن سورية مختلفة. يقول أن الكثير من سكان العالم العربي يرون في المثلية مشكلة أو خللاً في النشاط الجنسي بينما هي جزء من التنوع الجنسي الموجود في الطبيعة كما في البشر. ويضيف أن مهمتهم كناشطين هي إيصال صوت كل إنسان يتعرض للتمييز أو/و العنف الجسدي أو/واللفظي في العالم العربي. وفي سوريا، كما في باقي دول العالم العربي والشرق الأوسط، يعيش المثليون حياة صعبة مليئة بالمخاطر والتمييز من قبل المجتمع، والعادات، والتقاليد والقانون الذي يجرم المثلية الجنسية ويعاقب عليها بالسجن، وفي بعض الدول بالقتل حتى، بحسب فادي. ويضيف أنهم يسعون كناشطين خارج سوريا للتواصل والتنسيق مع منظمات حقوقية وإنسانية عربية وعالمية في محاولة لتقديم يد العون للمثليين في سوريا. فهم يقدمون لهم الحماية أو حق اللجوء الإنساني، بالإضافة إلى تسليط الضوء على هذه القضية الإنسانية عن طريق القيام بحملات توعية عن معاناة المثليين العرب.في سوريا يعيش المثليون حياة صعبة مليئة بالمخاطر والتمييز... فهل "ينتصر الحب" على هذا؟
في سوريا أطلق 104 أشخاص حملة تحمل عنوان "Love Wins" تطالب بحقوق الأقليات المثليين
الحملات المنظمة
أنت لست وحيداً - You're Not Alone، أولى حملات الفريق كانت تحمل هذا الاسم، والهدف منها إبداء التعاون والتعاطف مع كل المثليين. الرسالة التي تحملها الحملة للمثليين هي أن أقرانهم في كل مكان، ولهم حق العيش بحرية وسلام. ويؤكد القائمون على الحملة أن أملهم كبير بالحصول على حقوقهم كاملة يوماً ما.حياة في الخفاء
أبولو، اسم مستعار لشاب مثلي، يقول إن حياته الجنسية لا تتعدى إطار مواقع التواصل الاجتماعية، وذلك بسبب ما أسماه " الهوموفوبيا"، أو رهاب المثليين، الذي ينتشر بكثرة في سوريا. يؤكد ابولو أنّ لا تجارب سيئة مع المجتمع تذكر لديه لأنه لم يواجهه بعد، فقيود المجتمع تمسك بحياته الخاصة، وتجعله حبيس خزنة لا يمكنه الخروج منها. ورغم شكوك بعض أصدقائه بهويته الجنسية، فإنه دائماً كان يفعل أي شيء لنفي ما يعتبره الناس تهمة. أما إيمان وهي مثلية، فتختلف عن أبولو، فقد تمكنت الفتاة العشرينية من مغادرة القوقع، وأخبرت المقربين منها بميولها، ومن ضمنهم أهلها. طلبوا منها التكتم على الموضوع تماماً خشية من نظرة المجتمع إليها، ورغم ذلك تقول إيمان إنها لم تلتزم نصائح أهلها، وخاضت العديدة من التجارب، معظمها اتسم بالفشل. وتضيف إيمان أنها مرتاحة ومتصالحة مع واقعها ولا تخشى من المجتمع.القانون السوري يقف في مواجهة المثليين
يجرم القانون السوري المثلية الجنسية، ويعتبرها نوعاً من أنواع الشذوذ الجنسي، وفق ما نص عليه في المادة 520 المتعلقة بتجريم المثلية الجنسية، ومفادها:" كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات ". كما قامت سوريا سنة 2003، بالإضافة لمعظم الدول العربية، في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بالتصويت لتأجيل مشروع قرار الأمم المتحدة المتعلق بحقوق الإنسان والميول الجنسية. وكانت نتيجة التصويت 24-17. نص مشروع القرار أنذاك على أن اللجنة تعرب عن قلقها العميق بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في العالم ضد الأشخاص على أساس ميولهم الجنسية، والتأكيد أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي حق مكتسب للبشرية جمعاء، وأن الطبيعة العالمية لهذه الحقوق والحريات لا يرقى إليها شك، وويدعو القرار جميع الدول إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص بغض النظر عن ميولهم الجنسية. وباعتبار أن سوريا ومجمل الدول العربية تعتمد بشكل أساسي على الفقه والتشريع كمصادر رئيسية في القوانين المحلية، فهذا ما يجعل تشريع المثلية الجنسية أمراً قد يصعب إقراره في المدى المنظور.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...