حين بدأت الشمس رحلة غروبها، في مساء ذلك اليوم من ربيع العام 2015، اندفعت سيارات رباعية الدفع تشقّ شوارع مدينة درنة الجبلية الواقعة على ساحل البحر المتوسط، شمال شرق ليبيا، بسرعة كبيرة، حاملةً مقاتلين بأعداد كبيرة، ذقونهم طويلة، وأياديهم مدججة بالسلاح.
اخترقت أصوات السيارات وطلقات النار في الهواء، المتداخلة مع أصوات التكبيرات التي تخرج من حناجر المقاتلين، قلوب سكان المدينة الذين استشعروا الخطر.
كانت الوجهة حي شيحا غرب المدينة. أكثر من 30 إرهابياً كانت عيونهم تتّقد شرراً، وأصابعهم تداعب أزناد أسلحتهم، استعداداً للفتك بكل من أغضب شيوخهم، الذين هدروا دمه واستباحوا عرضه.
في تلك اللحظات، كانت عائلة عيسى أحرير المنصوري، في منزلها تستعدّ للمواجهة القادمة مع طيور الظلام. سرعان ما حاصرت سيارات التنظيم المنزل، ليصدح صوت قائد المجموعة، المدعو "حسن بوذهب"، مطالباً العائلة بتسليم أحد أفرادها من أجل القصاص منه، وتطبيق الحد عليه، بعدما وجّه له التنظيم الإرهابي تهمة القتل.
رفض أفراد العائلة تسليم ابنهم، وتراصّوا نساءً ورجالاً، بالقرب من النوافذ والأبواب للدفاع عن روابط أسرية لم ولن يفهمها أولئك الرجال الذين سلب شيوخهم كل ذرّة إنسانية في صدورهم، ففتحوا نيران أسلحتهم على كل ما يتحرّك في المنزل من دون رحمة. إلاّ أنهم تفاجأوا بردّ قوي من أفراد العائلة الذين صدّوا الهجوم بالأسلحة الخفيفة والمتفجرات، ليوقعوا قتلى وجرحى في صفوف عناصر التنظيم.
لساعات طويلة، ظلّت المعارك دائرةً حول المنزل، دافع فيها أفراد عائلة الحرير عن أنفسهم حتى الموت، قبل أن يلجأ عناصر التنظيم إلى تفجير المنزل بالعبوات الناسفة بمن فيه. انتهت المعركة بمقتل ستة أفراد من العائلة بينهم امرأتان وإصابة الوالدة.
ولكي يثبت شراسته وقوته، اللتين يرسم بهما صورته المزعومة، ويلوّنهما بألوان الخوف والرعب، قام التنظيم بعد قتل أفراد الأسرة، بجرّ جثث الأشقاء الثلاثة، والتمثيل بها، وصلبها وسط المدينة، متوعداً سكان درنة بتصفية كل من يحاول الاقتراب منهم أو حتى إقامة العزاء للعائلة. وبقيت الجثامين على حالها أياماً عدة من دون أن تُدفن.
كان هذا المشهد الدموي المرعب جزءاً من يوميات مدينة درنة طوال السنوات التي أعقبت سقوط نظام الجماهيرية، في العام 2011. اكتست المدينة الساحلية وشاحاً أسود، وشهدت شوارعها وساحاتها وباحات مساجدها عمليات إعدام وتقطيع رؤوس وأيادٍ، وعمليات ذبح. خبا بريق درة المتوسط حين اجتاحها طوفان الإرهاب، وعبثت بها رياح الفوضى.
هكذا تحولت درنة من "درّة المتوسط" موطن الجمال والروعة الى ارض الخوف والدم
الجنّة التي كانت
قبل ذلك بعقود، كانت درنة تُعرف بـ"عروس برقة"، أو "درّة المتوسط". فالمدينة الواقعة على الشريط الساحلي شمال شرق للبلاد، كانت مثالاً حيّاً للجمال والروعة، رسمت فيها الطبيعة لوحةً سحريةً حيث الجبل الأخضر يعانق البحر، والوادي ينساب جليلاً ويقسمها إلى نصفين، وتتدفق المياه العذبة من شلالاتها لتسقي نخلها الباسقات وأشجار فاكهتها اليانعة وأزهارها الشذيّة الفوّاحة.
إذا كان لنا حقّ التساؤل عن شكل الجنة، فإن مدينة درنة خير جواب عن سؤالنا، مدينة داعب جمالها عقول الشعراء، فنظموا في وصفها الأبيات، وقال فيها الشاعر الليبي عبد الحميد بطاو:
"طليت من فوق الجبل... عند المسا... ريت البحر... سايلات فيه أنوارها
جلّيت عن قلبي الزعل... وعشت الزها... في جوها... ونشوة عبير أزهارها
طليت من فوق الجبل... بانن ضوايا درنة
ألقيت روحي منذهل... سارح بروعة درنة
عز المداين درنة.
في كتابه "راصدو الصحراء... رحلة في الصحراء الليبية"، كتب الرحالة الدنماركي كنود هولمبو، وصفاً جميلاً وخلّاباً لهذه المدينة، قائلاً: "درنة من ناحية المناخ جنة الله على الأرض. فهي تقع بالقرب من البحر المتوسط، وتتمتع بأفضل مناخ في إفريقيا كلها... وتملك درنة أصفى وأنقى وأطيب المياه في إفريقيا الشمالية كلها. فهي تتدفق من الجبال وتجري وسط البلدة نفسها بين القنوات والمجاري، وتذهب المياه الفائضة عن حاجات الري إلى البحر. وأراضي درنة مغطاة ببساط كثيف من الحشائش والأعشاب وتتألق فيها الأزهار الجميلة. وهناك بساتين كبيرة للموز تعطي مواسم دائمةً على مدار السنة".
إلى جانب جمالها الطبيعي، تُعدّ درنة من أقدم الحواضر الليبية، ومن أكثر مجتمعاتها عراقةً، فقد تعاقبت على المدينة حضارات مختلفة من الإغريق والرومان ودول إسلامية. وتميزت الشوارع الدرناوية، التي يظللها الياسمين، بالطابع الأندلسي وحياة الاستقرار والعراقة والتحضّر، وكل تلك العوامل جعلت من درنة بالنسبة للّيبيين حاضرةً مختلفةً ومتميزةً.
لماذا أصدر معمر القذافي قرار تهميش درنة وإفقار أهلها؟
موقع المدينة على ساحل البحر وامتدادها الحضري، على طول ضفتي وادي درنة وشلاله الشهير، استقطبا السكان من مختلف الأطياف عبر العصور، وأضفى التنوّع الثقافي للمدينة ميزةً ثمينةً على المكان قلّما توجد في الكثير من المدن في ليبيا. واشتهر المجتمع الدرناوي منذ منتصف القرن العشرين، بانتشار التعليم، مقارنةً ببقية المناطق، فيما نشطت الحركة الثقافية بوجود العديد من المؤسسات الثقافية على غرار بيت درنة الثقافي.
لكنّ مدينة الجمال والثقافة حفل تاريخها بحقب يملؤها الخوف، فقد كانت مطمعاً للغزاة وساحةً للحروب. في العام 1805، احتلت المدينة قوات مشاة البحرية الأمريكية، لتكون بذلك أول يابسة خارج الولايات المتحدة، يُرفع فوق قلعتها العلم الأمريكي. عقب ذلك، عاشت المدينة الويلات جراء الاحتلال الإيطالي بين عامي 1911 و1945.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تحوّلت المدينة إلى ساحة صراع بين القوى الدولية، ووقعت تحت سيطرة القوات الأسترالية، التابعة للجيش البريطاني في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير عام 1941، في حملة شمال إفريقيا، قبل أن يستردّها النازيون الألمان، المتحالفون مع الإيطاليين، في السادس من نيسان/ أبريل 1941، ثم عاد البريطانيون وتمكّنوا من استعادتها من جديد.
فيروس الإرهاب
كانت مدينة درنة منفتحةً على محيطها الاجتماعي، وتميّزت بالتنوع الثقافي والعرقي، سكانها خليط من الليبيين، ما أكسبها مكانةً متميزةً، لا سيما في أوائل القرن الـ17 في فترة حكم الأسرة القرمنلية. لكنّ المدينة التي عانت جرّاء الممارسات السياسية لمختلف نظم الحكم والاستعمار التي عرفتها البلاد، سرعان ما فقدت ميزتها وتباطأ النموّ الثقافي فيها.
عُرفت المدينة بمعارضتها لنظام القذافي، ما جعلها تتعرض للتهميش، ونجمت عن ذلك ظروف اقتصادية واجتماعية متردية، وتحوّلت المدينة إلى أكبر المدن الليبية حضانةً للبطالة. ازداد الأمر سوءاً مع شنّ النظام حرباً ضدّ التصوّف، وتزامن ذلك مع ما ظهور ما يُعرف بـ"الصحوة" التي كانت تنشر الفكر الوهابي، والتي وجدت في المدينة المتمردة بيئةً خصبةً وحاضنةً مميزةً.
في سبعينيات القرن الماضي، حملت الرياح فيروس التكفير من القاهرة إلى ليبيا، عابراً بحور الرمال ليحط في طرابلس وبنغازي وبرقة، ومنها إلى الجبل الأخضر والكفرة. وفعلت معالم سيد قطب فعلتها، وبدأت أول خلية "جهادية" بالتشكّل على يد علي العشبي، ومعه ثمانية من رفاقه، ما لبثت أن فككتها الأجهزة الأمنية الليبية، واغتالت عناصرها التسعة.
وفي عام 1989، استطاع عوض الزواوي، تشكيل جماعة أخرى أطلق عليها "حركة الجهاد"، فاعتُقل هو أيضاً، وفي العام نفسه شكل أحد أنصاره، وهو محمد المهشهش، الملقب بـ"أبو سياف"، تنظيماً يُدعى "حركة الشهداء الإسلامية". تزامن ذلك مع صعود ما عُرف حينها بحركة "الجهاد الأفغاني"، التي مثّلت نقطة بداية لمرحلةٍ أطلقت عليها الجماعات الإسلامية تسمية "الجهاد العالمي".
نجحت الدعاية الجهادية حينها، في استقطاب الآلاف من بلدان العالم الإسلامي ومسلمي دول الشرق والغرب. وكغيرهم انتقل العديد من الشبان الليبيين، من ذوي التوجه الجهادي، إلى أفغانستان ملتحقين بتنظيم "الاتحاد الإسلامي"، الذي يترأسه القائد الأفغاني عبد ربّ الرسول سيّاف. ونشط الجهاديون الليبيون في معسكر يُعرف بمعسكر سلمان الفارسي، في منطقة من مناطق القبائل الباكستانية، على الحدود مع أفغانستان. كما نشطوا في معسكرات أخرى في قندهار وخوست وغيرهما.
في كهوف تورا بورا، ومعسكرات غورباتشي وجلال آباد وباري وبلخ ونيازي وغيرها، تبلور تيار جهادي ليبي، وُلدت من رحمه "الجماعة الليبية المقاتلة"، التي سرعان ما انتقلت من بيشاور إلى مدينة درنة، وقامت بعمليات مسلحة، في مواقع مدنية وأمنية في ليبيا، في تسعينيات القرن العشرين بهدف إسقاط نظام العقيد معمر القذافي. إلاّ أن القوات المسلحة الليبية وأجهزة الأمن قضت عليهم، واعتقلت مجموعةً كبيرةً منهم.
ومنذ ذلك الحين، وُصمت المدينة التنويرية التي اشتهرت بخصائصها الثقافية والفنية، بشبهة الإرهاب، وتحوّلت تدريجياً إلى قاعدة لتفريخ المقاتلين. في عددها الصادر في تاريخ 19 نيسان/ أبريل 2008، نشرت مجلة نيوزويك، تقريراً تحت عنوان: اللغز الجهادي، ألقت فيه الضوء على مشاركة المقاتلين الليبيين في الحرب في العراق. التقرير أكّد نقلاً عن وثائق عثرت عليها القوات الأمريكية، خريف العام 2007، في مدينة سنجار في محافظة نينوى (شمال بغداد)، أن 112 من المقاتلين مع المقاومة العراقية جاءوا من ليبيا، منهم 52 من أبناء بلدة درنة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة
نجحت درنة في الانتصار على "خفافيش الظلام"، لكن جسدها المثخن بالجراح يروي تفاصيل سنوات من الألم.
أوّل إمارة لـ"الجهاديين" على ضفاف المتوسط
في السابع عشر من شباط/ فبراير 2011، وبينما كانت شوارع المدن الليبية تهتزّ على وقع احتجاجات شعبية ضد نظام العقيد الراحل معمّر القذافي، كانت مدينة درنة تشهد تحرّكات من نوع آخر، حيث حرصت العناصر الجهادية على اعتلاء المنابر والدعوة إلى توحيد الصف، وتسارعت عمليات جمع السلاح، والإعداد والتدريب.
كانت المدينة تعج بالمقاتلين الذين قدموا من كل حدب وصوب، وسيطرت الجماعات المتشددة، منذ الساعات الأولى للأحداث، على المدينة، وبعد خمسة أيام فقط، خرج نائب وزير الخارجية الليبي آنذاك، خالد الكعيم، ليعلن لوسائل الإعلام، أن تنظيم القاعدة أقام إمارةً إسلاميةً في درنة بقيادة عبد الحكيم الحصادي، وهو معتقل سابق في غوانتانامو، مؤكداً أن التنظيم الإرهابي يفكر في سيناريو على طريقة طالبان في ليبيا.
لم يلتفت العالم إلى تحذيرات نظام القذافي حينها، وتمّ تجاهله في موجة الحماسة لما أُطلق عليه "الربيع العربي"، فيما تسارعت تحركات الجهاديين في ليبيا لجمع السلاح وتشييد مراكز التدريب، لتتشكّل عقب ذلك أولى المجموعات الجهادية المسلحة، باسم كتيبة "شهداء أبو سليم"، التي سرعان ما فرّخت مجموعات أخرى فرّقتها المصالح والرغبات في التوسع.
انتشرت عمليات القتل والتفجير في المدينة، وتصاعدت وتيرة الاغتيالات التي استهدفت رجال الأمن والقضاة والإعلاميين والناشطين والحقوقيين، وامتدّت الاغتيالات إلى بقية المدن الليبية، لتصل إلى اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا كريستفور ستيفينز، وثلاثة من زملائه، في أيلول/ سبتمبر 2012، على يد عناصر تنظيم أنصار الشريعة الذين هاجموا المجمع الدبلوماسي الأمريكي في بنغازي.
كان الخطر الكامن في أحراش درنة وجبالها يزداد، وتهديداته تتجاوز حدود ليبيا، خاصةً في ظل أزمة الحدود التي عصفت بدول المنطقة إبّان الربيع العربي. في حوار مع الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، على قناة "سي بي سي" عام 2012، أشار إلى خطرين يتهدّدان استقرار مصر، مطالباً الجيش المصري بالالتفات إليهما، ومحاولة السيطرة عليهما، وهما: سيناء في شرق مصر، ودرنة الليبية على حدودها الغربية.
تحذيرات هيكل، تضمنت نبوءةً قائمةً على قراءة موضوعية. فالمدينة التي أصبحت مقصداً للجهاديين، وانتشرت فيها معسكرات لتدريب أفراد التنظيمات المتطرفة، وحصلت على المال اللازم لتمويل نشاطاتها، كانت تمثّل مكاناً مناسباً لقيادات الجماعات المتطرّفة في مصر، والتي دخلت في مواجهات مع الجيش المصري بعد سقوط نظام "الإخوان".
مثّلت المدينة مكاناً إستراتيجياً لأخطر القيادات الإرهابية، على غرار الضابط المفصول من الجيش المصري، هشام عشماوي، الذي أسس تنظيم "المرابطون"، عام 2013، بجانب عمر رفاعي سرور، الذي قام بدور مفتي التنظيم، وعماد عبد الحميد كقائد عسكري ومسؤول عن التدريب. وشنّ التنظيم عمليات إرهابيةً في مصر من بينها تفجيرات الكنائس في الإسكندرية وطنطا والقاهرة، ودير الأنبا صموئيل في المنيا ومحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، وحادث الفرافرة الإرهابي، وهجوم الواحات.
درنة في عين العاصفة
خلال عامي 2013 و2014، تصاعدت وتيرة الصراع على النفوذ بين الجماعات الإسلامية المسلحة في درنة، ليتشكّل "مجلس شورى شباب الإسلام"، الذي ضمّ "أنصار الشريعة" ومجموعات جهاديةً أخرى وفرض سيطرته على المدينة. تزامن ذلك مع إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، في حزيران/ يونيو 2014، قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب التنظيم "أبو بكر البغدادي" خليفةً للمسلمين، بعد أن سيطر على مدن عديدة في العراق وسوريا، منها الموصل والرقة، وتكريت ونينوى، والرمادي ودير الزور وحمص، وحماه والحسكة وتل أبيض.
سارع "مجلس شورى شباب الإسلام"، إلى مبايعة خليفة "داعش"، وإعلان ما سمّوها "ولاية برقة"، لكن الخلافات بدأت تدبّ بين التنظيم والجماعات القريبة من تنظيم "القاعدة"، وأعلن الرافضون مبايعة داعش تشكيل "مجلس شورى مجاهدي درنة"، الذي دخل في حرب دامية مع تنظيم داعش، انتهت بإخراج الأخير من المدينة في تموز/ يوليو 2015. تخلّصت درنة من سيطرة تنظيم "داعش"، لتسقط بين براثن مجلس "شورى مجاهدي درنة"، فيما كان تشكيل عسكري تشكّل تحت مسمى الجيش الوطني الليبي، بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، ينهي سيطرته على كامل الشرق الليبي، ولم تبقَ له سوى مدينة درنة. بدأ حينها الجيش الليبي في توجيه بوصلته نحو المدينة التي تبعد 300 كلم إلى الشرق من بنغازي، وفي 25 آذار/ مارس 2016، أطلق الجيش عمليةً عسكريةً للسيطرة عليها.
طوّقت القوات المسلحة الليبية المدينة، في محاولة للحدّ من مخاطر تسلّل الإرهابيين إلى مدن أخرى، وتسارعت جهود المفاوضات، أملاً بالوصول إلى حل سلمي يقضي بانسحاب المسلحين، إلاّ أنّها باءت بالفشل، لتتحوّل المدينة إلى ساحة لحرب ضروس، استمرت لأكثر من عامين، تعرضت خلالهما للقصف من القوات الليبية المدعومة من مصر، بعد أن استشعرت الأخيرة خطر الجماعات الجهادية في درنة على الأمن القومي للبلدين مجتمعين.
وبرغم العنجهية المفرطة التي ظهرت بها قيادات التنظيمات الإرهابية، بتوعّد الجيش الليبي بالهزيمة في درنة، فإن عقدهم سرعان ما انفرط، وسقطت معاقلهم سريعاً، ليعلَن في شهر حزيران/ يونيو 2018، عن تحرير المدينة الساحلية، فيما تواصلت العمليات العسكرية للقضاء على بعض بقايا الجماعات الإرهابية التي تحصنت في المدينة القديمة وفي مناطق أخرى، بهدف تجميع عناصرها وشن هجمات انتقامية.
نجحت درنة في الانتصار على "خفافيش الظلام"، لكن جسدها المثخن بالجراح كان يروي تفاصيل سنوات من الألم، رسمت ملامحها في أحيائها الجميلة ومعالمها التاريخية التي دمّرتها آلة الحرب اللعينة. لكنّ المدينة التي أطلقت في عام 2018، النسخة الأولى من مهرجانها المسرحي، تصرّ على استعادة ثوبها الحقيقي لتعود مركزاً للأدب والثقافة والفنون والحياة، ومدينةً ينتصر فيها الجمال على الخوف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com