شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
يرقص في الشوارع ويبشّر بقدوم النوروز... حاجي فيروز وأساطيره

يرقص في الشوارع ويبشّر بقدوم النوروز... حاجي فيروز وأساطيره

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 19 مارس 202305:24 م

يحتفل الإيرانيون باليوم الأول من موسم الربيع الذي يوافق 21 آذار/مارس، تحت عنوان عيد النوروز أو النيروز، وفقاً لتقاليد قديمة تعظّم ذلك اليوم، وتجعله على رأس الأعياد الوطنية. كما أن النوروز هو بداية العام الإيراني الجديد وفق التقويم الهجري الشمسي.

وتسبق عيد النوروز طقوس متعددة منها "جهارشنبه سوري" (أربعاء سوري)، ويعني أربعاء الفرح والسرور، ويقام هذا الطقس في ليلة آخر أربعاء قبل بدء السنة الجديدة، يشعلون فيه النّار، ويقومون بالقفز من فوقها ليلقوا فيها أمراضهم ومشكلاتهم كما يعتقدون، ويأخذوا منها الدفء والطاقة.


ومن التقاليد التراثية المتعلقة بالنوروز، ظهور شخصية "حاجي فيروز" أو "حاجي بِيْرُوز"، في الحارات، ليعلن عن حلول الربيع وعيد النوروز. ومن مواصفات الشخصية التي يقوم بأدائها رجل نحيف بوجه أسود، وثياب لونها أحمر، ووشاح أصفر ذهبي يستخدمه كحزام، وقبعة حمراء.

الرأي الغالب لعلماء الأساطير والمؤرخين، هو أن حاجي فيروز، شخصية أسطورية في التاريخ الإيراني ومع مرور الوقت أخذت طابعاً ملموساً وفقاً لأعراف المجتمع

يحمل شخصية حاجي فيروز، آلة الدف الصغيرة أو الرِق، ويقوم بإطراب الناس وقراءة الأشعار المحلية والرقص وحركات تزرع البسمة على وجوه من اجتمعوا من حوله، صغاراً وكباراً، ونساءً ورجالاً.

لماذا بوجه أسود؟

ظن البعض أن اللون الأسود الداكن لشخصية حاجي فيروز، مرتبط بسود البشرة الأفارقة الذين كانوا في بلاط الملوك الإيرانيين في قديم الزمان. ووفقاً لهذا الرأي، يُحتمل أن يكون من قام بواجب إسعاد الناس في الأماكن العامة من هؤلاء، إلى جانب واجبهم داخل البلاط.

لكن الرأي الغالب لعلماء الأساطير والمؤرخين، هو أن حاجي فيروز، شخصية أسطورية في التاريخ الإيراني ومع مرور الوقت أخذت طابعاً ملموساً وفقاً لأعراف المجتمع.


ويتحدث الباحث مِهرْدَاد بَهار عن أن شخصية حاجي فيروز من الممكن أن تكون قد استلهمت وجودها من أسطورة تموز، إلهة الزراعة والمواشي في بلاد ما بين النهرين. وأما اللون الأسود لبشرته فيتعلق بعودته من عالم الأموات، حسب ما ذكر هذا الباحث.

وترجمت العالمة اللغوية كَتايون مَزدا بور، لوحةً تراثيةً من اللغة الأكدية، تشير إلى أن زوج تموز كان يرتدي ملابس لونها أحمر ويقرع على الرق والطبول في منتصف العام، ويذهب إلى عوالم ما تحت الأرض كي يسترجع زوجته، وتكون البداية مع خصوبة الأرض من جديد.

كما تعتقد عالمة الأساطير سُودَابة فَضايلي، أن "لون بشرة شخصية حاجي فيروز أسود، وهو لون الأرض والسحب المحمّلة بالأمطار، والأسود لون الموت، ولكنه موت عرفاني يكون مقدمةً لولادة أخرى. والأسود يحمل في داخله النور ويعلن عن ظهوره، ولذلك فإن اللون الأسود لوجه حاجي فيروز دلالة على زوال السواد والقذارة ويبشّر بقدوم البياض والربيع".

وعلى هذا السبيل، قد تشير شخصية حاجي فيروز إلى التقاليد الإيرانية المرتبطة بالطبيعة والبيئة، والتي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.

حاجي فيروز بطابع حديث

تغيرت هذه الشخصية الأسطورية الحية، مع مرور الزمان، على أساس التحولات التي طرأت على المجتمع الإيراني ثقافياً واجتماعياً، إذ إن وجود حاجي فيروز في شوارع اليوم، يأتي استلهاماً من دور "الأسود" التمثيلي الكوميدي الذي ظهر في العقود الأخيرة في البلاد.

ومن خصائص حاجي فيروز المعاصر، أنه لم يستجدِ من أحد، بل يخرج في الشوارع والأزقة ليصدح بقدوم الربيع، كي يحصل على العيدية وهي هدايا نقدية. أما الأشعار التي يستخدمها فهي صريحة وجريئة وذكية وعاطفية، وتكون أحياناً لاذعةً كذلك، لكنه يركّز على هدف واحد، هو إسعاد الناس وإدخال البهجة إلى قلوبهم. وعندما يطرب على الرق، يهتز جسمه ليخلق رقصةً شعبيةً، ممزوجةً بارتجال بديع يجلب إليه المارة ويزرع البسمة على شفاههم. وفي بعض الأحيان يردد معه المارة أشعاره الشعبية.

اللون الأسود لوجه حاجي فيروز دلالة على زوال السواد والقذارة ويبشّر بقدوم البياض والربيع

يجمع أداء حاجي فيروز، خصائص مسرح الشارع، حيث التواصل الحميم ووجهاً لوجه مع الناس، والتمثيل في الأماكن العامة، وارتداء زيّ خاص، والحصول على المكافأة، مع ترفيه الناس من خلال الأغاني الشعبية إلى جانب الارتجال والعزف.

كما يمكن القول إن هناك تشابهاً بين أداء حاجي فيروز الإيراني، والكوميديا المرتجلة في الشوارع التي ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي في إيطاليا وأوروبا.

مكاتب الأفراح

كان مطربو الحارات وأصحاب الكوميديا المحليون هم من يقومون بدور حاجي فيروز، قبل وصول عيد النوروز، وحدث ذلك حتى منتصف القرن العشرين، فكان موقعهم خلال خمسينيات القرن الماضي في شارع سِيروس في العاصمة طهران، وكان يُطلَق على محالهم "بُنْكَاه شَادِماني"، أي مكتب الأفراح.

مع انتشار شرائط الكاسيت ومشغلات الموسيقى بكثرة، وتعمیم جهاز التلفزيون في البيوت، قلّ نشاط مكاتب الأفراح الخاصة بالفنانين المحليين والشعبيين، ومع انتصار الثورة الإسلامية ضد النظام الملكي سنة 1979، وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، تعطلت الملاهي وصالات الرقص ومكاتب الأفراح.


حرص النظام الجديد على تكريم الأعياد الدينية والمناسبات الإسلامية والمذهبية الشيعية وتعظيمها، وتجاهل الأعياد الوطنية والتراثية الإيرانية، خاصةً عيد النوروز. وبسبب هذا القرار، قلّما يجد المواطنون حاجي فيروز في الشوارع، لكن لم تندثر هذه الشخصية الشعبية بعد، برغم كل الضغوط الثقافية والدينية التي كانت تمارَس ضد المجتمع.

كل من قاموا بتمثيل هذه الشخصية الأسطورية خلال الأعوام الماضية، هم من طلاب المسرح والناشطين الثقافيين، وذلك لاكتساب تجربة تمثيلية وفنية، أو بقصد إشاعة الثقافة الإيرانية.

الفقر وحاجي فيروز

مع تدهور الوضع الاقتصادي للعوائل الإيرانية، والتضخم الشديد، يقوم اليوم بعض الأطفال والشباب والكبار، بصبغ وجوههم بغبار الفحم أو الشمع، وارتداء ثياب لونها أحمر حتى يباشروا أداءهم قبل شهر من حلول الربيع، بغية كسب بعض المعونة لهم ولأسرهم.

لا يمتلك ممثلو حاجي فيروز في شوارع طهران اليوم، ووسط السيارات الفخمة، عيوناً لامعةً كالسابق، وحتى ابتساماتهم مجبّرة، وكأن إبداعاتهم ماتت

ما زالت هذه الشخصية عزيزةً على قلوب الإيرانيين، أما من قاموا بتمثيلها في السنوات الماضية فلم يمتهنوا أداءها، وهم لا يطربون جيداً ولا يقومون بالارتجال المطلوب، وجلّ همهم ينحصر في حصولهم على العيدية من المارة، خاصةً في الأسواق والمجمّعات والساحات المكتظة، وعند وقوف السيارات خلف الشارات الحمراء في الشوارع، وهو عمل يشبه التسوّل والاستجداء.


وبين ممثلي حاجي فيروز، ثمة صغار هم من أطفال العمل يرتدون ملابس الشخصية، ليطلوا على الناس كالدمى ويتراقصون من أجل جمع النقود.

لا يمتلك ممثلو حاجي فيروز في شوارع طهران اليوم، ووسط السيارات الفخمة، عيوناً لامعةً كالسابق، وحتى ابتساماتهم مجبّرة، وكأن إبداعاتهم ماتت. وأما ما يقرؤونه من أغانٍ، فهو في تضاد تام مع حياتهم الشخصية:

"ارباب خودم بز بز قندی/دنیا دو روزه چرا نمی خندی؟/بگو چرا نمی رقصی؟/بگو چرا نمی خندی؟" (سيدي الدنيا يومان فقط، فلماذا لا تضحك؟  قل لي لماذا لا ترقص؟ قلْ لماذا لا تضحك؟).



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard