شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"براءة" راقية إبراهم و"دم" سميرة موسى... حكايات لم تنتهِ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 20 أبريل 202303:11 م


خلال سنوات طويلة اقترن اسم الفنانة راقية إبراهيم بالخيانة. تناقلت أثناءها وسائل الإعلام المختلفة قصصاً تشير إلى تورطها في اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى في أغسطس/ آب عام 1952.

لم يقتنع الصحافي أسامة الشاذلي كاتب الفيلم ومخرجه بهذه القصة، كما في قال لنا، فقرر استكشاف أعماق "الخيانة" ليجد الدليل الذي يؤكدها أو ينفيها. وبمساعدة الباحث التاريخي وسيم عفيفي، قدم الشاذلي في مايو/ أيار 2021 في موقع “الميزان” الذي يترأس تحريره تحقيقاً بعنوان "راقية ابراهيم بريئة من دم سميرة موسى" فنّد فيه أصل الحكاية والأدلة التي تؤكد زيف القضية.

وهو التحقيق ذاته الذي سيصبح نواة للفيلم بعد ذلك.

في ديسمبر/ كانون الأول 2022، عرض فيلم وثائقي بعنوان "براءة راقية" على الشاشات، وحاول صناعه تقديم أدلة على إنكار التهمة الموجهة إلى راقية.

لماذا انتشرت قصة راقية إبراهيم الملفقة؟

يرجع أسامة السبب في انتشار سردية الخيانة لراقية إبراهية إلى أمرين:

1 - مسلسل "أنا قلبي دليلي"

يقول أسامة: “اكتشفنا أن تلك القصة ظهرت للمرة الأولى فى نهاية السبعينيات بعد وفاة راقية على صفحات مجلات الرصيف "غير المحترمة" فلم تحظ بانتشار حينها، حتى جاء السيناريست مجدي صابر ووثقها في مسلسل "أنا قلبي دليلي" عام 2009، متناولاً حياة الفنانة "ليلي مراد" المأخوذة عن قصة للكاتب الكبير صالح مرسي، الذي لم يذكر تورط راقية إبراهيم في هذه الجريمة في قصته الأصلية”.

2 - ترشح عمرو موسى للانتخابات

تجدد طرح سردية الخيانة مرة أخرى، بحسب رواية الشاذلي، عام 2012 على صفحات جريدة “المصريون” التابعة للتيار الإسلامي حينها، والتي نشرت حواراً مع "ريتا ديفيد توماس" حفيدة الفنانة راقية إبراهيم كما وصفوها، وأكدت أنها عثرت على مذكرات لجدتها تصرح فيها بتعاونها مع الموساد الإسرائيلي، وأنها قامت بتسهيل اغتيال سميرة موسى.

يعلق أسامة: "الجريدة لم تنشر صورة للحفيدة المزعومة، ولا للمذكرات التي أشارت إليها، وبالبحث عن الصحافي الذي أجرى الحوار لم نجد له وجود من الأساس، فلم يكن الحوار إلا جزءاً من حملة إعلامية ممنهجة ضد السياسي عمرو موسى المرشح الأقوى ضد مرشح الإخوان محمد مرسي في انتخابات 2012، فقد حاول الإخوان بكل الطرق وقتها إثبات أنه ابن راقيه إبراهيم، اليهودية الخائنة للتأثير على شعبيته الجارفة وقتها".

البحث عن دليل

انتشرت شائعة الخيانة، وتناقلت المواقع الإخبارية المختلفة والتقارير المصورة تصريحات الحفيدة المزعومة على أنها حقيقة مسلم بها، مدعمةً روايتها بالقصة التي اختلقها السيناريست مجدي صابر في السابق لخدمة عمله الدرامي، لتصبح خيانة راقية إبراهيم لمصر، وتلطخ يديها بدماء سميرة موسى أمراً مسلم به.

لذلك كانت المسألة صعبة على أسامة الشاذلي وفريق العمل الخاص به، فأي حديث عن براءة راقية كان لا بد أن يدعم بالوثائق، وضرورة وجود دليل على حب راقية الشديد لمصر وعرفانها بالجميل اتجاهها، وهو ما وجده الشاذلي في مذكرات المخرج محمد كريم، الذي أشار فيها لخطاب أرسلته راقية من برلين، التي سافرت إليها في يونيو/ حزيران 1952 للمشاركة في مهرجان برلين السينمائي الدولى كبطلة لفيلم "زينب" الذي أخرجه كريم.

"انتابتنا حالة الصدمة والذهول بعدما عرفنا الحقيقة أو لنقل كشفنا أن ما هو مشاع ليس حقيقياً"، حكاية فيلم "براءة راقية"، من جملة حكايات وشائعات لم تنتهِ، حول الموساد ودور الفنانة المزعوم في اغتيال سميرة موسى 

يقول أسامة: "في الخطاب حكت راقيه لكريم عن سقوط دموعها حينما رُفع علم مصر وقت عرض الفيلم، وشعورها بالفخر لأنها قدمت شيئاً للبلد الذي منحها المجد. تلك المشاعر كانت بمثابة الضربة التي قضت على كل الشكوك بداخلي، فامرأة تعشق مصر لهذه الدرجة من المستحيل أن تبيعها وتتجس عليها".

واصل أسامة الرحلة بمساعدة زميله وسيم عفيفي، الذي عثر على حوار قديم نُشر لراقية إبراهيم على صفحات مجلة "الكواكب" في عدد مارس/ آذار 1953، أجراه الصحافي وليام باسيلي، تحدثت فيه عن سفرها للولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر/ كانون الأول عام 1952، أي بعد اغتيال سميرة موسى بأربعة أشهر، وهي الرحلة التي قامت بها راقية للعلاج من تليف الكبد، وأقامت خلالها في أحد مستشفيات نيويورك.

تمكن أسامة من التحقق من تلك الرحلة، فقد حصل على صورة من تأشيرة دخول راقية للولايات المتحدة الأمريكية في ذلك التاريخ، واعتبره الصورة دليلاً على "عدم صحة الرواية التي تقول إن راقية نقلت للموساد تحركات سميرة في أمريكا، مما سهل عليهم متابعتها واغتيالها في حادث تصادم".

قرأ أسامة بفرح حوار راقية الذي امتلأ بمشاعر فياضة عن شوقها إلى مصر، وافتقادها للخبز المصري، وهو أول ما تناولته بعد وصولها.

 "لم يكن الحوار (مع حفيدة راقية المزعومة) إلا جزءاً من حملة إعلامية ممنهجة ضد السياسي عمرو موسى المرشح الأقوى ضد مرشح الإخوان محمد مرسي في انتخابات 2012"، لماذا انتشرت شائعات خيانة راقية إبراهيم ومسؤوليتها عن اغتيال سميرة موسى؟ 

يقول أسامة: "ارتباط إنسانة بالتفاصيل المصرية لهذا الحد ينفي كرهها الشديد لمصر، ومساندتها للكيان الصهيوني في بداية نشأته كما زعمت بعض المصادر، وهذا ما وضحناه في التحقيق، وفي الفيلم أيضاً بشيء من التفصيل".

جسّد صناع الفيلم سميرة موسى وراقية إبراهيم بالرسوم المتحركة، مما لفت انتباه الكثيرين، وأثار انتقاداً خاصة لمستوى الرسوم نفسه، الذي بدا بدائياً إلى حد ما.

يعلق أسامة: "منذ البداية رفضت الاستعانة بأشخاص لتجسيد راقية وسميرة لأن التمثيل في الوثائقي من أضعف الأدوات التي يمكن أن يلجأ إليها المخرج، فهو يضر بمصداقية العمل، أما الرسوم المتحركة فقد سهلت على المشاهد تصديق الشخصيات، وهي تتحدث عن نفسها، كذلك عرض حادثة الاغتيال كان جزءاً مهماً جداً في الفيلم، وهذا كان من الصعب تنفيذه إلا بالرسوم المتحركة. أما فيما يتعلق بمستوى الرسوم فقط فكان مقصوداً حتى تعطي الإحساس بالفترة الزمنية التي عاش فيها الأبطال".

مجدي صابر: "كلها وجهات نظر"

لفت انتباهي في الفيلم استعانة مخرج العمل بالسيناريست مجدي صابر، الذي كان صاحب أول توثيق رسمي لخيانة راقية سرد معلومات مهمة عن سميرة موسى، وهو الأمر الذي وجدت فيه تناقضاً كبيراً، فالفيلم قائم على نفي قصته الشهيرة، ولكن بالنسبة لأسامة فقد أكد أن وجود مجدي صابر للحديث عن سميرة موسى كان أمراً ضرورياً، إذ أراد أن يوضح به مدى تعاطف صابر مع سميرة، وهو التعاطف الذي دفعه إلى اتهام راقية دون دليل.

تواصل رصيف22 مع الكاتب والسيناريست مجدي صابر لسؤاله عن رأيه في الفيلم، لكنه فوجىء بأنه لم يشاهده حتى الآن، ولا يعرف أن هدف الفيلم إثبات براءة راقية، وأنه نفى بالوثائق خيانتها التي أشار إليها هو نفسه من قبل، علق: "كلها وجهات نظر، أنا أيضاً لدي وثائق وشهادات كثيرة أكدت تورط راقية (لم يذكر أياً منها) ومسألة عدم وجودها في أمريكا وقت حدوث الإغتيال أمر عادي، فليس بالضرورة وجودها فى نفس المكان أو الزمان، في النهاية هي سهلت عملية الاغتيال ولم تقم به".

وأضاف: "الموساد الإسرائيلي معروف بأنه لا يكشف عن مستندات أو وثائق خاصة بالعمليات التي قام بها، عكس جهاز المخابرات الأمريكية مثلاً، لكن كون راقية تعمل مع إسرائيل وهي ما زالت في مصر مسألة معروفة للجميع".

صدمة الاكتشاف

في فيلم "براءة راقية" تم عرض العديد من القصاصات الصحافية الأرشيفية، وهي المهمة الصعبة التي تولاها الباحث التاريخي وسيم عفيفي، الذي أكد لرصيف22 أن مهمته كانت صعبة. وعلل ذلك قائلاً: "طرفا القصة راقية وسميرة يعانيان من الفقر في المحتوى الأرشيفي، فأخبار راقية إبراهيم تقتصر على مسيرتها الفنية، وتتوقف عند مغادرتها لمصر، حتى خبر وفاتها نفسه غير معروف رغم اجتهادات الكثيرين لتحديده، أما سميرة موسى فتراثها قليل في حياتها، ومنعدم فيما يتعلق بتفاصيل جريمة مقتلها".

وأضاف: "بالتالي كان لزاماً علينا البحث في الصحف القديمة، والابتعاد نهائياً عن منتديات ومواقع الشبكة العنكبوتية، وهذا كلفنا جهداً كبيراً، فبعد أيام من البحث المتواصل عثرت على قصاصات صحافية ترصد تغطية الصحف المصرية لوفاة سميرة موسى، بالإضافة إلى حوارات صحافية مع أسرتها في صحف مصرية مختلفة مثل جريدة المصري. إلى جانب ذلك عثرت على سجل كامل عن راقية إبراهيم من المجلات الفنية مثل "الكواكب" و"آخر ساعة"، وكانت المصادر متوفرة لديّ في مكتبتي الشخصية، بعضها اشتريته والآخر كنت أقوم بتحميله أون لاين على مدار السنوات الماضية بحكم عملي في التاريخ".

ويسترسل: "انتابتنا حالة الصدمة والذهول بعدما عرفنا الحقيقة أو لنقل كشفنا أن ما هو مشاع ليس حقيقياً".

جزم وسيم أن المستقبل سيغير من قناعات الكثيرين حول خيانة "راقية". وختم: "من الصعب أن تغيري قناعة فكرية ترسخت على امتداد جيل بأكمله، وابتلعتها دوامة الاستقطاب السياسي ولغة المؤامرة، لكن مستقبلاً ستتغير تلك القناعة أو ستقل وتيرتها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image