لشجرة الأرغان أهمية كبيرة في حياة ساكنة الجنوب المغربي، حيث تغطي آلاف الهكتارات في مناطق سوس ماسة ومراكش آسفي وكلميم وأدنون.
وتعتبر من الأشجار الشديدة التحمل، إذ تنمو في المناطق شبه القاحلة الباردة، والمناطق شبه الرطبة في جبال الأطلس الكبير، كما في المناطق المعتدلة في الجنوب مع درجات حرارة يمكن أن تصل إلى 45 درجة مئوية.
تتميز شجرة الأرغان بعلوها الذي يصل إلى عشرة أمتار، وبأشواكها الكثيرة وجذوعها المتشابكة التي تستهوي الماعز لتسلقها، فيما يراوح طول ثمارها بين سنتيمترين وأربعة سنتيمترات، وهي عبارة عن نواة تحتوي على البذور التي يستخرج منها الزيت.
موسم القطاف
يبدأ موسم قطاف الثمار في يونيو /حزيران، وغالباً ما تشارك فيه القرويات برفقة أزواجهن أو أبنائهن اليافعين وكل القادرين على المساهمة بالمجهود البدني، نظراً لصعوبة المهمة وتزامنها مع حرارة فصل الصيف في المغرب.تستذكر يزا، وهي سيدة تقطن في إحدى القرى الواقعة في منطقة تفراوتن، في إقليم تارودانت جنوب المغرب، كيف استطاعت الصيف الماضي جني مردود مهم من الأرغان، تقول: "كنت وزوجي نستيقظ في الصباح الباكر ونتجه إلى الحقل، غالباً ما نأخذ معنا الأكل والماء وبعض المستلزمات الأخرى التي سنحتاجها لأننا سنقضي وقتا طويلاً هناك، إذ نستمر في جني الثمار إلى حدود الساعة الرابعة عصراً".
تبدأ القرويات موسم قطاف الثمار في يونيو /حزيران، متزامناً مع حرارة فصل الصيف في المغرب. لكن هذا التعب يؤتي مردوداً مادياً مجدياً
وتقول لرصيف22: "في البداية ننصب لحافاً من الثوب تحت الشجرة، ثم نهز أغصانها بالقصب لتتساقط الثمار، وبعد ذلك نجمعها، وعادة ما ننقلها إلى منزلنا بواسطة الدواب لصعوبة التضاريس التي تحول دون استعمال آليات أخرى في المنطقة".
استخراج الزيت الثمين
يحتاج استخراج زيت الأرغان مجهوداً كبيراً، حسب يزا إذ يمر من مراحل عدة، أولاها تخليص الثمار التي تم جنيها خلال عملية القطاف من قشرتها الخارجية، ثم تحميصها إن كان الغرض من ذلك هو تناول الزيت، إذ توضع في المقلاة لتنضج جيداً، وبعد ذلك تطحن في رحى تقليدية حتى تصبح على شكل عجين يستخرج منه الزيت بعصره.أما إذا كان الزيت المراد استخراجه سيستخدم لدواع تجميلية أو علاجية، فلا داعي لتحميصه، إذ يطحن مباشرة في الرحى بعد تخليصه من قشوره الخارجية، ويتم عصره بنفس الطريقة.
وبحسب رأيها، فإن الأحمر الداكن المائل إلى البني هو لون زيت الأرغان الغذائي، إذ يكتسب هذا اللون من عملية التحميص، بينما يتميز الزيت التجميلي والعلاجي بلونه الأصفر الذهبي، نظراً لاستخلاصه مباشرة من النواة، ولذلك يطلق عليه لقب "الذهب الأصفر".
يستعمل زيت الأرغان في العديد من الوصفات التقليدية في المغرب، ويعتبر عنصراً رئيسياً في المطبخ الأمازيغي، خاصة في تحضير الحساءات والطاجين والكسكس والتاكلا، والأخيرة هي أكلة يتم تحضيرها خلال رأس السنة الأمازيغية، ويجري تناوله مع الخبز والشاي في وجبة الفطور.
اكتسب هذا الزيت سمعة عالمية في مجال التجميل ساهمت في نشوء التعاونيات الفلاحية النسائية للمساهمة في بيعه وترويجه
استعمالاته في التجميل
لكن السمعة العالمية التي اكتسبها هذا الزيت تتأتى من فوائده التجميلية التي توارثتها المغربيات وأثبتن صحتها بحسب الطب التقليدي في المغرب. ومنها:المساعدة على ترطيب البشرة الجافة.
تقليل التجاعيد ومكافحة الشيخوخة.
التقليل بشكل ملحوظ من علامات التمدد على الجلد.
يساهم في تفتيح البقع الداكنة.
مكافحة حب الشباب.
التقليل من الالتهابات الجلدية لاحتوائه على مضادات الأكسدة.
تنعيم الشعر وزيادة كثافته.
التقليل من الهالات السود تحت العين.
إلى ذلك، كان زيت الأرغان يستخدم قديماً في مجالات علاجية، إذ تدهن به الجروح الجلدية للمساعدة في التئامها بسرعة، كما يستخدم كدواء تقليدي لعلاج آلام المفاصل، فيما تشير العديد من الأبحاث العلمية إلى قدرة هذا الزيت النادر على الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.مورد دخل للنساء القرويات
مكنت الفوائد، لا سيما التجميلية المرتبطة بزيت الأرغان، العديد من القرويات من تحسين ظروفهن المعيشية وضمان مورد دخل مستقر لهن ولأسرهن، وهو الأمر الذي تؤكده لطيفة، صاحبة تعاونية متخصصة في تسويق الزيت.عن هذه التجربة تحكي لطيفة لرصيف22: "أسست تعاونية (تريزيت) الفلاحية لإنتاج وتسويق زيت الأرغان ومشتقاته في العام 2010، ويقع مقرها في منطقة أرزان في إقليم تارودانت، وبدأت بالاشتغال مع عدد قليل من النساء في القرية، ثم ما لبث العدد أن كبر حتى باتت التعاونية تضم اليوم 26 سيدة منخرطة فيها".
وتابعت لطيفة: "التعاونية منحت نساء القرية استقلالاً مادياً، ومكنتهن من أن يُصبحن نساءً مُنتجات داخل المجتمع المحلي الذي ينتمين إليه، كما أننا انفتحنا على العالم الخارجي من خلال تسويق منتجاتنا للعديد من الشركات الكبرى، وهو ما جعل إشعاع تعاونيتنا يتجاوز حدود الإقليم الذي نشتغل فيه".
وأشارت إلى أن العضوات في تعاونية "تريزيت" يستفدن من دروس محو الأمية خلال أوقات فراغهن، كما سبقت لهن المشاركة في العديد من الأنشطة والبرامج التي تهدف للتعريف بالأمراض التي تتهدد النساء مثل سرطان الثدي، وطرق التعامل معها.
غياب الحماية يهدد بانقراض أرغان في المغرب
يساعد هذا الزيت في علاج العديد من المشاكل الجلدية لاحتواءه على مضادات الأكسدة، ويوفر حلولاً جمالية لمشاكل الجفاف والتجاعيد وتساقط الشعر وجفافهساهمت جملة من العوامل الطبيعية في تراجع وضع شجرة الأرغان في المغرب خلال العقود الأخيرة، إذ أدى ارتفاع درجات الحرارة وندرة التساقطات المطرية لسنوات متتالية في جنوب المملكة إلى فقدان أشجار عديدة.
عدا ذلك، تؤثر العوامل البشرية على الأرغان في المغرب، حيث يتم قطع الأشجار بغرض التدفئة وتلبية الطلب المتزايد على الفحم، فضلاً عن انتشار الرعي الجائر للماعز والجمال في القرى وضواحي المدن، كما ارتفعت نسب الهجرة القروية خلال السنوات الأخيرة بعدما اضطر الجفاف وانعدام فرص الشغل العديد من المواطنين لترك قراهم، وهو ما أدى لتراجع عدد الأشجار المزروعة من الأرغان.
في سياق توعيتها بخطورة هذا الوضع، أطلقت وزارة الفلاحة إستراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030، التي تتضمن عدداً من الإجراءات الرامية لحماية نظام الأرغان البيئي وضمان استدامته في المغرب، من قبيل تحسين جودة الإنتاج، وتخفيف الضغط البشري والصناعي على غابات الأرغان، بالإضافة إلى تسريع البحث العلمي المتعلق بهذا المجال.
في هذا الإطار، تم تحديد وحماية وتسجيل ستة رؤوس مستنسخة جديدة من الأرغان، كما بلغ عدد المساحات التي أعيد تأهيلها 200 ألف هكتار حتى بدء العام 2020، فيما تهدف وزارة الفلاحة إلى رفع مساحة الأرغان الفلاحي إلى 10 آلاف هكتار عام 2023 .
اليوم الدولي للأرغان
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 مايو/ أيار يوماً دولياً لشجرة الأرغان، وهو المقترح الذي تقدم به المغرب، وتمت المصادقة عليه بإجماع الدول الأعضاء في 3 آذار/ مارس 2021.وأفادت الجمعية العامة في نص القرار بأن الاحتفال باليوم الدولي لشجرة الأرغان ينبع من أهمية الأدوار التي تلعبها هذه الشجرة في تحقيق التنمية المستدامة على الصعيد المحلي، وكذا الخصائص المتعددة لزيتها، ولا سيما في الطب التقليدي والتكميلي وفي قطاعي الطهو ومستحضرات التجميل.
تُحمص الحبوب إذا كان الهدف من الزيت المعصور هو الطهي، أما للغايات التجميلية فتعصر الحبوب دون تحميصوأكدت الجمعية أن "التعاونيات وغيرها من المنظمات الزراعية العاملة في مجال الأرغان تقوم بدور أساسي في تعزيز فرص العمل والتمكين الاقتصادي والاندماج المالي للمجتمعات المحلية، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يعشن في المناطق الريفية".
ودعت الجمعية الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني إلى الاحتفال بهذا اليوم الدولي بما يليق به، وذلك في إطار تعزيز التعاون الدولي ودعم الجهود الرامية للحفاظ على شجرة الأرغان، نظرا لدورها الحيوي في الحفاظ على التوازن الإيكولوجي والتنوع البيولوجي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...