شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
قرية بدر حسون البيئية... عائلة تُحيي مهنة أجدادها في صناعة الصابون والمنتجات الجمالية

قرية بدر حسون البيئية... عائلة تُحيي مهنة أجدادها في صناعة الصابون والمنتجات الجمالية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الجمعة 10 مارس 202311:26 ص


اشتهر لبنان تاريخياً بعدد وافر من المهن التي برع فيها أهله، أبرزها صناعة الزجاج، وصناعة السكاكين والسيوف، وصناعة الأجراس الكبيرة، ونساجة ملابس الحرير الذي تعتمد على تربية دودة القز، فضلاً عن صنع الصابون.
الاحتراف داخل العائلة وتوارث المهنة عبر الأجيال هما حالة اجتماعية سائدة في المنطقة، وقد انتشرت في بلاد الشام والعراق وتركيا، إلى الحد الذي توحدت معه أسماء المهن والعائلات فصارت لقباً واحداً، فنسمع بعائلات لبنانية مثل "حداد" و"نجار" و"جراح" و"مغني" و"حلواني" و"قهوجي" و"طرابيشي" وغيرها من العائلات المعروفة في لبنان والتي يشي اسمها بما احترفه الأجداد من مهن قبل أن يتغير المجتمع الزراعي الحرفي من نظام الـ"كار" ويصبح مجتمعاً صناعياً وتتغير شروط الاقتصاد فيه.
في ظل التطور الذي نعيشه وانتشار المنتجات التجارية والشركات الصناعية الضخمة بشكل كبير، باتت عدة حِرف تقليدية شبه مهددة، يضاف إلى ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان، إلا أن هناك عائلة طرابلسية رفضت الاستسلام وحاربت بهدف الحفاظ على إرثها التي توارثته عبر الأجيال، وهي عائلة الدكتور بدر حسون، الذي نفض غبار الزمن عن مهنته وتحدى نفسه والظروف لكي يعيد إحياء حرفة صناعة الصابون العريقة وحملها نحو العالمية، إذ تعود صناعة الصابون لدى آل حسون إلى العام 1480 ميلادي، وقد توارثها أفراد العائلة عبر 15 جيلاً بحسبهم.
حولت العائلة منزلها وأرضها إلى قرية بيئية تراثية، تُظهر وجه لبنان الحضاري والتاريخي، فكانت أشبه برسالة عطرية من عاصمة الشمال في لبنان إلى العالم أجمع.
بنى حسون هذه القرية لتقديم منتجات طبيعية من أنواع الصابون العطري والعلاجي والزيوت، وصولاً إلى الكريمات ومستحضرات العناية بالبشرة، وجميعها لا تدخلها أية مواد كيميائية خلال عملية التصنيع.

القرية وأقسامها

تقع القرية في محلة ضهر العين في قضاء الكورة، شمال لبنان، وقد بنيت وفق معايير منظمة الصحة العالمية، وحازت ترخيص الـ"آيزو" للجودة والنوعية، وتمتدّ على مساحة 30 ألف متر مربع، وتضمّ بناءً أثرياً، وإدارة الجودة والمختبرات حيث تجرى كل الأبحاث والتجارب، ومتحف الصابون الذي هو بحسب القائمين على المشروع الأكبر من نوعه في العالم، والمصنع حيث تُصنّع المنتجات وتصدّر إلى الكثير من دول العالم كما يشير أمير حسون، الذي يقول إن قريتهم تصدر منتجاتها الطبيعية إلى الصين وأفريقيا والخليج والولايات المتحدة وغيرها من البلاد، وهذا برأيه إنجاز لبناني في ظل ما يشهده البلد من أزمات وصعوبات.
حولت عائلة حسّون منزلها وأرضها إلى قرية بيئية تراثية، تُظهر وجه لبنان الحضاري والتاريخي، فكانت أشبه برسالة عطرية إلى العالم

بالإضافة إلى المرافق السابقة، هنالك معصرة زيتون، ومطبخ الصابون، ومطعم قروي يقدم مأكولات عضوية طبيعية تطبخ من نفس منتجات القرية، التي تُزرع فيها أنواع متنوعة من الأعشاب مثل إكليل الجبل، والبابونج، والشاي الأخضر، والنعناع، والزعرور، وغيرها مما يستخدم في صناعة المنتجات من الأعشاب البرية، إلى جانب أشجار الزيتون والكينا والصفصاف والفواكه والخضار العضوية.
وتضم القرية أيضاً مباني سكنية للعائلة التي يعمل أفرادها معاً لاستمرار هذه الحرفة وتصديرها للعالم.
يقول حسون إنه واجه صعوبات كثيرة قبل أن يتحول حلمه إلى حقيقة ويصبح مشروعه واقعاً لا مجرد مخطط، لتغدو القرية فيما بعد معلماً سياحياً لبنانياً، ومحجاً لعشاق البيئة النظيفة والحياة العضوية. واليوم تُعرف كأول قرية بيئية عربية نموذجية تعنى بالصناعة والسياحة البيئية، وتستثمر في الاقتصاد الأخضر.

مراحل تصنيع الصابون 

برعت عائلة حسون كذلك في تنويع منتجات الصابون التقليدية وتطويرها وفقاً للسخاء الزراعي الذي تنتجه القرية، إذ تصدر القرية أربعة أنواع منه هي: الصلب، الزيتي، الكريم السائل، البودرة. ويتم قطف المزروعات لاستخراج المواد الأولية المركزة الكحولية والمائية والزيتية. ومن هذه المواد ما يتحول إلى بودرة بعد طحنها لاستعمالها لاحقاً في منتجات تنظيف البشرة الـ"سكرب".
يتم تقطير الأعشاب في "كركة" خاصة لا مثيل لها في العالم إلا واحدة في فرنسا، وتطبخ على طريقة الطبخ الحامية، ثم يتم إدخال ماء الأعشاب الطبيّة العطرية

أما الصابون نفسه فيتكون من أعشاب جافة، ومياه مقطرة، وزيوت أساسية وعطرية، وملح البحر العادي والمركز"القلوي"، إلى جانب الإضافات العلاجية مثل الأفوكادو والزعرور البري وفقاً لما تختص به كل الصابونة.
يتم تقطير الأعشاب في "كركة" مختصة، وتطبخ على طريقة الطبخ الحامية، ثم يتم إدخال ماء الأعشاب الطبيّة العطرية، ويشير حسون إلى أن "كركة" تقطير الأعشاب والزيوت الموجودة في القرية فريدة من نوعها ولا مثيل لها في العالم سوى واحدة في فرنسا.
أما عملية الطبخ فتستغرق من 8 ساعات إلى 16 ساعة، تعقبها عدة أيام يترك خلالها الصابون ليجف، ثم يطبخ على البخار وتدخل إليه الأعشاب التي ستحمل اسمها الصابونة، كصابونة الغار، أو زيت الزيتون.
أما بقية الصابون فيتم طحنه مجدداً لتصنيع أنواع أخرى، ويجري التغليف بالطريقة اليدوية، وتختّم كل صابونة حفاظًا على هويتها. كما تخضع المواد الأولية للفحوص في مختبرات خاصة بما في ذلك المياه، وكذلك مع المنتج بعد نهاية عملية تصنيعه.


تضم القرية معصرة زيتون، ومطبخ ومصنع الصابون، ومطعم قروي يقدم مأكولات عضوية، وبناء أثرياً، وإدارة الجودة والمختبرات، ومتحف الصابون الذي هو بحسب القائمين على المشروع الأكبر من نوعه في العالم

متحف الصابون 

يضم المتحف أكثر من 1400 نوع من الصابون والزيوت العضوية التي تتنوع بين كريمات، وشامبو، ومستحضرات العناية بالبشرة، وزيوت لمعالجة الشعر، وأخرى لعلاج المشاكل الجلدية، إضافة إلى المنتجات العطرية المعروفة في الشرق كالليالي العربية، والعود السلطاني، وسحر الحب، ودهن العود. أما أبرز المنتجات التي يصدرها المشروع فهي:

- صابون العلاج العطري: وهو ثلاثة أنواع، لكل نوع مكوناته الخاصة.
- صابون الأعشاب الطبية: وهو خليط ينتج رغوة غنية ورائحة طبيعية، ومكوّن من الأعشاب والزهور الطبيعية التي قد تصل إلى 200 نوع.
- الصابون التقليدي وصابون الزفاف.
- الصابون العلاجي: وهو مجموعة من التراكيب الدوائية، التي تستخدم من أجل علاج مشاكل البشرة.
- الكريمات العطرية، وكريمات العناية بالبشرة.

صابونة الذهب الأغلى في العالم

أحد إنجازات القرية الأشهر هو صابونة الذهب التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام العالمية، والتي تحتوي على 17 غراماً من بودرة الذهب الصافي (عيار 24)، وثلاثة غرامات من بودرة الألماس، ممزوجة بالأعشاب الطبيعة، من زيت الزيتون اللبناني، وعسل النحل العضوي، ويدخلها العود المعتّق والبلح وغيرهما من المكونات، بالإضافة إلى قطعة من الذهب، يمكن الاحتفاظ بها لاحقاً لاستخدامها. ويقول حسون إن تصنيع هذه الصابونة استغرق ستة أشهر. ولم تصنع للتباهي بل لها الكثير من الفوائد العضوية والنفسية والروحانية. ويضيف: "معدن الذهب يزيد من هرمون الأنوثة، ولهذا السبب، فالمرأة بفطرتها تحب الذهب، لأنه في تركيبته يُحسن من نوعية الجلد ويعالج الأكسدة". 

تحتوي صابونة الذهب التي تنتجها القرية على 17 غراماً من بودرة الذهب الصافي و3 غرامات من بودرة الألماس، وهي الصابونة الأغلى في العالم
ويضيف سبباً آخر هو أنهم قرروا أن يبعثوا رسالة معطّرة إلى العالم مفادها أن لبنان بلد الحضارة والثقافة، وبإمكانه أن يصدّر رائحة طيبة للعالم وليس رائحة التفجيرات والصراعات فحسب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard