دمى بملامح مصرية تصنعها الفنانة ماجدة المعداوي. فما بين الفلاحة، والصعيدية، والبدوية، والنوبية نحار أية دمية نختار. فجميعها مميزة، ومتفردة.
حكاية صانعة العرائس ماجدة المعداوي لا تقل جمالاً عن منتجها، المرأة التي تخطت الستين من عمرها، كانت قد بدأت مشروعها عرائس نانا "nana dolls" عام 2017.
تصف المعداوي علاقتها بالفن بأنها قديمة. فقد بدأت عندما كانت تشكل العرائس الطينية، وهي طفلة تلهو مع رفيقاتها في أيام الإجازة في إحدى قرى كفر الشيخ، قبل أن تعود لمقر إقامة عائلتها في الإسكندرية، التي عاشت فيها، والتحقت في جامعتها حيث درست الفنون الجميلة حتى تخرجت عام 1985.
تقول لرصيف22: "تعلمت الأشغال اليدوية من والدتي رحمها الله، فقد أتقنت الخياطة والكنافاه والإيتامين بسببها. كما بدأ شغفي بالعرائس القماشية لارتباطي بالدمى التي كانت تصنعها لي من القطن، وتحيك ملابسها من قصاصات القماش."
استراحة محاربة
بعد التخرج عملت المعداوي في مجال الديكور لثلاثة أعوام. ثم سافرت إلى مدينة جدة في السعودية للعمل مدرِّسة تربية فنية في إحدى المدارس. وهناك تعرفت مبكراً على أهم وأحدث المواد الخام الخاصة بالمجالات الفنية المختلفة، التي لم تعرفها السوق المصرية إلا بعد ذلك بسنوات طويلة بحسب قولها. وهو ما ساهم في تطور مهارتها.بدأت ماجدة المعداوي مهنتها كصانعة عرائس بعد أن قاربت الستين من عمرها، فأعطتها شخصيات ووجوه وأسماء، وصار لكل عروسة كينونة مستقلةبعد سبع سنوات وبالتحديد عام 1995 قررت ماجدة العودة إلى مصر وإنهاء فترة غربتها. وبعد عامين من عودتها التحقت بالعمل مُدرِّسة تربية فنية ثم مشرفة على النشاط الفني في إحدى مدارس اللغات في الإسكندرية، وقد قضت فيها ما يقرب من 15 عاماً حتى قررت أن تضع كلمة النهاية لمشوارها العملي بنفسها لشعورها بأنها قد فقدت متعتها. لذلك لم تتردد في تقديم الاستقالة ومنح نفسها استراحة محارب بعد رحلة عمل تخطت ربع قرن. فقد قررت أن تعيد ترتيب أوراقها واستعادة شغفها بالفن مرة أخرى.
في استراحتها الاختيارية كانت ماجدة تشغل وقتها بالرسم. في تلك الفترة شاهدت بالصدفة صورة فوتوغرافية لبائعة مصرية التقطتها سائحة فرنسية. وقعت في غرامها، وقررت أن تعيد رسمها. فبحثت عن صاحبة الصورة واستأذنتها، وبالفعل رسمتها وأطلقت عليها اسم "بائعة البهجة" لتكتشف غرامها بالوجوه المصرية ويعود شغفها الفني من جديد بفكرة جديدة.
البحث عن فكرة
"مش عايزة أبقى شبه حد" كان هذا هاجس ماجدة الأكبر الذي دفعها للبحث عن فكرة جديدة. وبعد أشهر من التفكير والبحث تعرفت على فن الـ"إيموغرامي" أي فن عمل العرائس المجسمة بالكروشيه. وبالفعل قضت أياماً في تعلمه، لكنها لم تتحمس للفكرة. فقد كانت تلك العرائس منتشرة بكثرة في تلك الفترة. وهي تبحث عن منطقة فنية لم تزل بكراً.ذكرتها عرائس الـ"إيموغرامي" بعرائسها القديمة، التي كانت تصنعها أمها من القطن والقماش، فشعرت أنها عثرت على ضالتها. فقد كانت هي الأنسب والأقرب إلى قلبها ومهاراتها المتعددة. فهي تجيد الرسم والحياكة والتطريز والكروشية والتريكو، وكلها مهارات يمكن أن تشبعها إذا ما أقدمت على صناعة عروس قماش متفردة، لا يوجد بالسوق المصري شبيه لها.
بعد حيرة... قررت المعداوي أن تعود لصنع العرائس التي كانت أمها تصنعها لها في طفولتها في القرية، وهكذا بدأت مشروعهالاحقاً وجدت الفنانة المصرية "ياسمين إبراهيم" التي كانت تقيم في دولة الكويت حينها. لذلك قررت أن تخوض التجربة وتصنع بيديها دمى من القماش والفايبر بأفكار وملامح مختلفة.
عرائس نانا
بدأت رحلة المعداوي مع عرائسها القماشية عام 2017، حين قدمت قطعها الأولى، وأسست صفحة تجارية لمشروعها على "فيسبوك"، لتلفت الانتباه إلى عملها، تقول: "صناعة عرائس القماش بالشكل الدقيق غير منتشرة في الوطن العربي بشكل عام. في مصر تعتبر الفنانة نادية حسن رائدة في صناعة العرائس بحسب معلوماتي، وتصنعها من الجوخ وتستخدم في عروض العرائس المتحركة. لم تكن مدرستها مقصدي منذ البداية. فأنا أرغب في صناعة عروس يلهو بها الأطفال وتكون رفيقتهم. لذلك قصدت الفنانات الروسيات اللواتي أتقن هذا الفن عن طريق الورش والفيديوهات وتعلمت الخطوات الأولية. لكن عدم تقديمهن لجميع خطوات التنفيذ، جعلني أجرب مرة بعد مرة حتى وصلت لملامح عرائسي، التي رغبت منذ البداية أن تكون قريبة من الطبيعة البشرية، وليس الكارتونية كما هو متداول".على الرغم من انبهار البعض بعرائس نانا منذ طرحها لأول مرة، فإن الأمر لم يخلُ من بعض الإحباطات، تقول: "الإحباطات لا تنتهي ومستمرة حتى اليوم، فيصادفني طوال الوقت من يرفض الفكرة ويعتبرها تجسيماً مُحرماً. لكنني لا أهتم بتلك الأفكار السخيفة، فأنا حاشا لله لا أقصد تجسيد أو مضاهاة لخلق الله، ولكني أهدف لإدخال البهجة إلى قلوب الأطفال. وهناك من يعترض على رفضي لتجسيد العرائس الكارتونية كما هي. وإصراري على تقديمها وفقاً للقواعد التي وضعتها لنفسي منذ البداية، وهي عدم تقديم عروس بملابس عارية أو مبتذلة. هذه قناعاتي الشخصية التي أؤمن بها، من يقبلها يتعامل معي ومن يرفضها يمكنه أن يلجأ لغيري بكل بساطة".
لكن أكثر ما يضايق ماجدة هو استنكار البعض أسعار عرائسها واعتبارها مبالغاً بها، وهو ما تعتبره جهلاً وعدم تقدير لفنها وتقول: "من يرى أن سعر العروس مبالغ فيه لا يعلم أن تنفيذ القطعة التي يراها لا تستحق ثمنها هو أمر مرهق جداً، لأنه يتم على مراحل كثيرة. تبدأ باختيار الخامات وشرائها، ورسم الباترون بتفاصيله وقصه وحياكته، ونحت الوجه ورسم ملامحه، وتركيب الرأس والشعر، وتفصيل الملابس والإكسسوارات. هذه كلها مراحل تحتاج دقة وإتقان وتركيز".
بكار وسندريلا
بدأت نادية رحلتها مع العرائس القماشية بتقديم نماذج لشخصيات كارتونية فصنعت بيديها بكار وسندريلا وميريدا وعروس البحر وغيرها من الشخصيات المحببة للأطفال، والتي كانت تنفذها بناء على الطلب. كما صنعت العرائس الشبيهة بصاحباتها. حتى طلب منها "أحمد عاشور" صاحب بازار سياحي بمدينة الأقصر صناعة عرائس قماشية مصرية الطابع، تعبر عن البيئة المصرية. وأرسل لها صوراً لنماذج لم ترقها، فقررت أن تصنع العروس البدوية والصعيدية والنوبية والفلاحة كما طلب، لكن برؤيتها الخاصة. فكانت شمس وقمر وضي وصباح المجموعة التي أطلقت عليها "وجوه مصرية".تقول: "الإحباطات لا تنتهي ومستمرة حتى اليوم، فيصادفني طوال الوقت من يرفض الفكرة ويعتبرها تجسيماً مُحرماً".
عن هذه التجربة تتحدث: "كان عرض أحمد عاشور نقلة مميزة جداً في عملي، فقد شعرت بفارق شديد بين عرائسي السابقة ومجموعة (وجوه مصرية) سواء في التنفيذ أو رد الفعل. وقعت في غرام الفكرة منذ عرضها علي، وهذا ما جعلني أتحمس لها بشدة. فاقتناء السائح الأجنبي لعروس صناعة مصرية خالصة أمر فتح شهيتي وأشعرني أنني سأساهم ولو بقدر بسيط في نهوض السياحة في بلدي".
نجاح "وجوه مصرية" في بازار الأقصر وإقبال السائحين عليها، شجع ماجدة على تسويقها في الخارج عن طريق أحد المواقع التسويقية الشهيرة. وهو الموقع الذي تقدم من خلاله ورشاً عملية لتعليم فنها للمهتمين في أنحاء العالم. وهو الأمر الذي يسعدها كثيراً.
تسويق العروس المصرية خارجياً ليس بالأمر السهل بالنسبة لماجدة، إذ يعرقله ارتفاع مصاريف الشحن، التي تنعكس على سعر العروس. كما أن تنفيذها لمتاجر بالجملة يطمس مجهودها كمبتكرة وصانعة لها. لأن صاحب المتجر يعرضها للأسف باسمه دون الإشارة إلى اسمها. وهو الأمر الذي ترفضه.
المعداوي... "فرحتهم لا تقدر بثمن. فالأثر الذي أتركه في قلوب الأطفال، وخاصة البنات، يكفيني"
لذلك تكتفي المعداوي حالياً بتسويق عرائسها بشكل فردي. ففرحة الأطفال التي تصلها بعد اقتناء عرائسها تغنيها عن أي مكسب أو انتشار. تقول "فرحتهم لا تقدر بثمن. فالأثر الذي أتركه في قلوب الأطفال، وخاصة البنات، يكفيني".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...