شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"كنت شاكية ولّيت مُشتكى به"... "هيومن رايتس ووتش" توثّق العنف الرقمي ضد مجتمع الميم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الخميس 23 فبراير 202309:34 ص


في كانون الثاني/ يناير عام 2021، حُكمت رانية العمدوني (27 عاماً)، وهي ناشطة حقوقية وكويرية وممثلة مسرحية وسينمائية، بالسجن ستة أشهر، قضت منها 19 يوماً رهن الاعتقال قبل الإفراج عنها عقب جلسة الاستئناف بكفالة مالية قدرها 216 ديناراً تونسياً (نحو 70 دولاراً أمريكياً).

كانت العمدوني ضحيةً لحملة تحريض وتهديد بالقتل عبر الإنترنت منذ مشاركتها في عدة تظاهرات شعبية مناهضة للحكومة. وقد تداول بعض النواب البرلمانيين التونسيين السابقين صورتها عبر الإنترنت مع تعليقات تشكّل تحريضاً صريحاً للرأي العام ضدها هدّد سلامتها في الفضاء العام. وقد أوقفت أثناء تقديمها شكوى رسمية ضد ما تتعرض له من انتهاكات بعد تعديات لفظية من معاون الأمن الذي كانت تقدم بلاغها لديه.

"كنت شاكية ولّيت مُشتكى به"، تقول رانية التي أشارت إلى ضرر نفسي عميق أُصيبت به إثر عامين من حملات الترهيب والتحريض ضدها، وهو ما دفع بها إلى محاولة الانتحار ثلاث مرات، اثنتان منها أدخلتاها في غيبوبة مؤقتة.

علاوة على ذلك، لم يحذف فيسبوك - الذي انطلق التحريض ضد رانية والتنمر على شكلها وهويتها الجنسية عليه - التعليقات المسيئة رغم تقدمها ببلاغات متكررة. اضطرت الشابة التونسية بدايةً لمغادرة منزلها لوجهة غير معلنة نحو أربعة أشهر خشية التهديدات. واضطرت في نهاية المطاف إلى مغادرة تونس.

"كنت مجبورة نخرج من تونس"، تضيف باكيةً، وتستطرد: "توحشّت كل شيء. توحشّت حبيبتي. نتوحشها برشا. توحشت صُحبتي اللي كانوا يرافقوا فيّا في كل أوقاتي، في كل المحن متاعي، في كل المصاعب متاعي، في كل نجاحاتي وانتصاراتي".

رانية هي واحدة من ضحايا الاستهداف الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من مجتمع الميم الذين سلّطت منظمة هيومن رايتس ووتش الضوء على معاناتهم/ ن في تقرير أطلقته يوم الثلاثاء 21 شباط/ فبراير 2023 في ندوة بالعاصمة اللبنانية بيروت.

شركات التكنولوجيا مدانة أيضاً… هيومن رايتس ووتش توثّق أشكال العنف الرقمي الذي يتعرض له أفراد مجتمع الميم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "برعاية الدولة"

التقرير المعنون "كل هذا الرعب بسبب صورة… الاستهداف الرقمي وعواقبه في الحياة الفعلية على مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" يرد في 135 صفحة، ويرصد انتهاكات عبر الإنترنت وتفتيش غير قانوني للهواتف ترتبت عليها اعتقالات تعسفية وتعذيب بحق أفراد مجتمع الميم في خمس من دول المنطقة هي: لبنان ومصر والأردن وتونس والعراق.

واتهمت "هيومن رايتس" من وصفتهم بـ"عناصر تابعين للدولة" باستهداف المثليين/ ات ومزدوجي/ ات التفضيل الجنسي وعابري/ ات النوع الاجتماعي بناءً على نشاطهم/ ن على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضافت أن قوات الأمن "أوقعت" بأفراد مجتمع الميم على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة، وأخضعتهم للابتزاز والتحرش عبر الإنترنت، وكشفت هويتهم/ ن الجندرية وتوجههم/ ن الجنسي بدون موافقتهم/ ن، واعتمدت في محاكماتهم/ ن على صور رقمية ومحادثات ومعلومات شخصية حصلت عليها بطرق غير مشروعة، في انتهاك صارخ للحق في الخصوصية وغيرها من حقوق الإنسان.

عواقب بعيدة المدى

لا يركز التقرير الحقوقي على توظيف قوات الأمن للاستهداف الرقمي فقط وإنما أيضاً عواقبه البعيدة المدى خارج الإنترنت – بما فيها الاعتقال التعسفي والتعذيب، لجمع وفبركة أدلة مزعومة لدعم محاكماتها غير القانونية.

في هذا الصدد، أوضحت رشا يونس، الباحثة الأولى في حقوق مجتمع الميم في هيومن رايتس ووتش كيف "دمجت السلطات في مصر والعراق والأردن ولبنان وتونس التكنولوجيا في الرقابة على سلوك مجتمع الميم. في حين مكّنت المنصات الرقمية أفراد مجتمع الميم من التعبير عن أنفسهم ورفع أصواتهم، إلا أنها أصبحت أيضاً أدوات قمع برعاية الدولة".

في تقريرها، استندت "هيومن رايتس" إلى 120 مقابلة، 90 منها مع أشخاص من مجتمع الميم تعرضوا للاستهداف الرقمي، و30 مع خبراء في القانون والحقوق الرقمية. وراجعت المنظمة الحقوقية وفنّدت أدلةً على استهداف أفراد مجتمع الميم متداولة عبر الإنترنت، تشمل مقاطع فيديو وصوراً وتهديدات رقمية، وذلك بمساعدة مجموعة من الجمعيات المدافعة عن حقوق مجتمع الميم في الدول الخمس.

ومن الانتهاكات التي وثّقها تقرير "هيومن رايتس"، 45 حالة اعتقال تعسفي لـ40 من أفراد مجتمع الميم الذين استُهدفوا عبر الإنترنت في مصر والأردن ولبنان وتونس. في جميع هذه الحالات، فتّشت قوات الأمن هواتف الأشخاص، بالقوة أو تحت التهديد بالعنف، لجمع معلومات شخصية تمكّن من مقاضاتهم/ ن.

وكشفت مراجعة الملفات القضائية لـ23 من أفراد مجتمع الميم أنهم حوكموا بناءً على أدلة رقمية ووفق قوانين تُجرِّم السلوك الجنسي المثلي، و"التحريض على الفجور"، و"الفسق والفجور"، و"الدعارة"، وقوانين الجرائم الإلكترونية.

لاحظت "هيومن رايتس" أنه تمت تبرئة معظم هؤلاء الأشخاص في مرحلة الاستئناف بينما أُدين أشخاص في خمس حالات، وحكموا بالسَّجن من سنة إلى ثلاث سنوات، ولم تُوجّه تهمٌ إلى 22 آخرين خضعوا للحبس الاحتياطي الذي امتد 52 يوماً في إحدى الحالات من لبنان.

وروى أفراد مجتمع الميم الذين احتُجزوا كيف تعرضوا لانتهاكات عديدة للإجراءات القانونية، بما في ذلك مصادرة هواتفهم، وحرمانهم من الاتصال بمحامين، وإجبارهم على توقيع "اعترافات" بالإكراه.

يضاف إلى ذلك حرمان البعض منهم من الطعام والماء، ومن الزيارات الأسرية، والخدمات الطبية. وأحياناً الاعتداء اللفظي والجسدي والجنسي، والحبس الانفرادي، وحجز النساء العابرات للنوع الاجتماعي بشكل متكرر في زنازين الرجال ما عرضهن للاعتداء الجنسي وغيره من أشكال سوء المعاملة.

في إحدى الحالات التي وثّقتها "هيومن رايتس"، قالت امرأة عابرة احتُجزت في قسم شرطة بمصر إنها تعرضت لاعتداء جنسي مستمر على مدى 13 شهراً.

ووثّقت المنظمة أيضاً 20 حالة تصيّد إلكتروني عبر تطبيقات مثل "غرايندر" للمواعدة و"فيسبوك" للتواصل الاجتماعي عن طريق عناصر أمن أنشأوا حسابات مزيفة وادعوا أنهم من مجتمع الميم للإيقاع بأفراد المجتمع في مصر والعراق والأردن.

وذلك علاوة على 17 حالة موثّقة لابتزاز عبر الإنترنت نفّذها أفراد عاديون على "غرايندر" و"انستغرام" و"فيسبوك" في مصر والعراق والأردن ولبنان، أحياناً على أيدي عصابات منظمة في مصر وجماعات مسلحة في العراق. علماً أن الأشخاص الستة الذين أبلغوا السلطات عن الابتزاز الإلكتروني جرى اعتقالهم.

في السياق ذاته، رصدت "هيومن رايتس" 26 حالة تحرش عبر الإنترنت، تمثّلت في نشر معلومات شخصية بينها أسماء حقيقية وأرقام الهواتف والعناوين، وكشف توجههم الجنسي أو الهوية الجندرية، على فيسبوك وانستغرام في الأردن ولبنان، وتونس.

 "الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد مجتمع الميم على الإنترنت لها عواقب في الحياة الواقعية تمتد إلى جميع جوانب حياتهم وقد تضر بمصادر رزقهم، وصحتهم النفسية، وسلامتهم"

أسفرت هذه التحرشات عن فقدان الضحايا من أفراد مجتمع الميم لوظائفهم/ ن، وتعرضهم/ ن للعنف الأسري، واضطر البعض إلى تغيير أماكن الإقامة وأرقام الهواتف، وحذف الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى الفرار من البلد، و/ أو معاناة عواقب صحية نفسية وخيمة.

ما دور شركات التكنولوجيا؟

أدان تقرير "هيومن رايتس" عمالقة التكنولوجيا في العالم، الشركات التي تمتلك وتدير منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الأخرى بالتواطؤ في العنف الرقمي الذي يتعرض له أفراد مجتمع الميم في المنطقة.

أكد التقرير أن معظم ضحايا التحرش والابتزاز والتهديد عبر الإنترنت - تماماً مثلما فعلت رانية العمدوني - أبلغوا المنصة الرقمية المعنية عن الانتهاكات، و"لم تحذف أي منها المحتوى" المسيء.

ولفتت "هيومن رايتس" إلى أن الوضع القانوني الهشّ لأفراد مجتمع الميم في المنطقة يسهّل استهدافهم عبر الإنترنت، لا سيّما في ظل غياب أي حماية قانونية أو حكومية أو حتّى بتطبيق شروط السلامة الكافية من قبل المنصات الرقمية، وهو ما مكّن قوات الأمن وأفراداً عاديين من استهدافهم/ ن دون عقاب.

وتُلزم "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان" شركات مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولية احترام حقوق الإنسان – بما فيها الحق في عدم التمييز، والخصوصية، وحرية التعبير.

وفي هذا الصدد، قال محمد نجم، المدير التنفيذي لمنظمة "SMEX" المعنية بالحقوق الرقمية، في الندوة، إن شركات التكنولوجيا هي مؤسسات رأسمالية تعتمد في محاولتها ضبط المحتوى عبر منصاتها وتطبيقاتها الاجتماعية على "تقنيات ذكاء اصطناعي (خوارزميات) منحازة"، ملمحاً إلى أن هذه الشركات "غير متعاونة" مع المنظمات الحقوقية بقوله: "المشكلة مع شركات التكنولوجيا أنك تبدأ العمل معها ثم تختفي"، مستطرداً بأن "الضغط الدولي وحده يكون فعالاً مع هذه الشركات".

أما رشا يونس، فأشارت إلى أن شركات التكنولوجيا "لا تتحلى بالشفافية ولا تسمح بتداول البيانات"، بما في ذلك البيانات المتعلقة بعدد مراقبي المحتوى عبر منصاتها الاجتماعية في المنطقة، أو طبيعة التدريبات التي تقدمها لموظفيها قبل الاضطلاع بهذا الدور، وهو ما يصعّب على المنظمات الحقوقية مساعدتها في تقديم حلول لضبط المحتوى ومكافحة خطاب الكراهية والتحريض ضد مجتمع الميم.

شركات التكنولوجيا هي مؤسسات رأسمالية تعتمد في محاولتها ضبط المحتوى عبر منصاتها وتطبيقاتها الاجتماعية على "تقنيات ذكاء اصطناعي (خوارزميات) منحازة".

كيف نحمي أفراد مجتمع الميم رقمياً؟

وفي ختام تقريرها، قدّمت "هيومن رايتس" مجموعة من التوصيّات للحد من الانتهاكات الرقمية لأفراد مجتمع الميم في الدول الخمس خاصةً، وفي المنطقة وعبر الإنترنت عامة.

مع تأكيدها على أن "المنصات الرقمية، لا تفعل ما يكفي لحماية المستخدمين المعرضين للاستهداف الرقمي"، أوصت المنظمة الحقوقية هذه المنصات الرقمية ب"الاستثمار في إدارة المحتوى، لا سيّما باللغة العربية، عبر الإزالة السريعة للمحتوى الذي ينطوي على انتهاكات والمحتوى الذي قد يُعرّض المستخدمين للخطر" و"إجراء العناية الواجبة بحقوق الإنسان والتي تشمل تحديد الآثار السلبية المحتملة والفعلية للاستهداف الرقمي على حقوق الإنسان ومنعها وتخفيفها ومعالجتها والمحاسبة عليها".

وحثّت في الوقت نفسه الدول العربية الخمس المذكورة في التقرير على احترام التزاماتها التي يفرضها القانون الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان عبر "التصدي للانتهاكات ضد مجتمع الميم" و"احترام حقوق أفراد مجتمع الميم وحمايتها بدلاً من تجريم تعبيرهم واستهدافهم على الإنترنت".

واقترحت على حكومات ومشرّعي هذه الدول أيضاً "سنّ وإنفاذ قوانين تحمي الأشخاص من التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية، في الحياة الواقعية وعلى الإنترنت".

وختمت رشا يونس بأن "الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد مجتمع الميم على الإنترنت لها عواقب في الحياة الواقعية تمتد إلى جميع جوانب حياتهم وقد تضر بمصادر رزقهم، وصحتهم النفسية، وسلامتهم"، داعيةً السلطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى "وقف استهداف أفراد مجتمع الميم، سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها" وشركات مواقع التواصل الاجتماعي إلى "تخفيف الآثار السلبية للاستهداف الرقمي بتوفير حماية أفضل لأفراد مجتمع الميم على منصاتها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الأفراد في مجتمعاتنا مختلفون/ ات، ومتنوعون/ ات، وكي نبني مجتمعات كريمةً وعادلةً، لا يسعنا سوى تقبّل هذا الاختلاف والبناء عليه، واحترام قيمة الإنسان في الدرجة الأولى. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فهي جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image