شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الجميلة التي حشدت عاملات الجنس وقادت صفوف الانقلاب ضد محمد مصدق… ملكة اعتضادي

الجميلة التي حشدت عاملات الجنس وقادت صفوف الانقلاب ضد محمد مصدق… ملكة اعتضادي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 20 فبراير 202304:29 م

"ألو ألو، هنا طهران... مصدق الخائن قد هرب!". كانت أول رسالة تبثها الإذاعة الوطنية الإيرانية بعد حدوث الانقلاب ضد رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق سنة 1953، وقد نطق بها العسكري السابق والعضو في البرلمان مهدي مير أشرافي.

ما زال الانقلاب الذي يعرف في إيران باسم "كودتا 28 مُرداد" (19 آب/أغسطس  1953) وهو التاريخ حسب التقويم الإيراني، يمثل جرحاً تتذكره المخيلة الوطنية، إذ لم تنس مساهمة البريطانيين والأمريكان ضد استكمال طريق الديمقراطية في إيران، وجني ثمار الجهود الوطنية التي بذلت في سبيل تحقيق السيادة الوطنية.

من بين الموالين للنظام الملكي، حضرت امرأة باسم ملكة اعتضادي في الإذاعة الوطنية لتتحدث عن "ثورة شعبية مساندة" للشاه ضد رئيس الوزراء مصدق، كي تكون بذلك أول الشخصيات الانقلابية المتحدثة في الإذاعة بعد البرلماني مير أشرافي 

كان إلى جانب المؤامرات الأجنبية ونزول الجيش الملكي إلى الشوارع، ودعم بعض العناصر الداخلية كرجال الدين للانقلاب ضد محمد مصدق، دور للبلطجين وأنصار الشاه في شوارع طهران، سجله التاريخ المعاصر الإيراني في صفحاته من ذاك الجرح العميق.

ومن بين الموالين للنظام الملكي، حضرت امرأة باسم ملكة اعتضادي في الإذاعة الوطنية لتتحدث عن "ثورة شعبية مساندة" للشاه ضد رئيس الوزراء مصدق، كي تكون بذلك أول الشخصيات الانقلابية المتحدثة في الإذاعة بعد البرلماني مير أشرافي الذي صدح بعبارة: "ألو ألو، هنا طهران... مصدق الخائن قد هرب!”.


في 19 أب/أغسطس 1953، أعلن الملك محمد رضا بَهْلَوي، آخر شاه إيران، لرئيس الوزراء محمد مصدق، على أنه ينوي السفر إلى خارج إيران وعليه القدوم إلى القصر لتوديعه. في نفس الوقت الذي أتى فيه مصدق إلى قصر الشاه، اتجمع بعض البلطجية والعسكريين القدماء أمام القصر.

ووثقت الصورة التي التقطت من المتجمعين شابةً جميلة وأنيقة بمظهرها، رافعة صورة الشاه وتهتف بشعارات بفم فاغر وقبضة يدها الأخرى، واقفة وسط الحشود وكأنهم يحمونها.

بعد لحظات من التقاط هذه الصورة، رفعها الرجال فوق رؤوسهم لتقودهم أمام القصر الملكي في مطالبتهم بعدم مغادرة الشاه، البلادَ. وفي أثناء الأصوات التي تتعالى ضد الرئيس مصدق، يطل الشاه من شرفته يشكر المحتجين ويوعدهم بالبقاء في البلد.

كان هناك مشهد سياسي ملتهب في تلك الأيام بين أنصار مصدق الوطني المتطرف الذي يطالب بعدم تدخل الشاه في الشؤون الحكومية وإدارة البلاد، وبين أنصار الشاه الشاب المدعوم بريطانياً وأمريكياً حسب مصالحهم، والمدعوم أيضاً من بعض التيار الديني المدافع عن النظام الملكي.

وتعتبر هذه الأحداث خطة أرادها الأمريكان والبريطانيون، تتضمن فوضى واحتجاجات شعبية ضد حكومة مصدق كي يُفتح المجال أمام عزله من قبل الشاه الخائف. ويمكن الإشارة إلى بعض الشخصيات المعروفة في هذه الأحداث والذين قد كانوا قادة مجموعات بلطجية طهران، مثل شعبان جعفري المشهور بـ"شعبان المجنون" أو "شعبان بلا مُخ"، وأمير زرين كيا المعروف بـ"أمير ذي الشعر الأشقر"، وأحمد عشقي وآخرين. كل هؤلاء كانوا على علاقة بمكتب رجل الدين البارز آية الله أبو القاسم الكاشاني، الرفيق السابق لرئيس الوزراء والمتحالف الجديد مع الشاه.

قُدرت الجماهير المحتشدة أمام قصر الشاه في يوم الانقلاب ضد محمد مصدق، بين ألف وثلاثة آلاف شخص، كما تفيد بعض المصادر التاريخية بأن ملكة استطاعت حشد نحو 4 آلاف من عاملات الجنس في هذا الحدث. في ذلك اليوم، وإلى جانب البلطجية شاركت أيضاً مجموعة أخرى، تضمنت أتباع المرجع الديني البارز آية الله البهبهاني، مرتدين الأكفان ومهددين أصحاب سوق طهران الكبير بإغلاق محلاتهم قبل الوصول إلى القصر.

يذكر العسكري البارز ومدير نادي التاج الرياضي برويز خُسرواني، أن علي رضا شقيق الشاه، كان قد دفع أموالاً لأعضاء ومشجعي النادي كي يشاركوا في تلك الحادثة لصالح الشاه.

وفقاً للخطة، كان من المقرر أن يُقتل رئيس الوزراء محمد مصدق حين خروجه من القصر، ولكن فشلت خطة قتله حيث غادر من باب آخر، فتبددت أفكار المخططين ضد مصدق إذ هرب العصفور من القفص، ثم قرروا مهاجمة منزله، بيد أنّه كان قد تركه أيضاً.

بعد وقوع هذه الأحداث، تم اعتقال محمد مصدق وحكم عليه بالسجن لـ3سنوات، ثم تم نفيه إلى منطقة "أحمد آباد" قرب طهران، وبقى هناك قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته.

مذكرات صحفي مصري من ملكة اعتضادي

يشرح الصحافي المصري موسى صبري، مراسل صحيفة "أخبار اليوم"، والذي كان متواجداً في تلك الأيام في العاصمة طهران وأجرى حواراً مع اعتضادي: "سألها أحد أصدقائها المقربين: هل سمعتِ بأنّ الشاه يريد ترك إيران للأبد؟ لم ترد على ذلك السؤال، لكن تداعيات رأيها ظهرت في يوم 28 شباط/فبراير، إذ رأى سكان طهران لأول مرة امرأة شابة تقود مظاهرات. ورفعها المتظاهرون بينما كانت صورة الشاه في يدها كانت قبضتها الثانية تتحرك مطلقة شعار عاش الشاه".

كانت ملكة اعتضادي، امرأة متعلّمة من أحفاد أحد ملوك السلالة القاجارية التي أطاح بها والد محمد رضا شاه. بعد إنهاء دراستها الابتدائية في إيران، ذهبت على حسابها الخاص إلى أمريكا لتدرس هناك وحصلت على شهادة الخياطة والتصميم والموضة بعد سبعة أعوام من الدراسة في جامعة سيراكيوز في نيويورك.

وحسب رواية الصحافي موسى صبري، انتُخبت ملكة عبر مشاركتها في اختبار في الولايات المتحدة الأمريكية كـ"ملكة الذكاء". في هذا الاختبار سُئل 15 ألف شخصاً أسئلة حول التاريخ والسياسة والاجتماع وكان الوقت المعين للإجابة على كلّ سؤال هو دقيقة واحدة، ففازت اعتضادي بعد إجابتها على 28 سؤالاً في 28 دقيقة.  

ملكة الحارة وقصص جنسية

بعد عودتها إلى الوطن، افتتحت ملكة صالةَ أزياء في طهران ومن هذه الصالة، امتدت سلطتها في حارة "قلعة" السيئة السمعة في العاصمة. كانت حارة قلعة، المكان المخصص للعمل في الجنس. وكانت اعتضادي تُسمى في تلك الفترة "ملكة حارة قلعة". كما ينقل التاريخ المعاصر روايات عن علاقاتها الجنسية مع رجال السياسية والبلاط، ويظن البعض أنها كانت حبيبة الشاه.

أصدرت اعتضادي مجلة "السيّدات" (بالفارسية: بانُوان)، وكتبت الكثير من القصص الجريئة عن العلاقات الجنسية في صحف أخرى، ووجدت قصصها جمهوراً كبيراً بين الرجال، وقد جُمعت هذه الحكايات في كتاب في ما بعد. كما كان لاعتضادي كتاب آخر حول حياتها تحت مسمى "اعترافاتي".

حاولت اعتضادي تأسيس حزب سياسي باسم "ذو الفقار"، وذوالفقار هو اسم سيف الإمام علي بن أبي طالب. يظهر بين أعضاء هذا الحزب أسماء الكثير من أبناء علماء الدين والتجار. أدى الحزب دوراً محورياً في أحداث الانقلاب ضد محمد مصدق. ويرجح الظن أن حزب اعتضادي كان مدعوماً من بلاط الشاه مالياً، ومن أبناء رجل الدين آية الله البهبهاني معنوياً وتنظيمياً.

جلست ملكة خلف محمد مصدق في قاعة المحكمة، وعندما كان الأخير يدافع عن نفسه بحرارة وترتجف يداه، صدحت اعتضادي من الخلف بسخرية: "إنه رجل سياسي عجوز، ذهب بالبلاد إلى حافية الانهيار، ليس له أن يخاف ويرتجف من محكمة شرعت بمحاكمته على خيانته"

كما ظهر في نفس الفترة حزبان آخران يتشابهان مع حزب "ذو الفقار"، كان القاسم المشترك بين الأحزاب الثلاث، معاداتهم للشيوعية ولمحمد مصدق أيضاً. أحد الحزبين هو حزب "سومكا" وكانت له ميول نازية وشعاره الصليب المعكوف. وكان يربط أعضاءه شعار الصليب المعكوف على أذرعهم، حتى أنهم كانوا يؤدون التحية النازية ومبادئ حزب هتلر النازي. وكانت علاقة سومكا وذو الفقار قوية وكان الكثير من الأعضاء متواجدين في كلا الحزبين.

أمان لبائعات الهوى وحضور في محكمة مصدق

بعد نجاح الانقلاب ضد محمد مصدق، مُنحت اعتضادي الشابة أسهماً في البنك الوطني وعقارات كمكافأة، وكان لها متابعات في إعمار حارة "قلعة"، وكذلك استطاعت توفير أمان أكثر لعاملات الجنس.

في صورة منها، مسجلة في التاريخ الإيراني، تجلس ملكة خلف محمد مصدق في قاعة المحكمة، وعندما كان الأخير يدافع عن نفسه بحرارة وترتجف يداه، صدحت اعتضادي من الخلف بسخرية: "إنه رجل سياسي عجوز، ذهب بالبلاد إلى حافية الانهيار، ليس له أن يخاف ويرتجف من محكمة شرعت بمحاكمته على خيانته".

امصدق -الذي كان يُعد متحدثاً بارعاً بين ساسة البلاد المعاصرين والحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من سويسرا- إلى خلفه وعرف أن مصدر الصوت هي التي هاجمت منزله، فرد عليها: "أيتها السيدة، مئذنة جُنبان في إصفهان تهتز منذ قرون ولكنها مازالت قائمة!"٬ في إشارة منه إلى المئذنة الشهيرة في مدينة إصفهان الإيرانية والتي تتميز باهتزازها بطريقة غريبة. يتحدث التاريخ أن معظم الحاضرين في جلسة المحكمة وحتى القاضي ضحك بعد رد مصدق الصريح والملتبس، وملكة تركت القاعة من خجلها بعد رد مصدق.

وفقاً للمصادر التاريخية، قبل إعلان الإطاحة بمحمد رضا شاه وانتصار الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران، غادرت اعتضادي البلاد نحو إسرائيل وقطنت هناك حتى وفاتها. لا يُعلم كيف ماتت ملكة اعتضادي بالتحديد وسط اعتقاد البعض بأنها قُتلت. وبرغم وفاتها، لكنها باقية في الذاكرة السياسية الإيرانية باعتبارها شخصية قامت من خلال نفوذها بدور بارز في الإطاحة بحكومة محمد مصدق، وحصلت على مكافأة كبيرة من أجل ما قامت به ضد رئيس الوزراء. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image