"كيف يمكن الوصول إلى السيناريست ماهر عواد؟". كانت الإجابة وقتها، قبل 25 سنة، هي نفس الإجابة التي ستجدها الآن لو كررت السؤال: "لا تحاول، كان غيرك أشطر".
كنا وقتها في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر 1998 نقوم بعمل عدد خاص من مجلة (الكواكب)، قرر رئيس تحريرها الناقد الكبير رجاء النقاش أن يصدره تكريماً للفنانة الرائعة سعاد حسني، تضامناً معها ضد حملة التشنيعات والشائعات التي بدأها مقال منحط في مجلة (روز اليوسف) ادعت كاتبته مديحة عزت أن سعاد حسني شوهدت تأكل من صناديق القمامة في لندن، زاعمة أن ذلك حدث بعد أن قرر رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري وقف علاجها على نفقة الدولة، كان ذلك القرار التعيس قد حدث بالفعل، لكن سعاد لم تكن تعيش في حالة مزرية ولم تطلب مساعدة أحد غير نفسها وأصدقائها المقربين، ولذلك جرحها بشدة أن تجد نفسها عرضة للقيل والقال بشكل كان وقعه عليها أشد من تخلي الدولة المصرية عن مساعدتها في استكمال علاجها.
كنت في غاية الحماس للمشاركة في عدد المجلة التي كنت قد بدأت كتابة مقال أسبوعي فيها قبل أشهر، واقترحت عدة أفكار وافق الأستاذ رجاء عليها جميعاً وإن كان قد تشكك في إمكانية تسليمها في الموعد، لكنني قمت بإنجاز كل تلك الأفكار في الموعد: تحقيق تحدث فيه أبرز النجوم الذين شاركوا في بطولة أفلام سعاد حسني: أحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز ومحمود ياسين وحسين فهمي وكمال الشناوي ـ تقرير عن دور الشاعر والمخرج والصحفي عبد الرحمن الخميسي في اكتشافها شاركني فيه الكاتب الكبير محمود السعدني بمعلومات قيمة ـ تحقيق عن دور الفنان والشاعر العظيم صلاح جاهين في تبني سعاد حسني ودعمها تحدث فيه الكثير من أبناء جيلها والأجيال التالية لها ـ حوار مع المخرج الكبير علي بدرخان عن علاقته بسعاد حسني كزوج وكمخرج.
لم يكن سقوط (الدرجة الثالثة) عادياً، لأن الجمهور لم ينفض عنه بعد أيام من عرضه، بل حدث ذلك منذ حفلاته الأولى، مما يعني أن الجمهور لم تتح له الفرصة لمشاهدته قبل رفضه
الفكرة الوحيدة التي تأخر عمل تقرير عنها، كانت عن فيلم (الدرجة الثالثة) الذي لم تكن الصحافة تذكر اسمه أو سيرته إلا بوصفه الفيلم الذي تسبب في الأزمة الصحية والنفسية التي جرت لسعاد حسني، لأن فشله الذريع بعد عرضه في صيف 1988 تسبب في انفضاض المنتجين عنها، وأدى إلى أن تنشغل الصحافة بالحديث عن سقوط "السندريلا" من على عرش السينما الذي أصبحت تتربع عليه "نجمة الجماهير" نادية الجندي بمنافسة قوية من "نجمة مصر الأولى" نبيلة عبيد، ويزداد معدل نشر الأخبار عن تدهور صحة سعاد التي كانت تعاني من آلام في الظهر بعد أن أصيبت خلال تصوير واحدة من أغاني فيلم (المتوحشة)، وهو ما أدى إلى زيادة وزنها بسبب حقن الكورتيزون.
لم يكن سقوط (الدرجة الثالثة) عادياً، لأن الجمهور لم ينفض عنه بعد أيام من عرضه، بل حدث ذلك منذ حفلاته الأولى، مما يعني أن الجمهور لم تتح له الفرصة لمشاهدته قبل رفضه، ومع أن سعاد حسني كانت قد اختبرت تراجع الإيرادات من قبل في أفلام عالية المستوى الفني مثل (الاختيار ـ الجوع ـ المتوحشة)، إلا أن الكل كان يتوقع أن يكون (الدرجة الثالثة) أكثر جماهيرية، على الأقل بسبب موضوعه الذي يدور بشكل كوميدي في عالم كرة القدم، وتمتعه بقوة دفع نجاح ثنائي مسلسل (هو وهي) المكون من سعاد وأحمد زكي، لكن ذلك لم يحدث.
حاولت سعاد حسني أن تبرر ما جرى للفيلم في حوار نشرته صحيفة (أخبار اليوم)، قالت فيه إنه "بعد الانتهاء من تصوير سبع علب كاملة تم نقلها في سيارة تاكسي إلى المعمل لطبعها وتحميضها لكن هذه العلب فقدت وكانت تضم العديد من المشاهد الهامة للفيلم ولها كبطلة، ولأن منتج الفيلم كان قد اتفق بالفعل على موعد عرض الفيلم في 13 دار سينما، لم يكن أمام فريق العمل سوى المغامرة وعرض الفيلم في موعده"، مؤكدة أن موقف الجمهور من الفيلم كان سيتغير لو كان قد عرض كاملاً، وهو ما لم يعلق عليه أي من فريق العمل ولم تحاول الصحافة البحث عن العلب أو حتى السؤال عن سر عدم إبلاغ البوليس عنها ولو حتى للتحقق من عدم وجود مؤامرة فنية على سعاد وفيلمها، لأنه ببساطة لم يكن هناك علب مفقودة، ولا يدري أحد ممن سألتهم عن هذا التصريح، لماذا أدلت سعاد به، وإن كان بعضهم قد شكك في أن تكون قالت هذا الكلام أصلاً.
لم تحاول الصحافة البحث عن العلب أو حتى السؤال عن سر عدم إبلاغ البوليس عنها ولو حتى للتحقق من عدم وجود مؤامرة فنية على سعاد وفيلمها، لأنه ببساطة لم يكن هناك علب مفقودة، ولا يدري أحد ممن سألتهم عن هذا التصريح، لماذا أدلت سعاد به، وإن كان بعضهم قد شكك في أن تكون قالت هذا الكلام أصلاً
كان الضغط المعنوي شديداً على سعاد حسني في الفترة التي أعقبت عرض الفيلم، لأن كثيراً من الأقلام التي نقدت العمل لم تحمّل مسؤولية فشل الفيلم للمخرج الشاب شريف عرفة والكاتب الشاب ماهر عواد، بل أشادت بهما وحسبت العمل لهما خطوة جديدة في الاتجاه الصحيح بعد فيلمهما الأول (الأقزام قادمون)، واختار أصحابها الهجوم على سعاد حسني وطريقتها في الأداء. فعل البعض ذلك بهدوء وحذر، لكن البعض فعله بقسوة، خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر ما كتبه الناقد مجدي الطيب الذي أشاد بماهر وشريف وتميزهما الفني وجرأتهما في الطرح، لكنه قال إن سعاد حسني "أهدرت طاقتها بغير وعي، وفقدت بهذا الدور مساحة كبيرة كافحت طويلاً لتحتلها وأبت ألا أن تزعج جمهورها الذي انتظرها طويلاً بهذه العصبية والتشنج في الأداء وكأنها تكرر أدوارها في صغيرة على الحب أو في هو وهي والفرق لو تعلم كبير جداً، فهلا راجعت نفسها قليلا؟".
تجاهلت سعاد حسني الهجوم النقدي الذي لقيه أداءها، ولم ترد ولو حتى بتنبيه النقاد إلى أن المخرج هو الذي يتحكم في طريقة أداء الممثل خلال توجيهه إليه، ولذلك لا يعقل أن تحيي المخرج بشدة ثم تلوم الممثل على طريقة أدائه تحت إدارة المخرج، وفي الوقت نفسه لم يظهر في كل ما نشر معها من حوارات أن زواجها الجديد من ماهر عواد قد تأثر بالأزمة الطاحنة للفيلم، بل تكررت إشاراتها إلى أنها وضعت الفيلم خلف ظهرها، وأنها تعيش مع زوجها المؤلف في هدوء وسلام لا يعكره سوى معاناتها من آلام المعدة التي حرمتها من الطعام التقليدي منذ عامين، معلنة أنها تستعد لفيلم غنائي استعراضي مع خيري بشارة ولذلك تمارس الجري والتمارين في نادي الجزيرة مما أنقص وزنها إلى 75 كيلو وهو وزن ترى أنه مقبول وسيساعدها في مشاريعها الفنية القادمة التي سيكون من بينها أيضاً فيلم من تأليف ماهر عواد وآخر من تأليف بشير الديك، بالإضافة إلى تصوير ثلاث حلقات إضافية من مسلسل (هو وهي) كان صلاح جاهين قد انتهى من كتابتها قبل وفاته، ووافقت سعاد وأحمد زكي على تصويرها مع المخرج يحيى العلمي ليتم عرضها تكريماً لأستاذها وأبيها الروحي صلاح جاهين.
تجاهلت سعاد حسني الهجوم النقدي الذي لقيه أداءها، ولم ترد ولو حتى بتنبيه النقاد إلى أن المخرج هو الذي يتحكم في طريقة أداء الممثل خلال توجيهه إليه، ولذلك لا يعقل أن تحيي المخرج بشدة ثم تلوم الممثل على طريقة أدائه تحت إدارة المخرج
لم ير أي من هذه الأعمال طريقه إلى النور مع الأسف، فبعد (الدرجة الثالثة) ابتعدت سعاد حسني عن استوديوهات السينما لعدة أعوام، وعادت بعد غيبة طويلة عن الكاميرات وبشكل استثنائي مع فيلم (الراعي والنساء) الذي وافقت على المشاركة فيه مع أحمد زكي ويسرا، قبل أن ينتهي علاج ظهرها، تضامناً مع زوجها السابق المخرج علي بدرخان الذي كان يسابق الزمن لإنجاز فيلمه المأخوذ عن مسرحية (جزيرة الماعز)، قبل أن ينتهي زميله المخرج خيري بشارة من تصوير فيلم عن نفس المسرحية بعنوان (رغبة متوحشة)، كتبه وحيد حامد لكي تمثله نادية الجندي التي صدقت أنها المتربعة على عرش السينما بعد أن انتهى "زمن سعاد حسني"، وبرغم مرور عدة سنوات على ما جرى مع (الدرجة الثالثة) إلا أن شبحه ظل مخيماً على عروض (الراعي والنساء) الخاصة والعامة، ومع أن سعاد قدمت في (الراعي والنساء) أداءً رائعاً جلب لها عدة جوائز، إلا أن الحديث عن (الدرجة الثالثة) ودوره في أزمة سعاد حسني تجدد بعد تعثر إيرادات (الراعي والنساء) مقارنة بإيرادات (رغبة متوحشة) التي كانت أقل مما اعتادت عليه نادية الجندي في إيراداتها، لتعلن سعاد عن سفرها إلى لندن للعلاج وإنقاص الوزن، وكلما تأخرت في العودة المرتقبة كلما تجدد الحديث عن أزمتها وعذاباتها ودور (الدرجة الثالثة) في صنع كل ذلك.
قبل أن أشاهد (الدرجة الثالثة) الذي تبخر من دور العرض قبل أن نراه، كنت قد وقعت في غرام مؤلفه ماهر عواد ومخرجه شريف عرفة الذين أحببت عالمهما السينمائي بعد أن شاهدت فيلميهما الجميلين (سمع هس) و(يا مهلبية يا) الذين أنتجا بعد فيلم (الدرجة الثالثة) ولعبت بطولتهما بجدارة ليلى علوي، لكن مجمل التغطية الصحفية لم ينشغل بإبداع ليلى علوي في أداء الدورين، بقدر ما انشغل بأنها جاءت بديلاً لسعاد حسني التي كان يفترض أن تلعب بطولة الفيلمين، لولا ما حدث في (الدرجة الثالثة)، وحين شاهدت فيلمهما الأول (الأقزام قادمون) في عرض تلفزيوني ازددت لهما حباً.
قبل أن أشاهد (الدرجة الثالثة) الذي وجدت نسخة منه بالعافية في أحد أكشاك بيع الفيديو في شارع الشواربي، كنت متأثراً بالانطباع الذي قرأت عنه كثيراً، وهو أنني بصدد عمل رمزي معقد لم يفهمه الجمهور، لكنني وجدت الفيلم ممتعاً وبعيداً عن الغموض والإلغاز، ولم يكن نشازاً على عالم ماهر عواد وشريف عرفة المنشغل بثنائية الحرية والقهر، والمعبر بسخرية ذكية عن المأزق المفروض على الفنان في بلادنا، حين يحاول أن يطارد أحلامه بعيداً عن قيود السلطة ورأس المال، ولم تكن رموز (الدرجة الثالثة) مشفرة أو غامضة، لأنه كان يحكي بسخرية واضحة عن جوهر الصراع اليومي الذي يعيشه كل مواطن في بلادنا المحمية بالحرامية.
قبل أن أشاهد (الدرجة الثالثة) الذي وجدت نسخة منه بالعافية في أحد أكشاك بيع الفيديو في شارع الشواربي، كنت متأثراً بالانطباع الذي قرأت عنه كثيراً، وهو أنني بصدد عمل رمزي معقد لم يفهمه الجمهور، لكنني وجدت الفيلم ممتعاً وبعيداً عن الغموض والإلغاز
لا يحتاج المشاهد إلى الكثير من العمق لكي يفهم ما الذي يقصده ماهر وشريف بحديثهما عن جمعية حبايب النادي المسيطرة على أحد الأندية الرياضية والتي يرأسها جميل راتب، ولن يجد صعوبة في التماهي مع جمهور الدرجة الثالثة الذي يقوده البائعان العاشقان منّاعة وسرور، لتتعرض قصة حبهما لاختبار بعد أن يحدث تمرد من جمهور الدرجة الثالثة على أحوال النادي المزرية، فتحاول قيادة النادي تحجيم التمرد بدعوة سرور لكي ينضم إلى مجلس جمعية حبايب النادي، ليصدق جمهور الدرجة الثالثة أن له تمثيلاً في أعلى مراكز اتخاذ القرار، وهو ما تقاومه حبيبته مناعة التي تؤمن أن "الحداية ما بتحدفش كتاكيت"، وبعد أن يسقط سرور في إغراء خيانة أهله، يستفيق من الوهم، وينضم إلى منّاعة وجمهور الدرجة الثالثة في المواجهة مع رئيس جمعية حبايب النادي الذي يقوم بتهريب أمواله إلى نادٍ آخر، وينجح تضامن جمهور الدرجة الثالثة في استرداد النادي من خاطفيه.
حين أخبرت الأستاذ رجاء النقاش بفشلي في الوصول إلى ماهر عواد، مفضلاً تأجيل الحديث عن فيلم (الدرجة الثالثة) حتى ألتقي به في المستقبل، قال إنه سينشر تقريراً موجزاً عن الفيلم على صفحتين، لأن من المهم ألا يخلو العدد من توجيه تحية إلى هذا الفيلم الذي يستحق رد الاعتبار وإعادة التقييم، وبالفعل نشر التقرير الموجز الذي كتبته عن الفيلم تحت عنوان: "سعاد.. لا تحزني فقد قدمتِ فيلماً جميلاً.. رد الاعتبار للفيلم الذي جرح سعاد حسني!"، وجاء نصه كالتالي:
"هل تحب مشاهدة فيلم (بين السماء والأرض)، وفيلم (باب الحديد)، وفيلم (البوسطجي)، وفيلم (السقا مات)، وفيلم (السوق السوداء)؟ بالتأكيد ستجيب: نعم، فمن لا يحب هذه الأفلام العظيمة الجميلة؟
طيب، هل تتخيل أن هذه الأفلام فشلت فشلاً جماهيرياً ذريعاً، بل وتعرض مخرجوها للإهانة والضرب والتحقير أحياناً، ثم مرت الأيام وأنصف الله هؤلاء المخرجين وأقر أعينهم بنجاح هذه الأفلام وتحولها إلى أفلام جماهيرية. وفي رأيي أن فيلم (الدرجة الثالثة) الذي أخرجه المبدع شريف عرفة وكتبه المبدع ماهر عواد، ولعبت بطولته النجمة سعاد حسني مع النجم أحمد زكي، والذي لم يصادف نجاحاً جماهيرياً عند عرضه السينمائي الأول سيجد يوماً ما من يرد له الاعتبار وستقر أعين صناعه بنجاحه ووصوله إلى مستحقيه، فهو بالفعل جميل ورائع، وأنا واثق أنه سيجد طريقه إلى الناس شأن كل فن جميل.
طيب، هل تتخيل أن هذه الأفلام فشلت فشلاً جماهيرياً ذريعاً، بل وتعرض مخرجوها للإهانة والضرب والتحقير أحياناً، ثم مرت الأيام وأنصف الله هؤلاء المخرجين وأقر أعينهم بنجاح هذه الأفلام وتحولها إلى أفلام جماهيرية
سألت مخرج الفيلم الفنان شريف عرفة عن الظروف التي صاحبت صنع الفيلم وانطباعه عنه بعد كل هذه السنوات على عرضه فقال:
"لما بدأنا في صنع الفيلم كنا جميعا بما فينا سعاد حسني عايزين نعمل حاجة جديدة، وأي حاجة جديدة بيبقى لها أثر إيجابي وأثر سلبي، ولو لم يكن لفيلمنا من فضل سوى أنه جعل ناس تانيين يخرجوا عن الشكل التقليدي ويجربوا نفس المفهوم لكفانا، لازم حد يبدأ التجديد أياً كانت الضريبة وعلى النقاد على الأقل مساندة تجربة جديدة. عندما أنظر إلى هذا الفيلم الآن أنظر له بعين الإعجاب، وأستغرب أنني وأنا لم أكمل 26 سنة وقتها، صنعت فيلما بكل هذا النضج، أنا ما عملتش فيلم أنا مش فخور بيه لكن الفيلم ده بالتحديد بيدهشني. الفيلم كان فيه أغاني معمولة مخصوص عشانه لكن الظروف الصحية التي مرت بها سعاد حسني لم تساعدنا على عمل الأغاني، لكن سعاد أدت دور عبقري، وأحمد زكي أدى أحد أحسن أدواره على شاشة السينما.
لا أحب الحديث عن مشاكل الفيلم، أي فيلم، لأن ما يبقى هو الفيلم نفسه، وأؤمن بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، لأنني أعرف جيدا الظروف التي صنعت فيها أفلامي، ومؤمن بإني لم أبخل بأي جهد لصناعتها على أكمل وجه، وصدقني لو الفيلم ده اتعمل دلوقتي ما كانش قوبل بنفس الهجوم الذي هوجم به، في طبعا نقاد وقفوا معانا، لكن في نقاد قعدوا يشتمونا لأكثر من سنة ويتهموننا بإننا عملنا مصيبة، شوف احنا بنعيش في واقع سينمائي به ظروف كثيرة منها توقيت نزول الفيلم وطبيعة الدعاية بتاعته، لكن بالأمانة عدم نجاح فيلم الدرجة التالتة كان من أول حفلة. يعني كان فيه شيء غلط لا ذنب لنا فيه. عموما احنا اتعلمنا حاجات كتير منه بعد كده، وده كل اللي أقدر أقوله عن الفيلم ده، وهاسيب الحكم عليه للمشاهدين وللزمن".
من النقاد القلائل الذين أنصفوا الفيلم سألت الناقد الكبير سمير فريد الذي أكد أن الفيلم يلح بشكل مبدع على فكرة الظلم الاجتماعي الذي يتمثل في ظلم المقصورة وأهلها للدرجة الثالثة وأهلها، معتبراً أن شريف عرفة أثبت في هذا الفيلم أن موهبته السينمائية من أكبر المواهب في السينما العربية وهو ما يذكرنا بروائع السينما الخالصة، مؤكداً أن سعاد حسني أدركت بموهبتها الجبارة وخبرتها العريضة أن دورها يحتاج إلى أداء كاريكاتوري صارخ فأبدعت في هذا الدور، وقال إن سبب الفشل التجاري للفيلم في رأيه أن جمهور السينما لم يعد يقبل الرمزية بعد أن شاهد العديد من الأفلام الفنية والتجارية التي تنقد الواقع بوضوح وعنف.
أما الناقد الكبير كمال رمزي فقد رأى أن الفيلم جزء من رؤية لا يستهان بها للثنائي ماهر عواد وشريف عرفة الذين يمثلان جناحي طائر يحلق في آفاق بعيدة، وهما جزء من تيار يمكن أن نطلق عليه تعبير الواقعية السحرية يضم محمد شبل في أنياب ورأفت الميهي في سمك لبن تمر هندي بالتحديد والفنان الكبير صلاح أبو سيف في البداية، وأنهما قدما في فيلم (الدرجة الثالثة) اختزالا لمجتمع كامل وخاضا في منطقة وعرة سارا فيها عدة خطوات بشجاعة في التعبير عن تيارات المجتمع ومشاكله بالحركات الإيقاعية والرقصات واللفتات، لكن هذا الأسلوب لم ينتظم الفيلم كله فكان الثنائي المحلق يهبط أحيانا محاولا شرح ما يرمز له فيصطدم بالأرض ثم يحاول الطيران من جديد، لكن الفيلم كان يحتاج إلى جرأة أكثر وأن تصل الخطوط اللامعة فيه إلى نهايتها.
وعن الفشل التجاري للفيلم قال كمال رمزي: "يجب أن نتذكر أن باب الحديد فشل وبين السماء والأرض فشل، والبحث عن سيد مرزوق لم ينجح جماهيريا، وهو من القطع الثمينة في السينما، ومن لا يذكر مثلا فيلم السوق السوداء للمخرج كامل التلمساني بتبجيل الآن رغم أن فريق عمله انضربوا علقة من الجمهور في ليلة العرض الأول وبعضهم هرب من الأبواب الخلفية لأن الفيلم كان يهاجم الجمهور الذي يتفرج أو هكذا وصل الأمر للجمهور. وبعيدا عن أي حسابات تجارية سيظل فيلم الدرجة الثالثة محاولة جريئة لصناعة الواقعية السحرية وسيتم تحليله كظاهرة من أهم نتائجه أنها ستجعل حتى لدى المخرجين التقليديين شجاعة في الخيال وربما تحسن مستواهم في الطرح السينمائي".
سألت بعدها النجم أحمد زكي شريك سعاد حسني في البطولة عن رأيه في الفيلم وظروف صنعه وأسباب تعثره والرسالة التي يحب أن يوجهها إلى سعاد حسني بخصوصه فقال: "أعتقد إن الفيلم ده هو الفيلم الرمزي الوحيد في تاريخ السينما المصرية..."
سألت بعدها النجم أحمد زكي شريك سعاد حسني في بطولة الفيلم عن رأيه في الفيلم وظروف صنعه وأسباب تعثره والرسالة التي يحب أن يوجهها إلى سعاد حسني بخصوصه فقال:
"أعتقد إن الفيلم ده هو الفيلم الرمزي الوحيد في تاريخ السينما المصرية، ومعمول بحرفية سينمائية من ماهر عواد ومن أخطر الأعمال اللي فيها تقنية لشريف عرفة، وأنا كممثل عايز أي حد يتفرج يحلل دور سرور اللي أنا عملته لإنه دور مجهد جدا عن واحد على نياته في المدينة مش في الريف، وده شيء في غاية الصعوبة، وكمان دور سعاد حسني اللي أدت دور ست على نياتها بشكل مبهر. الفيلم ده عشان تستمتع بيه لازم تفكر فيه، وأنا من صناعه لكني عملت جهد عشان أفهمه ولما فهمته بعد ما قريته لقيتني مبسوط بيه ومتحمس ليه، لإن فيه مغزى سياسي خطير، لكن الناس عايزة الشكل الجاهز، هتقدم كورة يعني تقدم كورة زي اللي بنشوفها في التلفزيون، ومجلس إدارة زي اللي بنقرا عن أخباره في الجرايد.
اللي خوِّف الناس من الفيلم إنها كانت بتتفرج كل يوم على ماتشات في الدوري والكاس، ولما شافت فيلم عن الكورة كانت عايزة تشوف كورة، الناس ما عندهاش وقت لفك الرموز، ويبدو إن استخدام الكورة في الفيلم كرمز كان خطأ بسبب هوس الكورة في العالم كله، أنا توقعت إن الفيلم ما يوصلش للناس كلها وقلت للمنتج والمؤلف والمخرج إن الناس عند الكورة بتنسى عقلها ولازم نديهم الدوا معاه شوية سُكّر ونحط أغاني في الفيلم على لسان سعاد عن الكورة عشان يستمتعوا، لكن الظروف منعت من استكمال الأغاني اللي كانت هتعمل شوية بهجة للفيلم.
مع الأسف نِزِل الدوا زي ما هوّ، والناس ما تقبلتوش، لكن أنا رأيي إن الفيلم رائع والربع ساعة الأولى من الفيلم اللي عملها شريف يستحق فيها الأوسكار، أنا وسعاد كنا حابين الفيلم جدا، لكن مش عارف إيه اللي حصل، وعموما أنا باقول لسعاد حسني: يا سعاد يا ما عملتي أفلام كسبت ومنتجين كسبوا على إيديكي، وما تبصيش لإيرادات الشباك ولا الباب، وانتي فنانة عظيمة وقدمتي فن عظيم وهذا هو المهم".
"اللي خوِّف الناس من الفيلم إنها كانت بتتفرج كل يوم على ماتشات في الدوري والكاس، ولما شافت فيلم عن الكورة كانت عايزة تشوف كورة، الناس ما عندهاش وقت لفك الرموز" - أحمد زكي
بعد نشر عدد (الكواكب) الخاص عن سعاد حسني، تلقيت الكثير من التهاني والتبريكات على شغلي فيه، كنت فخوراً بما قدمته، لكنني كنت حزيناً لأن حواراتي مع شركاء سعاد في بطولة الأفلام لم تُنشر لضيق المساحة، ولأنني لم أستطع الوصول إلى ماهر عواد، وتبدد حزني حين قال لي الصديق العزيز المخرج وحيد مخيمر ـ صديق ماهر وزميل دفعته في معهد السينما والذي كنت قد تعرفت عليه وسعدت بزمالته خلال عملي في راديو وتلفزيون العرب ARTـ إن ماهر عواد سعيد بالعدد وبما كتبته عن فيلم (الدرجة الثالثة)، فبدا لي حينها أنني سأكون أشطر من غيري وسأستطيع أخيراً الوصول إلى ماهر عواد.
...
نكمل الأسبوع القادم بإذن الله.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 23 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...